الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنّ مسند القائلين بإعادة الظهر بعد الجمعة، حديث لا أصل له من السنّة، وزادوا عليه شروطاً اشترطوها بلا دليل ولا شبهة دليل.
فيا أيها المسلمون: لا تغلوا في دينكم، وإن لكم في الفرائض والمندوبات الثّابتة في الكتاب والسنّة، بالنّص الصّريح، غنية عن سواها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأعرابي الذي حلف أنه لا يزيد عن المكتوبات الخمس، وسائر الفرائض من أركان الإِسلام، ولا ينقص:((أفلح إنْ صدق)) و ((دخل الجنة إن صدق)) .
ويا ليت السواد الأعظم من المسلمين، يأتون جميع الفرائض القطعيّة، ويتركون المحرَّمات، وفي النوافل المشروعة ما يستغرق العمر (2) .
[62] * أخطاء المصلّين في سنّة الجمعة البعديّة:
عن عمر بن عطاء أبي الخُوار: أن نافع بن جُبير أرسله إلى السائب ـ ابن أُختِ نَمر ـ يسأله عن شيء رآه منه معاويةُ في الصّلاة، فقال: نعم، صليت الجمعة في المقصورة (3) ، فلما سلَّم
الإمامُ قمتُ في مقامي، فصلَّيتُ، فلما دخل أرسل إليَّ، فقال: لا تَعُدْ لما فَعَلْتَ، إذا صلَّيتَ الجمعة فلا تَصِلْهَا بصلاةٍ حتى تكلَّم أو تخرج، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك، أن لا تُوصَلَ صلاةً بصلاةٍ حتى نتكلم أو نخرج (1) .
ووصف عبد الله بن عمر رضي الله عنهما تطوُّع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف ، فيصلِّي ركعتين في بيته (2) .
ففي هذين الحدثين:
[1/62] الحثّ على الفصل بين الفرض النّفل، وعدم صلاتهما عقب بعضها البعض، حتى لو كان الكلام أو الحركة من المكان، هو الفاصل بينهما.
وأفضل الحركة: التحوّل إلى البيت، إذ كان هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
عن نافع أن ابن عمر رأى رجلاً يصلّي ركعتين يوم الجمعة في مقامه
ـ أي: في المقام الذي صلى به صلاة الجمعة ـ فدفعه، وقال: أتصلّي الجمعة أربعاً (3) ؟! .
وقد جاء الحثّ على صلاة النّوافل في البيوت في غير حديث من مثل:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قضى أحدُكم الصّلاة في مسجده، فليجعل لبيته نصيباً من صلاته، فإن الله جاعلُ في بيته من صلاته خيراً (4) .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتّخذوها قبوراً)) (5) .
معنى الحديث: صلوا فيها، ولا تجعلوها كالقبور مهجورة من الصّلاة، والمراد به: صلاة النّافلة.
وعن عبد الله بن سعد رضي الله عنه قال: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّما أفضل الصّلاة في
المسجد؟ قال: ألا ترى إلى بيتي ما أقربه من المسجد! فلأنْ أصلى في بيتي أحبُّ إليّ من أن
أُصلي في المسجد، إلا أن تكون صلاةً مكتوبة (1) .
وقد وقع التصريح بهذا في رواية من روايات حديث زيد بن ثابت الصحيح، فوقع في ((سنن أبي داود)) بإسنادٍ صحيح:((صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا، إلا المكتوبة)) (2) .
والمقصود من سردنا للأحاديث السابقة:
أن ندلّل أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فعْلُ عامة السّنن والتطوّع في بيته.
وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ((والسنة أن يفصل بين الفرض والنّفل في الجمعة وغيرها، كما ثبت في ((الصحيح)) عنه أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن توصل صلاة بصلاة، حتى يفصل بينهما بقيامٍ أو كلام فلا تفعل ما يفعله كثير من الناس يَصِلُ السّلام بركعتي السنة، فإن في هذا ارتكاباً لنهي النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا من الحكمة: التمييز بين الفرض وغير الفرض، كما يميز بين العبادة وغير العبادة، ولهذا استحب تعجيل الفطور وتأخير السحور، والأكل يوم الفطر قبل الصلاة، ونهى عن
استقبال رمضان بيوم أو يومين.
فهذا كله للفصل بين المأمور به من الصيام، وغير المأمور به، والفصل بين العبادة وغيرها. وهكذا تمييز الجمعة التي أوجبها الله من غيرها، وأيضاً كثير من أهل البدع ـ كالرافضة وغيرهم ـ لا ينوون الجمعة، بل ينوون الظهر، ويظهرون أنهم سلّموا وما سلّموا، فَيُصَلُّون ظهراً، وظنّ ظان أنهم يصلون السنة. فإذا حصل تمييز بين الفرض والنفل؛ كان في هذا منع لهذه البدعة، وهذا له نظائر كثيرة، والله سبحانه أعلم)) (3) .
[2/62] وتجدر الإِشارة هنا إلى أنّ القائلين بالتّفصيل في سنة الجمعة البعدية: إنْ صلّى في المسجد أربعاً، وإنْ صلى في بيته صلى ركعتين، لا دليل عليه، والصحيح: الحديث المعروف الذي في ((الصحيحين)) : ((أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)) .
فإذا صلى بعد الجمعة ركعتين أو أربعاً في المسجد جاز، أو في البيت فهو أفضل، لهذا الحديث الصحيح (1) .