الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ (1) كقوله في «الروم» كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (2)، يعني: راضين، وكذلك أيضا في «غافر»: فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ، (3)، يعني:
رضوا والوجه الثالث: الفرح بعينه، فذلك قوله في يونس:
حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها (4) يعني: الفرح بعينه» (5) ومثال ذلك أيضا:
الأرض:
حينما تناول غريب هذه الكلمة، ومعانيها المختلفة التي حدّدتها سياقات الآيات التي وجدت فيها، قال: «الأرض على سبعة وجوه:
فوجه منها الأرض: يعني أرض الجنّة، فذلك قوله في «الزّمر» وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ (6) يعني أرض الجنّة: نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ كقوله في الأنبياء: وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (7) يعني أرض الجنّة خاصّة.
والوجه الثاني: «الأرض» ، يعني الأرض المقدّسة بالشام خاصّة فذلك قوله في «الأعراف»
(1) الرّعد: 26.
(2)
الرّوم: 32.
(3)
غافر: 83.
(4)
يونس: 22.
(5)
الأشباه والنظائر: 200.
(6)
الزمر: 74.
(7)
الأنبياء: 105.
وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ (1) يعني الأردن وفلسطين، وكقوله: وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها، (2) يعني الأرض المقدسة.
والوجه الثالث: الأرض يعني أرض المدينة خاصّة، فذلك قوله: يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ، يعني أرض المدينة خاصّة: فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ بها (3)، يأمرهم بالهجرة إليها كقوله في «النساء»: أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها (4) يعني: أرض المدينة. وقال في «النساء» : وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً (5) والوجه الرابع: «أرض» يعني أرض مكة خاصّة، فذلك قوله في الرعد: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها (6) يعني أرض مكة خاصّة، كقوله في «النساء»: قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ (7)، يعني أرض مكة، وكقوله في «الأنبياء»: أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها، يعني أرض مكة خاصّة أَفَهُمُ الْغالِبُونَ (8) الخ
(1) الأعراف: 137.
(2)
الأنبياء: 71.
(3)
العنكبوت: 56.
(4)
النساء: 97.
(5)
النساء: 100.
(6)
الرعد: 41.
(7)
النساء: 97.
(8)
الأنبياء: 44.
ويعني به الأرض بعينها فقال:
الوجه السابع: «الأرض» يعني جميع الأرضين فذلك قوله في الأنعام»: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ يعني جميع الأرض.
وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ (1). وقال في لقمان: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ (2) يعني الأرضين، ونحوه كثير (3).
3 -
ومن منهجه أن يوضح أسباب النّزول ليكشف الغطاء عن معنى الكلمة القرآنية ذات المعنى المتعدّد، ومثال ذلك تفسيره لقوله تعالى يوزعون» قال:«يوزعون» على وجهين: فوجه منهما: يوزعون، يعني:
يساقون، فذلك قوله في «النمل» وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ يعني (4): يساقون، نظيرها فيها حيث يقول: وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ (5) يعني يساقون.
والوجه الثاني: «أوزعني» يعني ألهمني الشكر، فذلك قول سليمان في «النمل»: رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ (6) كقول أبي بكر بن قحافة:
(1) الأنعام: 38.
(2)
لقمان: 27.
(3)
الأشباه والنظائر: 201 - 204.
(4)
النمل: 17.
(5)
النمل: 83.
(6)
النمل: 19.
حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ (1) فهذه الآية الأخيرة أنزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وذلك أنّه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ابن ثماني عشرة سنة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عشرين سنة، وهم يريدون الشام في التجارة، فنزلوا منزلا فيه سدرة، فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومضى أبو بكر إلى راهب هناك يسأله عن الدّين، فقال له: من الرّجل الذي في ظلّ السّدرة؟
فقال: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، قال: هذا والله نبيّ، وما استظل تحتها أحد بعد عيسى بن مريم إلّا محمد نبيّ الله، فوقع في قلب أبي بكر اليقين والتّصديق، فكان لا يفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسفاره وحضوره.
نبّىء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة وأبو بكر ابن ثمان وثلاثين سنة- أسلم وصدّق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما بلغ أربعين سنة قال: رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ .. الآية (2) وبعد، فمن خلال هذا المنهج تبين لنا أن الرجل كان متبحّرا في تفسير القرآن، واستيعاب معانيه، ومعرفة أسباب نزوله.
ولقد عرف له هذه المكانة رجال العلم في عصره، وما بعد عصره فالشافعيّ يقول: «من أراد أن يتبحر في تفسير القرآن فهو عيال على مقاتل ابن سليمان.
وقال عبد الله بن كثير: «ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من مقاتل» وقال حمّاد بن أبي حنيفة: مقاتل أعلم بالتفسير من الكلبيّ. (3)
(1) الأحقاف: 15، وانظر الأشباه والنظائر: 183 - 184.
(2)
انظر أسباب نزول القرآن للواحدي: 402.
(3)
انظر ما سبق.