الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منهجه:
1 -
على الرغم من ابن العماد يعتبر من المتأخرين بالنسبة للعلماء السابقين الذين ألفوا في هذا الموضوع فإنه لم يخرج عن الطريق الذي سلكوه، والمنهج الذي طرقوه، فقد سار على خطاهم، وتتبع آثارهم من غير أن يجدّد في المنهج، أو يبتكر في العرض.
2 -
غير أنه في كتابه يميل إلى حشوه بكثير من القصص والأخبار التي تعتبر استطرادا لا يدعو إليه البحث، ويبدو أن الرجل كان صالحا تقيا داعية واعظا خطيبا، فتسرب إلى كتابه الكثير من ميوله الدينية التي ينتهز لها الفرص لعرضها بمناسبة أو بدون مناسبة.
مثال ذلك حديثه عن «الشرك» فالشرك بين معناه كما بيّنه من سبقه، وأنه على ثلاثة أوجه، ومن هذه الأوجه «الرياء» وعند تناوله للرياء أفاض واستطرد، وزاد وأكثر، ولعل الذي حدا به إلى ذلك أن هذه الصفة ابتلى بها أبناء عصره، فانتهز فرصة الحديث عنه لكي يبين عواره، ويظهر خطره، ويبغض الناس فيه، ولا أدل على ذلك من قوله:
«وجه يكون بمعنى: الشرك في الأعمال: الرياء كقوله تعالى:
فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً، وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (1) من خلقه، لا يريد بذلك غير الله، وفي ذلك أمر بتصفية الأعمال من الكدران كالرياء، فإن في الصحيح:
(1) الكهف: 110.
«يقول الله تعالى يوم القيامة:
أنا أغنى الأغنياء عن الشرك من عمل عملا ليشرك فيه معي غيري تركته وشركه).
وبعد عرض آيات أخرى ساقها لتبين أن العبادة لله وحده والعمل له وحده، عرض للآفة التي انتشرت في زمنه بين أبناء وطنه، فقال:«وكثير من الناس في هذا الزمان من يقول: فعلت في ليلتي هذه أن صليت مائة ركعة، وسبّحت ألف تسبيحة وقرأت ختمة، وقطعت من الأعمال الصالحة كذا، يريد بذلك أن تعتقده الناس، ويجعل نفسه صالحا، ويجب أن يقبّل الناس يده، ويقوم إليه الناس، وهذا حرام بالكتاب والسّنة» وظل ابن العماد يسرد أقولا من السّنة، وأخبارا من أقوال العلماء في الرياء استغرق ثماني صفحات من كتابه: حول الرّياء.
3 -
ومع أنه كثير الاستطراد فيما يتعلق بالمعنى الذي له صلة بمعالجة (1) النفس، فإن الكلمات التي تناولها قليلة بالنسبة للكلمات التي تناولها العلماء السابقون من قبل، فقد بلغت الكلمات القرآنية التي تناولها بالتفسير 111 كلمة.
4 -
لا يتعرض لتوضيح المعاني في ضوء اللغة والمعاجم كما فعل ذلك ابن الجوزيّ صاحب «نزهة الأعين النواظر» .
وفي القليل النادر نجد أنه يتعرض لبعض الكلمات من الناحية اللغوية وسرعان ما يحوّل تفسيرها إلى تفسير وعظيّ صوفيّ، ففي كلمة:«الطهور» مثلا يبين أنه على عشرة أوجه. ثم يختم تفسيره لمعنى
(1) انظر: كشف السرائر من: 35 - 46.
الطهور بقوله:
«واعلم أن: «طهور» على وزن فعول:
والطهارة على ثلاثة أقسام: لغوية، وشرعية، ومعنوية.
ثم تناول الطهارة في الصّلاة وما يتعلق بها من وضوء وطهارة من الحدث الأصغر والأكبر، فإذا فرغ من ذلك كله بدأ يعرض لنا نصوصا من كتاب:«اللطائف» للشيخ أبي محمد النيسابوري ليوضح لنا أن الطهارة على عشرة أقسام:
1 -
طهارة الفؤاد، وهي صرفه عمّا دون الله تعالى.
2 -
طهارة السّرّ: وهي رؤية المشاهدة.
3 -
طهارة الصدر: وهي الرّضا بالقضاء.
4 -
طهارة الروح، وهي الحياء والهيبة.
5 -
طهارة البطن، وهي أكل الحلال، والعفة عن أكل الحرام، وهي ترك الشهوات.
6 -
طهارة اليدين: وهي الورع والاجتهاد.
7 -
طهارة المعصية: وهي الحسرة والندامة.
8 -
طهارة اللسان: وهي الذكر والاستغفار. الخ.
ثم ختم عظاته بأن طلب من عبد الله أن يعتبر ويتعظ. فقال:
«فاعتبر يا عبد الله بقصة برصصا العابد، كونه عبد الله خمسمائة عام، ومع ذلك ختم له بالشقاوة، وأيضا بقصة «بلعام» ، وأيضا بعبادة التعيس التكيس كيف عبد الله ثمانين ألف عام، وكان من خزّان الجنّة، وأكثر الملائكة عبادة ومع ذلك شقى لغيره، وأبليس، وطرد، وغيرت صورته، وأيس من رحمة الله» (1)
(1) انظر كشف السرائر: 131 - 135.
وأنحى ابن العماد في هذا الموقف باللائمة على الناس في زمانه فقد ولعوا «بحب الرياسة، ومجالسة الأمراء، والسلاطين، ويكونون عندهم كالخدم، يفعلون ما يؤمرون به، ويأكلون على موائدهم ..
ونختم الحديث عن منهج ابن العماد بأنه تناول بعض الكلمات القرآنية ذات الوجوه والنظائر، ولكنه خلط منهجه بكثير من القصص، وألوان من الأخبار، ومجموعة من الأحاديث من أجل أن ينير الطريق أمام السائرين في الظلمات، فطابعه الوعظى الإرشادي طغى على منهجه في تفسير الوجوه والنظائر.
وفي الوقت نفسه لم يأت بجديد زيادة على الذين سبقوه في هذا المضمار اللهم إلّا التوجيه والوعظ، والإرشاد، والدعوة إلى الله.