الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن يُقال: ((قد قامت الصلاة)) وتخصيص عموم الحديث، بحديث ضعيف لا يجوز، وقد ضعفه النووي وابن حجر، فقال:((أخرج أبو داود من حديث أبي أمامة: أن بلالاً أخذ في الإِقامة، فلما بلغ: ((قد قامت الصلاة)) قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أقامها الله وأدامها)) .
وقال عقبه: ((وهو ضعيف، والزيادة فيه - أي: أقامها الله وأدامها - لا أصل لها)) (4) .
[33] * عدم إتمام الصفوف وترك التّراص وسدّ الفُرَج فيها:
عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تصفّون كما تصفّ الملائكة عند ربّها؟
فقلنا: يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربّها؟
قال: يتمّون الصفوف، الأوّل فالأوّل، ويتراصّون في الصّفوف (1) .
من هذا يتبيّن لنا خطآن يقع فيهما كثير من المصلّين:
[1/33] الأول: الصّلاة في أمكنة بعيدة عن الصفّ، استرواحاً أو تعوّداً الصّلاة في مكان
معيّن في المسجد (2) !!
فترى بعض المصلّين قد تعوّدوا أن يصلّوا في ((السّدة)) التي في المسجد، فيبتعدوا عن الإمام، ويصلّوا في هذه ((السّدة)) ، على الرّغم من وجود أمكنة شاغرة في الصفوف الأولى، وهذ مخالف للحديث السابق، ولقوله صلى الله عليه وسلم، وقد رأى في أصحابه تأخُّراً، فقال لهم: تقدّموا، فائتمُّوا بي، وليأتم بكم من بعدكم، لا يزال قوم يتأخّرون حتى يؤخّرَهم الله (3) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((ولا يصف في الطّرقات والحوانيت، مع خلو المسجد، ومَنْ فعل ذلك، استحق التّأديب، ولمن جاء بعده تخطيه، ويدخل لتكميل الصفوف المتقدمة، فإن هذا لا حرمة له.
قال: فإن امتلأ المسجد بالصفوف، صفّوا خارج المسجد، فإذا اتصلت الصفوف حينئذ في الطرقات والأسواق صحت صلاتهم.
وأما إذا صفوا وبينهم وبين الصف الآخر، طريق يمشي النّاس فيه، لم تصح صلاتهم في أظهر قولي العلماء، وكذلك إذا كان بينهم وبين الصفوف حائط، بحيث لا يرون الصفوف، ولكن يسمعون التكبير، من غير حاجة، فإنه لا تصح صلاتهم في الأظهر، وكذلك مَنْ صلى في حانوته، والطريق خالٍ، لم تصح صلاته، وليس له أن يقعد في الحانوت، وينتظر اتصال الصفوف به، بل عليه أن يذهب إلى المسجد، فيسد الأول فالأول فالأول)) (4) .
[2/33] الثاني: ترك التراص في الصفوف، ووجود الفرج فيها، ومنشأ ذلك اعتقاد جماهير المسلمين أن تسوية الصفوف وإقامتها بالمناكب فحسب!! وخفي عليهم أن من تسوية
الصف تسويته بالأقدام أيضاً.
عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
أقيوا صفوفكم، فإني أراكم من وراء ظهري.
قال أنس: وكان أحدنا يُلْزِق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه (1) .
وفي رواية: قال أنس: لقد رأيت أحدنا يُلْزِق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه. ولو ذهبت تفعل ذلك اليوم، لترى أحدهم، كأنه بغل شموس (2) .
ولهذا قال بُشَيْر بن يسار الأنصاري عن أنس: أنه لما قدم المدينة، فقيل له: ما أنكرت منا منذ يوم عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما أنكرت إلا أنكم لا تقيمون الصفوف (3) .
فظهر أن إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصّفوف سنّة، قد عمل بها الصّحابة – رضي الله عنهم – خلف النبي صلى الله عليه وسلم وهو المراد بإقامة الصّف وتسويته على ما قال الحافظ ابن حجر كما سيأتي.
وقول أنس بن مالك: ((ولو ذهبت تفعل ذلك اليوم لترى أحدهم، كأنه بغل شموس)) وهكذا حال أكثر النّاس في هذا الزّمان، فإنه لو فعل بهم ذلك، لنفروا كأنهم حمر وحش! وصارت هذه السنّة عندهم، كأنها بدعة ـ عياذاً بالله ـ فهداهم الله تعالى، وأذاقهم حلاوة السنّة (4) .
قال الحافظ ابن حجر معلّقاً على زيادة أنس في الحديث السابق:
((وأفاد هذا التصريح أن الفعل المذكور كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا يتم الاحتجاج به على بيان المراد بإقامة الصف وتسويته)) (5) .
وصرح بما ذكره أنس بن مالك من إلزاق المنكب بالمنكب والكعب بالكعب النعمانُ بن بشير، وزاد: الركبة بالركبة، فقال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس بوجهه، فقال: أقيموا الصفوف، ثلاثاً، والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم.
قال النعمان: فرأيت الرجل يلصق منكبه بمنكب صاحبه، وركبته بركبة صاحبه، وكعبه
بكعبه (1) .
قال الألباني معلقاً على حديث أنس والنعمان السّابقَيْن: ((وفي هذين الحديثين، فوائد هامّة:
الأولى: وجوب إقامة الصفوف وتسويتها والتراص فيها، للأمر بذلك، والأصل فيه الوجوب إلا لقرينه، كما هو مقرر في الأصول، والقرينة هنا تؤكد الوجوب، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:
((أو ليخالفن الله بين قلوبكم)) فإن مثل هذا التهديد، لا يقال فيما ليس بواجب، كما لا يخفى.
الثانية: أن التسوية المذكورة، إنما تكون بلصق المنكب بالمنكب، وحافة القدم بالقدم، لأن هذا هو الذي فعله الصحابة رضي الله عنهم حين أمروا بإقامة الصفوف (2) .
ومن المؤسف أن هذه السنّة من التسوية، قد تهاون بها المسلمون، بل أضاعوها، إلا قليل منهم، فإني لم أرها عند طائفة منهم إلا أهل الحديث، فإني رأيتهم في مكة سنة (1368) حريصين على التمسك بها، كغيرها من سنن المصطفى عليه الصلاة والسلام، بخلاف غيرهم من أتباع المذاهب الأربعة ـ لا استثني منهم حتى الحنابلة ـ فقد صارت هذه السنّة عندهم نسياً منسيّاً، بل إتهم تتابعوا على هجرها، والإعراض عنها، ذلك لأن أكثر مذاهبهم نصّت على أن السنة في القيام التفريج بين القدمين بقدر أربع أصابع، فإن زاد كره، كما جاء
مفصّلاً في ((الفقه على المذاهب الأربعة)) : (1/207) ، والتقدير المذكور لا أصل له في السنة، وإنما هو مجرد رأي، ولو صح لوجب تقييده بالإمام والمنفرد، حتى لا يعارض به هذه السنة الصحيحة، كما تقتضيه القواعد الأصوليّة.
أنني أُهيب بالمسلمين – وخاصة أئمة المساجد – الحريصين على اتباعه صلى الله عليه وسلم، واكتساب فضيلة إحياء سنته صلى الله عليه وسلم، أن يعملوا بهذه السنة، ويحرصوا عليها، ويدعوا الناس إليها، حتى يجتمعوا عليها
جميعاً، وبذلك ينجون من تهديد: أو ليخالفن الله بين قلوبكم)) (1) انتهى.
قلت: ما لم يفعل المصلّون ما فعله أنس والنعمان رضي الله عنهما، ستبقى
الفرجُ والخللُ في الصفوف، والمشاهد أن المصلين - على الغالب - لو تراصوا، لاتّسعت الصفوف - وخاصة الأوّل منها - اثنين أو ثلاثة آخرين، فإن لم يفعلوا:
أولاً: وقعوا في المحظور الشرعي السابق.
ثانياً: تركوا الخلل للشيطان، وقطعهم الله سبحانه.
عن ابن عمر – رضي اللع نهههما – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولا تذروا فرجات للشيطان، مَنْ وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله (2) .
والفُرجات: جمع فُرجة، وهي المكان الخالي بين الاثنين.
والخلل: هو ما يكون بين الاثنين من اتساع عند عدم التّراص.
ثالثاً: تضاربت قلوبهم، وكثر الخلاف بينهم (3) ، إذ في حديث النّعمان فائدة أصبحت معروفة في علو النفس، وهي: أن فساد الظّاهر يؤثر في فساد الباطن، والعكس بالعكس. مع أن في سنة التراص والتزاحم في الصف، ما يوحي للنفوس بالأخوّة والتعاون، فكتف الفقير ملتصقة بكتف الغني، وقدم الضعيف لاصقة بقدم القويّ، وكلها صف واحد، كالبنيان المرصوص المتماسك.
رابعاً: فاتهم الثّواب العظيم، الوارد في كثير من الأحاديث الصحيحة، منها:
قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله وملائكته يصلّون على الذين يصلون الصفوف)) (4) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من وصل صفاً وصله الله)) (2) .
((خياركم ألينكم مناكب في الصّلاة، وما من خطوة أعظم أجراً من خطوة مشاها رجل إلى فُرجةٍ في الصف، فَسَدَّها)) (3) .
وفي هذا الحديث:
[3/33] تنبيه لذلك الصنف من المصلّين، الذين يأنفون أن يصف بجانبهم أحدٌ، على الرغم من وجود الفرجة في الصف، فطالما شاهدنا مصلّين - خصوصاً كبار السّن - يرجعون من الصف إلى الذي يليه، إنْ جاء محبٌّ للسنّة، طامعاً في ثواب الله ليسدّ فرجة، وليتذكر هؤلاء قوله صلى الله عليه وسلم:((خياركم ألينكم مناكب في الصلاة)) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لينوا بأيدي إخوانكم)) (4) ، والذّكرى تنفع المؤمنين.
قال ابن الهمام بعد أن أورد الحديث السابق: ((وبهذا يعلم جهل مَنْ يستمسك عند دخول داخل بجنبه في الصف، ويظن أن فسحه له رياء، بسبب أنه يتحرك لأجله، بل ذاك إعانة له على إدراك الفضيلة، وإقامة لسدّ الفرجات المأمور بها في الصف، والأحاديث في هذا شهيرة كثيرة)) (5) . وفيه:
[4/33] فضل المشي لسدّ فرجة، وإن كان صاحبها في الصّلاة، فمن رأى مِنَ المأمومين فرجة، فليتقدم خطوةً لسدها، إن كانت في الصف الذي أمامه، فإن لم يتقدم أحد، فليسدها من كانت الفرجة بجانبه، عن طريق المشي إلى جهة اليسار، إنْ كان واقفاً عن يمين الإمام، مإلى جهة اليمين، إن كان واقفاً عن شماله، لقوله صلى الله عليه وسلم:
((رصُّوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق، فوالذي نفسي بيده، إني لأرى الشيطان يدخل من خَلَل الصفّ كأنها الحَذَف)) (1) .
والحَذَف:غنم سود صغار حجازية أو جُرَشيّة، بلا أَذناب ولا آذان، كما في ((القاموس)) .
ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ سَدّ فُرْجَةً، رفعه الله بها درجة، وبنى له بيتاً في الجنة)) (1) .
[5/33] ومن واجبات الإمام أن يتفقد الصفوف، وأن يأمر بسدّ الفرج، حتى
إذا رأى الصفوف استوت كبّر، كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
عن النعمان بن بشير – رضي الله عنه – قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسوِّي صفوفنا، حتى كأنما يُسوِّي بها القِدَاح (2) ، حتى رأى أنّا قد عقلنا عنه، ثم خرج يوماً، فقام، حتى كاد يُكبِّر، فرأى رجلاً بادياً صدره من الصف، فقال: عباد الله!! لتُسوُّنَّ صفوفكم، أو ليخالفنّ اللهُ بين وجوهكم (3) .
في الحديث: ضرورة تسوية الصفوف، واعتناء الإمام بها، والحثّ عليها.
ومضى في حديث أنس قوله صلى الله عليه وسلم: ((أقيموا صفوفكم وتراصّوا)) (4) .
[6/33] ويتبيّن من هذين الحديثين: ((أن شروع الإمام في تكبيرة الإحرام، عند قول المؤذّن ((قد قامت الصلاة)) بدعة، لمخالفتها السنّة الصحيحة، كما يدلّ على ذلك هذان الحديثان، لا سيما الأوّل منهما، فإنهما يفيدان أن على الإمام بعد إقامة الصلاة واجباً ينبغي عليه القيام به، وهو أمر الناس بالتسوية مذكراً لهم بها، فإنه مسؤول عنهم:((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)) (5)) ) (6) .
[7/33] ومن القصور: اقتصار بعض الأئمة على قولهم: ((استووا، استووا)) فقط!! أو
الاكتفاء بمجرد النّظر إلى رؤوس أصابع الرجلين، ومدى قربها وبعدها، عن الحبال الممدودة، ويظنون أنهم بقولهم وفعلهم هذا قد أدّوا ما عليهم، والأدهى من ذلك والأشنع أن يظنوا أن مجرد وقوف المأمومين بالهيئة المشار إليها تسوية للصفوف وإقامة لها!!
وكان عمر بن الخطاب يوكّل رجالاً بإقامة الصفوف، فلا يُكبّر، حتى يُخْبَر أن الصفوف قد استوت، وكان علي وعثمان يتعاهدان ذلك أيضاً، وكان علي يقول: تقدّم يا فلان، تأخر يا فلان (1) .
قال ابن حزم: ((ونستحب أن لا يكبّر الإمام حتى يستوي كل من وراءه في صف أو أكثر من صف، فإن كبّر قبل ذلك أساء وأجزأه)) (2) .
ومن أخطاء بعض الأئمة في هذا الأمر:
[8/33] قولهم: ((إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج)) !! مع أن هذا الحديث لم يصح ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل لا أصل له.
[9/33] ومن أخطائهم: أنه إذا اقتدى بهم واحد فقط، أخّروه عنهم قليلاً بمقدار شير أو دونه، مع أن السنّة، أن لا يتقدم عنه ولا يتأخّر، بل يقف حذاءهُ عن يمينه، هكذا وقف عبد الله بن عباس عندما صلّى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ترجم البخاري لحديثه بقوله:((بلب يقوم عن يمين الإمام بحذائه سواء، إذا كانا اثنين)) (3) .
فقوله: ((سواء)) أخرج به مَنْ كان إلى جنبه، لكن على بُعد منه، ومعناه: لا
يتقدم ولا يتأخّر عنه (4) .
ويتأيّد هذا بما يلي:
أولاً: لو وقع تأخّر عن الإمام حال صلاة رجل واحد معه، لنُقل لنا، لا سيما أن الاقتداء به أفراد الصحابة قد تكرر.
ثانياً: وقع تصريح في بعض طرق صلاة ابن عباس مع النبي صلى الله عليه وسلم، جاء فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم له:
((ما شأني أجعلك حذائي - يعني في الصّلاة - فتخنس؟)) (1) .
وأدار رسول الله صلى الله عليه وسلم جابراً إلى يمينه ووضعه بجانبه، لما وقف عن يساره، كما في صحيحي البخاري ومسلم.
قال الإمام مسلم: ((وكذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في سائر الأخبار عن ابن عباس أن الواحد مع الإمام يقوم عن يمين الإمام لا عن يساره)) (2) .
قال ابن ضويان: ((ويقف الرجل الواحد عن يمين الإمام محاذياً له، لأنه صلى الله عليه وسلم أدار ابن عباس وجابراً إلى يمينه، لما وقفا عن يساره)) (3) .
ثالثاً: وهذا ما فعله الصحابة رضوان الله عليهم.
عن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: دخلت على عمر بن الخطاب بالهاجرة، فوجدتُه يسبّح، فقمتُ وراءه، فقرّبني حتى جعلني حذاءه عن يمينه (4) .