المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[61] * جملة من أخطاء الخطباء: - القول المبين في أخطاء المصلين

[مشهور آل سلمان]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الفصل الأولجماع أخطاء المصلّين في ثيابهم وستر عوراتهم في الصلاة

- ‌ تمهيد:

- ‌[1] * الصّلاة في الثّياب الحازقة التي تصف العورة:

- ‌[2] * الصلاة في الثيّاب الرقيقة الشّفافة:

- ‌[3] * الصّلاة والعورة مكشوفة: يقع في الخطأ، الأصناف التّالية من النّاس:

- ‌[4] * صلاة مُسْبِل الإزار:

- ‌[5] * سدل الثوب والتلثّم في الصّلاة:

- ‌[6] * كفّ الثّوب في الصّلاة ((تشميره)) :

- ‌[7] * صلاة مكشوف العاتقين

- ‌[8] * الصَّلاة في الثّوب الذي عليه صورة:

- ‌[9] * الصَّلاة في الثَّوب المعَصْفَر:

- ‌[10] * صلاة مكشوف الرأس:

- ‌الفصل الثانيجماع أخطاء المصلّين في أماكن صلاتهم

- ‌[11] * السجود على تربة كربلاء، واتخاذ قرص منها للسجود عليه عند الصّلاة، واعتقاد الأجر والفضل في ذلك:

- ‌[12] * الصلاة إلى أماكن فيها صور، أو على سجّادةٍ فيها صور ونقوش، أو في مكان فيه صور:

- ‌[13] * الصّلاة على القبور وإليها:

- ‌[14] * تخصيص مكان للصّلاة في المسجد:

- ‌[15] * أخطاء المصلّين في السترة:

- ‌[16] * الانحراف عن القبلة:

- ‌الفصل الثالثجماع أخطاء المصلّين في صفة صلاتهم

- ‌[17] * الجهر بالنيّة والقول بوجوب مقارنتها مع تكبيرة الإحرام:

- ‌[18] * عدم تحريك اللسان في التكبير وقراءة القرآن وسائر أذكار الصّلاة:

- ‌[19] * جملة من أخطائهم في القيام:

- ‌[20] * جملة من أخطائهم في الرّكوع والقيام منه:

- ‌[21] * جملة من أخطائهم في السجود:

- ‌[22] * جملة من أخطائهم في الجلوس والتّشهد والتسليم:

- ‌الفصل الرابعجماع أخطاء المصلّين في المسجد وصلاة الجماعة

- ‌[23] * جملة من أخطاء المؤذّنين، ومستمعي الأذان:

- ‌[24] * الإسراع في المشي إلى المسجد وتشبيك الأصابع فيه:

- ‌[25] * الخروج من المسجد عند الأذان:

- ‌[26] * دخول الرّجلين المسجد، وتقام الصّلاة، ويحرم الإمام، وهما في مؤخره يتحدّثان:

- ‌[27] * ترك تحية المسجد والسترة لها وللسنّة القبليّة:

- ‌[28] * قراءة سورة الإخلاص قبل إقامة الصّلاة:

- ‌[29] * صلاة النّافلة إذا أُقيمت الصّلاة:

- ‌[30] * التنفل بعد صلاة الفجر، بصلاةٍ لا سبب لها، سوى ركعتي الصّبح:

- ‌[31] * أكل الثوم والبصل وما يؤذي المصلّين قبل الحضور للجماعة:

- ‌[32] * أخطاء مقيمي الصّلاة ومستمعيها:

- ‌[33] * عدم إتمام الصفوف وترك التّراص وسدّ الفُرَج فيها:

- ‌[34] * ترك الصّلاة في الصّف الأوّل ووقوف غير أولي النّهي خلف الإمام فيه:

- ‌[35] * الصّلاة في الصفوف المقطّعة:

- ‌[36] * الوقوف الطّويل، والدّعاء قبل تكبيرة الإحرام، والهمهمة بكلمات لا أصل لها:

- ‌[37] * غلط في النطق بـ ((الله أكبر)) في تكبيرة الإحرام وتكبيرات الانتقال:

- ‌[38] * غلط الأئمة في الجهر والإسرار بالبسملة:

- ‌[39] * غلط في كيفية قراءة الفاتحة:

- ‌[40] * دعاء المأمومين أثناء قراءة الإمام الفاتحة وعند الانتهاء منها، والتنبيه على أغلاط في التأمين وأثناء قراءة الإمام وفيها:

- ‌[41] * مسابقة الإمام ومساواته بأفعال الصّلاة:

- ‌[42] * تكبير المسبوق للإحرام وهو نازل إلى الركوع:

- ‌[43] * انشغال المسبوق بدعاء الاستفتاح، وتأخره عن اللحوق بصلاة الجماعة:

- ‌[44] * ثواب الصّلاة في بيت المقدس:

- ‌[45] * صلاة الجماعة في غير المساجد:

- ‌[46] * صلاة الجماعة الثانية، وتعدد الجماعات في المسجد الواحد، والأنفة عن الصلاة خلف المخالف في المذاهب:

- ‌[47] * التشديد في التخلّف عن الجماعة:

- ‌الفصل الخامسجماع أخطاء المصلّين بعد الصلاة: جماعة كانت أم منفردة

- ‌[48] * أخطاء المصلّين في السّلام والمصافحة:

- ‌[49] * أخطاء المصلين في التّسبيح:

- ‌[50] * السجود للدّعاء بعد الفراغ من الصّلاة:

- ‌[51] * السّمر بعد صلاة العشاء:

- ‌[52] * التّسبيح والدّعاء الجماعي والتّشويش على المصلّين:

- ‌[53] * المرور بين يدي المصلِّين:

- ‌الفصل السادسجماع أخطاء المصلّين في صلاة الجمعة والتّشديد في حقّ مَنْ تركها

- ‌ تمهيد:

- ‌[54] * تخلّف آلاف من مشاهدي كرة القدم عن صلاة الجمعة:

- ‌[55] * تخلّف حرس الملوك والسّلاطين عن صلاة الجمعة، ووقوفهم على أبواب المسجد، حاملي السّلاح، حراسة عليهم:

- ‌[56] * تخلّف العروس (3) عن صلاة الجمعة والجماعة:

- ‌[57] * التخلّف عن صلاة الجمعة لتنزه:

- ‌[58] * جملة من الأخطاء تفوّت على أصحابها ثواب الجمعة:

- ‌[59] * سنّة الجمعة القبليّة:

- ‌[60] * أخطاء المصلّين في صلاة تحية المسجد يوم الجمعة:

- ‌[61] * جملة من أخطاء الخطباء:

- ‌[62] * أخطاء المصلّين في سنّة الجمعة البعديّة:

- ‌الفصل السّابعجماع أخطاء المصلّين في صلوات خاصّة وصلاة أهل الأعذار وأُمور أُخرى متفرّقة

- ‌[63] * أخطاء المصلّين في صلاة الاستخارة:

- ‌[64] * أخطاء المصلّين في صلاة العيدين:

- ‌[65] * أخطاء المصلّين في الجمع بين الصّلاتين في الحضر:

- ‌[66] * أخطاء المصلّين في صلاتهم في السّفر:

- ‌[67] * نفي بعضهم مشروعة صلاة الخوف وصلاة الضحى وسجود الشكر وترك صلاة الكسوف:

- ‌[68] * التّنبيه على صلوات خاصّة موضوعة، وعلى أحاديث مشتهرة غير صحيحة في الصّلاة:

- ‌[69] خاتمة:

الفصل: ‌[61] * جملة من أخطاء الخطباء:

الدليل الصّارف للأمر بإجابة المؤذّن عن الوجوب؟ فأجبتُ بهذا، والله أعلم)) (4) .

[5/60] نعم، حكى النووي عن المحققين: أن المختار إن لم يصلّ تحية المسجد، أن يقف حتى تقام الصّلاة، لئلا يكون جالساً بغير تحية، أو متنفّلاً حال إقامة الصّلاة (5) .

ولكن هذا في غير الحالة السّابقة، اذ جاء الأثر على الأمر به كما هو ظاهرٌ بيِّن. نعم لو دخل المسجد، ووجد الخطيب قد انتهى من خطبته، فله الانتظار، حتى لا يكون متنفّلاً حال الإِقامة، والله أعلم.

[61] * جملة من أخطاء الخطباء:

* تمهيد:

[1/61] ينبغي أن يكون الخطيب:

أولاً: عالماً بالعقائد الصحيحة، حتى لا يزيغ، ولا يضل الناس بسوء عقيدته.

ثانياً: عالماً بما تصح به الصّلاة، مُلمّاً بأحكام الفقه، ليتمكّن من إجابة مَنْ يسأله عن بيّنةٍ، ويرشده بنور الشريعة، إلى الصراط المستقيم، ولا يخبط خبط عشواء في أمور الدّين، كما يفعل كثير من خطباء هذا الزّمان.

ثالثاً: مُلمّاً باللغة العربية، خصوصاً علم الإِنشاء، ليقتدر على تأليف كلامٍ بليغٍ، ينير به أفئدة السّامعين، وأن يكون نبيهاً، لا تغرب عنه شاردةٌ ولا واردةٌ، لَسِناً فصيحاً، معبراً عما يخطر بباله من المعاني والأسرار.

رابعاً: مراعياً أحوال النّاس، بتحذيرهم مما هم فيه، من البدع

ص: 366

والمخالفات (1) .

خامساً: صالحاً ورعاً مهيباً قنوعاً، غير مجاهر بمعصية، ولا مرتكباً مخالفة، عاملاً بما يقول، حتى تهابه القلوب، وتعظّمه النّفوس، وحتى يكون لكلامه تأثير فيها، ويجد له سميعاً، يعي ما يُقال، ويعمل بما يسمع، لأن ذلك أدعى إلى قبول موعظته، والعمل بها (2) .

قال الأسود الدؤلي:

يا أيها الرجل المعلِّم غيره هلا لنفسك كان ذا التّعليم

تصف الدّواء لذي السقام وذي العنا كيما يصح به وأنت سقيم

ونراك تصلح بالرّشاد عقولنا أبداً وأنت من الرشاد عديم

ابدأ بنفسك فانهها عن غيّها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

وهناك يقبل ما تقول ويشتفى بالقول منك وينفع التعليم

لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم

ولخطبة الجمعة أهمية كبرى، لذا فقد أُلزم المصلون الإنصات لها، ومن لم ينصت فلا جمعة له، وأمر الله المسلمين في وقتها أن يدعوا كل عمل سواها، بل حرم في وقتها البيع والشراء وكل المعاملات

!!

فهل يصلح لخطبة هذا شأنها، ومنبر هذه مكانته، أن يتولاها من لا يحسن شيئاً، يتولاها من يردد كلاماً مُمِلاًّ لغيره، لا يعالج مشاكل المصلّين،

ص: 367

ويعيد خطباً قيلت مرات، والقيت في مجتمعات غير مجتمعه، ويتطرق إلى مشاكل غير واردة، ويطيل في غير ما يهمّ، ويحوم حول الحمى ولا يكاد ينطق بالحق الذي أمرنا الله سبحانه أن نعلي صوته ولو على أنفسنا

إنني لا أزعم أن ساحة المسجد خلت من الخير كله، وأن الخطب المنبرية اندثرت، ولا يوجد خطباء، بل أقول: أن الخير كثير، ولا تخلو منه الجماعة الإسلامية، ولكنني أريد أن أشير إلى النقص، لئلا يزداد، وتعمّ مصيبته، ويسود سلطانه (1) .

[2/61] وقد صارت الخطبة في أكثر البلاد الإسلاميّة، رسوماً تقليديّة، ووظيفة رسميّة، تؤدّى بعبارة، تحفظ من ورقة، فتلقى على المنبر، ككنس المسجد، يقوم بها أيُّ رجلٍ!! وفي نظر طلاّبها، حرفة، ينال بها الرّزق!! ونسوا ـ أو تناسوا ـ أن مقامها هو مقام النبي صلى الله عليه وسلم، ومقام خلفائه ونوّابهم، وقد أُهين هذا المقام في هذا العصر، فصار يعهد به كثيراً إلى أجهل النّاس، وأقلّهم احتراماً في نفوس العوام فضلاً عن طلبة العلم وأهله.

فهؤلاء الخطباء، شرّ فتنة، وذنوبهم لا تحصى، إلا إذا أمكن إحصاء تأثير خطبهم الضّارّ في الأُمّة !! وأنّى يحصى، وهو من الأمور المعنويّة التي لا تعرف بالعدّ والحساب!!

ومن سيّئات هؤلاء الخطباء، وآفاتهم في الأُمّة: أنْ كانوا علّةً من عِلَلِ فقرها وضعفها، في دينها ودنياها، وضياع ممالكها من أيديها، فهم أضرَ على المسلمين من الأعداء المحاربين، ومن دعاة الضّلال الكافرين، ومثلهم كمثل الطبيب الجاهل، يقتل العليل، وليس هذا محلّ شرح سيّئاتهم بالتفصيل، ولكن لا بدّ من التنبيه إلى جملة من أخطاء

الخطباء، فنقول، وعلى الله سبحانه الاعتماد والتكلان، ومنه التّوفيق والسداد والإِحسان:

[3/61] * تطويل الخطبة وتقصير الصَّلاة:

ص: 368

عن عمار بن ياسر قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنّ طول صلاة الرّجل، وقصر خطبته، مَئِنَّةٌ (2) مِنْ فِقْهِهِ، فأطيلوا الصّلاة، واقْصُروا الخطبة، وإنَّ من البيان سحراً)) (3) .

وليس هذا الحديث مخالفاً للأحاديث المشهورة بتخفيف الصلاة، لقول جابر بن سَمُرة رضي الله عنه:((كنتُ أُصلّي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت صلاتُه قصداً، وخطبته قصداً)) (1) .

لأن المراد بالحديث الذي نحن فيه: أن الصلاة تكون طويلة بالنّسبة إلى الخطبة، لا تطويلاً يشق على المأمومين، وهي حينئذ قصد، أي معتدلة، والخطبة قصد، بالنّسبة إلى وضعها (2) .

وإنما كان قصر الخطبة علامة على فقه الخطيب، لأن الفقيه المطّلع على حقائق المعاني،

وجوامع الألفاظ، يتمكّن من التعبير بالعبارة الجزلة المفيدة، ولذلك كان من تمام رواية هذا الحديث:((فأطيلوا الصّلاة، واقصروا الخطبة، وإن من البيان لسحراً)) (3) .

وقد كان صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة بسورتي ((الجمعة)) و ((المنافقون)) تارة، وبـ ((سبح اسم ربك الأعلى)) و ((هل أتاك حديث الغاشية)) تارة أُخرى.

عن ابن أبي رافعٍ قال:

ص: 369

استخلف مروان أبا هريرة على المدينة، وخرج إلى مكّة، فصلّى لنا أبو هريرة الجمعة، فقرأ بعد سورة الجمعة في الرّكعة الآخرة: إذا جاءك المنافقون ـ وفي رواية: فقرأ بسورة الجمعة في السّجدة الأولى، وفي الآخرة: إذا جاءك المنافقون ـ قال: فأدركتُ أبا هريرة حين انصرف، فقلت له: إنك قرأت بسورتين، كان عليّ بن أبي طالب يقرأ بهما في الكوفة. فقال أبو هريرة: إني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما يوم الجمعة (4) .

وعن النعمان بن بشير قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين وفي الجمعة: بـ ((سبح اسم ربّك الأعلى)) و ((هل أتاك حديث الغاشية)) . قال وإذا اجتمع العيد والجمعة، في يومٍ واحدٍ، يقرأ بهما أيضاً في الصّلاتين (5) .

[4/61] * أخطاء الخطباء القوليّة:

ولا يستحب أن يقرأ من كلّ سورة بعضها، أو يقرأ إحداهما في الركعتين، فإنّه خلافُ

السنّة، وجُهَّال الأئمّة يُداومون على ذلك (1) .

تبيّن مما مضى: خطأ ما يفعله عوامّ الخطباء، من إطالتهم الخطبة، وتقصيرهم الصّلاة، ويا ليتهم يطيلون الخطبة في أمور تناسب هذا المقام العظيم، والارتقاء الكريم، فيأمرون فيه بالمعروف، وينهون فيه عن المنكر ويحذّرون من أحوال الموت، ويوم

ص: 370

المحشر، فإن هذا المقام جدير أن يزهّد فيه الناس بالدنيا، ويرغّب في الآخرة، ويكثر فيه المواعظ المتظاهرة، فهو أولى المقامات، باجتناب البدع وأحراها بإظهار السنن لمتّبعيها (2) .

قال العزّ بن عبد السلام: ((ولا ينبغي للخطيب أن يذكر في الخطبة إلا ما يوافق مقاصدها

في الثّناء والدّعاء، والترغيب والترهيب، بذكر الوعد والوعيد، وكل ما يحث على طاعة، أو يزجر عن معصية، وكذلك تلاوة القرآن، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بسورة (ق) في كثير من الأوقات (4) ، لاشتمالها على ذكر الله، والثّناء عليه، ثم على علمه بما

ص: 371

توسوس به النفوس، وبما تكتبه الملائكة على الإنسان من طاعة وعصيان، ثم تذكر الموت وسكراته ثم تذكر القيامة وأهوالها، والشهادة على الخلائق بأعمالها، ثم تذكر الجنة والنار، ثم تذكر النّشور والخروج من القبور، ثم بالوصيّة في الصلوات.

فما خرج عن هذه المقاصد فهو مُبتَدَع، ولا ينبغي أن يذكر فيها الخلفاء ولا الملوك ولا الأمراء (1) ، لأن هذا موطن مختصّ بالله ورسوله، بما يحث على طاعته، ويزجر عن معصيته {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (2) ، ولو حدث بالمسلمين حادثٌ، فلا بأس بالتحدّث فيما يتعلّق بذلك الحادث، مما حثّ الشّرع عليه، وندب إليه، كعدو يحضر، ويحثّ الخطيب على جهاده، والتأهّب للقائه.

كذلك ما يحدث من الجدب، الذي يستسقى لمثله، فيدعوا الخطيب بكشفه، وعلى الخطيب: اجتناب الألفاظ، التي لا يعرفها إلا الخواص، فإن المقصود نفع الحاضرين بالتّرغيب والترهيب، وهذا من البدع القبيحة، ونظير ذلك: أن يخطب للعرب بألفاظٍ أعجميّة، لا يفهمونها، والله أعلم)) (3) .

قال ابن القيم في هديه صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة:

ص: 372

((كان يعلّم أصحابه في خُطبته قواعد الإِسلام، وشرائعه، ويأمرهم، وينهاهم في خطبته، إذا عرض له أمر أو نهي)) (4) .

والحاصل: أن روح الخطبة: هو الموعظة الحسنة، من قرآن أو غيره، بأسلوب فيه بسط وإيضاح، بعيد عن الإِشارات والرُّموز، والسّجع المتكلّف.

والظّاهر من محافظته صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة على الأمر بتقوى الله، والتحذير من غضبه، والترغيب في موجبات رضاه، وقراءة القرآن، وجوب ذلك، لأن فعله صلى الله عليه وسلم بيان لما أجمل في آية الجمعة، وقد قال صلى الله عليه وسلم:((صلوا كما رأيتموني أُصلي)) وقد ذهب إلى هذا الشافعي.

وقال بعضهم: مواظبته صلى الله عليه وسلم دليل الوجوب، قال في ((البدر التّمام)) : وهو الأظهر، والله أعلم (1) ، ووصف جابر بن سمرة خطبة النبي صلى الله عليه وسلم، وما كان موضوعها ومحتواها، وأوجز، قال رضي الله عنه:((كانت لنبي صلى الله عليه وسلم خطبتان، يجلس بينهما، يقرأ القرآن، ويُذَكّرُ الناس)) (2) .

* ومن أخطاء الخطباء القوليّة:

* اشتغال الإمام بالدّعاء إذا صعد المنبر، مستقبل القبلة، قبل الإقبال على الناس والسلام عليهم (3) ، وكذا قيامه عند أسفل المنبر يدعو.

قال شيخ الإسلام: ((دعاء الإِمام بعد صعوده المنبر، لا أصل له)) (4) .

ص: 373

وقال النووي: يكره في الخطبة أُمور، ابتدعها الجهلة، منها:

والدّعاء إذا انتهى صعوده قبل أن يجلس)) (5) .

* ترك الخطيب السّلام على الناس إذا خرج عليهم (6) .

* إعراض الخطباء عن خطبة الحاجة ((إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره،..)) وعن قوله صلى الله عليه وسلم في خطبه: ((أما بعد، فإن خير الكلام كلام الله،

)) (7) .

* إعراضهم عن التذكير بسورة (ق) في خطبهم، مع مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليه، كما نبهنا إليه سابقاً.

* مواظبة الخطباء يوم الجمعة على قراءة حديث في آخر الخطبة دائماً، كحديث:((التّائب من الذّنب، كمن لا ذنب له)) (8) .

* تسليم بعض الخطباء في هذا العصر بعد الفراغ من الخطبة الأولى (9) .

* مبالغتهم في الإِسراع في الخطبة الثانية (1) .

* جعل الخطبة الثانية عارية من الوعظ والإِرشاد والتّذكير والترغيب، وتخصيصها بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدّعاء (2) .

* تكلّف الخطيب رفع الصّوت بالصّلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فوق المعتاد في باقي الخطبة.

قال أبو شامة:

ص: 374

((وهو على مخالفة الشّريعة، وموافق لمذهب العامّة في ذلك، فإنهم يرون إزعاج الأعضاء، يرفع الصّوت بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك جهل، فإن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، إنما هي دعاء له، وجميع الأدعية المأمور بها، السنّة فيها الإسرار، دون الجهر بها غالباً، وحيث سنّ الجهر في بعضها لمصلحة، كدعاء القنوت، لم يكن برفع الصّوت، فأما الصلاة على النبي - صلى

الله عليه وسلم - في الخطبة، فلها حكم جميع ألفاظ الخطبة، من الثناء على الله سبحانه وغيره. وكان النبي صلى الله عليه وسلم، يرفع صوته عند الموعظة، لأنّها معظم المقصود من الخطبة، وصفه الراوي بـ ((أنه كان كأنه مُنْذر جيش يقول: صبّحكم ومسّاكم)) (3) .

وقد أُمرنا بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، ولم يشرع لنا الجهر، وإن كانت الصّلاة جهريّة القراءة)) (4) .

* صياح بعض الخطباء في أثناء الخطبة باسم الله أو أسماء بعض الصالحين، والعياذ بالله تعالى (5) .

* التزام ختم الخطبة بقوله تعالى: {إِنَّ آللَّهَ يَأْمُرُ بِآلْْعَدْلِ وَآلإِحسان}

(6) .

أو بقولهم: اذكروا الله يذكركم (7) .

* التزام ذكر الخطباء الخلفاء والملوك والسلاطين في الخطبة الثانية بالتنغيم (8) .

ص: 375

قال الإمام علي بن سلطان محمد القاري: ((وأصل هذا الفساد إنما وقع بين العباد، بسآمة ترك السنة وفعل البدعة، حيث اختار بعضُ السَّلاطين والأمراء أَنْ يُذكرَ اسمُه فوق المنبر على ألسنة الخطباء، فقيل لهم: لم يُتصوّر ذلك إلا بأن يُذْكر الخلفاء الأربعة أوّلاً هناك، ثم أحدث بنو أمية سبَّ عليّ رضي الله عنه وأتباعه في الخطبة مدة معينة، إلى أن أظهر الله سبحانه عمر بن عبد العزيز، وأعزّ الله الإسلام به انتهاءً، كما أعزّه الله بعمر بن الخطاب ابتداءً، فأظهر غاية العدالة، ونهاية الرعاية في الرعية

والجمالة.

فأوّل ما خطب عمر على هذا المنبر، حَمِدَ الله سبحانه، وأنثى وشكر،ووعظ ونصح لمن اعتبر، ثم لما وصل إلى موضع سب الخطباء لخاتم الخلفاء، وحاتم الحنفاء، قرأ هذه الآية:{إن الله يأمر بالعدل والإحسان} أوصيكم عباد الله بتقوى الله، ونزل عن المنبر)) (1) .

هذه بعض أخطاء الخطباء القوليّة، التي يقومون بها بأنفسهم، وهناك أخطاء يقوم بها غيرهم بين أيديهم، أحببت أن أذكرها هنا، وألحقها بأخطاء الخطباء، إذ لولا سكوتهم عنها، ما قام بها أصحابُها من العوام الجهال، وشبه العوام، الذين استداموا على أخطائهم فأوهموا المسلمين أن ما يقومون به من الشّرع، وهو ليس منه فنقول وبالله التّوفيق:

من ذلك: ما يفعله المؤذّنون، حال الخطبة من التّرضي ونحوه، وكذا ما يكون منهم عند ذكر السلطان، من قولهم بصوتٍ مرتفعٍ: آمين آمين، نصره الله وأدامه، وغير ذلك، فهو بدعة سيّئة وحرام. وكذا قولهم بين يدي الخطيب إذا جلس من الخطبة الأولى: غفر الله لك، ولوالديك، ولنا، ولوالدينا والحاضرين.... الخ.

وكذ جهرهم بحديث ((إذا قلت لصاحبك

)) وتلاوة آية: {إن الله وملائكته يصلّون على النبي

} عند خروج الخطيب حتى يصل المنبر (2) .

ص: 376

كل ذلك منكر، يلزم إنكاره، لأنه ذكر غير مشروع في وقت، هو وقت الصّمت، أو

التّفكّر القلبي للاتّعاظ، فتقريق جمعية قلوب الحاضرين برفع الصّوت بذلك، والجراءة على الجهر به في هذا الموضع الرّهيب، لا يختلف فقيه في نكارته، فذلك يلزم للخطيب، ومَنْ قدر على إزالته أن ينهى عنه، أسوة بكل منكر.

[5/61] * أخطاء الخطباء الفعليّة:

ومن أخطاء الخطباء الفعليّة في الخطبة أشياء، فمن ذلك:

* تباطؤهم في الصعود على المنبر (1) .

*الالتفات يميناً وشمالاً، عند قوله: آمركم وأنهاكم، وعند الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مع زيادة ارتقاء درجة من المنبر عند ذلك، ثم نزوله عند الفراغ منها، ولا أصل لشيء من ذلك، بل السنّة الإقبال على الناس بوجهه من أوّل الخطبة إلى آخرها (2) .

قال الإمام الشافعي: ((ويقبل ـ يعني الخطيب ـ بوجهه، قصد وجهه، ولا يلتفت يميناً ولا شمالاً)) (3) .

وقال الحافظ بن حجر:

ص: 377

((ونقل في ((شرح المهذب)) أن الالتفات يميناً وشمالاً مكروه اتّفاقاً)) (4) .

وقال الماوردي في ((الحاوي)) : ((ولا يفعل ما يفعله أئمة هذا الوقت من الالتفات يميناً وشمالاً، في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليكون متّبعاً لسنّته، آخذاً بحسن الأدب)) (5) .

* رفع الخطيب يديه عند الدّعاء.

عن حصين بن عبد الرحمن قال: رأى كمارة بن رؤيبة بِشْرَ بن مروان على المنبر، وهو يدعو في يوم الجمعة رافعاً يديه، فقال: قبَّح الله هاتين اليدين، لقد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر، ما يزيد على هذه، يعني السّبابة التي تلي الإبهام (6) .

هذا فيه، أن السنّة أن لا يرفع اليد في الخطبة، وهو قول مالك وأصحاب الشافعي وغيرهم (1) .

وقول عمارة: ((قبح الله هاتين اليدين)) أي: اللتين يشير بهما بشر عند الخطبة، ودعا بالتقبيح، لأن هذه الإِشارة، كانت على خلاف السنّة، وما خالف السنّة فهو مردود مقبوح (2) .

والمقصود في رفع اليدين، الرفع الذي يكون عند الدّعاء ومخاطبة الناس في الخطبة للتنبيه، كما هو عادة الخطباء والوعّاظ، لا الرّفع الذي يكون عند التحريمة (3) .

قال شيخ الإِسلام:

ص: 378

((ويكره للإمام رفع يديه حال الدّعاء في الخطبة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يشير بأصبعه إذا دعا)) (4) .

وقال أبو شامة وتبعه السيوطي في رفع الأئمة أيديهم في الخطبة: ((وأما رفع أيديهم عند الدّعاء، فبدعة قديمة)) (5) .

ونص ابن عابدين على كراهة ذلك، يعني كراهة تحريم (6) .

ومثّل اللكنوي على بدعة الضّلالة بفعل بشر بن مروان، فقال:((وكذلك: رفع اليدين للدعاء في خطبة الجمعة، فعله بشر بن مروان، وأنكره عليه عمارة)) (7) .

قال السفاريني الحنبلي: ((قال علماؤنا وغيرهم: يكزه للإِمام رفع يديه حال الدّعاء في الخطبة. قال المجد: هو بدعة. وفاقاً للمالكية، والشافعية، وغيرهم، ولا بأس أن يشير بأصبعه فيها)) (8) .

ولهذا لم يستحب كثير من العلماء والمحدثين لمن كان يأمرهم برفع اليدين في خطبة الجمعة، فقد روى أبو زرعة الدمشقي في ((تاريخه)) :(1/603 ـ 604) رقم (1712) بسنده الصحيح إلى حبيب بن عبيد قال: إن عبد الملك سأل غضيف بن الحارث الثمالي أن يرفع يديه على المنبر، فقال: أما أنا فلا أُجيبك إليها.

وروى أبو زرعة في ((تاريخه)) برقم (1713) وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) : (5/244/أـ ب) عن ابن جابر قال: أمر عبد الملك أبا إدريس الخولاني أن يرفع يديه، فأبى.

ص: 379

ومن الجدير بالذكر هنا أمور:

أولاً: إن أول من رفع يديه في الجمعة عبيد الله بن معمر، كما في ((تعجيل المنفعة)) :(274) .

ثانياً:إن هذا المنع من رفع اليدين في الدعاء هو في حال الخطبة خاصة، فلا معنى للتمسك به في منع رفع اليدين في الدعاء عامة، مع ثبوت الأخبار بمشروعيتها (1) .

ثالثاً: إن حديث عمارة السابق ليس على إطلاقه، ولكنه مقيد حال الاستسقاء في الخطبة

يوم الجمعة.

أخرج البخاري في ((صحيحه)) : (2/413) رقم (933) وغيره عن أنس بن مالك قال: ((أصابت النّاسَ سنةٌ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فبينا النبيُّ صلى الله عليه وسلم يخطبُ في يوم الجمعة، قام أعرابي فقال: يا رسول الله! هلك المال، وجاع العيال، فادعُ الله لنا.

فرفع يديه ـ وما نرى في السماء قَزَعةً ـ، فوالذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السّحابُ أمثال الجبال، ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادرُ على لحيته صلى الله عليه وسلم،

)) .

ومن أخطاء المصلّين في هذا المقام: رفعهم أيديهم تأمبناً على دعاء الإِمام، وذكر ابن عابدين أنهم إذا فعلوا ذلك أثموا على الصحيح (2) .

وكذلك رفع أيديهم عند جلوس الإِمام بين الخطبتين، عند قوله في آخر الخطبة الأولى: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإِجابة.

ومداومة الخطيب على هذه المقولة أمر غير مشروع، وإن عليها رفع أصوات المأمونين بالذّكر، فهو محرّم.

قال الدردير:

ص: 380

((ومن البدع المذمومة: أن يقول الخطيب الجهول، في آخر الخطبة الأولى: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإِجابة، ثم يجلس، فتسمع من الجالسين ضجّة عظيمة)) .

وعلق الصاوي على قوله: ((الخطيب الجهول)) بما نصّه: ((الجهول: صيغة مبالغة، لأن جهله مركّب، لزعمه أنه يأمر بالمعروف، وهو يأمر بالمنكر، لأن أصل قراءة الحديث (1) لم يكن مأموراً بها في الخطبة، فهو من البدع، والإِنصات ولو بين الخطبتين واجب، ورفع الأصوات الكثيرة، ولو بالذّكر حرام، فهذا الخطيب، ضلّ في نفسه، وأضلّ غيره)) (2) .

ومن هذا الباب: ضجيج المأمونين، عند انهاء الخطيب خطبته بقوله: اذكروا الله يذكركم، ونحو هذا، كما سبقت الإِشارة إليه.

قال محمد رشيد رضا: ((أما رفع اليدين والأصوات بالدّعاء عند جلوس الخطيب بين الخطبتين، فلا نعرف له سنّةً تؤيّدهُ، ولا بأس به، لولا التّشويش وأنّهم جعلوه سنّةً متَّبعةً بغير دليل. والمأثور طلب السكوت للسّماع، ولكن يدعو خفية لا يؤذي غيره بدعائه، ولا يرفع كلّ الناس أيديهم، فيكون ذلك شعاراً من شعار الجمعة بغير هداية من السنّة فيه، بل إنهم يخالفون صريح السنّة إذ يقوم الإمام ويشرع في الخطبة الثّانية وهم مستمرون على دعائهم، فأولى لهم سماعٌ وتدبُّرٌ وقت الخطبة، وفِكْرٌ وتأثّرٌ وقت الاستراحة،

وأهون فعلهم هذا أن يكون بدعة مكروهة، والله أعلم)) (3) .

[6/61] * أخطاء الخطباء في صلاة الجمعة.

ومن الأخطاء الخاصّة في صلاة الجمعة، عدا تقصير الصّلاة، الذي أشرنا إليه سابقاً، أمور، منها:

ص: 381

* دخول الإمام في الصلاة قبل استواء الصفوف (4) .

* المبلِّغ الذي لا حاجة له، لوصول الصوت لجميع المأمونين: التبليغ في الصلاة، هو:رفع المؤذّنين أصواتهم بالتكبير للإحرام وأذكار الانتقال لإِعلام من لم يسمع صوت الإِمام. وله أصل في السنة بما كان من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في مرض موته، آخر جماعة، إذ صلى قاعداً، وأبو بكر رضي الله عنه يبلّغهم تكبيره.

وقد صرّح علماء المذاهب المشهورة بجواز التبليغ، إذا احتيج إليه، فإن لم يحتج إليه، كان بدعةً منكرة. على أن للمؤذّنين فيه بدعاً كثيرة، خصوصاً يوم الجمعة: كفعل المؤذّنين في المسجد الأموي له جماعة، ورفعهم أصواتهم أكثر مما ينبغي، متحرين فيها حسن النّغم، وإطالتهم المدّ، حتى يضطر الإِمام إلى انتظارهم أو سبقهم، فينتقل إلى السّجدة الثّانية قبل فراغهم من تكبير السجدة الأولى مثلاً (1) .

قال ابن عابدين معدِّداً أخطاء المبلّغين: ((ومن ذلك رفع الصّوت، زيادة على قدر الحاجة، بل قد يكون المقتدون قليلين، يكتفون بصوت الإِمام، فيرفع المبلّغ صوته، يسمعه مَنْ هو خارج المسجد، وقد صرّح في ((السّراج)) بأن الإمام إذا جهر فوق حاجة الناس، فقد أساء)) (2) .

قال الأعمش معلقاً على ما جاء في صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم في مرض موته: ((والناس يصلون بصلاة أبي بكر رضي الله عنه) يعني: أنه كان يسمع الناس تكبيره صلى الله عليه وسلم.

ص: 382

وفي ((الدارية)) : وبه يعرف جواز رفع المؤذنين أصواتهم في الجمعة والعيدين وغيرهما.

انتهى.

وعقب عليه ابن الهمام بقوله: ((ليس مقصوده خصوص الرفع الكائن في زماننا، بل أصل الرفع لإِبلاغ الانتقالات، أما خصوص هذا الذي تعارفوه في هذه البلاد، فلا يبعد أنه مفسد، فإنه غالباً يشتمل على مد الهمزة (الله) أو (أكبر) أو بائه، وذلك مفسد، وإن لم يشتمل، فلأنهم يبالغون في الصّياح زيادة على حالة الإِبلاغ والاشتغال بتحريرات النغم إظهاراً للصناعة النغمية لا إقامة للعبادة)) (3) ثم قال معلقاً على التّنغيم: ((ولا

أرى ذلك يصدر ممن فهم معنى الصّلاة والدّعاء، كما لا أرى تحرير النغم في الدّعاء، كما يفعله القراء في هذا الزّمان يصدر ممن فهم معنى الدعاء والسؤال، وما ذلك إلا نوع لعب، فإنه لو قدّر في الشاهد: سائل حاجة من مَلِكٍ أدّى سؤاله وطلبه، تحرير النغم فيه من الرفع والخفض، والتغريب والرجوع، كالتغني، نسب البتة إلى السخرية واللعب، إذ مقام طلب الحاجة التضرّع لا التغني)) (4) .

فكيف بمن لا حاجة له أصلاً!! خصوصاً مع وجود مكبّرات الصّوت هذه الأيّام.

وفي ((السيرة الحلبية)) : اتفق الأئمة الأربعة على أن التبليغ حينئذ ـ أي عند عدم الحاجة إليه ـ بدعة منكرة، أي مكروهة، وأما عند الاحتياج إليه فمستحب.

وكم من مسجد، يكفيه صوت الإِمام، ومع ذلك فترى وراءهُ مبلّغاً، يزعج النّاس بصوته، ويشوش عليهم بصيحته، وقد قرأتَ ما قال العلماء فيه، فليكن

ص: 383

المبلغ على حذرٍ من التعرّض، لإِفساد عبادته، من حيث لا يعلم، أو يعلم ولا يعمل (1) .

[7/61] * صلاة الظّهر بعد الجمعة.

لا تجوز صلاة الظهر بعد صلاة الجمعة، إذ من المعلوم في دين الإسلام بالضرورة: أن الله ـ تعالى ـ لم يفرض على عباده صلاتي فريضة في وقت واحدٍ، فمن كان في مكان فيه مسجد، تقام فيه الجمعة، يجب عليه أن يصلّيها مع الجماعة، إلا إذا كان يعتقد أن صلاة الجمعة فيها باطلة شرعاً، لفَقْد بعض شروطها، وحينئذ لا يجوز له أن يصلّيها،لأنه شروع في عبادةٍ باطلة، غير مشروعة في اعتقاده، وإن كان مخطئاً، وهو عصيان لله تعالى، وإذا عصى وصلاها معتقداً بطلانها، تبقى صلاة الظهر متعلّقة بذمّته، فعليه أن يصلّيها،

وليس له أن يقيم مع غيره جماعة أخرى، لأنه تفريق بين هؤلاء، وبين إخوانهم المسلمين، الذي أقاموا الجمعة قبلهم.

وأما إذا صلاها معتقداً صحتها، فلا يجوز له أن يصلي بعدها ظهراً، لا منفرداً ولا جماعة، لأنه يكون بهذا مخالفاً للمعلوم من الدّين بالضرورة، وهو قطعي، بظنّ بعض الفقهاء!!

ولم ينقل لنا أن أحداً من الصحابة، أو علماء السّلف المجتهدين، صلى الظهر بعد الجمعة. وقد جاء الشّافعيُّ بغداد، وفيها عدّة مساجد، ولم ينقل عنه أنه كان يصلّي الظهر، بعد الجمعة، ولو فعل لم يكن فعلُه شرعاً يتّبع.

ولا يتوهمن الذين يصلّون الظهر بعد الجمعة، أن الخطب في ذلك سهل، لأنه زيادة في الخير، الذي هو الصلاة، فإن فيه خطراً عظيماً، من حيث أنه شرع عبادة، لم يأذن بها الله والشارع هو الله سبحانه، فمن أحدث في الشّرع شيئاً، فقد جعل نفسه شريكاً لله في ألوهيته أو ربوبيته، ومَنْ وافقه فقد اتّخذه شريكاً، كما قال تعالى:

ص: 384

{أَمْ لَهُمْ شُرَكَآؤُاْ شَرَعُواْ لَهُم مِنَ اْلدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اْللَّهُ} (1) .

وقد بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم معنى اتخاذ أهل الكتاب أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله بـ ((أنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلّوا لهم شيئاً، استحلّوه، وإذا حرموا عليهم شيئاً حرّموه)) (2) .

وهم ما كانوا يضعون تلك الأحكام، إلا بمثل الشبهات، التي حدثت بها البدع الدينية في الإسلام، من حيث إنها زيادة في الخير أو العبادة.

كتب البُجَيْرَمي على قول الشيخ زكريا الأنصاري في ((المنهج)) : ((وألا يسبقها بتحرم، ولا يقارنها فيه جمعة بمحلها، إلا إنْ كثر أهله، وعسر اجْتماعهم بمكان)) ما نصه:

((أي كثروا، بحيث يعسر اجتماعهم، أي بأن يحصل لهم مشقة من الاجتماع لا يحتمل، أي: اجتماع مَنْ يجوز له حضور الجمعة، وإنْ لم تلزمه، فيدخل فيه الأرقاء والصّبيان والنّساء. فعلى هذا القول يكون التعدد في مصر كله لحاجة فلا تجب الظهر حينئذ،كما نقل عن ابن عبد الحق)) (3) .

ومَنْ قال مِنَ المتأخرين: إنه يسن إقامة ظهر بعد الجمعة!! خروجاً مَنْ خلاف مَنْ يمنع التعدد مطلقاً، فقوله غير صحيح.

والحاصل أن المنع من جمعتين في مصر واحد، إن كان لأن: مِنْ شرط

ص: 385

صلاة الجمعة، أن لا يقع مثلها في موضعٍ واحدٍ، أو أكثر، فمن أين هذا؟ ! وما الذي دلّ عليه؟ !

فإنْ قُلْتَ: حديث ((الجمعة لمن سبق))

قلتُ: هذا ليس بحديث، ولا أصل له من السنة، وإنما هو رأى لبعض متأخري الشافعية، ظنّة مَنْ لا علم عنده حديثاً نبويّاً (4) !

فإنْ قُلْتَ: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن بإقامة جمعة غير جمعتة في المدينة، وما كان يتصل بها من القرى.

قلت: هذا لا يصح الاستدلال به على الشرطية المقتضية للبطلان، بل ولا على الوجوب، الذي هو دونها.

وعلى فرض صحة الكلام السابق: يستلزم أن يكون الحكم هكذا في سائر الصلوات الخمس، فلا تصح الصلاة جماعة في موضع لم يأذن النبي صلى الله عليه وسلم بإقامة الجماعة فيه، وهذا مِنْ أبطل الباطلات.

وإن كان الحكم ببطلان المتأخّرة من الجمعتين، إنْ عُلِمَتْ ـ وكلتاهما مع اللبس ـ لأجل حدوث مانع، فما هو؟ فإن الأصل صحة الأحكام التعبديّه في كل مكان وزمان، إلا أن يدل الدليل على المنع، وليس ههنا من ذلك شيء البتة (1) .

نعم، تعدد الجمعة بدون ضرورة خلاف السنّة، فيبغي الحيلولة دون تكثير

ص: 386

الجمع، والحرص على توحيدها ما أمكن، وبذلك تتحقق الحكمة من مشروعية صلاة الجمعة وفوائدها أتم تحقق، ويقضى على التفرّق الحاصل بسبب إقامتها في كل المساجد: كبيرها وصغيرها، حتى إن بعضها ليكاد يكون متلاصقاً، الأمر الذى لا يمكن أن يقول بجوازه مَنْ شمّ رائحة الفقه الصحيح (2) .

وذكر صاحب ((المبدع)) أنه لا خلاف في منع إقامة الجمعة والعيد بأكثر من موضع من البلد لغير حاجة إلا عن عطاء (3) .

قال السبكي: ((تعدد صلاة الجمعة عند عدم الحاجة: منكر، معروف بالضّرورة في دين الإسلام)) (4) . .

وقد انتهى القاسمي في مبحث له بعنوان ((خروج الجمعة عن موضوعها بكثرة تعددها)) إلى أنه ينبغي ((أن يترك التجميع في كل مسجدٍ صغير، سواء كان بين البيوت أم في الشوارع، وفي كل مسجد كبير أيضاً، يستغنى عنه بغيره، وأن ينضمّ كلُّ أهل محلّة كبرى إلى جامعها الأكبر، ولنفرض كل محلّة كبرى كقرية على حدة، فيستغنى بذلك عن كثير من زوائد المساجد، ويظهر الشّعار في تلك الجوامع الجامعة في أبدع حال، فيخرج من عهدة

التعدد)) (5) .

وعلق عليه الألباني بقوله: ((وهذا هو الحق، الذي يفهمه كلُّ مَنْ تفقّه بالسنّة، وتأمل في واقع الجمعة والجماعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم)) (1) .

وخلاصة القول وصفوته:

ص: 387