الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[41] * مسابقة الإمام ومساواته بأفعال الصّلاة:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فلما قضى الصّلاة أقبل علينا بوجهه، فقال: أيُّها النّاس! إنّي إمامكم، فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود، ولا بالقيام ولا بالانصراف (1) .
وعن أبي هريرة قال: قال محمد صلى الله عليه وسلم: أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يُحوِّلَ اللهُ رأسَه رأسَ حمار (2) .
وزاد البزّار والطبراني: ((الذي يخفض ويرفع قبل الإمام إنما ناصيته بيد الشّيطان)) (3) .
وعن البراء بن عازب قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: سمع الله لمن حمده، لم يحْنِ أحدٌ منّا ظهره، حتى يقعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ساجداً، ثم نقعُ سجوداً بعده (4) .
وعن معاوية بن أبي سفيان رفعه: إنّي قد بَدَّنْتُ، فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود، فإني مهما أسبقكم حين أركع تدركوني حين أرفع، ومهما أسبقكم حين أسجد تدركوني حين أرفع (5) .
وعن سمرة بن جندب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا قُمْتُم إلى الصّلاة فلا تَسْبِقُوا قارئكم بالركوع والسجود، ولكن هو يَسْبِقُكم (6) .
[1/41] من هذه الأحاديث يتبيّن لنا خطأ بعضهم في حال كونه مأموماً في الصَّلاة: إذ تكون أعمالُه فيها مساويةً لأعمال الإمام، بل بعضهم يسبقه فيها!! والمسابقة محرّمةٌ اتّفاقاً لظاهر الأحاديث السابقة، إذ فيها توعد بالمسخ، وهو من أشدّ العقوبات.
فإن سبقه بالإحرام أو السلام، بطلت صلاة المأموم (1) ، وإن سبقه بغيرهما، وانتظر حتى أدركه الإمام، فهو حرام، يأثم فاعله، وصلاته صحيحة (2) .
وعن ابن عمر وأحمد: أنها باطلة، بناء على أن النهي يقتضي الفساد (2) .
واختلف في معنى التحويل المذكور في حديث أبي هريرة: فقيل: هو باقٍ على ظاهره، فيمسخه الله مسخاً حسيّاً، ويؤيّده: ورود الوعيد بلفظ المستقبل، ولا يُقالُ: ليس في الحديث ما يدّل على وقوع المسخ، بل غايته: أن فاعل ذلك متعرّض لهذا الوعيد، ولا يلزم من التعرّض للشيء وقوع ذلك الشيء، لأنه: لا مانع من وقوعه.
وقيل: إن التحويل المذكور يقع يوم القيامة.
ويحتمل أن يراد: المسخ المعنوي، الذي هو طمس القلوب والبصائر، فيكون أعمى القلب عن طريق الحقّ، فلا يسلكه (3) .
وقال ابن حجر عن بعض المحدّثين: أنه رحل إلى دمشق لأخذ الحديث عن شيخٍ مشهورٍ بها، فقرأ عليه جملة، لكنه كان يجعل بينه وبينه حجاباً، ولم ير وجهه، فلما طالت ملازمتُه له، ورأى حرصه على الحديث، كشف له الستر، فرأى وجهه: وجه حمار، فقال له: احذر يا بُنيَّ أن تسبق
الإمام، فإني لما مرّ بي في الحديث استبعدتُ وقوعه، فسبقتُ الإمام، فصار وجهي كما ترى (4) .
وعلاج مَنْ يسابق الإمام ودواؤه: أن يعلم أنه لا سبب لفعل ذلك، إلا طلب الاستعجال، واستحواذ الشيطان، واستحضار أنه لا يسلّم قبل الإمام، فلا ثمرة في الاستعجال، بل فيه الإثم والعقاب.
[2/41] والمشاهد: أن أغلب الذين يسابقون الإمام مَنْ يبكرون في الحضور للمسجد، فيا لله من فعلهم هذا! فإنهم على الرغم من طول انتظارهم، ما استفادوا شيئاً من الثواب، ويا ليت الأمر وقف عند هذا الحدّ، بل لحقهم كثيرٌ من العقاب.
ورحم الله ابن الجوزي عندما قال: ((ومن العوام مَنْ يعتمد على نافلةٍ ويضيّع فرائض، مثل: أن يحضر إلى المسجد قبل الأذان ويتنفّل، فإذا صلّى مأموماً سابق الإمام)) (1) .
ومن أخطاء بعض الحجيج والعُمّار قيامهم قبل تسليم الإمام حتى يتمكنوا من تقبيل الحجر الأسود!
قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين: ((رأيت أمراً عجباً
…
رأيتُ من يقوم قبل أن يسلّم من الصلاة المفروضة ليسعى بشدّة إلى تقبيل الحجر، فيبطل صلاته المفروضة، التي هيَّ أحد أركان الإسلام لأجل أن يفعل هذا الأمر الذي ليس بواجب، وليس بمشروع أيضاً، إلا إذا قرن بالطواف، وهذا من جهل الناس المطبق الذي يأسف الناس له)) (2) .
وفي القابل:
[3/40] هناك فريق يتأخر عن الإمام، حال السجود والقيام منه، أو حال الركوع والاعتدال منه، وهؤلاء خالفوا قول الرسول صلى الله عليه وسلم:((إنما جُعِل الإمامُ لِيُؤْتَمَّ به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا)) (3) .
فمقتضى الحديث أن ركوع المأموم يكون بعد ركوع الإمام، إما بعد تمام انحنائه، وإما أن يسبقه الإمام بأوّله، فيشرع فيه بعد أن يشرع، لا أن يتأخّر عنه، حتى يقارب القيام منه، ومن ثم يركع المأموم، ويبقى على هذا الحال، يلاحق الإمام ملاحقة، فلا هو مطمئن في صلاته، ولا يدري ما يقول فيها، ويتخوّف عليها من النقصان أو البطلان. وعلى الأئمة أن يتّقوا الله في صلاتهم وصلاة الناس، فإنهم ضامنون، فعليهم بالطمأنينة والتؤدة وعدم العجلة، والله الهادي إلى سواء السبيل.
قال الإمام أحمد: ((فما أولى الإمام بالنّصيحة لمن يصلّي خلفه، وأن ينهاهم عن المسابقة في الركوع والسجود، وأن لا يركعوا ويسجدوا مع الإمام، بل يأمرهم بأن يكون ركوعهم وسجودهم ورفعهم وخفضهم بعده، وأن يحسن أدبهم وتعليمهم، إذ كان راعياً لهم، وكان غداً مسؤولاً عنهم. وما أولى بالإمام أن يحسن صلاته، ويتمها ويحكمها، وتشتد عنايته بها، إذ كان له مثل أجر من يصلّي خلفه إذا أحسن، وعليه مثل وزرهم إذا أساء)) (1) .
ومن الطريف ـ أخي القاريء ـ أن أسرد لك هذه القصة، لتعلم حرص سلفك الصالح على عدم مسابقة الإمام، وأنَّ مَنْ يسابق الإمام سارقٌ خائنٌ في نظرهم.