الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنه لم يقل قبلها شيئاً. ويؤكد ذلك: إجماع العلماء على أنه إذا خالف اللسان القلب، فالعبرة بما في القلب (1)
، فما الفائدة من النطق بالنيّة إذا كان الإجماع قد انعقد على أنه لا عبرة به إذا خالف ما استقرَّ في القلب؟ !
[2/17] وتجدر الإشارة هنا إلى تناقض مَنْ يقول بوجوب مقارنة النية للتكبير مع استحباب أو وجوب التلفظ بها، إذ كيف سينطق بالنيّة في الوقت الذي يكون لسانه مشغولاً بالتكبير؟! هذا محال.
قال ابن أبي العزّ الحنفي: ((قال الشافعي رحمه الله: لايجوز ما لم يكن الذّكر اللساني مقارناً للقلبي. وأكثر النّاس عاجزون عن ذلك باعترافهم. والذي يدّعي المقارنة، يدّعي ما يردّه صريح العقل. وذلك أن اللسان ترجمان ما يحضر بالقلب، والمترجم عنه سابق قطعاً على أن الحروف الملفوظ بها في النيّة، منطبقة إلى آخر الزّمان، وهي منقضية منصرمة، لا تتصور المقارنة بين أنفسها، فكيف تتصور مقارنتها لما يكون قبلها؟!)) (2) .
[18] * عدم تحريك اللسان في التكبير وقراءة القرآن وسائر أذكار الصّلاة:
[1/18] من الأخطاء الشائعة في الصّلاة:
عدم تحريك اللسان في التكبير وقراءة القرآن والأذكار والاكتفاء بتمريرها على القلب!! وكأن الصّلاة أفعال فحسب، وليس فيها أقوال ولا أذكار!! وإلى هذا ذهب ابو بكر الأصم وسفيان بن عيينة (3)، حتى قالا: يصح الشروع في الصلاة من غير تكبير!!
وجه قولهما:
(1) حكى هذا الإجماع النوويُّ في ((المجموع)) : (1/367) ..
(2)
الاتباع: (ص61-62) .
(3)
نقل ذلك عنهما الكاساني في ((بدائع الصنائع)) : (1/110) .
أن قوله تعالى: (وأقيموا الصّلاة) مجمل، بيّنة النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بفعله، ثم قال: ((
صلوا كما رأيتموني أُصلّي)) (1)
والمرئي هو الأفعال دون الأقوال، فكانت الصلاة اسماً للأفعال، ولهذا تسقط الصّلاة عن العاجز عن الأفعال، وإن كان قادراً على الأذكار، ولو كان على القلب لا يسقط، وهو الأخرس!! وهذا القول من الأقوال الشّاذة، التي تخالف النّصوص الشرعيّة: فقوله تعالى: (فاقرءوا ما تيسّر من القرآن)(2)
يرده إذ مطلق الأمر للوجوب، وقد قيّد النبي صلى الله عليه وسلم مطلق هذا الأمر، فقال:((لا صلاة إلَاّ بفاتحة الكتاب)) (3) .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((صلوا كما رأيتموني أُصلّي)) فالرؤية أُضيفت إلى ذاته لا إلى الصّلاة، على أنا نجمع بين الدلائل، فتثبت فرضية الأقوال بما ذكرنا. والقراءة فرض في الصلوات كلها عند عامة العلماء وعامة الصحابة رضي الله عنهم (4) .
(1) أخرجه البخاري في ((الصحيح)) : (1/155) و (7/77) و (8/132) ومسلم في ((الصحيح)) : (1/465و 466) وأبو داود في ((السنن)) رقم (589) ..
(2)
سورة المزمل: آية رقم (20) ..
(3)
أخرجه البخاري في ((الصحيح)) : (2/236-237) ومسلم في ((الصحيح)) : (1/295) رقم (394) وعبد الرزاق في ((المصنف)) : (2/93) وابن أبي شيبة في ((المصنف)) : (1/143) وأبو داود في ((السنن)) : رقم (822) والترمذي في ((الجامع)) : (2/25) والنسائي في ((المجتبى)) : (2/137) وفي ((فضائل القرآن)) : رقم (34) وابن ماجه في ((السنن)) : رقم (837) والدارمي في ((السنن)) : (1/283) .
وذهب الحنفية إلى عدم حمل المطلق على المقيد في هذه المسألة، فأوجبوا مطلق القراءة، والذي حطّ عليه المحققون من العلماء: أن ظاهر الإطلاق بالأمر بالقراءة في الآية التخيير، لكن المراد به فاتحة الكتاب لمن أحسنها، بدليل حديث عبادة المتقدّم، وهو كقوله تعالى {فما استيسر من الهدي} ثم عيّنت السنّة المراد. قال النووي: قوله {ما تيسر} محمول على الفاتحة فإنها متيسرة. انظر: ((شرح النووي على صحيح مسلم)) : (4/103) و ((فتح الباري)) : (2/242-243) و ((معالم السنن)) : (1/207) و ((السيل الجرار)) (1/213) .
وإذا تقرر هذا، فلا ينقضي عجبي ممن يتعمد ترك قراءة الفاتحة، فيصلي صلاة، يريد أن يتقرّب بها إلى الله تعالى، وهو يتعمد ارتكاب الإثم فيها، مبالغة في تحقيق مخالفته لمذهب غيره.
(4)
بدائع الصنائع: (1/110) .
ولو كان تمرير الآيات على القلب مجزئاً في الصلاة - وهيهات - لما قال النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: ((ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن)) (1) إذ القراءة غير التمرير، ومن مقتضيات القراءة - في اللغة والشرع - تحريك اللسان، كما هو معلوم، ومنه:
قوله تعالى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} (2) .
ولهذا قرر العلماء المانعون الجنب من قراءة القرآن، جواز تمرير الآيات على القلب، إذ أن التمرير غير القراءة..
قال النووي رحمه الله تعالى: ((يجوز للجنب والحائض والنفساء إجراء القرآن على القلب من غير لفظ، وكذلك النظر في المصحف، وإمراره على القلب)) (3) .
((أما قراءة الرّجل في نفسه، ولم يحرك بها لسانه، ليس بقراءة [على] الصحيح، لأن القراءة إنما هي النّطق باللسان، وعليها تقع المجازاة، والدّليل على ذلك:
قول الله عز وجل: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} (4) .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((تجاوز الله لأمتي عما حدّثت به أنفسها)) (5) .
(1) سيأتي تخريجه.
(2)
سورة القيامة: آية رقم (16) .
(3)
الأذكار: (ص 10) .
(4)
سورة البقرة: آية رقم (286) .
(5)
الحديث صحيح، انظره في ((إرواء الغليل)) :(7/139) رقم (2062) .
فكما لا يؤاخذ الإنسان بما حدّثت به نفسه من الشر، ولا يضره، فكذلك لا يجازى على ما حدّث به نفسه من القراءة أو الخير، المجازاة التي يجازي بها على تحريك اللسان بالقراءة وفعل الخير)) (1) .
وقال النووي: ((. . . وأما غير الإمام، فالسنّة الإسرار بالتكبير، سواء المأموم والمنفرد، وأدنى الإِسرار: أن يسمع نفسه، إذا كان صحيح السّمع، ولا عارض عنده من لغطٍ وغيره، وهذا عام في القراءة، والتكبير، والتسبيح في الركوع وغيره، والتشهد، والسلام، والدعاء، سواء
واجبها ونفلها، لا يحسب شيء منها حتى يسمع نفسه، إذا كان صحيح السمع ولا عارض، فإن لم يكن كذلك، رفع، بحيث يسمع لو كان كذلك، لا يجزئه غير ذلك. هكذا نصّ عليه الشافعي.
واتّفق عليه الأصحاب. قال أصحابنا: ويستحب أن لا يزيد على إسماع نفسه. قال الشافعي في «الأم» : يسمع نفسه ومن يليه، لا يتجاوزه)) (2) .
وقد نص الشافعيّة على أن الطارئ خرسه، يجب عليه أن يحرك لسانه بالتكبير والقراءة والتشهد وغيرهما، لأن ذلك يتضمن نطقاً وتحريك اللسان، فما تعذّر فهو عفو، وما يقدر عليه
، فلا بدّ من الإِتيان به (3) .
واشتراط إسماع القارئ نفسه - حيث لا مانع - ذهب إليه الجمهور، ويكفي عند المالكية أن يحرك بالقراءة لسانه، والأولى أن يسمع نفسه، مراعاةً للخلاف (4) .
وإذا تقرر هذا:
(1) البيان والتحصيل: (1/491) .
(2)
المجموع: (3/295) .
(3)
انظر: ((فتاوى الرملي)) : (1/140) و ((حاشية قليوبي)) : (1/143) .
(4)
انظر: ((الدين الخالص)) : (2/143) .