المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[40] * دعاء المأمومين أثناء قراءة الإمام الفاتحة وعند الانتهاء منها، والتنبيه على أغلاط في التأمين وأثناء قراءة الإمام وفيها: - القول المبين في أخطاء المصلين

[مشهور آل سلمان]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الفصل الأولجماع أخطاء المصلّين في ثيابهم وستر عوراتهم في الصلاة

- ‌ تمهيد:

- ‌[1] * الصّلاة في الثّياب الحازقة التي تصف العورة:

- ‌[2] * الصلاة في الثيّاب الرقيقة الشّفافة:

- ‌[3] * الصّلاة والعورة مكشوفة: يقع في الخطأ، الأصناف التّالية من النّاس:

- ‌[4] * صلاة مُسْبِل الإزار:

- ‌[5] * سدل الثوب والتلثّم في الصّلاة:

- ‌[6] * كفّ الثّوب في الصّلاة ((تشميره)) :

- ‌[7] * صلاة مكشوف العاتقين

- ‌[8] * الصَّلاة في الثّوب الذي عليه صورة:

- ‌[9] * الصَّلاة في الثَّوب المعَصْفَر:

- ‌[10] * صلاة مكشوف الرأس:

- ‌الفصل الثانيجماع أخطاء المصلّين في أماكن صلاتهم

- ‌[11] * السجود على تربة كربلاء، واتخاذ قرص منها للسجود عليه عند الصّلاة، واعتقاد الأجر والفضل في ذلك:

- ‌[12] * الصلاة إلى أماكن فيها صور، أو على سجّادةٍ فيها صور ونقوش، أو في مكان فيه صور:

- ‌[13] * الصّلاة على القبور وإليها:

- ‌[14] * تخصيص مكان للصّلاة في المسجد:

- ‌[15] * أخطاء المصلّين في السترة:

- ‌[16] * الانحراف عن القبلة:

- ‌الفصل الثالثجماع أخطاء المصلّين في صفة صلاتهم

- ‌[17] * الجهر بالنيّة والقول بوجوب مقارنتها مع تكبيرة الإحرام:

- ‌[18] * عدم تحريك اللسان في التكبير وقراءة القرآن وسائر أذكار الصّلاة:

- ‌[19] * جملة من أخطائهم في القيام:

- ‌[20] * جملة من أخطائهم في الرّكوع والقيام منه:

- ‌[21] * جملة من أخطائهم في السجود:

- ‌[22] * جملة من أخطائهم في الجلوس والتّشهد والتسليم:

- ‌الفصل الرابعجماع أخطاء المصلّين في المسجد وصلاة الجماعة

- ‌[23] * جملة من أخطاء المؤذّنين، ومستمعي الأذان:

- ‌[24] * الإسراع في المشي إلى المسجد وتشبيك الأصابع فيه:

- ‌[25] * الخروج من المسجد عند الأذان:

- ‌[26] * دخول الرّجلين المسجد، وتقام الصّلاة، ويحرم الإمام، وهما في مؤخره يتحدّثان:

- ‌[27] * ترك تحية المسجد والسترة لها وللسنّة القبليّة:

- ‌[28] * قراءة سورة الإخلاص قبل إقامة الصّلاة:

- ‌[29] * صلاة النّافلة إذا أُقيمت الصّلاة:

- ‌[30] * التنفل بعد صلاة الفجر، بصلاةٍ لا سبب لها، سوى ركعتي الصّبح:

- ‌[31] * أكل الثوم والبصل وما يؤذي المصلّين قبل الحضور للجماعة:

- ‌[32] * أخطاء مقيمي الصّلاة ومستمعيها:

- ‌[33] * عدم إتمام الصفوف وترك التّراص وسدّ الفُرَج فيها:

- ‌[34] * ترك الصّلاة في الصّف الأوّل ووقوف غير أولي النّهي خلف الإمام فيه:

- ‌[35] * الصّلاة في الصفوف المقطّعة:

- ‌[36] * الوقوف الطّويل، والدّعاء قبل تكبيرة الإحرام، والهمهمة بكلمات لا أصل لها:

- ‌[37] * غلط في النطق بـ ((الله أكبر)) في تكبيرة الإحرام وتكبيرات الانتقال:

- ‌[38] * غلط الأئمة في الجهر والإسرار بالبسملة:

- ‌[39] * غلط في كيفية قراءة الفاتحة:

- ‌[40] * دعاء المأمومين أثناء قراءة الإمام الفاتحة وعند الانتهاء منها، والتنبيه على أغلاط في التأمين وأثناء قراءة الإمام وفيها:

- ‌[41] * مسابقة الإمام ومساواته بأفعال الصّلاة:

- ‌[42] * تكبير المسبوق للإحرام وهو نازل إلى الركوع:

- ‌[43] * انشغال المسبوق بدعاء الاستفتاح، وتأخره عن اللحوق بصلاة الجماعة:

- ‌[44] * ثواب الصّلاة في بيت المقدس:

- ‌[45] * صلاة الجماعة في غير المساجد:

- ‌[46] * صلاة الجماعة الثانية، وتعدد الجماعات في المسجد الواحد، والأنفة عن الصلاة خلف المخالف في المذاهب:

- ‌[47] * التشديد في التخلّف عن الجماعة:

- ‌الفصل الخامسجماع أخطاء المصلّين بعد الصلاة: جماعة كانت أم منفردة

- ‌[48] * أخطاء المصلّين في السّلام والمصافحة:

- ‌[49] * أخطاء المصلين في التّسبيح:

- ‌[50] * السجود للدّعاء بعد الفراغ من الصّلاة:

- ‌[51] * السّمر بعد صلاة العشاء:

- ‌[52] * التّسبيح والدّعاء الجماعي والتّشويش على المصلّين:

- ‌[53] * المرور بين يدي المصلِّين:

- ‌الفصل السادسجماع أخطاء المصلّين في صلاة الجمعة والتّشديد في حقّ مَنْ تركها

- ‌ تمهيد:

- ‌[54] * تخلّف آلاف من مشاهدي كرة القدم عن صلاة الجمعة:

- ‌[55] * تخلّف حرس الملوك والسّلاطين عن صلاة الجمعة، ووقوفهم على أبواب المسجد، حاملي السّلاح، حراسة عليهم:

- ‌[56] * تخلّف العروس (3) عن صلاة الجمعة والجماعة:

- ‌[57] * التخلّف عن صلاة الجمعة لتنزه:

- ‌[58] * جملة من الأخطاء تفوّت على أصحابها ثواب الجمعة:

- ‌[59] * سنّة الجمعة القبليّة:

- ‌[60] * أخطاء المصلّين في صلاة تحية المسجد يوم الجمعة:

- ‌[61] * جملة من أخطاء الخطباء:

- ‌[62] * أخطاء المصلّين في سنّة الجمعة البعديّة:

- ‌الفصل السّابعجماع أخطاء المصلّين في صلوات خاصّة وصلاة أهل الأعذار وأُمور أُخرى متفرّقة

- ‌[63] * أخطاء المصلّين في صلاة الاستخارة:

- ‌[64] * أخطاء المصلّين في صلاة العيدين:

- ‌[65] * أخطاء المصلّين في الجمع بين الصّلاتين في الحضر:

- ‌[66] * أخطاء المصلّين في صلاتهم في السّفر:

- ‌[67] * نفي بعضهم مشروعة صلاة الخوف وصلاة الضحى وسجود الشكر وترك صلاة الكسوف:

- ‌[68] * التّنبيه على صلوات خاصّة موضوعة، وعلى أحاديث مشتهرة غير صحيحة في الصّلاة:

- ‌[69] خاتمة:

الفصل: ‌[40] * دعاء المأمومين أثناء قراءة الإمام الفاتحة وعند الانتهاء منها، والتنبيه على أغلاط في التأمين وأثناء قراءة الإمام وفيها:

[3/39] وربما اجتمع لبعضهم مجموعة من الأخطاء المذكورة، إن لم تكن كلّها، ومع هذا، تجده معرضاً عن الاستماع لدروس العلم، صادّاً عن مجالس العلماء، عجلاً إلى مجالس اللغو واللهو، ولا يخفى أن جلوس العالم لبثّ العلم من أكبر النّعم على العامّة، إذ يجب عليهم السعي لطلب العلم النافع، فإذا كان بين أظهرهم، يعظهم ويعلمهم، وهم عنه معرضون، فما أشقاهم! وما أتعسهم! فعليهم أن يتقوا الله في هذه المخالفات، وأن يطلبوا النّجاة، بطلب العلم والفقه في الدّين، فإنه مرقاة النجاة (2) .

[40] * دعاء المأمومين أثناء قراءة الإمام الفاتحة وعند الانتهاء منها، والتنبيه على أغلاط في التأمين وأثناء قراءة الإمام وفيها:

ومن أخطاء المأمومين وأغلاطهم:

[1/40] قولهم: ((استعنت بك يا رب)) حين يقرأ الإمام (إياك نعبد وإياك نستعين) أو قولهم: ((رب اغفر لي ولوالدي)) حين يقرأ الإمام: ((اهدنا الصّراط المستقيم)) .

وبعضهم يهمهم بها وبدعوات أُخرى، عندما يكاد الإمام أن ينتهي من قراءة الفاتحة، وذلك طمعاً في تأمين المأمومين على دعائه، كما في ظنّه، ولم يدر هذا المسكين أن المأمومين يؤمنون على الفاتحة، ولم يخطر ببالهم، لا هو، ولا دعاؤه المبتدع!! ومن الجدير بالذّكر هنا أمران:

[2/40] الأوّل: أنّ من السنّة أن يجهر الإمام بـ ((آمين)) عقب قراءته الفاتحة.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من قراءة أُم القرآن رفع صوته، وقال: آمين (3) .

ص: 236

في الحديث: مشروعية رفع الإمام صوته بالتأمين، وبه يقول الشافعي وأحمد واسحاق وغيرهم من الأئمة.

وهو مذهب البخاري إذ ترجم في ((صحيحه)) : ((باب جهر الإمام بالتّأمين)) وأورد فيه مجموعة آثار معلّقة وحديثاً مرفوعاً، فقال: ((أمَّن ابن الزبير ومن وراءه حتى إن للمسجد للجَّة.

وقال نافع: كان ابن عمر لا يَدَعه، ويحضّهم، وسمعت منه في ذلك خيراً.

وذكر بسنده حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أمّن الإمام فأمِّنوا، فإنه من وافق تأمينُه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)) (1) .

قال ابن حجر: ((وإذا ترّجّح أن الإمام يؤمّن، فيجهر به في الجهريّة، كما ترجم به المصنّف ـ أي الإمام البخاري ـ وهو قول الجمهور، خلافاً للكوفيين ورواية عن مالك فقال: يسرّ به مطلقاً. ووجه الدّلالة من الحديث: أنه لو لم يكن التأمين مسموعاً للمأموم لم يعلم به.

وقد علق تأمينه بتأمينه، وأجابوا بأن موضعه معلوم، فلا يستلزم الجهر به، وفيه نظر لاحتمال أن يخلّ به، فلا يستلزم علم المأموم به)) (2) .

قلت: ويؤكّد ذلك الحديث السابق وما وقع في رواية ابن شهاب في الحديث الذي عند البخاري، فقال:((وقال ابن شهاب: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول آمين)) (3) .

[3/40] الثّاني: ويدلّ قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أمّن الإمام فأمنوا)) على وجوب التأمين على المأموم، واستظهره الشوكاني، لكن لا مطلقاً، بل مقيداً بأن يؤمّن الإمام،

ص: 237

وأما الإمام والمنفرد فمندوب فقط (3) .

وقال ابن حزم: ((وأما قول (آمين) فإنه كما ذكر: يقوله الإمام والمنفرد ندباً وسنّة، ويقولها المأموم فرضاً ولا بد)) (4) .

قال الألباني معلّقاً عليه: ((قلت: فيجب الاهتمام به، وعدم التّساهل بتركه. ومن تمام

ذلك موافقة الإمام فيه وعدم مسابقته، وهذا أمر قد أخلّ به جماهير المصلّين في كل البلاد التي أتيح لي زيارتها، ويجهرون بها بالتأمين. فإنهم يسبقون الإمام، يبتدئون به قبل ابتداء الإمام، ويعود السبب في هذه المخالفة المكشوفة، إلى غلبة الجهل عليهم، وعدم قيام أئمة المساجد وغيرهم من المدرسين والوعاظ بتعليمهم وتنبيهمهم، حتى أصبح قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أمن الإمام فأمنوا

)) نسياً منسياً عندهم، إلا من عصم الله، وقليل ما هم، والله المستعان)) (1) .

ومن أخطاء المأمومين في التأمين أيضاً:

[4/40] التمطيط في مدّ (آمين) فيمدّون مدّ البدل الذي في أوّلها أكثر من حركتين، بل قد يوصلونها إلى ستة كما في بعض المساجد.

وبعضهم يلفظ (آمين) بتشديد الميم، حكاه بعض أهل اللغة، وهو ضعيف عند جماعة منهم، وصرّح المتولّي من الشافعيّة بأن من قاله هكذا بطلت صلاته (2) !

بقي بعد هذا أُمور:

[5/40] الأوّل: ثبت من هديه صلى الله عليه وسلم أنه إذا مرّ بآية رحمة يسأل الله تعالى من فضله، وإذا مرّ بآية عذاب يستعيذ به من النار أو من العذاب، أو من الشر،

ص: 238

أو من المكروه، ولكن هذا في قيام الليل،فمقتضى الاتباع الصحيح الوقوف عند الوارد، وعدم التّوسع فيه بالقياس والرأي، فإنه لو كان ذلك مشروعاً في الفرائض أيضاً لفعله صلى الله عليه وسلم، ولو فعله لنقل، بل لكان نقله أولى مِنْ نقل ذلك في النّوافل كما لا يخفى (3) .

[6/40] الثّاني: يقول كثير من المأمومين عند قراءة الإمام سورة التين عند قوله تعالى: {أَلَيْسَ آللَّهُ بِأَحْكَمِ آلْحَاكِمِينَ} (4) . فيقولون: ((بلى وأنا على ذلك من الشاهدين)) . وإسناده ضعيف، فيه راوٍ لم يسم (5) .

وكذا يقول بعضهم عند قراءة الإمام سورة الرحمن، وبلوغه:{فَبِأَىِّءَ الَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}

: ((ولا بشيء من نِعَمِكَ رَبَّنا نكذِّب، فلك الحمد)) .

وهذا وارد في حديث ضعيف، عند الترمذي في ((الجامع)) : رقم (3291) والحاكم في ((المستدرك)) : (2/473) وابن عدي في ((الكامل)) : (3/1074) و (5/1858) وأبو نعيم في ((أخبار أصبهان)) : (1/181) والبيهقي في ((الدلائل)) : (2/232) من طريق الوليد بن مسلم عن زهير بن محمد عن ابن المنكدر عن جابر قال: ((قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الرحمن حتى ختمها ثم قال: ما لي أراكم سكوتاً؟! للجن كانوا أحسن منكم رداً، ما قرأت عليهم من مرة {فَبِأَىِّءَ الَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} إلا قالوا: ولا بشيء من

نعمك ربنا نكذب، فلك الحمد)) .

وإسناده ضعيف فيه تدليس الوليد بن مسلم، وزهير بن محمد ـ وإن كان صدوقاً ـ فإن أهل الشام إن رووا عنه، فتكثر المناكير في روايته، والوليد شامي. نعم، لم يتفرد به، فقد تابع الوليد مروان بن محمد كما عند البيهقي في ((الدلائل)) :(2/232) ، إلا أنه شامي، فبقيت العلّة الثانية.

ص: 239

[7/40] الثّالث: صح لفظ: ((سبحانك فبلى)) عند تلاوة الإمام: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى} (1) .

عن موسى بن أبي عائشة قال: كان رجل يصلي فوق بيته، وكان إذا قرأ {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى} .

قال: سبحانك فبلى. فسألوه عن ذلك؟ فقال: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) .

[8/40] الرّابع: ومن أخطاء بعض المأمومين: التنحنح في الصلاة تعمّداً من غير عذر ولا ضرورة (3) ، ليسمع رجلاً أو ينبّه الإمام بأنه قد أطال في الصلاة، وهذا لا يفعله إلا الجهّال ـ كما قال ابن رشد (4) ـ ومن فعل فقد أساء، ولا شيء عليه، لأن التنحنح ليس له حروف هجائية تفهم.

قال ابن قدامة: ((واختلفت الرواية عن أحمد في كراهة تنبيه المصلّي بالنحنحة في صلاته، فقال في موضع: لا تنحنح في الصّلاة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا فاتكم شيء في صلاتكم، فلتسبح الرجال، وليصفق النساء)) .

وروى عن المروزي: أنه كان يتنحنح ليعلم أنه في صلاة. وحديث علي (1) يدلّ عليه.

ص: 240

فيقدّم على العام. وأجاب الجمهور بأن حديث علي فيه اضطراب، لا ينهض معه الاحتجاج به)) (2) .

[9/40] الخامس: بعض الأئمة يطيلون الركعة الثانية في الصلاة - سواء كانت جهرية أم سريّة - أكثر من الركعة الأُولى، وهذا مخالف لهدية صلى الله عليه وسلم.

قال العلامة ابن القيم: ((وكان صلى الله عليه وسلم يُطيلُ الركعة الأُولى على الثّانية من صلاة الصّبح ومن كل صلاة، وربما كان يطيلها - أي صلاة الظهر - حتى لا يسمع وقع قدم (3)) ) (4) .

ومرّ معنا قول ابن رزوق: ((تعمق الإمام في المحراب، وطول قيامه قبل الإِحرام، ودخوله قبل استواء الصفوف، وقراءته بالثانية بأطول من الأولى، كله بدعة)) .

وهذا فيما لم يرد فيه نص خاص. أما هو فلا يكره، كما ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في أولى الجمعة والعيدين بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} وفي الثانية بالغاشية، وهي تزيد على الأعلى بسبع آيات.

[10/40] السادس: ليس هناك دليل صحيح يدل على شرعية سكوت الإمام حتى يقرأ المأموم الفاتحة في الصلاة الجهرية (5) .

ص: 241

[11/40] السّابع: يكتفي كثير من الأئمة بقراءة اليسير من القرآن الكريم في الصلاة

الجهرية، وبعضهم يجزىء بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا

} إلى آخر السورة، وهذا مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.

قال ابن القيم: ((وأما الاقتصار على قراءة أواخر السورتين من (يا أيها الذين آمنوا

) إلى آخرها. فلم يفعله قط، وهو مخالف لهديه الذي كان يُحافظ عليه)) (1) .

وربما احتج بعضهم بالتخفيف الوارد في الأحاديث النبويّة، من مثل قوله صلى الله عليه وسلم:((يا أيها الناس، إنّ منكم مُنَفِّرِينَ، فأيُّكم أمَّ النّاس فليوجز، فإنّ من ورائه الكّبير والضعيف وذا الحاجة)) (2) أو بفعل النبي صلى الله عليه وسلم للتخفيف.

عن أنس رضي الله عنه قال: ((ما صلّيتُ وراء إمامٍ قط أخفّ صلاة ولا أتمّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم)) (3) .

[12/40] والتخفيف الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم وفعله، ليس هو التخفيف الذي اعتاده سُرَّاق الصّلاة، والنقَّارون لها، وأن ما وصفه أنس من تخفيف النبي صلى الله عليه وسلم صلاته، هو مقرون بوصفه إياها بالتمام، كما تقدم، وهو الذي وصف تطويله ركني الاعتدال، كما في حديث آخر صحيح، قال: حتى كانوا يقولون: قد أوهم (4) ، ووصف صلاة عمر بن عبد العزيز بأنها تشبه صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، مع أنهم قدروها بعشر تسبيحات (5) .

والتخفيف الذي أشار إليه أنس، هو تخفيف القيام مع تطويل الركوع والسجود، وهذا بخلاف ما كان يفعله بعض الأمراء الذين أنكر الصحابة صلاتهم من إطالة القيام على ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله غالباً، وتخفيف الركوع والسجود

ص: 242

والاعتدالين (6) .

وأما تخفيف النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عند بكاء الصبي، فلا يعارض ما ثبت عنه من صفة صلاته،

بل قد قال في الحديث نفسه: ((إني أدخل في الصلاة، وأنا أريد أن أطيلها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز)) (1) .

فهذا تخفيف لعارضٍ، وهو من السنّة، كما يخفف صلاة السفر وصلاة الخوف، وكل ما ثبت عنه من التخفيف فهو لعارض، كما ثبت عنه أنه قرأ في السفر في العشاء بـ {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} . وكذلك قراءته في الصبح بالمعوذتين، فإنه كان في سفر (2) .

وأما حديث معاذ (3) ؛ فهو الذي فتن النقّارين وسرّاق الصّلاة، لعدم علمهم بالقصّة وسياقها.

فإن معاذاً صلّى مع النبي صلى الله عليه وسلم عشاء الآخرة، ثم ذهب إلى بني عمرو بن عوف بقباء، فقرأ بهم سورة البقرة، هكذا جاء في ((الصحيحين)) من حديث جابر: ((أنه استفتح بهم بسورة البقرة، فانفرد ببعض القوم، وصلّى وحده، فقيل: نافق فلان!! فقال: والله ما نافقتُ، ولآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه فأخبره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم حينئذٍ: أفتّان أنت يا معاذ؟ هلا صليت بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} و {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى

} )) (4) .

وهكذا نقول:

ص: 243

أنه يستحب أن يصلي العشاء بهذه السور وأمثالها. فأيُّ متعلّق في هذا للنقّارين وسرّاق الصلاة؟ ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤخر العشاء الآخرة، وبُعْدُ ما بين بني عمرو بن عوف وبين المسجد، ثم طول سورة البقرة، فهذا الذي أنكره النبي صلى الله عليه وسلم، وهو موضع الإِنكار، وعليه يحمل الحديث الآخر:((يا أيها الناس إن منكم منفرين)) ، ومعلوم أن الناس لم يكونوا ينفرون من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا ممن يصلي بقدر صلاته، وإنما ينفرون

ممن يزيد في الطول على صلاته، فهذا الذي ينفر.

وأما إن قدر نفور كثير ممن لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى، وكثير من الباطولية الذين يعتادون النقر، كصلاة المنافقين، وليس لهم في الصلاة ذوق، ولا لهم فيها راحة، بل يصلّيها أحدهم استراحة منها لا بها، فهؤلاء لا عبرة بنقورهم، فإن أحدهم يقف بين يدي المخلوق معظم اليوم، ويسعى في خدمته أعظم السعي، فلا يشكو طول ذلك ولا يتبرّم به، فإذا وقف بين يدي ربه في خدمته جزءاً يسيراً من الزّمان، وهو أقلّ القليل بالنسبة إلى وقوفه في خدمة المخلوق، استثقل ذلك

الوقوف، واستطال وشكا منه، وكأنه واقف على الجمر يتلوّى ويتقلّى، ومن كانت هذه كراهته لخدمة ربه، والوقوف بين يديه، فالله تعالى أكره لهذه الخدمة منه (1) .

والحاصل: إن الإيجاز والتخفيف المأمور به، والتطويل المنهي عنه، لا يمكن أن يرجع فيه إلى عادة طائفة وأهل بلد وأهل مذهب، ولا إلى شهوة المأمومين ورضاهم، ولا إلى اجتهاد الأئمة الذين يصلّون بالناس ورأيهم في ذلك، فإن ذلك لا ينضبط، وتضطرب فيه الآراء والإرادات أعظم اضطراب، ويفسد وضع الصّلاة، ويصير مقدارها تبعاً لشهوة الناس.

ومثل هذا لا تأتي به شريعة، بل المرجع في ذلك والتحاكم إلى ما كان يفعله صلى الله عليه وسلم، وكان يصلي وراءه الضعيف والكبير والصغير وذو الحاجة، ولم يكن بالمدينة إمام غيره صلوات الله وسلامه عليه.

ففي صلاة الفجر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ ما بين الستين إلى المائة في

ص: 244

الركعتين، كما ثبت في ((الصحيحين)) (2) ، فكان يقرأ سورة {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيد} (3) وسورة الواقعة (4) وسورة الفتح (5) وسورة المؤمنين (6) وسورة الطور (7) وسورة الروم (8) وسورة {يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} (9) وسورة الصافات (10) .

وهذا مقياس صلاة الفجر، وقد اعتبر الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ قراءة سورة (الصافات) من باب التخفيف فيها.

فثبت عن ابن عمر قال:

ص: 245

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالتخفيف، ويؤمّنا بـ (الصافات)(1) .

وفي صلاة الظهر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية. وفي الأخريين قدر خمس عشرة آية، كما في ((صحيح مسلم)) وفي رواية فيه:((أن قدر قيامه في الأُوليين بـ {الم *تَنزِيلُ الْكِتَابِ} )(2) .

وكان من طولها، ما قاله أبو سعيد الخدري: كانت صلاة الظهر تقام، فينطلق أحدنا إلى البقيع، فيقضي حاجته، ثم يأتي أهله فيتوضأ، ثم يرجع إلى المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى، مما يطولها (3) .

وفي صلاة العصر: فالغالب أنها على النصف من صلاة الظهر (4) .

وفي صلاة المغرب: ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ سورة الطور (5) وسورة محمد (6) وسورة المرسلات (7)

ص: 246

وسورة الأنفال (8) وسورة الأعراف (9) ، فكان الغالب على قراءته صلى الله عليه وسلم فيها من طوال المفصل وما يقاربه.

[13/40] فما يفعله كثير من الأئمة من المداومة على قراءة قصار السور فيها، خروج عن كمال هديه صلى الله عليه وسلم، وبعضهم يحتج بتلك العبارة الشائعة على الألسنة (المغرب غريب) !! والصحيح عند أهل العلم أن وقت المغرب يمتد إلى مغيب الشفق، وفي هذا رد على القول الجديد عند الشافعية، إذْ أنهم يعتبرون أن نهاية وقت المغرب غير ممتدة، بل مضيقة، بحيث تتسع للوضوء وستر العورة والأذان والإقامة!!

وهذا ما رجحه جماعة من محققي الشافعية، قال النووي:((الأحاديث الصحيحة مصرّحة بما قاله في القديم، وتأويل بعضها متعذّر، فهو الصواب، وممن اختاره مِنْ أصحابنا: ابن خزيمة والخطابي والبيهقي والغزالي في ((الإحياء)) والبغوي في ((التهذيب)) وغيرهم)) (1) .

وقد صرح الحافظ أنه لم ير حديثاً مرفوعاً فيه التنصيص على القراءة في صلاة المغرب من قصار المفصل، إلا حديثاً واحداً، وبيّن أنه معلول (2) .

وفي صلاة العشاء: المقدار الغالب في ذلك هو {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ونحوها من السور (3) .

[14/40] الثّامن: وبهذه المناسبة:

ص: 247

لا بد من التنبيه على قراءة أولئك النقّارين في قيام رمضان، الذين لا يتعدون الآية والآيتين في كل ركعة!! ويزعمون أنهم يطبقّون قوله صلى الله عليه وسلم:((فمن أمّ قوماً فليخفف)) (4) !! وما علموا أن السّلف الصّالح ـ رضوان الله عليهم ـ أفهم منهم وأعلم في معنى هذا الحديث، وإليك صورة صلاتهم، ومعنى التخفيف فيها عندهم.

أخرج مالك عن محمد بن يوسف عن السّائب بن يزيد أنه قال: أمر عمرُ بنُ الخطّاب أُبيَّ بن كعب وتميماً الدَّاريّ أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة. قال: وقد كان القارىء يقرأ بالمئين، حتى كنا نعتمد على العِصِيّ من طول القيام. وما كنّا ننصرف إلا في فُرُوعِ الفجر (5) .

وأخرج عن داود بن الحصين أنه سمع الأعرج يقول: ما أدركتُ الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان. قال: وكان القارىء يقرأ سورة البقرة في ثمان ركعات، فإذا قام بها في اثْنَتَيْ عشرة ركعة، رأى الناس أنه قد خفَّف (6) .

[15/40] التاسع: يصل كثير من الأئمة القراءة بتكبيرة الركوع، وهذا غلط. والصواب: السكوت حتى يرجع النفس لصاحبه قبل الركوع.

قال الإمام أحمد: ((وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسكت إذا فرغ من القراءة قبل أن

ص: 248

يركع، حتى يتنفس (1) ، وأكثر الأئمة على خلاف ذلك)) (2) .

[16/40] العاشر: يلتزم كثير من الأئمة قراءة سورة (الجمعة) في العشاء الآخرة ليلة الجمعة، والحديث الوارد في ذلك غير صحيح، فلا يثبت به الاستحباب ولا السنيّة، والتزام ذلك بدعة من البدع (3) .

[17/40] ومن اللازم عليّ في خاتمة هذا المبحث أن أشير إلى أن ساحة المسجد خلت من الأئمة الصّادقين الفقهاء من طلبة العلم وأهله، إلا من رحم الله، وتقدم اليوم كثير من العوام والجهال لهذا المنصب، وهم لا يحسنون الفاتحة، فضلاً عن إجابة سائل يسأل عن حكم أو خلق يهمّه ويفيده في دينه ودنياه، ولم يتقدّم هؤلاء إلا ليسترزقوا من طريقه وبابه، ويشغلوا هذا المكان الشاغر من أهله وأكفائه

!!

حتى صرنا ـ في بعض بلاد المسلمين، يا للأسف ـ لا نستغرب أن نجد إماماً لمسجد من المساجد، لا يتوفر فيه شرط من شروط الإمامة، ولا نستغرب أن نجده يحلق لحيته، ويطيل من شواربه، ويجرّ ثوبه وعباءته تبختراً، أو يلبس ذهباً، أو يشرب دخاناً، أو يسمع الأَغاني، أو يتعامل الربا، ويغشّ في المعاملة، ويساهم في الحرام، أو تتبرّج نساؤه، ويترك أولاده الصلاة،

وربما يصل الأمر إلى أكبر من ذلك! لا صبّحهم الله بخير، ولا رحم فيهم مغرز إبرة.

ص: 249