الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[48] * أخطاء المصلّين في السّلام والمصافحة:
[1/48] عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا لقي أحدكم أخاه، فليسلّم عليه، فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر، ثم لقيه، فليسلم عليه أيضاً (1) .
في هذا الحديث: أمره صلى الله عليه وسلم للمسلمين، بأن يسلّم أحدهم على أخيه المسلم، إذا لقيه، لما فيه من جَمْع الشْمل، ونفي البُغْض، وجلب المحبة.
والأمر في هذا الحديث إنما هو للاستحباب، بمعنى أنه للحثّ، والنَّدب، وليس بواجب (2) .
ولا فرق في ذلك بين مَنْ في المسجد أو خارجه، بل دلّت السنّة الصحيحة
على مشروعية السلام على مَنْ في المسجد، سواء كان في صلاة أم لا.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء يصلّي فيه فجاءته الأنصار، فسلّموا عليه وهو يصلّي، قال: فقلت لبلال: كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يردّ عليهم، حين كانوا يسلّمون عليه، وهو يصلّي؟
قال: يقول هكذا وبسط كفّه، وبسط جعفر بن عون كفّه، وجعل بطنه أسفل، وجعل ظهره إلى فوق (3) .
وقد ذهب إلى الحديث الإمامان أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، فقال المروزي:((قلت (يعني لأحمد) : يسلّم على القوم، وهم في الصّلاة؟
قال: نعم، فذكر قصة بلال حين سأله ابن عمر، كيف كان يردّ؟
قال: كان يشير، قال إسحاق: كما قال)) (4) .
واختار هذا القاضي ابن العربي، فقال: ((قد تكون الإشارة في الصّلاة لردّ السلام، لأمر ينزل بالصلاة، وقد تكون في الحاجة تعرض للمصلي. فإن كانت لردّ السلام، ففيها الآثار الصحيحة، كفعل
النبي صلى الله عليه وسلم في قُباء وغيره)) (1) .
والدليل على مشروعية السلام دبر الصَّلاة في المسجد: حديث المسيء صلاته المشهور عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل فصلى، ثم جاء، فسلّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام، قال، ارجع فصلّ، فإنك لم تصل، فرجع الرجل، فصلى كما كان صلى، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم. (فعل ذلك ثلاث مرات) . أخرجه الشيخان وغيرهما (2) .
قال الألباني: ((وبه استدل صديق حسن خان في ((نزل الأبرار)) (3) على أنه ((إذا سلّم عليه إنسان ثم لقيه عن قرب، يسنّ له، أن يسلم عليه ثانياً وثالثاً)) )) .
وقال أيضاً: ((وفيه دليل أيضاً على مشروعية السلام على مَنْ في المسجد، وقد دلّ على ذلك حديث سلام الأنصار على النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد قُباء، كما تقدّم، ومع هذا كله، نجد بعض المتعصبين لا يعبؤون بهذه السنّة فيدخل أحدهم المسجد، ولا يسلّم على مَنّ فيه، زاعمين أنه مكروه، فلعلّ فيما كتبناه، ذكرى لهم ولغيرهم، والذكرى تنفع
المؤمنين)) (4) .
والحاصل: أن الصلاة والمصافحة تكون عند القدوم، وحال الافتراق، ولو كان يسيراً،
سواء كان في المسجد أو خارجه.
[2/48] ولكن الأمر الذي يؤسف له أنك تسلم على الرجل عند لقائك بعد الصلاة، قائلاً ((السلام عليكم ورحمة الله)) فيبادرك قائلاً ((تقبل الله)) ويحسب أنه قد قام بما أوجب الله عليه من ردّ السّلام، وكأنه لم يسمع قوله تعالى:{وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} (5) .
وبعض ألئك يبادرك بدلاً من السّلام، بقوله ((تقبل الله)) والله يقول: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ
يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ} (1) .
ويقول صلى الله عليه وسلم: ((أفشوا السلام بينكم)) (2) .
ولم يقل: قولوا: ((تقبل الله)) !!
ولم نعلم عن أحد من الصحابة أو السلف الصالح رضي الله عنهم أنهم كانوا إذا فرغوا من صلاتهم التفت أحدهم عن يمينه وشماله، مصافحاً مَنْ حوله، مباركاً له بقبول الصّلاة، ولو فعل ذلك أحد منهم، لنقل إلينا، ولو بسندٍ ضعيف، ولنقله لنا أهل العلم، الذين خاضوا في كل بحر، فغاصوا في أعماقه، واستخرجوا منه أحكامه الكثيرة، ولم يفرّطوا في سنّة قولية أو فعلية أو تقريرية أو صفة (3) .
كيف، وقد نقل المحققون من أهل العلم، أن المصافحة المذكورة، بالهيئة السابقة، بدعة؟ !
قال العزّ بن عبد السلام: ((المصافحة عقب الصبح والعصر من البِدّع، إلا لقادمٍ يجتمع بمن يصافحه قبل الصلاة، فإن المصافحة مشروعة عند القدوم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي بعد الصّلاة بالأذكار المشروعة، ويستغفر ثلاثاً، ثم ينصرف!! وروي أنه قال: ((ربّ قٍني عذابك يوم تبعث عبادك)) (4) والخير في إتباع الرسول)) (5) .
وإذا كانت هذه البدعة محصورةً زمن المصنّف بعد صلاتين، فقد صارت في زماننا بعد كلّ صلاة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وقال اللكنوي: ((قد شاع في عصرنا هذا، في أكثر البلاد، وخصوصاً في بلاد الدكن، التي هي منبع البدع والفتن، أمران، ينبغي تركهما:
أحدهما: أنهم لا يسلّمون عند دخول المسجد، وقت صلاة الفجر، بل يدخلون ويصلون السنّة، ثم يصلّون الفرض، ويسلّمون بعضهم على بعض بعد الفراغ منه، ومن توابعه، وهذا أمر قبيح، فإن السلام إنما هو سنّة عند الملاقاة، كما ثبت ذلك في الأخبار، لا في أثناء المجالسة.
وثانيهما: أنهم يصافحون بعد الفراغ من صلاة الفجر والعصر، وصلاة
العيدين والجمعة، مع أن مشروعية المصافحة أيضاً، أنما هي عند أوّل الملاقاة)) (1) .
وقال بعد أن ذكر الخلاف في المصافحة دبر الصلاة: ((وممن منعه ابن حجر الهيتمي الشافعي وقطب الدين بن علاء الدين المكي الحنفي، وجعله الفاضل الرومي في ((مجالس الأبرار)) من البدع الشنيعة، حيث قال: المصافحة حسنة في حال الملاقاة، وأما في غير حال الملاقاة، مثل كونها عقب صلاة الجمعة والعيدين، كما هو العادة في زماننا، فالحديث سكت عنه، فيبقى بلا دليل وقد
تقرر في موضعه: أن ما لا دليل عليه مردود، ولا يجوز التقليد فيه)) (2) .
وقال أبضاً: ((على أن الفقهاء من الحنيفّة والشافعيّة والمالكيّة صرحوا بكراهتها، وكونها بدعة. قال في ((الملتقط)) : يكره المصافحة بعد الصّلاة بكل حال، لأن الصحابة ما صافحوا بعد الصلاة، ولأنها من سنن الروافض. وقال ابن حجر من علماء الشافعيّة: ما يفعله الناس من المصافحة عقيب الصلوات الخمس مكروهة، لا أصل لها في الشرع)) (3) .
وأفصح رحمه الله تعالى عن اجتهاده واختياره، فقال: ((والذي أقول:
إنهم قد اتفقوا على هذه المصافحة ليس لها أصل في الشرع، ثم اختلفوا في الكراهة والإباحة، والأمر إذا دار بين الكراهة الإباحة، ينبغي الإفتاء بالمنع فيه، لإن دفع مضرّة أولى من جلب مصلحة، فكيف لايكون أولى من فعل أمر مباح، على أن المصافحين في زماننا يظنونه أمراً حسناً، ويشنعون على مانعه تشنيعاً بليغاً، ويصرون عليه إصراراً شديداً، وقد مر أن الإِصرار على المندوب يبلغه إلى حدّ الكراهة، فكيف إصرار البدعية التي لا أصل لها في الشرع،
وعلى هذا فلا شك في الكراهة، وهذا هو غرض مَنْ أفتى بالكراهة، مع أن الكراهة إنما نقلها مِنْ نقلها مِنْ عبارات المتقدمين والمفتين، فلا يوازيها روايات مثل صاحب ((جمع البركات)) و ((السراج المنير)) و ((مطالب المؤمنين)) من تساهل مصنفيها في تحقيق الروايات، أمر مشهود وجمعهم كل رطب ويابس، معلوم عند الجمهور.
والعجب من صاحب ((خزانة الرواية)) حيث قال فيها في عقد اللآليء، قال عليه السلام:((صافحوا بعد صلاة الفجر، يكتب الله لكم بها عشراً)) وقال عليه الصلاة والسلام: ((صافحوا بعد العصر، تؤجروا بالرحمة والغفران)) ولم يتفطن أن هذين الحديثين وأمثالهما موضوعان، وضعهما المصافحون، فإنا لله وإنا إليه راجعون)) (1) .
[3/48] وأخيراً، لابد من التنبيه على أنه لا يجوز للمسلم أن يقطع تسبيح أخيه المسلم، إلا بسبب شرعي، وما نشاهده من تأذي كثير من المسلمين، عند قيامهم بالأذكار المسنونة بعد الصلوات المكتوبات، عندما يفاجأون بأيدٍ تمدّ لمصافحتهم عن اليمين وعن الشمال وبكثرة، مما يصطرهم إلى التضجر والتأذي، لا من أجل المصافحة، بل من أجل قطع تسبيحهم وإشغالهم عن ذكر الله بهذه المصافحة، التي لا سبب لها من لقاء ونحوه، وإذا كان الأمر كذلك، فليس من الحكمة أن تنزع يديك من يدي جارك، وأن ترد اليد التي مدّت إليك، فإن
هذا جفاء، لا يعرفه الإسلام، بل تأخذ بيده برفق ولين، وتبّين له بدعية هذه المصافحة، التي أحدثها الناس، فكم من رجل اتّعظ بالموعظة، وكان أهلاً للنصيحة، وإنما أوقعه الجهل في مخالفة السنة، فعلى أهل العلم وطلاّبه البيان