المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[19] * جملة من أخطائهم في القيام: - القول المبين في أخطاء المصلين

[مشهور آل سلمان]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الفصل الأولجماع أخطاء المصلّين في ثيابهم وستر عوراتهم في الصلاة

- ‌ تمهيد:

- ‌[1] * الصّلاة في الثّياب الحازقة التي تصف العورة:

- ‌[2] * الصلاة في الثيّاب الرقيقة الشّفافة:

- ‌[3] * الصّلاة والعورة مكشوفة: يقع في الخطأ، الأصناف التّالية من النّاس:

- ‌[4] * صلاة مُسْبِل الإزار:

- ‌[5] * سدل الثوب والتلثّم في الصّلاة:

- ‌[6] * كفّ الثّوب في الصّلاة ((تشميره)) :

- ‌[7] * صلاة مكشوف العاتقين

- ‌[8] * الصَّلاة في الثّوب الذي عليه صورة:

- ‌[9] * الصَّلاة في الثَّوب المعَصْفَر:

- ‌[10] * صلاة مكشوف الرأس:

- ‌الفصل الثانيجماع أخطاء المصلّين في أماكن صلاتهم

- ‌[11] * السجود على تربة كربلاء، واتخاذ قرص منها للسجود عليه عند الصّلاة، واعتقاد الأجر والفضل في ذلك:

- ‌[12] * الصلاة إلى أماكن فيها صور، أو على سجّادةٍ فيها صور ونقوش، أو في مكان فيه صور:

- ‌[13] * الصّلاة على القبور وإليها:

- ‌[14] * تخصيص مكان للصّلاة في المسجد:

- ‌[15] * أخطاء المصلّين في السترة:

- ‌[16] * الانحراف عن القبلة:

- ‌الفصل الثالثجماع أخطاء المصلّين في صفة صلاتهم

- ‌[17] * الجهر بالنيّة والقول بوجوب مقارنتها مع تكبيرة الإحرام:

- ‌[18] * عدم تحريك اللسان في التكبير وقراءة القرآن وسائر أذكار الصّلاة:

- ‌[19] * جملة من أخطائهم في القيام:

- ‌[20] * جملة من أخطائهم في الرّكوع والقيام منه:

- ‌[21] * جملة من أخطائهم في السجود:

- ‌[22] * جملة من أخطائهم في الجلوس والتّشهد والتسليم:

- ‌الفصل الرابعجماع أخطاء المصلّين في المسجد وصلاة الجماعة

- ‌[23] * جملة من أخطاء المؤذّنين، ومستمعي الأذان:

- ‌[24] * الإسراع في المشي إلى المسجد وتشبيك الأصابع فيه:

- ‌[25] * الخروج من المسجد عند الأذان:

- ‌[26] * دخول الرّجلين المسجد، وتقام الصّلاة، ويحرم الإمام، وهما في مؤخره يتحدّثان:

- ‌[27] * ترك تحية المسجد والسترة لها وللسنّة القبليّة:

- ‌[28] * قراءة سورة الإخلاص قبل إقامة الصّلاة:

- ‌[29] * صلاة النّافلة إذا أُقيمت الصّلاة:

- ‌[30] * التنفل بعد صلاة الفجر، بصلاةٍ لا سبب لها، سوى ركعتي الصّبح:

- ‌[31] * أكل الثوم والبصل وما يؤذي المصلّين قبل الحضور للجماعة:

- ‌[32] * أخطاء مقيمي الصّلاة ومستمعيها:

- ‌[33] * عدم إتمام الصفوف وترك التّراص وسدّ الفُرَج فيها:

- ‌[34] * ترك الصّلاة في الصّف الأوّل ووقوف غير أولي النّهي خلف الإمام فيه:

- ‌[35] * الصّلاة في الصفوف المقطّعة:

- ‌[36] * الوقوف الطّويل، والدّعاء قبل تكبيرة الإحرام، والهمهمة بكلمات لا أصل لها:

- ‌[37] * غلط في النطق بـ ((الله أكبر)) في تكبيرة الإحرام وتكبيرات الانتقال:

- ‌[38] * غلط الأئمة في الجهر والإسرار بالبسملة:

- ‌[39] * غلط في كيفية قراءة الفاتحة:

- ‌[40] * دعاء المأمومين أثناء قراءة الإمام الفاتحة وعند الانتهاء منها، والتنبيه على أغلاط في التأمين وأثناء قراءة الإمام وفيها:

- ‌[41] * مسابقة الإمام ومساواته بأفعال الصّلاة:

- ‌[42] * تكبير المسبوق للإحرام وهو نازل إلى الركوع:

- ‌[43] * انشغال المسبوق بدعاء الاستفتاح، وتأخره عن اللحوق بصلاة الجماعة:

- ‌[44] * ثواب الصّلاة في بيت المقدس:

- ‌[45] * صلاة الجماعة في غير المساجد:

- ‌[46] * صلاة الجماعة الثانية، وتعدد الجماعات في المسجد الواحد، والأنفة عن الصلاة خلف المخالف في المذاهب:

- ‌[47] * التشديد في التخلّف عن الجماعة:

- ‌الفصل الخامسجماع أخطاء المصلّين بعد الصلاة: جماعة كانت أم منفردة

- ‌[48] * أخطاء المصلّين في السّلام والمصافحة:

- ‌[49] * أخطاء المصلين في التّسبيح:

- ‌[50] * السجود للدّعاء بعد الفراغ من الصّلاة:

- ‌[51] * السّمر بعد صلاة العشاء:

- ‌[52] * التّسبيح والدّعاء الجماعي والتّشويش على المصلّين:

- ‌[53] * المرور بين يدي المصلِّين:

- ‌الفصل السادسجماع أخطاء المصلّين في صلاة الجمعة والتّشديد في حقّ مَنْ تركها

- ‌ تمهيد:

- ‌[54] * تخلّف آلاف من مشاهدي كرة القدم عن صلاة الجمعة:

- ‌[55] * تخلّف حرس الملوك والسّلاطين عن صلاة الجمعة، ووقوفهم على أبواب المسجد، حاملي السّلاح، حراسة عليهم:

- ‌[56] * تخلّف العروس (3) عن صلاة الجمعة والجماعة:

- ‌[57] * التخلّف عن صلاة الجمعة لتنزه:

- ‌[58] * جملة من الأخطاء تفوّت على أصحابها ثواب الجمعة:

- ‌[59] * سنّة الجمعة القبليّة:

- ‌[60] * أخطاء المصلّين في صلاة تحية المسجد يوم الجمعة:

- ‌[61] * جملة من أخطاء الخطباء:

- ‌[62] * أخطاء المصلّين في سنّة الجمعة البعديّة:

- ‌الفصل السّابعجماع أخطاء المصلّين في صلوات خاصّة وصلاة أهل الأعذار وأُمور أُخرى متفرّقة

- ‌[63] * أخطاء المصلّين في صلاة الاستخارة:

- ‌[64] * أخطاء المصلّين في صلاة العيدين:

- ‌[65] * أخطاء المصلّين في الجمع بين الصّلاتين في الحضر:

- ‌[66] * أخطاء المصلّين في صلاتهم في السّفر:

- ‌[67] * نفي بعضهم مشروعة صلاة الخوف وصلاة الضحى وسجود الشكر وترك صلاة الكسوف:

- ‌[68] * التّنبيه على صلوات خاصّة موضوعة، وعلى أحاديث مشتهرة غير صحيحة في الصّلاة:

- ‌[69] خاتمة:

الفصل: ‌[19] * جملة من أخطائهم في القيام:

[2/18] عُلِمَ خطأ ذلك الرأي الفقهي القائل: أنه يجوز لمن نام عند صاحبه أو قريبه، واستيقظ جنباً، أن يصلّي بالحركات، دون تحريك اللسان والتلفظ بشئ، خوفاً من الريبة، التي ربما ستلحق بالضّيف!!

وهذا رأي لبعض أئمة الحنفية، فالمروي عن أبي يوسف رحمه الله أنه أجاز للمسافر والضيف، الذي خاف الريبة، الصلاة مع عدم وجوب الغسل، إذا احتلم وأمسك ذكره، عندما أحسّ بالاحتلام، إلى أن فترت شهوته، ثم أرسله.

قال ابن عابدين: ((قوله هذا خلاف الراجح في المذهب)) (1) .

[19] * جملة من أخطائهم في القيام:

تتعدّد أخطاءُ المصلّين في حالة وقوفهم بين يدي ربهم عز وجل، فتارة يتركون السنن، ويعرضون عن الحق والصواب وصفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتارة أُخرى يقتحمون المكروهات، ويحسبونها من السنة، أو هكذا وجدوا آباءهم يفعلون!!

[1/19] (ترك رفع اليدين عند التحريمة والركوع وعند الرفع منه:

فبعضهم يترك رفع اليدين عند التحريمة (تكبيرة الإحرام) ، وعند الركوع والرفع منه، وبعد القيام من التشهد الأول، وربما تجد قسماً من هؤلاء التّاركين هذه السنة في صلاتهم، يفعلونها حال كون رفعها من الأخطاء، مثل: رفع اليدين في تكبيرات الصّلاة على الميت (2) ، والتكبيرات الزوائد في صلاة العيد (3) !!

وبعضهم يحتجّ بأحاديث ليس لها أصل، أو على غير وجهها، في تركهم رفع اليدين عند

الركوع والقيام منه.

من مثل: ((من رفع يديه في الصّلاة، فلا صلاة له)) (4)

(1) عقود رسم المفتي: (1/49 - مع مجموعة رسائل ابن عابدين) .

(2)

انظر: ((أحكام الجنائز وبدعها)) : (ص 116) و ((المحلى)) : (5/ 128) .

(3)

وسيأتي الكلام على ذلك في الفصل السّابع، إن شاء الله تعالى.

(4)

أخرجه الجورقاني في ((الأباطيل)) : (2/12) مرفوعاً. وقال: ((هذا حديث لا أصل له)) وفيه المأمون بن أحمد، كان دجّالاً من الدجاجلة، كذّاباً وضّاعاً خبيثاً.. وانظر:((الموضوعات)) : (2/96) و ((اللآلئ المصنوعة)) : (2/19) و ((تنزيه الشريعة)) : (2/79) و ((المجروحين)) : (3/45-46) و ((تذكرة الموضوعات)) : (61) و ((ميزان الاعتدال)) : (3/429) و ((لسان الميزان)) : (5/7) و ((الفوائد المجموعة)) : (29) و ((الأسرار المرفوعة)) : (81) و (334) و ((المصنوع في معرفة الموضوع)) : (183) و ((المنار المنيف)) : (129) و ((أحاديث مختارة من موضوعات الجورقاني وابن الجوزي)) : (45) و ((السلسلة الضعيفة)) رقم (568) .

ص: 100

ومن مثل: قول ابن عمر رضي الله عنهما: أرأيتم رفعكم أيديكم في الصّلاة هكذا، والله إنها لبدعة، وما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا شيئاً قط، وأومأ حماد إلى ثديية (1) .

فهو فضلاً عن ضعفه لا يصلح الاحتجاج به في المسألة، قال ابن حبان:((وقد تعلق بهذا جماعة ممن ليس الحديث صناعتهم، فزعموا أن رفع اليدين في الصّلاة عند الركوع، وعند رفع الرأس منه، بدعة، وإنما قال ابن عمر: أرأيتم رفعكم أيديكم في الدعاء بدعة يعني إلى أذنيه، ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا - يعني ثدييه- هكذا فسره حماد بن زيد، وهو ناقل الخبر)) ثم ذكر الحديث، وزاد:

(1) أخرجه الجورقاني في ((الأباطيل)) : (2/20) وابن الجوزي في ((العلل)) : (1/429) . وأعلاّه ببشر بن حرب.

قال الجورقاني: ((هذا حديث منكر، تفرد به بشر بن حرب عن ابن عمر. وقال: تركه يحيى القطان، وكان ابن المديني لا يرضاه لانفراده عن الثقات ما ليس من أحاديثهم. وقال ابن معين: ضعيف)) وأعلّه به: الذهبي في ((الميزان)) : (1/315) و ((مختصر العلل)) : (635) و ((أحاديث مختارة)) : رقم (73) وابن طاهر في ((تذكرة الموضوعات)) : (3) .

واستدل بعضهم على ترك رفع الأيدي عند الركوع والرفع منه، بقوله صلى الله عليه وسلم الصحيح:((ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس، اسكنوا في الصلاة)) ، ورده الإمام البخاري، فقال:((فإنما كان هذا في التشهد لا في القيام، كان يسلم بعضهم على بعض، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن رفع الأيدي في التشهد، ولا يحتج بهذا من له حظ من العلم، هذا معروف مشهور لا اختلاف فيه)) جزء رفع اليدين: (ص 101 - مع جلاء العينين) وانظر - لزاماً -: ((المجموع)) : (3/403) و ((نيل الأوطار)) : (2/201) .

ص: 101

((والعرب تسمّي الصّلاة دعاء، فخبر حماد هذا، أراد به الدّعاء، والدليل على صحة ما قلتُ، ثم ذكر عن الحسن بن

سفيان بسنده عن ابن عمر قال: والله ما رفع نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم يديه فوق صدره في الدعاء. جوّد الحسين بن واقد - أحد رواته - حفظه، وأتى الحديث على جهته، كما ذكرنا)) (1) .

ومما يجعل قول أبن حبان متعيّناً، أن الثّابت عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصّلاة، رفع يديه حذْوَ منكبيه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما أيضاً كذلك (2) .

ورواه من الصّحابة نحو خمسين رجلاً، منهم: العشرة المبشرون بالجنّة (3) .

قال الإمام البخاري: ((قال الحسن وحميد بن هلال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أيديهم، لم يستثن أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دون أحد)) (4) .

(1) 3 المجروحين: (1/186) .

(2)

أخرجه البخاري في ((الصحيح)) : (2/218) رقم (735) ومسلم في ((الصحيح)) : (1/292) رقم (390) ومالك في ((الموطأ)) : (1/75/16)، أحمد في ((المسند)) :(1/147) والشافعي في ((المسند)) : (1/72- مع ترتيبه) وو الدارمي في ((السنن)) : (1/285) وأبو داود في ((السنن)) رقم (721) والترمذي في ((الجامع)) : (2/122) وابن ماجه في ((السنن)) : رقم (858) والبيهقي في ((السنن)) : (2/26) وزاد في رواية: ((فما زالت تلك صلاته حتى لقي الله))

(3)

انظر تفصيل ذلك ((فتح الباري)) : (2/220) و ((المجموع)) : (3/399) و (الهداية في تخريج أحاديث البداية)) : (3/106 وما بعدها) و ((جلاء العينين بتخريج روايات البخاري في جزء رفع اليدين)) : (ص 16 وما بعد)) و ((الموضوعات)) لابن الجوزي: (2/98) عند ردّه للحديث الموضوع السابق فعقب عليه بمن روى الرفع من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه. وانظر: ((إبكار المنن)) : (ص 201 وما بعدها) ففيه مبحث مفصل في رفع اليدين..

(4)

جزء رفع اليدين (ص26- مع جلاء العينين) .

ص: 102

وقال: ولم يثبت عند أهل النظر ممن أدركنا من أهل الحجاز وأهل العراق، منهم: الحميدي وابن المديني وابن معين واحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وهؤلاء أهل العلم من بين أهل زمانهم، فلم يثبت عند احد منهم، علم في ترك رفع الأيدي عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن احد من

الصحابة، أنه لم يرفع يديه (1) .

وقال ابن القيم: ((وانظر إلى العمل في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة خلفه، وهم يرفعون أيديهم في الصلاة عند الركوع والرفع منه، ثم العمل في زمن الصحابة بعد، حتى كان عبد الله بن عمر إذا رأى من لا يرفع حصبه. وهو عمل كأنه رأي عين)) (2) .

وقال المروزي: ((أجمع علماء الأمصار على مشروعية ذلك إلا أهل الكوفة)) (3) .

وقال الإمام الشافعي: ((لا يحل لأحد سمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في رفع اليدين في افتتاح

الصلاة وعند الركوع والرفع من الركوع، أن يترك الاقتداء بفعله صلى الله عليه وسلم)) (4) .

وعن عبد الملك بن سليمان قال: سألت سعيد بن جبير عن رفع اليدين في الصّلاة، فقال: هو شئ تزيّن به

(1) المرجع نفسه: (ص 109- 110) .

(2)

إعلام الموقعين: (2/376) .. وأثر ابن عمر: أخرجه البخاري في ((جزء رفع اليدين)) : رقم (15) والحميدي في ((المسند)) : (2/277) وأحمد كما في ((مسائل ابنه)) : (ص 70) والدارقطني في ((السنن)) : (1/289) والحاكم في ((معرفة علوم الحديث)) : (ص 218) والسهمي في ((تاريخ جرجان)) : (ص 433) وابن الجوزي في ((مناقب الإمام أحمد)) : (ص 83) ، وهو صحيح.

(3)

فتح الباري: (2/219 – 220) .

(4)

ذكره السبكي في ((طبقات الشافعية الكبرى)) : (2/100) ترجمة (أبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني) .

ص: 103

صلاتك (1) .

وقال الكشميري: ((واعلم أن الرفع متواتر إسناداً وعملاً، ولم ينسخ منه ولا حرف)) (2) .

فاحرص - أخي المصلّي - على سنّة نبيّك، وهي ((سنة متواترة)) على حد تعبير الإمام الذهبي (3) - ودع عنك القيل والقال، وكثرة المراء والجدال، فقد وصل الخلاف في هذه المسألة عند الهمج الرّعاع أن همّوا بقتل فاضل من العلماء، وعالم من الفضلاء!!

قال ابن العربي المالكي: ولقد كان شيخنا أبو بكر الفهري يرفع يديه عند الركوع، وعند رفع رأسه منه، فحضر عندي يوماً بمحرس ابن الشوّاء بالثّغر، موضع تدريسي عند صلاة الظهر، ودخل المسجد من المحرس المذكور، فتقدّم إلى الصف الأول، وأنا في مؤخره قاعد على طاقات البحر، اتنسم الرّيح من شدّة الحر، ومعه في صف واحد أبو ثمنة رئيس البحر وقائده مع نفرٍ من أصحابه، ينتظر الصلاة.

فلما رفع الشيخ يديه في الركوع وفي رفع الرأس منه، قال أبو ثمنة لأصحابه: ألا ترون إلى هذا المشرقي، كيف دخل مسجدنا؟! فقوموا إليه فاقتلوه، وارموا به البحر، فلا يّراكم أحد. فطار قلبي من بين جوانحي، وقلت: سبحان الله هذا الطُّرطُوشي، فقيه الوقت!!

فقالوا لي: ولم يرفع يديه؟ فقلت: كذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، وهو مذهب مالك في رواية أهل المدنية عنه (4) ، وجعلت أسكنهم وأسكتهم حتى فرغ من صلاته، وقمت معه إلى

(1) أخرجه البخاري في ((جزء رفع اليدين)) : رقم (39) والبيهقي في ((السنن الكبرى)) : (2/75) وإسناده صحيح، كما قال النووي في ((المجموع)) :(3/405) .

(2)

فيض الباري: (2/255) و ((نيل الفرقدين)) : (ص 22) .

(3)

راجع: ((سير أعلام النبلاء)) : (5/293) .

(4)

* قال ابن عبد الحكم: لم يرو أحد عن مالك ترك الرفع فيهما إلَاّ ابن القاسم، والذي نأخذ به الرفع. انظر:((القوانين الفقيهة)) : (ص 64) .

ص: 104

المسكن من المحرس، ورأى تغير وجهي فأنكره، وسألني، فأعلمتُه، فضحك، وقال: من أين لي أن أقتل

على سنة؟ فقلت له: لا يحل لك هذا، فإنك بين قومٍ إن قمت بها قاموا عليك، وربما ذهب دمك

! فقال: دع هذا الكلام، وخذ في غيره (1) .

والسنّة رفع الأيدي ممدودة الأصابع، لايفرج بينها ولا يضمّها، وكان صلى الله عليه وسلم يجعلهما حذو منكبيه، وربما كان يرفعهما حتى يحاذي بهما فروع أذنيه، وكان يرفع يديه تارة مع التكبير، وتارة بعد التكبير، وتارة قبله (2) .

[2/19] (إسبال اليدين وعدم وضعهما على الصّدر أو تحته وفوق السرّة:

عن سهل بن سعد قال: كان النّاس يؤمرون أن يضع الرجل اليمنى على ذراعه اليسرى في الصَّلاة (3) .

وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنا معشر الأنبياء أمِرنا أن

نُؤخّر سحورنا، ونُعجِّل فطرنا، وأن نُمسِك بأيماننا على شمائلنا في صلاتنا (4) .

(1) أحكام القرآن: (4/1900) . ونقلها عنه: القرطبي في ((التفسير)) : (19/ 279) والشاطبي في ((الاعتصام)) : (1/295) .

(2)

راجع: ((زاد المعاد)) : (1/202) و ((شرح النووي على مسلم)) : (4/95) و ((تمام المنة)) : (ص 173) و ((صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم)) ((ص77ـ 78)) . والسنة أن يكون باطن الكفّ في اتجاه القبلة، ولا خلاف في هذا كما نقله الحلبي في ((شرح منية المصلي)) :(ص 300) . وانظر: ((زاد المعاد)) : (1/256) .

(3)

أخرجه البخاري في ((الصحيح)) (2/224) : رقم: (740) وأحمد في ((المسند)) : (5/336) ومالك في ((الموطأ)) : (1/159/47) .

(4)

أخرجه ابن حبان في ((الصحيح)) : (3/13-14) رقم (1767- مع الإحسان) .

ص: 105

من هذين الحديثين: يتبين لنا خطأ من يرسل يديه، إذ أن وضع اليد اليمنى على اليسرى من هدي نبينا صلى الله عليه وسلم، وهدي الأنبياء قبله (1) .

قال ابن عبد البر: لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه خلاف، وهو قول الجمهور من الصحابة والتّابعين، وهو الذي ذكره مالك في ((الموطأ)) ولم يحك ابن المنذر وغيره عن مالك غيره، وروى ابن القاسم عن مالك الإرسال، وصار إليه أكثرُ أصحابه، وعنه التفرقة بين الفريضة والنّفل (2) ، ومنهم من كره الإمساك.

ونقل ابن الحاجب أن ذلك حيث يمسك معتمداً لقصد الرّاحة (3) .

وذكر المالكية في رواية سنيّة القبض في الفرض والنفل: أنها ((الأظهر، لأن الناس كانوا يؤمرون به في الصّدر الأول)) (4) .

والمشهور في كتب المتأخرين من المالكيّة: أن وضع اليدين تحت الصدر، فوق السرة، مندوب للمصلّي المتنفل، وكذا للمفترض، إن قصد بالوضع الاتباع، أو لم يقصد شيئاً، أما إن قصد الاعتماد والاتكاء على يده بوضعهما كره له ذلك.

قال الباجي من كبار المالكية: ((وقد يحمل قول مالك بكراهة قبض اليدين على خوفه من اعتقاد العوام، أن ذلك ركن من أركان الصلاة، تبطل الصلاة بتركه)) .

فلعل من يتأمل جميع هذه الآراء في هذه المسألة، يعلم علماً قاطعاً أنهم جميعاً يعترفون بأن سنّة النبي صلى الله عليه وسلم هي وضع اليدين أمام المصلي، لا إرسالهما بجنبه، وأن الإمام مالك قال بإرسالهما - إنْ صَحَّ هذا عنه - ليحارب عملاً غير مسنون، وهو قصد الاعتماد، أو اعتقاداً فاسداً، وهو ظنّ العامي

(1) انظر: ((زاد المعاد)) : (1/202) .

(2)

اقتصر على هذه الرواية ابن رشد في ((بداية المجتهد)) : (1/107) كأنها تمثل مذهب مالك في نظره!

(3)

فتح الباري: (2/224) ونيل الأوطار: (2/201) .

(4)

انظر: ((التاج والإكليل)) : (1/536) و ((القوانين الفقهية)) : (ص 65) .

ص: 106

وجوب ذلك، وإلا فهو - على التحقيق - لم يقل بالإرسال البتة، وهذا غلط عليه في فهم عبارة ((المدونة)) ، وخلاف منصوصه المصرّح به في ((الموطأ)) القبض، وقد كشف عن هذا جمع من المالكية وغيرهم في

مؤلَّفات مفردة، تقارب ثلاثين كتاباً، سوى الأبحاث التابعة في الشروح والمطولات (1)() .

وبعد

أليس اللائق بعد كلّ ما سبق أن يترك إخواننا المالكيّون إرسال أيديهم، ظنّاً منهم أنهم يحافظون على سنّة! وبذلك يتفقون مع بقيّة إخوانهم المسلمين (2) .

ومن السنّة: وضع اليدين على الصّدر، ووضع اليد اليمنى على ظهر كفّه اليسرى والرّسغ والسّاعد.

عن وائل بن حجر قال: لأنظرنّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلّي، قال: فنظرتُ إليه، قام فكبّر، ورفع يديه، حتى حاذتا أُذنيه، ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفّه اليسرى والرسغ والسّاعد (3) .

والمراد: أنه وضع يده اليمنى على كفّ يده اليسرى ورسغها وساعدها (4) .

وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان – أحياناً – يقبض باليمنى على اليسرى (5) .

ففي هذا الحديث دليل على أن من السنّة القبض، وفي الحديث الأول الوضع، فكل سنة، ومن أخطاء بعض المصلين: الجمع بين القبض والوضع،

(1) انظر: ((التعالم وأثره على الفكر والكتاب)) : (99-100) .

(2)

ما لا يجوز فيه الخلاف بين المسلمين: (ص 48-49) .

(3)

أخرجه ابن خزيمة في ((الصحيح)) : (1/243) رقم (480) والنسائي في ((المجتبى)) : (2/98) وأبو داود في ((السنن)) : (1/193) وأحمد في ((المسند)) : (4/318) وابن ماجه في ((السنن)) : (1/266 - مختصراً) والدارمي في ((السنن)) : (1/314) وابن الجارود في ((المنتقى)) رقم (208) والطيالسي في ((المسند)) : (1/89 - مع منحة المعبود) والدارقطني في ((السنن)) : (1/290) وإسناده صحيح، وصححه ابن حبان في ((صحيحه)) : رقم (485-موارد) وصححه النووي وابن القيم وانظر: ((إرواء الغليل)) : (2/69) .

(4)

نيل الأوطار: (2/200) .

(5)

راجع: ((صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم)) : (ص 79) .

ص: 107

وصورته: أن يضع يمينه على يساره، آخذاً رسغها بخنصره وإبهامه، ويبسط الأصابع الثلاث، كما في بعض كتب المتأخرين (1) .

ودلّ الحديثان السّابقان: أن وضع اليدين على الصّدر هو الذي ثبت في السنة، وخلافه إما ضعيف وإما لا أصل له (2)

، وقد عمل بهذه السنة الإمام إسحاق بن راهويه، فقال المروزي في ((المسائل)) (3) :

((كان إسحاق يوتر بنا.. ويرفع يديه في القنوت، ويقنت قبل الركوع، ويضع يديه على ثدييه أو تحت الثديين)) وقريب منه ما روى عبد الله بن أحمد في ((مسائله)) (4)

قال: ((رأيت أبي إذا صلى وضع يديه إحداهما على الأُخرى فوق السرّة)) (5) .

قال العلامة ابن أمير الحاج الذي تبع شيخه ابن الهمام في التحقيق وسعة الاطلاع في ((شرح المنية)) : إن الثابت من السنّة: وضع اليمين على الشمال، ولم يثبت حديث يوجب تعيين المحل الذي يكون الوضع فيه من البدن إلَاّ حديث وائل المذكور، وهكذا قال صاحب ((البحر الرائق)) كذا في ((فتح الغفور)) (6) .

وقال الشوكاني:

(1) انظر _ مثلاً _: ((حاشية ابن عابدين)) : (1/454) .

(2)

كما في ((سنن أبي داود)) نسخة ابن الأعرابي: عن علي رضي الله عنه: ((إن من السنّة في الصّلاة وضع الأكف على الأكف تحت السرّة)) وفي إسناده عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي. قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يضعّفه. وقال البخاري: فيه نظر، وقال النووي: هو ضعيف بالاتفاق. انظر: ((نيل الأوطار)) : (2/203) و ((إبكار المنن)) : (ص 116 وما بعدها) ..

(3)

ص 222

(4)

ص 62..

(5)

ما تقدم من ((صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم)) : (ص 79 - 80) والمراد من فوق السرّة: على مكان مرتفع من السرّة، أعني: على الصّدر، كما في ((إبكار المنن)) :(ص 116) .

(6)

إبكار المنن في تنقيد آثار السنن: (ص 106) .

ص: 108

((ولا شئ في الباب أصح من حديث وائل المذكور، وهو المناسب لما أسلفنا من تفسير علي وابن عباس لقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} بأن النحر وضع اليمين على الشمال في محلّ النحر والصدر)) (1) .

والحكمة في هذه الهيئة: أنه صفة السائل الذليل، وهو أمنع من العبث وأقرب إلى الخشوع، ومن اللطائف قول بعضهم: القلب موضع النيّة، والعادة أن من احترز على حفظ شئ جعل يديه عليه (2) .

(ترك دعاء الاستفتاح والاستعاذة قبل قراءة الفاتحة.

كثير من عوامّ المصلّين يتركون دعاء الاستفتاح للصّلاة والاستعاذة، وذلك من مستحبات الصّلاة.

والظاهر مشروعية الاستعاذة في كلّ ركعة، لعموم قوله تعالى:

{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} (3) .

وهو الأصح في مذهب الشافعية، ورجحه ابن حزم (4) .

[3/19] (تكرير الفاتحة:

يكره للمصلّي تكرير الفاتحة، كلاً أو بعضاً، لأنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، وهذا مذهب جمهور العلماء، وعليه الأئمة الأربعة، وفي بطلان الصلاة به خلاف، ولا أعلم له دليلاً، وهو قول عند الحنابلة، وإن كررها سهواً سجد للسهو عند الحنفية والشافعية، وكذا إن كررها عمداً عند الشافعية، ويأثم عند الحنفية، وعليه إعادة الصّلاة لرفع الإثم.

ويحرم تكريرها عمداً عند المالكية، ولا تبطل به الصلاة، وإن كررها سهواًً سجد للسهو، ولعله الراجح (5) .

(1) نيل الأوطار: (1/204) .

(2)

فتح الباري: (2/224) .

(3)

سورة النحل: آية رقم (98) .

(4)

انظر: ((المجموع)) : (3/323) و ((تمام المنّة)) : (ص 176 - 177) .

(5)

انظر: ((الدين الخالص)) : (3/211 - 212) .

ص: 109

[4/19] (رفع البصر إلى السّماء أو النظر إلى غير مكان السجود:

ومن أخطاء المصلّين: رفع البصر إلى السماء، أو النظر إلى الأمام، أو عن اليمين والشّمال، مما يسبب السّهو وحديث النّفس، وقد ورد الأمر بخفض البصر، والنّظر إلى موضع السجود (1)

، إلا في حالة الجلوس للتشهد، فإن النّظر يكون إلى الإشارة بالسبابة لا يتجاوزها، فقد ثبت في هديه صلى الله عليه وسلم في الصلاة:((لا يُجَاوِزُ بَصَرُهُ إشَارتَهُ)) (2) .

وسئل العز بن عبد السلام: إي حجة لمن يقول: يستحب للمصلّي أن ينظر في ركوعه إلى قدمه، وفي سجوده إلى أنفه، وفي قعوده إلى حجره من حديث أو أثر أو حكمة؟ فأجاب في ((الفتاوى)) :(ص 68) ما نصه: ((ليس هذا قولاً صحيحاً، ولا حجة لقائله من كتاب ولا سنّة، والله أعلم)) .

عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصّلاة، قال: هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد (3)

(1) مقال: ((تنبيهات على بعض الأخطاء التي يفعلها بعض المصلين في صلاتهم)) المنشور في مجلة ((المجتمع)) : العدد: (855) ..

(2)

أخرجه أبو داود في ((السنن)) : (1/260) والنسائي في ((المجتبى)) : (3/39) وابن خزيمة في ((الصحيح)) : (1/355) وابن حبان في ((الصحيح)) : (3/308 - مع الإحسان) وأحمد في ((المسند)) : (4/15 - مع الفتح الرباني) وأبو عوانة في ((المسند)) : (2/226) والبغوي في ((شرح السنّة)) : (3/178) والبيهقي في ((السنن الكبرى)) والحديث صحيح.

(3)

أخرجه البخاري في ((الصحيح)) : (2/234) و (6/338) وأبو داود في ((السنن)) : (1/239) والترمذي في ((الجامع)) : (2/482) والنسائي في ((المجتبى)) : (3/8) وأحمد في ((المسند)) : (60/70، 106) والحاكم في ((المستدرك)) : (1/237) وقال: ((اتفقا على إخراجه)) وهو وهم منه رحمه الله إذ الحديث لم يخرجه مسلم كما قال ابن الملقّن في ((تحفة المحتاج)) : (1/361) وأحمد شاكر في تعليقه على ((جامع الترمذي)) : (2/485) .

ص: 110

3) .

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السّماء في صلاتهم، فاشتدّ قوله في ذلك، حتى قال: لينتهُنَّ عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم (1) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لينتهين أقوام عن رفعهم أبصارهم عند الدّعاء في الصلاة إلى السماء أو لتخطفن أبصارهم (2) .

وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لينتهين أقوام يرفعون

أبصارهم إلى السماء في الصلاة، أو لا ترجع إليهم (3) .

في هذه الأحاديث: النهي الأكيد، والوعيد الشديد، عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة، وقد نقل الإجماع في النهي عن ذلك (4) .

ويكره أن يلتفت المصلّي في صلاته لغير حاجة (5) ، للحديث الأول، إذ

(1) أخرجه البخاري في ((الصحيح)) : (2/233) والنسائي في ((المجتبى)) : (3/7) وأبو داود في ((السنن)) : (1/240) وابن ماجه في ((السنن)) (1/332) وأحمد في ((المسند)) : (3/109 -112، 115، 116، 140، 258) .

(2)

أخرجه مسلم في ((الصحيح)) : (1/321) والنسائي في ((المجتبى)) : (3/39) وأحمد في ((المسند)) : (2/367) .

(3)

أخرجه مسلم في ((الصحيح)) : (1/321) وأبو داود في ((السنن)) : (1/240) وابن ماجه في ((السنن)) : (1/332) وأحمد في ((المسند)) : (5/90) .

(4)

انظر: ((شرح النووي على صحيح مسلم)) : (4/152) و ((فتح الملهم)) : (2/64-65) و ((فتح الباري)) : (2/234) و ((مختصر الصواعق المرسلة)) : (2/276) .

(5)

انظر: ((زاد المعاد)) : (1/248) .

ص: 111

أضيف الالتفات إلى الشيطان، لأن فيه انقطاعاً من ملاحظة التوجّه إلى الحق سبحانه، وسمي فعله ذلك:((اختلاساً)) وهو ما يؤخذ سلباً مكابرة، أو الذي يخطف من غير غلبة ويهرب ولو مع معاينة المالك له، والناهب يأخذ بقوّة، والسارق يأخذ في خفية، فلما كان الشيطان قد يشغل المصلي عن صلاته بالالتفات إلى شيء ما بغير حجة يقيمها، أشبه المختلس، وسمي ((اختلاساً)) تصويراً لقبح تلك الفعلة بالمختلس، لأن

المصلي يقبل عليه الربّ سبحانه وتعالى والشيطان مرتصد له، ينتظر فوات ذلك عليه، فإذا التفت اغتنم الشيطان الفرصة فسلبه تلك الحالة (1) .

ولا تبطل الصلاة بالالتفات، إلا أن يستدير بجملته عن القبلة أو يستدبر القبلة، قال ابن عبد البر: وجمهور الفقهاء على أن الالتفات لا يفسد الصّلاة إذا كان يسيراً.

ويكره أيضاً أن يصلّي على شيء يلهيه أو في مكان صور، أو على سجادة فيها صور ونقوش، أو إلى مكان عليه صور، كما تقدم في ((جماع أخطاء المصلّين في أماكن صلاتهم)) خوفا من نقص الخشوع، أو ترك استقبال القبلة ببعض البدن.

[5/19] (تغميض العينين في الصّلاة.

قال ابن القيم: ((ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تغميضُ عينيه في الصّلاة، وقد تقدّم انه كان في التشهد يُومئ ببصره إلى أصبعه في الدّعاء، ولا يُجَاوِزُ بَصَرُهُ إشارَتَهُ)) (2) .

وقال الفيروز آبادي: ((كان صلى الله عليه وسلم يفتح عينه المباركة في الصَّلاة، ولم يكن يغمضها كما يفعله بعض المتعبّدين)) (3) .

(1) فتح الباري: (2/235)

(2)

مضى تخريجه.

(3)

سفر السّعادة: (ص 20) .

ص: 112

ودلّت كثير من الأحداث على أنه لم يكن يغمض عينيه في لصّلاة، مثل: مدّ يده في صلاة

الكسوف ليتناول العنقود لما رأى الجنّة، وكذلك رؤيته النار وصاحبة الهرة فيها، وحديث مدافعته للبهيمة التي أرادت أن تمرّ بين يديه، وردّه الغلام والجارية، وكذلك أحاديث ردّ السلام بالإشارة على مَنْ سلّم عليه وهو في الصّلاة، فإنه كان يشير إلى من يراه، وكذلك حديث تعرُّض الشيطان له، فأخذه فخنقه، وكان ذلك رؤية عين، فهذه الأحاديث وغيرها، يستفادُ من مجموعها بأنه لم يكن يُغْمِضُ عينيه في الصلاة.

وقد اختلف الفقهاء في كراهته، فكرهه الإِمامُ أحمد وغيره، وقالوا: هو فعل اليهود، وأباحه جماعة ولم يكرهوه، وقالوا: قد يكون أقربَ إلى تحصيل الخشوع الذي هو روحُ الصّلاة وسرُّها ومقصودُها.

والصّواب أن يُقال: إنْ كان تفتيح العين لا يُخِلُّ بالخشوع، فهو أفضل، وإن كان يحول بينه وبين الخشوع لما في قبلته من الزخرفة والتّزويق أو غيره مما يُشوش عليه قلبه، فهنالك لا يُكره التغميضُ قطعاً، والقول باستحبابه في هذا الحال أقربُ إلى أصول الشرع ومقاصده من القول بالكراهة، والله أعلم (1) .

[6/19] (كثرة الحركة والعبث في الصّلاة.

ومن أخطاء المصلّين: الحركة الزّائدة في الصّلاة التي لا حاجة لها، سوى العبث واللهو والإعراض عن الخشوع في الصّلاة، كتشبيك الأصابع، وتنظيف الأظافر، والتحريك المستمر للقدمين، وتسوية العمامة أو العقال، والنظر في الساعة، وربط الإزار، ونحو ذلك مما يبطل أجرها.

((والخشوع هو لبّ الصّلاة وروحها، فالمشروع للمؤمن أن يهتم بذلك،

(1) زاد المعاد)) : (1/294) والفتاوى: (ص 147) للعز بن عبد السلام. وسفر السعادة: (ص20) .

ص: 113

ويحرص عليه، أما تحديد الحركات المنافية للطمأنينة وللخشوع بثلاث حركات فليس ذلك بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ذلك من كلام بعض أهل العلم، وليس عليه دليل يعتمد. ولكن يكره العبث في الصّلاة، كتحريك الأنف واللحية والملابس والاشتغال بذلك، وإذا كثر العبث وتوالى أبطل الصلاة..

أما إن كان قليلاً عرفاً، أو كان كثيراً، ولكن لم يتوال، فإن الصلاة لا تبطل به، ولكن يشرع للمؤمن أن يحافظ على الخشوع، ويترك العبث، قليله وكثيره، حرصاً على تمام الصلاة وكمالها)) (1) .

وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم أقواماً يعبثون بأيديهم في الصلاة، ويحركونها من غير حاجة، فقال لهم:

((ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شُمْسٍ (2) ، اسكنوا في الصّلاة)) (3) .

ففي هذا الحديث: الأمر بالسكون في الصلاة، والخشوع فيها، والإقبال عليها.

ومن المناسب في هذا المقام: أن أُشير إلى وضع ذلك الحديث الدّارج على ألسنة كثير من المسلمين، يزعمون: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يعبث بلحيته وهو في الصلاة، فقال: لو خشع قلب هذا، لخشعت جوارحه.

وهذا حديث موضوع، عزاه السيوطي في ((الجامع الصغير)) :(5/319 ـ مع شرحه) للحكيم وأشار إلى ضعفه، وقال شارحه المناوي:

(1) الفتاوى: (1/87) للشيخ ابن باز.

(2)

شُمْسٍ: بضم الشين وإسكان الميم وضمّها، واحدها: شموس، وهي التي لا تستقر، بل تضطرب وتتحرك بأذنابها وأرجلها.

(3)

أخرجه مسلم في ((الصحيح)) رقم (430) وابن خزيمة في ((الصحيح)) : رقم (1544) والنسائي في ((المجتبى)) : (2/72) .

ص: 114