الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[22] * جملة من أخطائهم في الجلوس والتّشهد والتسليم:
من أركان الصلاة: الجلوس الأخير، والتّشهد فيه، ويقع بعض المصلّين في مجموعة أخطاء فيهما، يجدر التّنبيه عليها، فنقول، وعلى الله الاعتماد والتّكلان:
[1/22](غلط قول ((السلام عليك أيها النبي)) في التّشهد.
أخرج البخاري في ((صحيحه)) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((
…
. فإذا صلّى أحدكم، فليقل: التحيّات لله والصّلوات والطيّبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته،
…
.)) (1) .
قال الحافظ ابن حجر: ((وقد ورد في بعض طرقه، ما يقتضي المغايرة بين زمانه صلى الله عليه وسلم، فيقال: بلفظ الخطاب، وأما بعده فيقال بلفظ الغيبة.
ففي الاستئذان من ((صحيح البخاري)) (11/56) رقم (6265) من طريق أبي معمر عن ابن مسعود بعد أن ساق حديث التشهد، قال:((وهو بين ظهرانينا، فلما قبض، قلنا: السلام)) يعني على النبي، كذا وقع في البخاري، وأخرجه أبو عوانة في ((صحيحه)) والسراج والجوزقي وأبو نعيم الأصبهاني والبيهقي من طرق متعددة إلى أبي نعيم شيخ البخاري، بلفظ:((فلما قبض، قلنا: السلام على النبي)) بحذف لفظ يعني، وكذلك رواه ابن أبي شثيبة عن أبي نعيم.
قال السبكي في ((شرح المنهاج)) بعد أن ذكر هذه الرواية من عند أبي عوانة وحده: إن صح هذا عن الصّحابة، دلّ على أن الخطاب في السلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم غير واجب، فيقال: السلام على النبي. قلت (2) : قد صح بلا ريب، وقد وجدتُ
(1) أخرجه البخاري في ((الصحيح)) : (2/311) .
(2)
أي الحافظ ابن حجر.
له متابعاً قوياً:
قال عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني عطاء أن الصحابة كانوا يقولون، والنبي صلى الله عليه وسلم حيّ: السلام عليك أيها النبي، فلما مات قالوا: السلام على النبي، وهذا إسناده صحيح)) (1) .
وقال ابن حجر أيضاً: ((فالظاهر أنهم كانوا يقولون (السلام عليك أيها النبي) بكاف الخطاب في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم تركوا الخطاب، وذكروه بلفظ الغيبة، فصاروا يقولون ((السلام على النبي)) (2) .
[2/22] * زيادة لفظ ((سيدنا)) في التّشهد، أو في الصّلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصّلاة.
قال الشيخ محمد جمال الدّين القاسمي: للعلماء اختلاف في زيادة لفظ ((سيدنا)) في الصّلاة على النّبي صلى الله عليه وسلم، وقد وقفتُ على سؤالٍ رفع لابن حجر العسقلاني، فأجاب عنه وأجاد، وهاكه بنصه:
سئل الحافظ ابن حجر رحمه الله عن صفة الصّلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة أو خارج الصّلاة، سواء قيل بوجوبها أم بندبها: هل يشترط فيها أن يصفه صلى الله عليه وسلم بالسِّيادة، بان يقول مثلاً: اللهم صلّ على سيّدنا محمد، أو على سيّد الخلق، أو سيّد ولد آدم، أو يقتصر على قوله:
اللهم صلّ على محمد، وأيهما أفضل: الإتيانُ بلفظ السيادة لكونها صفةً ثابتةً له صلى الله عليه وسلم، أو عدمُ الإتيان لعدم ورود ذلك في الآثار؟
فأجاب رضي الله عنه: نعم، اتّباع الألفاظ المأثورة أرجح، ولا يُقال: لعلّه ترك ذلك
تواضعاً منه
(1) فتح الباري: (2/314) . وقد نقل كلام الحافظ ابن حجر وارتضاه جماعةٌ من المحققين. منهم: القسطلاني والزّرقاني واللكنوي وغيرهم.
(2)
فتح الباري: (11/56) .
- صلى الله عليه وسلم، وأمّتُه مندوبةٌ إلى أن تقول ذلك كلما ذكر، لأنا نقول: لو كان ذلك راجحاً، لجاء عن الصّحابة، ثم عن التابعين، ولم نقف في شيء من الآثار عن أحد من الصحابة ولا التابعين، أنه قال ذلك مع كثرة ما ورد عنهم من ذلك، وهذا الإمام الشافعي ـ أعلى الله درجته، وهو من أكثر الناس تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم ـ قال في خطبة كتابه الذي هو عمدة أهل مذهبه: اللهم صلّ على محمد (1) .
(تنبيهات:
ومن الجدير بالذّكر أن أُشير هنا إلى أمور:
[3/22] الأوّل: وضع الحديث: ((لا تسيّدوني في الصلاة)) وهو ملحون، وصحة اللفظ:((لا تسودوني)) ، وهو حديث لم يصح ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل لا أصل له (2) ، ولو صح لكان دليلاً لنا على صحة ما ذكرناه.
[4/22] الثاني: أن جمهور المصلّين في صلاتهم على النبي صلى الله عليه وسلم في الصّلاة، يلفّقون صيغة من مجموع الصّيغ المشروعة، فجلّهم يقولون:
((اللهم صلّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، في العالمين، إنك حميد مجيد)) .
ولا يشرع هذا التلفيق، إذ الأصل في العبادات التوقيف، فلا يجوز الزيادة عليها، ولا النقصان منها، ولم ترد في السنة النبوية الصيغة السابقة، وإنما هي ـ كما قدمنا ـ تلفيق من صيغتين، هما:
(1) الفضل المبين على عقد الجوهر الثمين: (ص70) .. وانظر: ((صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم)) : (ص188) فقد نقل الشيخ الألباني فتوى ابن حجر المتقدمة من خط الحافظ محمد بن محمد الغرابيلي ((790-835هـ)) . وهي من محفوظات المكتبة الظاهرية
(2)
كما قال السخاوي، كما في ((الأسرار المرفوعة)) : رقم (585) و ((المصنوع في معرفة الحديث الموضوع)) : رقم (395) .
الأولى: اللهم صل على محمد، وعلى (1)
آل محمد، كما صليت على [إبراهيم، وعلى] آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت [على إبراهيم، وعلى] آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
والأخرى: اللهم صل على محمد [النبي الأُمي] ، وعلى آل محمد، كما صليت على [آل] إبراهيم، وبارك على محمد [النبي الأُمي] وعلى آل محمد، كما باركت على [آل] إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد (2) .
وعندما يأتي المسلم بالصلاة النبوية بإحدى رواياتها، عليه أن يحافظ على لفظها بدون زيادة شيء من عنده عليها، ولا أن ينقص شيئاً منها، لأن الصيغة الواردة توقيفيّة متعبّد بها، والتوقيفي في العبادات يؤتى بنصِّ لفظه، بلا زيادةٍ ولا تنقيصٍ ولا تبديل.
وقد هجر الناس الصلاة النبوية التوقيفية، واقتصروا على غيرها، وزاد بعضهم، فقال: إنّ غيرَها أنفعُ منها، فليحذر المسلم من هذا الهجر، ومن هذا القول، فمحمد صلى الله عليه وسلم أنفعُ الخلق وأرفعهم، وفعلُه أرفع الأفعال وأنفعها، وقوله أرفع الأقوال وأنفعها.
وبعد أن عرفنا أن الصّلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عبادة، وأنها توقيفية، فقد صار واجباً علينا أن نصلّي على النبي صلى الله عليه وسلم بما ثبت عنه من الألفاظ والصلوات الإبراهيمية الصحيحة، ولا يجوز لنا الزيادة عليها، أو اختراع صيغ جديدة، لأنّ في ذلك استدراكاً على صاحب الشريعة الذي أُمرنا بطاعته وحُبِّه.
(1) تنبيه) : في كتاب ((الطّرة على الغرّة)) : (ص 12-14) للالوسي: أنه شاع عن الرافضة كراهة الفصل بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين آله بحرف (على) ، لحديث موضوع يروونه في ذلك ((من فصل بيني وبين آلي بعلى لم يَنَلْ شفاعتي)) وقد نصّ غيرُ واحدٍ من الشيعة = = على أنه موضوع.. إذا فينبغي لأهل السنة منابذة الرافضة، فليقولوا:((وعلى آله)) ، وانظر ـ غير مأمور ـ ((معجم المناهي اللفظية)) :(61) .
(2)
انظر تخريج هاتين الصيغتين، والصيغ الأخرى المشروعة في ((صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم)) (ص 178-181) .
وكما أنه لا يجوز لنا أن نزيد في التشهد أو أن نستبدل به ألفاظاً أخرى، كذلك لا تجوز الزيادة على الصلوات الإِبراهيمية، أو استبدال أُخرى بها، لأنّ كُلاّ من التشهد والصلاة الإِبراهيمية توقيفيٌّ حدّده النبي صلى الله عليه وسلم حين سُئل عن ذلك، وهو لا يختار إلا الأحسن والأعظم ثواباً. فليكن هدفُنا دائماً الاتباع، ولنحذر الابتداع (1) .
قلت: وكذا من الخطأ قول بعضهم في أول التشهد: ((بسم الله)) وكذا قولهم آخره: ((أسال الله الجنة)) و ((أعوذ بالله من النار)) ، وبعضهم يقول هذا مع التسليم وسيأتي التنبيه عليه في آخر هذا الفصل. قال مسلم في ((التمييز)) :(141-142) :
وقد روي التشهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوجه عدّة صحاح، فلم يذكر في شيء منه. . . قوله: بسم الله وبالله، ولا في آخره من قوله: أسأل الله الجنة وأعوذ بالله من النار)) .
[5/22] الثّالث: قال الإِمام النووي ـ رحمه الله تعالى ـ:
أعلم أن العلماء اختلفوا في وجوب الصّلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عقب التشهد الأخير في الصلاة، فذهب أبو حنيفة ومالك ـ رحمهما الله تعالى ـ والجماهير إلى أنها سنّة، لو تركت صحت الصلاة، وذهب الشافعي وأحمد ـ رحمهما الله تعالى ـ إلى أنها واجبة، لو تركت لم تصح الصّلاة، وهو مروي عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله عنهما، وهو قول الشعبي وقد نسب جماعةٌ الشافعيَّ ـ رحمه الله تعالى ـ في هذا إلى مخالفة الإجماع، ولا يصح قولهم، فإنه مذهب الشعبي كما ذكرنا، وقد رواه عن البيهقي.
وفي الاستدلال لوجوبها خفاء، وأصحابنا يحتجّون بحديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه المذكور هنا: أنهم قالوا: ((كيف نصلّي عليك يا رسول الله؟
(1) دلائل الخيرات/لخير الدين وائلي: (ص29-30)
فقال: قولوا: اللهم صلّ على محمد. . .)) الخ
قالوا: والأمر للوجوب.
وهذا القدر لا يظهر الاستدلال به إلا إذا ضمّ إليه الرواية الأُخرى: كيف نصلّي عليك إذا نحن صلّينا عليك في صلاتنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: قولوا: اللهم صل على محمد. . . الخ.
وهذه الزّيادة صحيحة، رواها الإمامان الحافظان أبو حاتم ابن حبان البستي والحاكم أبو عبد الله في ((صحيحيهما)) .
قال الحاكم: هي زيادة صحيحة.
واحتج لها أبو حاتم وأبو عبد الله أيضا في ((صحيحيهما)) بما روياه عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلّي، لم يحمد الله ولم يمجده، ولم يصلّ على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عجّل هذا، ثم دعاه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إذا صلّى أحدكم، فليبدأ بحمد ربّه والثّناء
عليه، وليصلّ على النبي صلى الله عليه وسلم، وليدع ما شاء.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم.
وهذان الحديثان، وإن اشتملا على ما لا يجب بالإِجماع!! كالصّلاة على الآل والذّريّة
والدّعاء، فلا يمتنع الاحتجاج بهما، فإن الأمر للوجوب، فإذا خرج بعض ما يتناوله الأمر عن الوجوب بدليل، بقي الباقي على الوجوب، والله أعلم.
والواجب عند أصحابنا: اللهم صل على محمد، وما زاد عليه سنّة، ولنا وجه شاذ أنه يجب الصلاة على الآل، وليس بشيء، والله أعلم (1) انتهى.
(1) شرح النووي على صحيح مسلم: (4 /123) . وانظر: ((فتح الباري)) : (11/163 وما بعدها) .
قال الأمير الصنعاني: ودعوى النووي وغيره الإجماع على أنَّ الصّلاة على الآل مندوبة، غيرُ مسلَّمة، بل نقول: الصّلاة عليه صلى الله عليه وسلم لا تتم، ولا يكون العبد ممتثلاً بها، حتى يأتي بهذا اللفظ النبوي، الذي فيه ذكر الآل، لأنه قال السائل: كيف نصلّي عليك؟ فأجابه بالكيفية أنها الصّلاة عليه وعلى آله، فمن لم يأت بالآل، فما صلّى عليه بالكيفية التي أمر بها، فلا يكون ممتثلاً للأمر، فلا يكون مصلّياً عليه صلى الله عليه وسلم (1) .
وقد رجّح ابن العربي وجوب الصّلاة عليه في الصلاة، فقال رحمه الله تعالى:
الصّلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فرض في العمر مرة بلا خلاف، فأما في الصّلاة فقال محمد بن الموّاز والشافعي: إنها فرض، فمن تركها بطلت صلاته. وقال سائر العلماء: هي سنة في الصّلاة. والصحيح ما قاله محمد بن الموّاز للحديث الصحيح: إن الله أمرنا أن نصلّي عليك، فكيف نصلّي عليك؟ فعلم الصلاة ووقتها، فتعيّنا كيفيّة ووقتاً (2) .
(1) سبل السلام: (1/193) .. وذهب إلى وجوب الصلاة على الآل بعد التشهد: الهادي والقاسم وأحمد بن حنبل وبعض أصحاب الشافعي، كما في ((نيل الأوطار)) :(2/324) . ونقل السخاوي في ((القول البديع)) : (ص 90 ـ 91) عن البيهقي في ((الشعب)) عن أبي إسحاق المروزي ـ وهو من كبار الشّافعية ـ قال: أنا أعتقد الصّلاة على آل النبي صلى الله عليه وسلم واجبة في التشهد الأخير من الصلاة. قال البيهقي: في الأحاديث الثابتة في كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم دلالة على صحة ما قال. انتهى.
وقال: قال شيخنا ـ أي الحافظ ابن حجر ـ ومن كلام الطحاوي في ((مشكله)) : ما يدل على أن حرملة نقله عن الشّافعي.
(2)
أحكام القرآن: (3/1584) و ((الفتح الرباني)) : (4/28) .
وقد ذهب إلى الوجوب أيضاً شيخنا الألباني في ((صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم)) (1) . فإنه ذكر تحت عنوان ((وجوب الصّلاة على النبي صلى الله عليه وسلم)) حديث فضالة بن عبيد، الذي ذكره النووي وقال:((رواه أحمد وأبو داود وابن خزيمة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي)) .
ثم قال: ((واعلم أن هذا الحديث يدّل على وجوب الصّلاة عليه صلى الله عليه وسلم في هذا التشهد للأمر بها، وقد ذهب إلى الوجوب الإِمام الشافعي وأحمد في آخر الروايتين عنه، وسبقهما إليه جماعة من الصحابة وغيرهم، ومن نسب الإِمام الشافعي إلى الشذوذ لقوله بوجوبهما فما أنصف، كما بيّنه الفقيه الهيتمي في ((الدر المنضود في الصّلاة والسلام على صاحب المقام المحمود)) انتهى.
[6/22] الرابع: إذا علمت هذا، فاعلم أن الصّلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لا تختص بالتشهد الأخير، بل هي مشروعة في الأول أيضاً.
وهو نص الإمام الشافعي في ((الأم)) فقال: ((والتشهد في الأولى والثانية لفظ واحد لا يختلف، ومعنى قولي ((التشهد)) التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، لا يجزيه أحدهما عن الآخر)) (2) .
وليس من السنة، ولا يكون المصلّي منفذاً للأمر النبوي، إذا اقتصر على قوله:((اللهم صل على محمد)) فحسب، بل لا بد من الإتيان بإحدى الصيغ المشروعة، وقد قدمنا كلام الأمير الصنعاني في هذا (3) .
بل دلت الأحاديث الصحيحة على مشروعية الدعاء عقب التشهد الأول، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا لا ندري ما نقول في كل ركعتين، غير أن نسبّح، ونكبّر، ونحمد ربَّنا، وإن محمداً صلى الله عليه وسلم علَّم فواتح الخيرِ،
(1) ص 197 - 198.
(2)
الأم: (1/102) .
(3)
وانظر: ((صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم)) : (ص 185) .
وخواتمَهُ، فقال: إذا قعدتم في كل ركعتين، فقولوا: التحيّات لله، والصّلوات، والطّيّبات، السلام عليك أيها النبي، ورحمة الله وبركاته، السلام علينا، وعلى عباد الله الصّالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، ثم ليتخير من الدعاء أعجبه
إليه (1) .
ففي الحديث مشروعية الدّعاء في التشهد الأول، ولم أرَ مَنْ قال به من الأئمة غير ابن حزم، والصواب معه، وإن كان هو استدلّ بمطلقات، يمكن للمخالفين ردّها بنصوصٍ أُخرى مقيّدة، أما هذا الحديث، فهو في نفسه نصّ واضحٌ مفسرٌٌ، لا يقبل التقييد، فرحم الله امرءاً أنصف، واتبع السنّة (2) .
[7/22] الخامس: من أحدث قبل السلام بطلت صلاته، مكتوبة كانت أم غير مكتوبة (3) .
[8/22] السادس: من أخطاء بعض المصلّين: فعل التّورك في الثّنائيّة، كالفجر والجمعة والنّافلة، أو تركه في الرّباعيّة أو الثّلاثية في التّشهد الأخير منها، وإن كان فعله وتركه غير مخلّ ٍ بصحة الصّلاة، لكن العمل بالسنّة أفضل، وهو أن يكون التورّك في التشهد الأخير في الثلاثيّة أو الرباعيّة، على أن لا يضايق مَنْ بجانبه مِنَ المصلّين (4) .
[9/22] السابع: الأشهر في تفسير الصالح في التشهد: ((عباد الله الصالحين)) أنه القائم بما يجب عليه من حقوق الله وحقوق عباده، وتتفاوت
(1) أخرجه أحمد في ((المسند)) : (1/437) والنسائي في ((المجتبى)) : (2/238) والطبراني في ((المعجم الكبير)) : (10/57) رقم (9912) وإسناده صحيح متصل على شرط مسلم، كما في ((السلسلة الصحيحة)) : رقم (878) .
(2)
سلسلة الأحاديث الصحيحة: (2/567) .
(3)
مجموع فتاوى ابن تيمية: (22/613) .
(4)
مقال: ((تنبيهات على بعض الأخطاء التي يفعلها بعض المصلّين في صلاتهم)) . وانظر: ((تمام المنة)) : (ص 223) .
درجاته. قال الترمذي الحكيم: من أراد أن يحظى بهذا السّلام الذي يسلّمه الخلق في الصّلاة، فليكن عبداً صالحاً، وإلا حرم هذا الفضل العظيم (1) .
[10/22] الثامن: قال القفال في ((فتاويه)) :
ترك الصّلاة يضرّ بجميع المسلمين، لأن المصلّي لا بدّ أن يقول في التّشهد:((السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)) فيكون تارك الصلاة مقصّراً بخدمة الله، وفي حقّ رسوله، وفي حق نفسه، وفي حق كافة المسلمين، ولذلك عظمت المعصية بتركها (2) .
ولا بد في هذا المقام من الإشارة إلى أن التشهد الأوسط ـ في أصح قولي أهل العلم ـ واجب، وعلى هذا جمهور المحدثين، حتى قال الشوكاني في ((السيل الجرار)) :(1/228) : ((الأوامر بالتشهد لم تخص التشهد التشهد الأخير، بل هي واردة في مطلق التشهد فما قدمنا في التشهد الأخير من الاستدلال على وجوبه، فهو بعينه دليل على وجوب التشهد الأول، ومع هذا فالتشهد الأوسط مذكور في حديث المسيء، الذي هو مرجع الواجبات، ولم يرد ذكر التشهد الأخير في في حديث المسيء، فكان القول بإيجاد التشهد الأوسط أظهر من القول بإيجاب
الأخير، وأما الاستدلال على عدم وجوب الأوسط، بكون النبي صلى الله عليه وسلم تركه سهواً، ثم سجد للسهو، فهذا إنما يكون دليلاً، لو كان سجود السهو مختصّاً بترك ما ليس بواجب، وذلك ممنوع)) (3) .
[11/22] (الإنكار على مَنْ يحرك سبابته في الصّلاة.
ثبت في ((مسند أحمد)) : (4/318) و ((المجتبى)) للنسائي: (2/126 -
(1) فتح الباري: (2/314) .
(2)
المرجع نفسه: (2/317) .
(3)
وانظر: ((نيل الأوطار)) : (2/304 ـ305) و ((سبل السلام)) : (1/280) و ((المغني)) : (1/382) و ((تيسير + =
= العلام)) : (1/198) و ((قطف الزهو في أحكام سجود السهو)) : (16 – 17) .
127) و (3/371) و ((سنن أبي داود)) : رقم (713) و ((صحيح ابن خزيمة)) رقم (480) و (714) و ((المنتقى)) لابن الجارود: رقم (208) و ((صحيح ابن حبان)) : رقم (1851 - موارد) و ((السنن الكبرى)) للبيهقي: (2/27 و 28 و 132) و ((المعجم الكبير)) للطبراني: (22/35) عن وائل بن حُجر رضي الله عنه قال: لأنظرنّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلّي؟
فنظرت إليه، فكبَّر، ورفع يديه
…
إلى أن قال: ثم قعد
…
ثم رفع أصبعه ورأيتُه يُحركها، يدعو بها.
فهذه رواية صحيحة صريحة في تحريك الأصبع، وجاء وصف فعله صلى الله عليه وسلم بـ ((يحرِّك)) وهو فعل مضارع، يفيد الاستمراريّة حتى تسليم المصلّي وفراغه من صلاته، ويدل على ذلك، قوله:
((يدعو بها)) ، فما قيّده بعض الفقهاء من أن الرفع يكون عند ذكر لفظ الجلالة أو الاستثناء، مما لا دليل عليه البتة (1) .
قال الشيخ العظيم آبادي معلقاً على الحديث: وفيه تحريكها دائماً (2) .
وثبت في ((صحيح مسلم)) : (2/90) وغيره عن عبد الله بن الزّبير رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في الصّلاة، جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه، وفرش قدمه اليمنى، ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، وأشار بأصبعه.
فإن قيل: أليس العمل بهذا الحديث مقدّم على العمل بالحديث الأوّل، لا سيما:
أولاً: أنه وردت في بعض الروايات زيادة في حديث ابن الزبير: ((يشير
(1) مقدمة محقق ((الخشوع في الصلاة)) لابن رجب الحنبلي: (ص 7) .
(2)
عون المعبود: (1/374) .
بأصبعه إذا دعا، ولا يحركها)) كما في ((سنن أبي داود)) : رقم (989) .
ثانياً: أن البيهقي في ((سننه)) : (2/130) قال: يحتمل أن يكون المراد بالتحريك: الإشارة بها، لا تكرير تحريكها، فيكون حديث وائل موافقاً لحديث ابن الزبير.
قلت: لم تثبت زيادة ((ولا يحركها)) ، لأن الحديث من رواية محمد بن عجلان عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه، وابن عجلان متكلم فيه، وقد رواه عنه أربعة من الثّقات دون قوله:((لا يحركها)) وكذلك رواه ثقتان عن عامر، فثبت بذلك شذوذ هذه الزيادة وضعفها، وحسبك دلالة على وهنها أن مسلماً أخرج الحديث - كما سبق - دونها من طريق ابن عجلان أيضاً (1) .
قال ابن القيم: ((وأما حديث أبي داود عن عبد الله بن الزّبير أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يشير بأصبعه إذا دعا ولا يُحركها، فهذه الزّيادة في صحتها نظر، وقد ذكر مسلم الحديث بطوله في ((صحيحه)) عنه، ولم يذكر هذه الزّيادة، بل قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في الصّلاة، جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه، وفرش قدمه اليمنى، ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، وأشار بأصبعه.
وأيضاً فليس في حديث أبي داود عنه: أن هذا كان في الصلاة (2) .
وأيضاً لو كان في الصّلاة، لكان نافياً، وحديث وائل بن حُجر مثبتاً، وهو مقدَّم. وهو حديث صحيح)) (3) انتهى.
(1) تمام المنّة: (ص 218) .
(2)
يشير بذلك إلى أنه مطلق في خارج الصلاة، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: ((
…
والاستغفار أن تشير بأصبع واحدة)) رواه أبو داود في ((سننه)) رقم (1489) بإسناد صحيح.
(3)
زاد المعاد: (1/238 - 239) .
ولو ثبتت هذه الزّيادة، لكان يمكن العمل بها، مع الإبقاء على ظاهر حديث وائل، ويجمع بينهما، بأنه كان تارةً يحرك، وتارةً لا يحرك، كما ذهب إليه القرطبي، فقال:
((اختلفوا في تحريك أصبع السبابة، فمنهم من رأى تحريكها، ومنهم مَنْ لم يره، وكل ذلك مرويٌّ في الآثار الصحاح المسندة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وجميعه مباح، والحمد لله)) (1) .
وهذا اختيار الأمير الصنعاني في ((سبل السلام)) : (1/187 - 188) ومن قبله: الرافعي، كما حكاه المباركفوري عنه، ومن ثم أيّده بقوله:
((والحق ما قال الرافعي ومحمد بن إسماعيل الأمير)) (2)
والأرجح وفقاً للقاعدة الفقهية: ((المثبت مقدَّم على النافي)) التحريك، والعجب من بعض شراح ((المنهاج)) للنووي، عندما قال بعد ذكر حديث وائل وحديث ابن الزّبير، ولحظ الترجيح السابق، إلا أنه عدل عنه ولم يرتضه، وتحكم في ذلك، فقال:((وتقديم الأول ـ النافي ـ (أي أنه لا يحركها) على الثاني ـ المثبت (أي كان يحركها) لما قام عندهم في ذلك، ولعله طلب عدم الحركة في الصّلاة)) (3) .
قلت: وزاد بعض المتأخرين، فقال:((ولا يحركها لعدم وروده)) !!
وقال أيضاً: ((وفي وجه: أنه حرام! مبطل للصّلاة!! حكاه النووي في ((شرح المهذب)) (4) .
(1) تفسير القرطبي: (1/361) .
(2)
تحفة الأحوذي: (1/241 - ط الهنديّة) . وهذا اختيار الشيخ عبد العزيز بن باز في ((الفتاوي)) : (1/75) ..
(3)
مغني المحتاج: (1/173) .
(4)
كفاية الأخيار: (ص 74) .
وهذا من التعصب المذهبي، إذ من طباع البشر وأخلاقهم: أن يألفوا ما أخذوه بالرّضا والتّسليم، ويأنسوا به، فإذا وجدوا لهم مخالفاً فيه، تعصّبوا له، ووجّهوا قواهم إلى استنباط ما يؤيّده ويثبته، ويدفع عنه حجج المخالفين لهم فيه، لا يلتفتون إلى تحري الحق، واستبانة الصّواب، فيما تنازعوا فيه.
وذكر النووي في ((شرح المهذب)) ثلاثة وجوه في تحريكها: لا يحركها، ويحرم تحريكها، وقال ما نصه:((يحرم تحريكها، فإن حركها بطلت صلاته، حكاه عن أبي علي ابنُ أبي هريرة، وهو شاذ ضعيف)) .
ومن ثم قال: ((يستحب تحريكها، حكاه الشيخ أبو حامد والبندنيجي والقاضي أبو الطيب وآخرون. وقد يحتج بحديث وائل بن حجر: ((ثم رفع أصبعه، فرأيتُه يحركها، يدعو بها))
رواه البيهقي بإسناد صحيح)) (1) .
والقول بالبطلان لتحريك الأصبع شاذ ضعيف، كما قال النووي، ويردده بعضهم بناء على أنه إذا تحرك المصلّي ثلاث حركات تبطل صلاته!! وهو مما لا دليل عليه البتة، قال الشيخ ابن باز فيه:((أما تحديد الحركات المنافية للطمأنينة وللخشوع بثلاث حركات، فليس ذلك بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ذلك من كلام بعض أهل العلم، وليس عليه دليل يعتمد)) (2) .
وأما حديث ابن الزبير الذي فيه الإِشارة فحسب، فليس نصّاً في نفي التحريك، لما هو
معهود في الاستعمال اللغوي، أنه قد يقترن معها التحريك في
(1) المجموع شرح المهذب: (3/454) .
(2)
الفتاوى: (1/87) .
كثير من الأحيان، فنَصْبُ الخلاف بينهما غير سليم لغةً وفقهاً (1) .
والصواب الجمع بين الروايتين، والأخذ بالتحريك والعمل به، فتكون السنّة: الإشارة بالسبابة وتحريكها حركة شديدة، كما قال الإمام أحمد في ((مسائل ابن هانىء)) :(1/80) ، والله تعالى أعلم.
وأخيراً. . . لا بُدَّ من التّنبيه على ما يلي:
[12/22] أولاً: أنه قد ورد في بعض الروايات: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قاعد في الصلاة. . . . رافعاً إصبعه السبابة، وقد حناها شيئاً، وهو يدعو)) .
ولكنه ضعيف الإسناد، لأن فيه مالكاً بن نمير الخزاعي وقد قال فيه ابن القطان والذهبي:((لا يعرف حال مالك، ولا روى عن أبيه غيره)) .
قاله الألباني، وقال أيضاً ولم أجد حني الإِصبع إلا في هذا الحديث، فلا يشرع العمل به بعد ثبوت ضعفه، والله أعلم)) (2) .
[13/22] ثانياً: ورد في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار بالسبابة ثم سجد، فتكون الإِشارة بين السجدتين مشروعة أيضاً!! ولكن هذه الرواية تخالف جميع الروايات الأخرى التي لم تذكر فيها السجدة بعد الإِشارة، فتكون الرواية السابقة شاذة، وعليه فلا يشرع للمصلّي تحريك سبابته بين السجدتين (3) .
[14/22] ثالثاً: تكره الإِشارة بمسبحة اليسرى، حتى لو كان أقطع اليمنى،
(1) تمام المنة: (ص 219 - 220) .
(2)
تمام المنة: (ص 223) .
(3)
انظر تفصيلاً مستطاباً للروايات، وبيان الشذوذ المشار إليه في ((تمام المنة)) :(ص 214 – 217) .
لم يشر بمسبحة اليسرى، لأن سنّتها البسط دائماً (1) .
(ثلاثة أخطاء في التّسليم:
أما التسليم: فهو ركن من أركان الصّلاة، وفرض من فروضها، لا تصح إلا به، هذا مذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم (2) .
وننبّه على الأخطاء التالية فيه:
[15/22] أولاً: يلاحظ أن بعض المصلّين إذا سلّم يشير بيده اليمنى جهة اليمين، وباليسرى للجهة الثانية، وقد كان الصحابة يفعلونه، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
عن جابر بن سمرة قال: كنا إذا صلّينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلنا: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، وأشار بيده إلى الجانبين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لي أراكم ترفعون أيديكم كأنها أذناب خيل شُمْس (3) .
فاتركوا الرفع، واكتفوا بالتّسليم.
[16/22] ثانياً: يستحب أن يدرج لفظ السلام، ولا يمدّ مدّاً.
قال ابن سيّد النّاس: لا أعلم في ذلك خلاف بين العلماء.
[17/22] ثالثاً: سئل ابن تيمية عن رجل إذا سلم عن يمينه يقول: السلام عليكم ورحمة الله، أسألك الفوز بالجنّة، وعن شماله: السلام عليكم، أسألك النّجاة من النار، فهل هذا مكروه أم لا؟
فأجاب:
(1) روضة الطالبين: (1/262) وفتاوى النووي: (ص 35) .
(2)
شرح النووي على صحيح مسلم: (8315) .
(3)
مضى تخريجه.
الحمد لله، نعم يكره هذا، لأن هذا بدعة، فإن هذا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا استحبّه أحد من العلماء، وهذا إحداث دعاء في الصّلاة في غير محله، يفصل بأحدهما بين التسليمتين، ويصل التسليمة بالآخر، وليس لأحد فصل الصفة المشروعة على هذا كما لو قال: سمع الله لمن حمده، أسألك الفوز بالجنة، ربنا ولك الحمد، أسألك النجاة من النار، وأمثال ذلك (1) .
(1) مجموع الفتاوى: (22/492) .