الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 - الأشباه والنظائر لمقاتل بن سليمان البلخي:
أ- ترجمة موجزة لمقاتل بن سليمان:
نسبه: هو مقاتل بن سليمان بن بشير الأزديّ الخراسانيّ يكنى أبا الحسن البلخيّ. (1)
موطنه: قال المؤرخون: أصله من بلخ، قدم «مرو» فتزوج بأم أبي عصمة نوح بن أبي مريم» (2) وفاته: بعد أن نشأ ب «بلخ» انتقل إلى البصرة، فمات بها في سنة خمسين ومائة» (3) مقاتل في ميزان الرواة والعلماء:
ما اختلف الرواة في شخصية علمية كاختلافهم في مقاتل بن سليمان فمنهم من أشاد به، ورفع من قدره، وأعلى من منزلته، ووضعوه في مراتب العلماء والنّبغاء والصّالحين.
ومنهم من صوّب إليه سهام النّقد، فقللّ من قيمته، ونقص من قدره، وحطّ من منزلته، ونظموه في سللك الكافرين، واتهموه بالافتراء والاختلاق.
والقارىء لآراء المادحين، والناقدين يعجب كل العجب، لأن الذين مدحوه رجال لهم وزنهم العلميّ، ومكانتهم العلميّة والدينية في عصرهم.
وكذلك الذين وجّهوا إليه أصابع الاتهام ورموه بالضعف في الرّواية،
(1) تهذيب التهذيب: 10/ 279.
(2)
السابق: 280.
(3)
السابق: 284.
واختلاق الأحاديث، والتفسير بلا سند هم رجال لا يقلّون مكانة عن أولئك المادحين.
ونحن لا ندري أي الفريقين أصحّ قولا، وأصدق خبرا، وأثبت رواية.
ومن عبارات المدح التي ساقها الرّواة، وأشادوا بسليمان فيها ما يلي:
قال بقيّة: كنت كثيرا أسمع شعبة، وهو يسأل عن مقاتل، فما سمعته ذكره قطّ إلّا بخير» وقال علي بن الحسين بن واقد عن عبد المجيد من أهل «مرو» «وسألت مقاتل بن حيّان عنه، فقال: ما وجدت علم مقاتل بن سليمان في علم الناس إلّا كالبحر الأخضر في سائر البحور» وقال عنه الشافعيّ: الناس عيال على مقاتل في التفسير» وقال مكّي بن إبراهيم عن يحيى بن شبل، قال عباد بن كثير: ما يمنعك من مقاتل، قلت إن أهل بلدنا كرهوه، فقال: لا تكرهه فما بقي أحد أعلم بكتاب الله تعالى منه» وقال القاسم بن
أحمد الصّفّار، قلت لإبراهيم الحربي:
ما بال الناس يطعنون على مقاتل؟ قال: حسدا منهم له» وقال خالد بن صبح: قيل لحماد بن أبي حنيفة: إن مقاتلا أخذ التفسير عن الكلبي، قال: كيف يكون هذا، وهو أعلم من الكلبي؟ (1)
(1) تهذيب التهذيب: 10/ 281 - 283
هذه هي معظم الآراء التي قيلت في مجال الإشارة بمقائل بقي أن نذكر بعض العبارات التي صدرت من الفريق الآخر، وهي عبارات تحطّ من قدره، وتتهمه في دينه، وترميه بالاختلاق والكذب:
ومن هذه الآراء: رأي أبي حنيفة فماذا قال؟
قال أبو حنيفة عنه: أتانا من المشرق رأيان خبيثان:
جهم معطّل، ومقاتل مشبه.
والمراد أن جهم بن صفوان الذي قتل سنة 128 هـ (1) ينفي الصفات عن الله تعالى، ويعطّلها. (2)
وكرّر أبو حنيفة مرة أخرى ذمّه لجهم ومقاتل حينما قال:
«أفرط جهّم في النّفي حتى قال: إنه ليس بشيء، وأفرط مقاتل في الإثبات حتى جعل الله تعالى مثل خلقه.
وقال إسحاق بن إبراهيم الحنظليّ: «أخرجت خرسان ثلاثة لم يكن لهم في الدّنيا نظير في البدعة والكذب: جهم، ومقاتل، وعمر بن صبح.
وقال خارجة: لم استحلّ دم يهودي ولا ذمّي، ولو قدرت على مقاتل ابن سليمان في موضع لا يرانا فيه أحد لقتلته!! وقال عليّ بن خشرم عن وكيع أردنا أن نرحل إلى مقاتل، فقدم علينا، فأتيناه فوجدناه كذابا فلم نكتب عنه» (3)
(1) الكامل لابن الأثير 5/ 127.
(2)
انظر جهم بن صفوان، ومكانته في الفكر الإسلامي:71.
(3)
انظر هذه الأقوال في تهذيب التهذيب: 10/ 281 - 282 - 283.
وبالمقارنة بين هذه الآراء نجد أن الاختلاف بين المادحين والناقدين يرجع إلى طريقة التفكير السائدة في هذه الفترة من التاريخ.
فقد كان التّقيّد بالرواية، والاعتماد على السّند، والمحاظة على القيم العلميّة السائدة سمة من سمات هذا العصر، فلا قول إلا بسند، ولا خبر إلا برواية، ولا رأي إلّا بنصّ.
ويبدو أن «مقاتل» لم يلتزم بهذا المنهج، ولم يفرض على نفسه الالتزام بما هو سائد في عصره.
فقد تحدّث مالك بن أنس فقال: بلغه أن مقاتل بن سليمان جاءه إنسان فقال له: إن إنسانا جاءني فسألني عن لون كلب أصحاب الكهف، فلم أدر ما أقول له، فقال له سليمان: ألا قلت: أبقع؟ فلو قلته لم تجد أحدا يردّ عليك» (1) فهذه القصة تدل في وضوح على تحرّر مقاتل من الالتزام بالرّواية، وفي الوقت نفسه تدلّ على الجرأة في الإجابة عن الأسئلة التي توجّه إليه، وبخاصة في الموضوعات التي لم يرد فيها نصّ من رواية أو خبر ومما يؤكد هذا الرأي أن إبراهيم بن يعقوب قال عنه: «كان كذابا جسورا، سمعت أبا اليمان يقول: قدم ها هنا، فقال: سلوني عمّا دون العرش
…
فقال له الرجل: أخبرني عن النملة:
أين أمعاؤها؟ فسكت:» وفي رواية أخرى: قال له يوسف السمتي: «من حلق رأس ادم أول ما حجّ، فقال: لا أدري» (2) ومن أجل هذه الجرأة توقف بعض العلماء عن الأخذ من تفسيره، فقد قال ابن المبارك لمّا نظر إلى شيء من تفسيره: «يا له من علم لو كان
(1) تهذيب التهذيب: 10/ 282.
(2)
السابق 283.