الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[23] * جملة من أخطاء المؤذّنين، ومستمعي الأذان:
لا يفوتنا أن نشير في بداية هذا المبحث إلى أن وظيفة المسجد تتطلب مؤذّناً ينوب عن الإمام في كل ما يقوم به، وقد خلّف الرسول صلى الله عليه وسلم ابن أُم مكتوم في المدينة في بعض أسفاره، وكان مُؤَذّنوه على مستوى هذه النيابة. . إنه مؤذّن يقرأ ويكتب، ويفهم ويضبط الأوقات، ويساعد جماعة المسجد لإقامة الجماعات في المسجد.
وإن مما يؤسف له اليوم، ومن سلسلة ضياع المسجد، وكثافة الضباب على مناره أن كثيراً ممن يزاولون الأذان لا يعرفونه ولا يدركون عظم مسؤولية هذه الشعيرة في الشريعة. . . .!!
وقد سمعنا بعض المؤذنين لا يعرفون الأَذان، بل لا يعرف السامع لهم: هل هم يؤذّنون، أم يبكون، أم يصرخون (1) . .؟!
بعد هذا، نتعرض لمجموعةٍ من الأخطاء في حكم الأذان وكيفيته وطريقته، فنقول والله المستعان:
[1/23] المشهور عند الناس أنّ الأذان لجماعة الرجال في الحضر مندوب،
و ((لا نشك مطلقاً في بطلانه، كيف وهو من أكبر الشّعائر الإسلاميّة، التي كان عليه الصلاة والسلام إذا لم يسمعه في أرض قوم، أتاهم ليغزوهم، وأغار عليهم، فإنْ سمعه فيهم، كفَّ عنهم، كما ثبت في ((الصحيحين)) وغيرهما، وقد ثبت الأمر به في غير ما حديث صحيح، والوجوب يثبت بأقلّ من هذا، فالحقّ أن الأذان فرض على الكفاية)) (2) وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، ومذهب المالكية والحنابلة وعطاء ومجاهد والأوزاعي.
قال العدوي: ((وأما في المصر فهو فرض كفاية، ويقاتلون على تركه)) (3) .
وقال ابن عبد البر: ((ولا أعلم اختلافاً في وجوب الأذان جملة على أهل المصر، لأن الأذان هو العلامة الدالة المفرّقة بين دار الإسلام ودار الكفر)) (1) .
وقال ابن قدامة: ((ومن أوجب الأذان من أصحابنا، فإنما أوجبه على أهل المصر، كذلك قال القاضي، لا يجب على غير أهل المصر من المسافرين)) وعلل ذلك بقوله: ((وذلك أن الأذان إنما شرع في الأصل للإِعلام بالوقت، ليجتمع الناس إلى الصلاة، ويدركوا الجماعة، ويكفي في المصر أذان واحد، إذا كان بحيث يسمعهم)) (2) .
بقي بعد هذا: أن الأذان عند الحنفية سنّة مؤكدة، من شعائر الدّين، يأثم تاركُه، وهو مشهور مذهب الشافعية، كما في ((المجموع)) :(3/82) و ((الروضة)) : (1/195) لأن ترك السنة المؤكدة، بمنزلة ترك الواجب العملي في
الإِثم.
فنزاعهم قريب من النّزاع اللفظي، فإن كثيراً من العلماء يطلق القول بالسنّة على ما يذم تاركه شرعاً، ويعاقب تاركه شرعاً، فالنزاع بين الحنفية والشافعية، وبين مَنْ يقول: إنه واجب، نزاع لفظي، ولهذا نظائر متعددة، كما قال ابن تيمية رحمه الله تعالى (3) .
وقال رحمه الله تعالى: ((وأما مَنْ زعم أنه سنة، لا إثم على تاركيه، فهذا القول خطأ)) (4) .
وقال الشوكاني: ((والحاصل: أنه ما ينبغي في مثل هذه العبادة العظيمة، أن يتردد متردد في وجوبها، فإنها أشهر من نار على علم، وأدلتها هي الشمس المنيرة)) (5) .
بعد هذا العرض الموجز، في دحض اعتقاد غير الصواب في حكم الأذان عند عوام الناس، نتعرض – وبإيجاز أيضاً – إلى جملة من أخطاء المؤذّنين، فنقول، والله المستعان، لا ربّ غيره:
[2/23] أوّلاً: رفع الصّوت بالصّلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم بعده، كما جرت به عادةُ
غالب مؤذّني الزّمان، فهو بدعة مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم (1) .
بل لا دليل على إسرار المؤذّن بالصّلاة والسّلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم عقب الأذان.
فإن قيل: هو داخل في قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا سمعتم المؤذّن فقولوا مثلما يقول، ثم صلّوا عليّ)) .
فالجواب: إن الخطاب فيه للسامعين المأمورين بإجابة المؤذّن، ولا يدخل فيه المؤذّن نفسه، وإلا لزم القول بأنه يجيب أيضاً نفسه بنفسه، وهذا لا قائل به، والقول به بدعة في الدّين.
فإن قيل: فهل يمنع المؤذّن من الصّلاة عليه صلى الله عليه وسلم سراً؟
قلت: لا يمنع مطلقاً، وإنما يمنع من أن يلتزمها عقب الأذان خشية الزّيادة فيه، وأن يلحق به ما ليس منه، ويسوى بين من نصّ عليه صلى الله عليه وسلم وهو السامع - ومن لم ينص عليه - وهو المؤذّن - وكل ذلك لا يجوز القول به، فليتأمل (2) .
[3/23] ثانياً: التلحين في الأذان، والتغنّي فيه، بما يؤدّي إلى تغيير الحروف والحركات والسكنات، والنّقص والزّيادة، محافظة على توقيع النّغمات، ورحم الله الإمام القرطبي، فإنه قال:((وحكم المؤذّن أن يترسل في أَذانه، ولا يطّرب به، كما يفعله اليوم كثير من الجهّال، بل وقد أخرجه كثير من الطّغام والعوام عن حدّ الإطراب، فيرجعون فيه الترجيعات، ويكثرون فيه التقطيعات، حتى لا يفهم ما يقول، ولا بما به يصول)) (3) .
[4/23] ثالثاً: وجراء حبّ الطّرب وسماع أصوات المؤذّنين المشهورين بالتنغيم والتطريب، انتشرت بدعة الأذان عن طريق مسجلات الصّوت!!
وقد يضعون شريط أذان الفجر سهواً، فتنادي الآلة نهاراً (الصلاة خير من النّوم) ، أو يستمر الشريط بعد الأذان ويكون فيه موسيقى أو غناء (1) !!
وإن الأذان عن طريق مسجلات الصّوت فيه محاذير كثيرة، منها:
1ـ تفويت الأجر والثواب على المؤذّنين، وقصره على المؤذّن الأصلي.
2ـ فيه مخالفة لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا حضرت الصلاة، فليؤذّن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم)) (2) .
3-
إنّ فيه مخالفة للمتوارث بين المسلمين من تاريخ تشريعه في السنّة الأولى من الهجرة وإلى الآن، بنقل العمل المستمر بالأذان لكل صلاة من الصّلوات الخمس، في كل مسجد، وإن تعددت المساجد في البلد الواحد.
4-
إن النية من شروط الأذان، ولهذا لا يصح من المجنون، ولا من السكران، ونحوهما، لعدم وجود النية في أدائه، فكذلك في التسجيل المذكور.
5-
إن الأذان عبادة بدنيّة.قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: ((وليس للرجل أن يبني على أذان غيره، لأنه عبادة بدنيّة، فلا يصح من شخصين كالصلاة)) (3) .
6-
إنه يرتبط بمشروعية الأذان لكل صلاة، في كلّ مسجد، سنن وآداب، ففي الأذان عن طريق التسجيل، تفويت لها، وإماتة لنشرها، مع فوات شروط النية فيه.
7-
إنه يفتح على المسلمين، باب التلاعب بالذّين، ودخول البدع على المسلمين، في عباداتهم وشعائرهم، لما يفضي إليه من ترك الأذان بالكليّة، والاكتفاء بالتّسجيل.
وبناء على ما تقدم فإن مجلس المجمع الفقهي الإِسلامي برابطة العالم الإسلامي، المنعقد بدورته التاسعة، في مكة المكرمة، من يوم السبت 12/7/1406هـ قرر ما يلي:
إن الاكتفاء بإذاعة الأذان في المساجد، عند دخول وقت الصلاة، بواسطة آلة التسجيل
ونحوها، لا يجرىء ولا يجوز في أداء هذه العبادة، ولا يحصل به الأذان المشروع، وأنه يجب على المسلمين، مباشرة الأذان لكل وقتٍ من أوقات الصلوات، في كلّ مسجدٍ، على ما توارثه المسلمون من عهد نبيّنا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى الآن، والله الموفق.
وقد صدرت مجموعة من الفتاوى من فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ برقم (35) في 3/1/1387هـ ومن هيئة كبار العلماء بالمملكة في دورتها المنعقدة في شهر ربيع الآخر/ عام 1398هـ ومن الهيئة
الدائمة بالرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والدعوة والإرشاد في المملكة برقم (5779) في 4/7/1403 هـ، وتتضمن هذه الفتاوى الثلاث عدم الأخذ بذلك، وأن إذاعة الأذان عند دخول وقت الصلاة في المساجد، بواسطة آل التسجيل ونحوها لا تجزىء في أداء هذه العبادة.
[5/23] رابعاً: قال في ((شرح العمدة)) من كتب الحنابلة:
((يكره قول المؤذّن قبل الأذان: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} (1) وكذلك إن وصله بعد بذكرٍ، لأنه محدث)) .
وفي ((الإِقناع)) وشرحه من كتبهم أيضاً: ((وما سوى التأذين قبل الفجر من التسبيح والنشيد، ورفع الصوت بالدّعاء ونحو ذلك، في المآذن، فليس بمسنونٍ، وما أحد من العلماء قال إنه يستحب، بل هو من جملة البدع المكروهة، لأنه لم يكن في عهده صلى الله عليه وسلم، ولا عهد أصحابة، وليس له أصل فيما كان على عهدهم
يردّ إليه، فليس لأحد أن يأمر به، ولا ينكر على مَنْ تركه، ولا يعلّق استحقاق الرّزق به، لأنه إعانة على بدعة، ولا يلزم فعله، ولو شرطه واقف، لمخالفته السنّة)) (2) .
وقال ابن الجوزي: ((وقد رأينا مَنْ يقوم بالليل كثيراً على المنارة، فيعظ ويذكّر، ويقرأ سورة من القرآن، بصوتٍ مرتفعٍ، فيمنع النّاس من نومهم، ويخلط على المتهجدين قراءتهم، وكل ذلك من المنكرات)) (3) .
قلت: فما بالك إنْ استخدمت في التسابيح والتذكيرات مكبرات الصّوت؟! إنها حقّاً دعاية سيّئة مبتدعة للإسلام، وتشويه لثوبه الزاهي القشيب، وتنفير عن السكنى بالقرب من المسجد بسبب ماذا؟!
بسبب الزّعيق الذي فيه كثير من العبارات السخيفة المستهجنة، المخالفة لعقيدة التوحيد، كقول المذكِّر!! عن الرسول صلى الله عليه وسلم:((يا أوّل خلق الله)) !! و ((يا ساكن الحجرة)) !! وكأن الحجرة هي التي شرفت الرسول صلى الله عليه وسلم (1) .
[6/23] خامساً: الأذان داخل المسجد:
إن الأذان في المسجد، أمام مكبّر الصّوت، لا يشرع لأُمور، منها:
التشويش على مَنْ فيه مِنَ التّالين والمصلّين والمذكّرين.
ومنها:عدم ظهور المؤذّن بجسمه، فإن ذلك من تمام هذا الشّعار الإِسلامي العظيم (الأذان) .
لذلك نرى: أنه لا بد للمؤذن من البروز على المسجد، والتأذين أمام المكبّر، فيجمع بين المصلحتين، وهذا التحقيق يقتضي، اتخاذ مكان خاص فوق المسجد، يصعد إليه المؤذّن، ويوصل إليه مكبّر الصوت، فيؤذّن أمامه، وهو ظاهر للناس.
ومن فائدة ذلك: أنه قد تنقطع القوّة الكهربائية (2) ، ويستمر المؤذّن على أذانه وتبلغه إياه إلى الناس من فوق المسجد، بينما هذا لا يحصل، والحالة هذه، إذا كان يؤذّن في المسجد، كما هو ظاهر.
ولا بد من التّذكير هنا بأنه لا بدّ للمؤذّنين من المحافظة على سنة الالتفات يمنة ويسرة عند الحيعلتين، فإنه كادوا أن يطبقوا على ترك هذه السنّة، تقيّداً منهم باستقبال لاقط الصّوت، ولذلك نقترح وضع لاقطين على اليمين واليسار قليلاً، بحيث يجمع بين تحقيق السنة المشار إليها والتبليغ الكامل.
ولا يقال: إن القصد من الالتفات هو التبليغ فقط، وحينئذ فلا داعي إليه مع
وجود المكبّر!! لأننا نقول: إنه لا دليل على ذلك، فيمكن أن يكون في الأمر، مقاصد أخرى، قد تخفى على الناس، فالأولى المحافظة على هذه السنّة، على كلّ حال (3) .
وبهذه المناسبة ننبّه إلى أن السنة الالتفات بالرأس يمنة ويسرة، دون الصدر، ((أما تحويل الصدر، فلا أصل له في السنّة البتة، ولا ذكر له في شيء من الأحاديث الواردة في تحويل العنق)) (1) .
نقل حرب عن الإمام أحمد: هل يدور في المنارة؟ فقال: يلتفت عن يمينه وشماله، وأما الدّوران، فكأنه لم يعجبه (2) .
[7/23] سادساً: التثويب في الأذان الثّاني للصبح وإيقاعه قبل وقته.
ومن أخطاء المؤذّنين أنهم لا يؤذّنون للصبح إلا أذاناً واحداً، ومن يؤذّن منهم أذانين، فإنهم يقعون فيما يلي:
1-
إيقاع الأذان قبل وقته.وهذا الخطأ من الأخطاء القديمة الجديدة، فقد شكى منه الحافظ ابن حجر العسقلاني - رحمه الله تعالى - فقال:((من البدع المنكرة، ما أحدث في هذا الزّمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان)) وقال أيضاً: ((وقد جرّهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذّنون إلا بعد الغروب بدرجةٍ، لتمكين الوقت، زعموا!! ، فأخّروا الفطر، وعجّلوا السّحور، وخالفوا السنّة، فلذلك قلّ عنهم الخيرُ، وكَثُر فيهم الشر، والله
المستعان)) (3) .
2-
التثويب في الأذان الثاني للصبح.وهذا خطأ آخر، إنما يشرع التثويب في الأذان الأوّل، الذي يكون قبل دخول الوقت بنحو ربع ساعة تقريباً، لحديث ابن عمر رضي الله عنه قال:((كان في الأذان الأول بعد حي على الفلاح: الصّلاة خير من النّوم، مرتين)) (4) .
وحديث أبي محْذورة مطلق، وهو يشمل الأذانين، ولكن الأذان الثاني غير مراد، لأنه جاء
مقيّداً في رواية أُخرى بلفظ: ((وإذا أذّنت بالأول من الصبح، فقل: الصّلاة خير من النّوم، الصّلاة خير من النّوم)) (1) .
فاتّفق حديثه مع حديث ابن عمر.
ولهذا قال الصّنعاني معقّباً على اللفظ السابق: ((وفي هذا تقييد لما أطلقته الروايات. قال ابن رسلان: وصحح هذه الرواية ابنُ خزيمة. قال: فشرعية التثويب إنما هي في الأذان الأوّل للفجر، لأنه لإيقاظ النّائم. وأما الأذان الثاني، فإنه إعلام بدخول الوقت، ودعاء إلى الصلاة. اهـ. من ((تخريج الزركشي لأحاديث الرافعي)) . ومثل ذلك في ((سنن البيهقي الكبرى)) عن أبي محذورة: أنه كان يثوب في الأذان الأوّل من الصّبح بأمره صلى الله عليه وسلم.
قلت: وعلى هذا ليس ((الصلاة خير من النوم)) من ألفاظ الأذان المشروع
للدّعاء إلى الصلاة، والإخبار بدخول وقتها، بل هو من الألفاظ التي شرعت لإيقاظ النائم، فهو كألفاظ التسبيح الأخير، الذي اعتاده الناس في هذه الأعصار المتأخّرة، عوضاً عن الأذان الأوّل (2) .
وهذا ما أيّده العلّامة الطحاوي، وقال فيه:((وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى)) (3) .
ومما سبق: يتبيّن أن جعل التثويب في الأذان الثاني بدعة، مخالفة للسنة، وتزداد المخالفة حين يعرضون عن الأذان الأول بالكليّة، ويصرّون على التثويب في الثّاني، فما أحراهم بقوله تعالى:{أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْر} (4)
…
وبقوله سبحانه: {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} (5)
[8/23] ومن الجدير بالذّكر في هذا المقام: أن من السنن المهجورة في زماننا: أن يكون مؤذّن الأذان الأوّل، غير مؤذّن الأذان الثاني، كما ثبتت في ذلك الأحاديث الصحيحة، فهنيئاًً لمن
وفّقه الله تبارك وتعالى لإحيائها (1) .
وستأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ جملةٌ من أخطاء المؤذّنين بين يدي خطيب يوم الجمعة، في ((جماع أخطاء المصلّين في صلاة الجمعة)) .
وأخيراً. . . لا يفوتنا أن نشير إلى أخطاء غير المؤذنين عند سماعهم الأذان، فمن ذلك:
[9/23] * مسح العينين أثناء الأذان بالإبهامين.
أورد أبو العباس أحمد بن أبي بكر الرداد اليماني المتصوّف في كتابه ((موجبات الرحمة وعزائم المغفرة)) بسندٍ فيه مجاهيل مع انقطاعه عن الخضر عليه السلام أنه: من قال حين يسمع المؤذّن، يقول:(أشهد أن محمداً رسول الله) مرحباً بحبيبي وقرّة عيني محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ثم يقبل إبهاميه، ويجعلهما على عينيه، لم يرمد أبداً.
قال السخاوي بعد إيراد هذا الحديث وآخر نحوه: ((ولا يصح في المرفوع من كل هذا شيء)) (2) .
هذا مستند العوام، فيما يفعلونه، حين سماعهم المؤذّن، يقول: أشهد أن محمداً رسول الله، ومنه تعلم خطأهم، وفّقنا الله ـ وجميع المسلمين ـ لما يحب ويرضى، وللعمل الصالح، ولصالح العمل، اللهم آمين.
[10/23] (عدم متابعة المؤذّن وسبقه في بعض العبارات.
ومن أخطاء المصلّين عند سماعهم الأذان، قولهم:(لا إله إلا الله) قبل أن يتلفظ بها المؤذّن، فتسمعهم حين يقول المؤذن في آخر الأذان (الله أكبر، الله أكبر) يقولون (لا إله إلا الله) وبهذا يفوتهم القول مثل ما يقول المؤذن، فضلاً عن مسابقته.
[11/23] ومن تمام السنّة أن يقول السامع للأذان، عند قول المؤذّن:((حي على الصلاة)) و ((حي على الفلاح)) مثل ذلك، ومن ثم يقول: ((لا حول ولا قوة إلا
بالله)) عملاً بالأحاديث جميعها، وإعمال الأدلة كلها، خير من إهمالها، أو إهمال بعضها، وفي هذا، دعوة الإنسان نفسه
بالإجابة بمثل ما يقول المؤذّن، ويتبرّأ من حوله وقوته (1) .
وينبغي تدارك إجابة المؤذّن، إنْ كان المستمع في شغل، ولم يطل الفصل، ويبطل التدارك بطول الفصل (2) .
ومن أخطائهم أيضاً:
[12/23] زيادة بعض الألفاظ التي لم تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عند انتهاء الأذان،
من مثل: ((والدرجة الرفيعة)) و ((يا أرحم الراحمين)) .
قال فيها ابن حجر: ((وليس في شيء من طرقه ذكر ((الدّرجة الرّفيعة)) وزاد الرافعي في ((المحرر)) في آخره: ((يا أرحم الراحمين)) وليست أيضاً في شيء من طرقه)) (3) .
ومن مثل: ((إنك لا تخلف الميعاد)) .
وهي عند البيهقي في ((السنن الكبرى)) (4) إلا أنها شاذة، لأنها لم ترد في جميع طرق الحديث عن علي بن عياش، اللهم إلا في رواية الكشمهيني لصحيح البخاري، خلافاً لغيره، فهي شاذة لمخالفتها لروايات الآخرين للصحيح، وكأنه لذلك لم يلتفت إليها الحافظ، فلم يذكرها في ((الفتح)) (5) على طريقته في جمع الزّيادات من طرق الحديث (6) .