المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[59] * سنة الجمعة القبلية: - القول المبين في أخطاء المصلين

[مشهور آل سلمان]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الفصل الأولجماع أخطاء المصلّين في ثيابهم وستر عوراتهم في الصلاة

- ‌ تمهيد:

- ‌[1] * الصّلاة في الثّياب الحازقة التي تصف العورة:

- ‌[2] * الصلاة في الثيّاب الرقيقة الشّفافة:

- ‌[3] * الصّلاة والعورة مكشوفة: يقع في الخطأ، الأصناف التّالية من النّاس:

- ‌[4] * صلاة مُسْبِل الإزار:

- ‌[5] * سدل الثوب والتلثّم في الصّلاة:

- ‌[6] * كفّ الثّوب في الصّلاة ((تشميره)) :

- ‌[7] * صلاة مكشوف العاتقين

- ‌[8] * الصَّلاة في الثّوب الذي عليه صورة:

- ‌[9] * الصَّلاة في الثَّوب المعَصْفَر:

- ‌[10] * صلاة مكشوف الرأس:

- ‌الفصل الثانيجماع أخطاء المصلّين في أماكن صلاتهم

- ‌[11] * السجود على تربة كربلاء، واتخاذ قرص منها للسجود عليه عند الصّلاة، واعتقاد الأجر والفضل في ذلك:

- ‌[12] * الصلاة إلى أماكن فيها صور، أو على سجّادةٍ فيها صور ونقوش، أو في مكان فيه صور:

- ‌[13] * الصّلاة على القبور وإليها:

- ‌[14] * تخصيص مكان للصّلاة في المسجد:

- ‌[15] * أخطاء المصلّين في السترة:

- ‌[16] * الانحراف عن القبلة:

- ‌الفصل الثالثجماع أخطاء المصلّين في صفة صلاتهم

- ‌[17] * الجهر بالنيّة والقول بوجوب مقارنتها مع تكبيرة الإحرام:

- ‌[18] * عدم تحريك اللسان في التكبير وقراءة القرآن وسائر أذكار الصّلاة:

- ‌[19] * جملة من أخطائهم في القيام:

- ‌[20] * جملة من أخطائهم في الرّكوع والقيام منه:

- ‌[21] * جملة من أخطائهم في السجود:

- ‌[22] * جملة من أخطائهم في الجلوس والتّشهد والتسليم:

- ‌الفصل الرابعجماع أخطاء المصلّين في المسجد وصلاة الجماعة

- ‌[23] * جملة من أخطاء المؤذّنين، ومستمعي الأذان:

- ‌[24] * الإسراع في المشي إلى المسجد وتشبيك الأصابع فيه:

- ‌[25] * الخروج من المسجد عند الأذان:

- ‌[26] * دخول الرّجلين المسجد، وتقام الصّلاة، ويحرم الإمام، وهما في مؤخره يتحدّثان:

- ‌[27] * ترك تحية المسجد والسترة لها وللسنّة القبليّة:

- ‌[28] * قراءة سورة الإخلاص قبل إقامة الصّلاة:

- ‌[29] * صلاة النّافلة إذا أُقيمت الصّلاة:

- ‌[30] * التنفل بعد صلاة الفجر، بصلاةٍ لا سبب لها، سوى ركعتي الصّبح:

- ‌[31] * أكل الثوم والبصل وما يؤذي المصلّين قبل الحضور للجماعة:

- ‌[32] * أخطاء مقيمي الصّلاة ومستمعيها:

- ‌[33] * عدم إتمام الصفوف وترك التّراص وسدّ الفُرَج فيها:

- ‌[34] * ترك الصّلاة في الصّف الأوّل ووقوف غير أولي النّهي خلف الإمام فيه:

- ‌[35] * الصّلاة في الصفوف المقطّعة:

- ‌[36] * الوقوف الطّويل، والدّعاء قبل تكبيرة الإحرام، والهمهمة بكلمات لا أصل لها:

- ‌[37] * غلط في النطق بـ ((الله أكبر)) في تكبيرة الإحرام وتكبيرات الانتقال:

- ‌[38] * غلط الأئمة في الجهر والإسرار بالبسملة:

- ‌[39] * غلط في كيفية قراءة الفاتحة:

- ‌[40] * دعاء المأمومين أثناء قراءة الإمام الفاتحة وعند الانتهاء منها، والتنبيه على أغلاط في التأمين وأثناء قراءة الإمام وفيها:

- ‌[41] * مسابقة الإمام ومساواته بأفعال الصّلاة:

- ‌[42] * تكبير المسبوق للإحرام وهو نازل إلى الركوع:

- ‌[43] * انشغال المسبوق بدعاء الاستفتاح، وتأخره عن اللحوق بصلاة الجماعة:

- ‌[44] * ثواب الصّلاة في بيت المقدس:

- ‌[45] * صلاة الجماعة في غير المساجد:

- ‌[46] * صلاة الجماعة الثانية، وتعدد الجماعات في المسجد الواحد، والأنفة عن الصلاة خلف المخالف في المذاهب:

- ‌[47] * التشديد في التخلّف عن الجماعة:

- ‌الفصل الخامسجماع أخطاء المصلّين بعد الصلاة: جماعة كانت أم منفردة

- ‌[48] * أخطاء المصلّين في السّلام والمصافحة:

- ‌[49] * أخطاء المصلين في التّسبيح:

- ‌[50] * السجود للدّعاء بعد الفراغ من الصّلاة:

- ‌[51] * السّمر بعد صلاة العشاء:

- ‌[52] * التّسبيح والدّعاء الجماعي والتّشويش على المصلّين:

- ‌[53] * المرور بين يدي المصلِّين:

- ‌الفصل السادسجماع أخطاء المصلّين في صلاة الجمعة والتّشديد في حقّ مَنْ تركها

- ‌ تمهيد:

- ‌[54] * تخلّف آلاف من مشاهدي كرة القدم عن صلاة الجمعة:

- ‌[55] * تخلّف حرس الملوك والسّلاطين عن صلاة الجمعة، ووقوفهم على أبواب المسجد، حاملي السّلاح، حراسة عليهم:

- ‌[56] * تخلّف العروس (3) عن صلاة الجمعة والجماعة:

- ‌[57] * التخلّف عن صلاة الجمعة لتنزه:

- ‌[58] * جملة من الأخطاء تفوّت على أصحابها ثواب الجمعة:

- ‌[59] * سنّة الجمعة القبليّة:

- ‌[60] * أخطاء المصلّين في صلاة تحية المسجد يوم الجمعة:

- ‌[61] * جملة من أخطاء الخطباء:

- ‌[62] * أخطاء المصلّين في سنّة الجمعة البعديّة:

- ‌الفصل السّابعجماع أخطاء المصلّين في صلوات خاصّة وصلاة أهل الأعذار وأُمور أُخرى متفرّقة

- ‌[63] * أخطاء المصلّين في صلاة الاستخارة:

- ‌[64] * أخطاء المصلّين في صلاة العيدين:

- ‌[65] * أخطاء المصلّين في الجمع بين الصّلاتين في الحضر:

- ‌[66] * أخطاء المصلّين في صلاتهم في السّفر:

- ‌[67] * نفي بعضهم مشروعة صلاة الخوف وصلاة الضحى وسجود الشكر وترك صلاة الكسوف:

- ‌[68] * التّنبيه على صلوات خاصّة موضوعة، وعلى أحاديث مشتهرة غير صحيحة في الصّلاة:

- ‌[69] خاتمة:

الفصل: ‌[59] * سنة الجمعة القبلية:

الناس فيه، فيكون باقي الصلوات كالجمعة، في عدم جواز التخطي، وهذا هو الظاهر، لوجود العلّة، وهي الإيذاء، بل يجري ذلك في مجالس العلم وغيرها.

قال الحافظ ابن حجر: ((وقد استثني من كراهة التخطي، ما إذا كان في الصفوف الأولى فرجة، فأراد الداخلُ سدّها، فيغتفر له، لتقصيرهم)) (5) .

وقد وقع التصريح في حبوط ثواب الجمعة للمتخطي في حديث ابن عمرو رضي الله عنهما مرفوعاً: ((من لغا أو تخطى كانت له ظهراً)) (6) .

قال ابن وهب ـ أحد رواته ـ: معناه: أجزأت عنه الصلاة، وحرم فضيلة الجمعة (1) .

[59] * سنّة الجمعة القبليّة:

كان صلى الله عليه وسلم يخرج من بيته يوم الجمعة، فيصعد منبره، ثم يؤذّن المؤذّن، فإذا فرغ أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته (2) .

ولو كان للجمعة سنّة قبلها، لأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان، بصلاة السنّة،

ص: 351

وفعلها هو صلى الله عليه وسلم. ولم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم غير الأذان بين يدي الخطيب.

قال الشافعي: ((وأحب أن يؤذّن مؤذّن واحد، إذا كان على المنبر، لا جماعة مؤذنين)) ثم ذكر عن السائب بن يزيد: أن الأذان كان أوّله للجمعة حين يجلس الإمام على المنبر، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فلما كانت خلافة عثمان، وكثر الناس، أمر عثمان بأذان ثان، فأذّن به، فثبت الأمر على ذلك.

وعلّق عليه بقوله: ((وقد كان عطاء ينكر أن يكون عثمان أحدثه، ويقول: أحدثه معاوية. وأيّهما كان، فالأمر الذي على عهد رسول صلى الله عليه وسلم أحبّ إليّ)) (3) .

ومن الجدير بالذّكر أن الأذان الذي أحدثه عثمان رضي الله عنه كان على الزَّوْراء، وهي دار في السوق، ووقع التصريح بالسبب في يعض روايات حديث السائب، ففي بعضها:((فلما كان خلافة عثمان، وكثر الناس، وتباعدت المنازل،. . .)) (4) .

وفي بعضها: ((ليعلم الناس أن الجمعة قد حضرت)) (5) .

ص: 352

ونقل القرطبي عن الماوردي في هذا الأذان: ((فعله عثمان، ليتأهب الناس لحضور الخطبة، عند اتّساع المدينة، وكثرة أهلها)) (6) .

وهذا السبب لا يكاد يتحقق في عصرنا هذا إلا نادراً، وذلك في مثل بلدة كبيرة تغص الناس على رحبها، كما كان في الحال في المدينة المنورة (1) ، ليس فيها إلا مسجد واحد يجمع الناس فيه، وقد بعدت منازلهم عنه لكثرتهم، فلا يبلغهم صوت المؤذّن، الذي يؤذّن على باب المسجد. وأما بلدة فيها جوامع كثيرة، لا يكاد المرء يمشي فيها خطوات حتى يسمع الأذان للجمعة من على المنارات، وقد وضع عليها الآلات المكبّرة للأصوات، فحصل بذلك المقصود الذي من أجله زاد عثمان الأذان، ألا وهو إعلام الناس.

وإذا كان الأمر كذلك، فالأخذ حينئذ بأذان عثمان من قبيل تحصيل الحاصل، وهذا لا يجوز، لا سيما في مثل هذا الموضع الذي فيه التزيّد على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم دون سبب مبرر، وكأنه لذلك كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو بالكوفة، يقتصر على السنّة، ولا يأخذ بزيادة عثمان، كما قال القرطبي في ((تفسيره)) (2) .

والخلاصة:

ص: 353

أننا نرى أن يكتفي بالأذان المحمّدي، وأن يكون عند خروج الإمام، وصعوده على المنبر، لزوال السبب المبرر لزيادة عثمان، واتّباعاً لسنّة النبي صلى الله عليه وسلم (3) .

إذا تقرر لك هذا، وعلمت أنّ أذان عثمان لم يكن في المسجد، وإنما نقله هشام بن عبد الملك إلى المشرفة، ومن ثم بين يديه، وتبعه على ذلك مَنْ بعده مِنْ الخلفاء إلى زماننا هذا ـ كما بسطه الشاطبي وغيره (4) ـ تبيّن لك بوضوحٍ أنه لا مكان لسنّة الجمعة القبليّة، اللهم إلا أن يُقال: إن الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ كانوا يصلونها

، عندما يشرع النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة!! ولو فعلوا لنُقل إلينا.

فإن قُلْتَ: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الدّاخل إلى المسجد، وهو يخطب، أن يصلي ركعتين.

قُلتُ: هما تحية المسجد،لأنه لم يأتِ بهما، فقال له:((قم، فَصَلّ ركعتين)) (1) .

ووقع في ((سنن ابن ماجه)) (2) من حديث أبي هريرة وجابر قالا: جاء سُلَيْك الغَطَفَانيّ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أصلّيت ركعتين، قبل أن تجيء؟ قال: لا. قال فَصَلَّ ركعتين وتجوّز فيهما.

ص: 354

قال أبو شامة: ((قال بعض مَنْ صنّف في عصرنا: قوله: ((قبل أن تجيء)) يدلّ على أن هاتين الرّكعتين، سنة للجمعة قبلها، وليستا تحية للمسجد (3) .

كأنه توهم أن معنى قوله: ((قبل أن تجيء)) قبل أن تدخل المسجد، أنه صلاحهما في بيته، وليس الأمر كذلك، فقد أخرج هذا الحديث في ((الصحيحين)) (4) وغيرهما (5) ، وليس في واحد منها هذا اللفظ، وهو قوله:((قبل أن تجيء)) .

وفي ((صحيح البخاري)) عن جابر قال: جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس، يوم الجمعة، فقال: صلَّيت يا فلان؟ قال: لا.

ص: 355

قال: قُمْ، فاركع (6) .

وفي ((صحيح مسلم)) عن جابر قال: جاء سُلَيْكٌ الغَطَفَانيّ يوم الجمعة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدٌ على المنبر، فقعد سليك قبل أن يصلّي، فقال له:((يا سليك! قُمْ فاركع ركعتين، وتجوَّز فيهما)) (7) .

فقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((قم)) دليل على أنه لم يشعر به، إلا وهو قد تهيّأ للجلوس، فجلس قبل أن يصلي، فكلمه حينئذ، وأمره بالقيام، وجوّز أن يكون صلّى الركعتين عند أوّل دخوله إلى المسجد، قريباً من الباب، ثم اقترب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليسمع الخطبة، فسأله:((أصلّيت)) قال: لا.

فقوله ـ فيما أخرجه ابن ماجه ـ ((قبل أن تجيء)) يحتمل أن تكون معناه: قبل أن تقترب مني، لسماع الخطبة، وليس المراد: قبل أن تدخل المسجد، فإن صلاته قبل دخول المسجد غير مشروعة، فكيف يسأل عنها!! وذلك أن المأمور به، بعد دخول وقت الجمعة، إنما هو السعي إلى مكان الصّلاة فلا يشتغل بغير ذلك، وقبل دخول الوقت، لا يصح فعل السنّة، على تقدير أن تكون مشروعة)) (1) .

ص: 356

ويؤيّد صحة الكلام السابق:

أولاً: قال الحافظ المزي في لفظة ابن ماجه ((قبل أن تجيء)) : ((هذا تصحيف من الرواة. إنما هو ((أصليت قبل أن تجلس)) فغلط فيها الناسخ)) وقال أيضاً: ((و ((كتاب ابن ماجه)) إنما تداولته الشيوخ، لم يعتنوا به، بخلاف صحيحي البخاري ومسلم، فإن الحفّاظ تداولوهما، واعتنوا بضبتهما وتصحيحهما)) قال:((ولذلك وقع فيه أغلاط وتصحيف)) (2) .

ثانياً: أن الذي اعتنوا بضبط سنن قبلها وبعدها، وصنّفوا في ذلك من أهل الأحكام والسنن وغيرها، لم يذكر واحد منهم هذا الحديث في سنّة الجمعة قبلها، وإنما ذكروه في استحباب فعل تحيّة المسجد، والإمام على المنبر، واحتجّوا به على مَنْ منع مِنْ فعلها في هذه الحال، فلو كانت في سنّة الجمعة، لكان ذكرُها هناك، والترجمةُ عليها، وحفظها، وشهرتها، أولى من تحية المسجد (3) .

ثالثاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر يهاتين الركعتين، إلا الداخل، لأجل أنها تحية المسجد، ولو كانت سنة الجمعة، لأمر بها القاعدين أيضاً، ولم يخص بها الدّاخل وحده (1) .

فإن قُلْتَ: لعله صلى الله عليه وسلم صلّى السنّة في بيته، بعد زوال الشمس، ثم خرج؟ قلتُ لو جرى ذلك لنقله أزواجه رضي الله عنهن كما نَقَلْنَ سائر صلواته في بيته، ليلاً ونهاراً، وكيفية تهجّده، وقيامه بالليل، وحيث لم يصح شيء من ذلك،

ص: 357

والأصل عدمه، دلّ على أنه لم يقع، وأنه غير مشروع.

وأما الحديث الذي رواه أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن ياسر في ((حديث أبي القاسم

علي بن يعقوب)) : (108) عن إسحاق بن إدريس ثنا أبان ثنا عاصم الأحوال عن نافع عن عائشة مرفوعاً بلفظ: ((كان يصلّي قبل الجمعة، ركعتين في أهله)) .

فهو باطل موضوع، وآفته إسحاق هذا، وهو الأسواري البصري، قال ابن معين:((كذّاب يضع)) (2) .

وتفرّد هذا الكذّاب، برواية هذا الحديث من الأدلة الظّاهرة على ما قلناه.

فإن قُلْتَ: إن الجمعة ظهرٌ مقصورة، فلها سنة قبلها، مثلها.

قُلتُ: هذا الكلام بمعزلٍ عن التحقيق من وجوه:

الأول: لا يجوز القياس في شرعية الصّلوات (3) .

الثاني: أن السنة ما كان ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعلٍ، أو سنّة خلفائه الراشدين، وليس في مسألتنا شيء من ذلك (4) ، ولا يجوز إثباتُ السنن في مثل

ص: 358

هذا بالقياس، لأن هذا مما انعقد سببُ فعله في عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فإذ لم يفعله، ولم يشرعه، كان تركه هو السنة.

الثّالث: أن الجمعة صلاةٌ مستقلّة، تخالف الظّهر في الجهر والعدد والخطبة، والشروط المعتبرة لها، وتوافقها في الوقت، وليس إلحاق مسألة بموارد الاتفاق أولى من إلحاقها بموارد الافتراق، بل إلحاقها بموارد الافتراق أولى،لأنها أكثر مما اتّفقا فيه (1) .

الرابع: أخرج البخاري في ((صحيحه)) عن ابن عمر قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم سجدتين قبل الظهر وسجدتين بعد الظهر، وسجدتين بعد المغرب، وسجدتين بعد العشاء، وسجدتين بعد الجمعة (2) .

وهذا دليل على أن الجمعة عندهم غير الظهر، وإلا ما كان يحتاج إلى ذكرها لدخولها تحت اسم الظهر، ثم لم يذكر لها سنة إلا بعدها، فدلّ هذا على أنه لا سنّة قبلها (3) .

الخامس: هب أن الجمعة ظهر مقصورة، فالنبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن يصلى في سفره سنة للظهر المقصورة، لا قبلها ولا بعدها، وإنما كان يصليها إذا أتم الظهر،

ص: 359

فصلى أربعاً، فإذا كانت سنته التي قبلها في الظهر المقصود، خلاف التامة؛ كان ما ذكروه حجة عليهم لا لهم، وكان السبب المقتضي لحذف بعض الفريضة، أولى بحذف السنة الراتبة، كما قال

بعض الصحابة: لو كنت متطوعاً لأتممت الفريضة (4) .

فإن قُلت: فما معنى قول البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ في ((صحيحه)) : باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها:

حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلّي قبل الظهر ركعتين، وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ركعتين في بيته،

وبعد العشاء ركعتين وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف، فيصلّي ركعتين (1) ؟

قُلتُ: مراده من هذه الترجمة: أنه هل ورد قبلها وبعدها شيء، ثم ذكر هذا الحديث، أي: أنه لم يرد إلا بعدها، ولم يرد قبلها شيء، والدليل على أن هذا مراده: أنه قال في ((كتاب العيد)) : باب الصّلاة قبل العيد وبعدها (2) .

فترجم البخاري للعيد. مثل ما ترجم للجمعة، ولم يذكر للعيد إلا حديثاً دالاً على أنه لا تشرع الصّلاة قبلها وبعدها، فدلّ ذلك على أن مراده من الجمعة ما ذكرناه (3) .

((ولهذا كان جماهير الأئمة، متّفقين على أنه ليس قبل الجمعة سنة موقتة بوقت، مقدّرة بعدد، لأن ذلك إنما يثبت بقول النبي صلى الله عليه وسلم أو فعله، وهو لم يسن في

ص: 360

ذلك شيئاً، لا بقوله ولا بفعله، وهذا مذهب مالك والشافعي وأكثر أصحابه، وهو المشهور في مذهب أحمد)) (4) .

وقال العراقي: ((ولم أر للائمة الثلاثة ندب سنة قبلها)) .

وعلّق عليه المحدّث الألباني بقوله: ولذلك لم يرد لهذه السنّة المزعومة ذكر في ((كتاب الأم)) للإِمام الشافعي، ولا في ((المسائل)) للإِمام أحمد، ولا عند غيرهم من الأئمة المتقدّمين فيما علمت.

ولهذا فإني أقول: إن الذين يصلّون هذه السنّة، لا صلى الله عليه وسلم الرسول اتّبعوا، ولا الأئمة قلّدوا، بل قلدوا المتأخرين، الذين هم مثلهم في كونهم مقلّدين غير مجتهدين، فاعجب لمقلّد يقلّد مقلّداً (5) .

مما تقدّم: تبيّن لك خطأ من يصلّون بين الأذانين يوم الجمعة، ركعتين أو أربعاً، ونحو ذلك، معتقدين أن ذلك سنّة للجمعة قبلها، كما يصلّون السنّة قبل الظهر، ويصرّحون في نيّتهم، بأنها سنّة الجمعة!! لأن النصوص صريحة في أنّ الحقّ أن الجمعة لا سنة قبليّة لها، وليس بعد الحقّ إلا الضَّلال، نسأله تعالى أن يهدينا

ص: 361