الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأوّل الذي هو أفضل ما يقام فيه بالسنّة والإجماع، وإذا كان كذلك، فيمتنع أن تكون الصَّلاة في غير مسجده، أفضل منها في مسجده، وأن يكون الخلفاء يصلّون في غير مسجده، وما بلغني عن أحدٍ من السّلف خلاف هذا.
لكن رأيتُ بعض المتأخرين قد ذكروا أن الزّيادة ليست من مسجده، وما علمت له في ذلك سلفاً من العلماء)) (2) .
[45] * صلاة الجماعة في غير المساجد:
يظنّ كثير من البطّالين حين اجتماعهم في مجالس الدّنيا والخوض ـ بحق وباطل ـ في أمورها، ويحين موعد الآذان، أن صلاتهم في ناديهم ذاك، تسقط عنهم الجماعة في المسجد، وأنهم ينالون ثواب الجماعة، كما لو صلوها في المسجد، ولو لم يكن يبعد عنهم إلا أمتاراً يسيرة!!
قال الحافظ ابن حجر: ((وقد جاء عن بعض الصحابة قصر التضعيف إلى خمس وعشرين، على التجميع ـ أي في المسجد الجامع ـ وفي المسجد العام، مع تقرير الفضل في غيره.
وروى سعيد بن منصور بإسنادٍ حسن: عن أوس المعافري أنه قال لعبد الله بن عمرو بن العاص: أرأيت مَنْ توضأ، فأحسن الوضوء، ثم صلّى في بيته؟! قال: حسن جميل. قال: فإن صلى في مسجد عشيرته؟ قال: خمس عشرة صلاة. قال: فإن مشى إلى مسجد جماعة، فصلّى فيه؟
قال: خمس وعشرون)) (1) .
قلت: وهذا مذهب الإمام البخاري رحمه الله، أعني: أن الأحاديث الواردة في فضل الجماعة، مقصورة على من جمع في المسجد، دون من جمع في بيته، كما في ((الفتح)) (2) و ((إرشاد الساري)) (3) و ((لامع الدّراري)) (4) .
وإلى هذا ذهب بعض الفقهاء؛ قال ابن نجيم: ((من جمع بأهله لا ينال ثواب الجماعة، إلا إذا كان لعذر)) (5) .
ويتأيّد ما قلناه: إذا علمتَ: أن الجماعة في نظر الشّارع، تكون في المساجد دون البيوت، فإن الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ إذا طمعوا في إدراك الجماعة، لم يكونوا يصلّونها في البيوت، وكانوا يذهبون إلى المساجد، فإن فاتتهم الجماعة صلّوها في البيوت. فجماعتهم لم تكن إلا في المسجد، ولم تكن في البيت إلا الصلاة منفرداً، وقد تغيّر العرف في زمننا، فجعل بعضُ المترفّهين يجمعون في بيوتهم (6) !
قال صلى الله عليه وسلم: ((صلاة الرجل في الجماعة، تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً، وذلك أنه إذا توضّأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد، لا يخرجه إلا الصّلاة، لم يخْطُ خطوة، إلا رفعت له بها درجة، وحطّ عنه بها خطيئة، فإذا صلّى لم تزل الملائكة تصلّي عليه، ما دام في مصلاّه: اللهم صلّ
عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة)) (1) .
فقوله صلى الله عليه وسلم: ((ثم خرج إلى المسجد)) علّةٌ منصوصة، فلا يجوز إلغاؤها، وحينئذ يختص تضعيف الأجر بمن أتاها من البعد، فلا يحصل التضعيف لمن صلّى في بيته في جماعة.
قال الكشميري: ((إن شئت، قلت: إنّ الصّلاة في البيت مفضولة عن الصلاة في المسجد، فإنهما عبارتان عن معنى واحد، على الفرض المذكور، بقي تجميع فائت الجماعة في بيته، فهو بمعزل عن النظر، لأنه من العوارض، لا أن الجماعات مشروعة في البيوت، لتبنى عليها الأحكام)) (2) .
قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ: ((ومن تأمل السنّة حق التّأمل، تبيّن له أن فعلها في المساجد فرض على الأعيان إلا لعارضٍ يجوز معه ترك الجمعة والجماعة، فترك حضور المسجد لغير عذر كترك أصل الجماعة لغير عذر، وبهذا تتفق حميع الأحاديث والآثار.
ولما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبلغ أهل مكة موته، خطبهم سهيل بن عمرو، وكان عتاب بن أسيد عامله على مكة، وقد توارى خوفاً من أهل مكة، فأخرجه سهيل، وثبت أهل مكة على الإسلام، فخطبهم بعد ذلك عتاب، وقال: يا أهل مكة! والله لا يبلغني أن أحداً منكم تخلّف عن الصّلاة في المسجد في الجماعة إلا ضربتُ عنقه.
وشكر أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الصّنيع، وزاده رفعة في أعينهم، فالذي ندين الله به أنه لا يجوز لأحد التخلف عن الجماعة في المسجد إلا من عذر، والله أعلم بالصواب)) (3) .