الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على أن الذي يدعو إلى العجب أيضا أن الحكيم الترمذي كما جار على المعاني المختلفة للفظة الواحدة فيما يسمّى المشترك اللفظيّ جار على الألفاظ المتعدّدة للمعنى الواحد فيما يسمّى الترادف، فقد بين محقق تحصيل النظائر أن له كتابا عنوانه «الفروق ومنع الترادف (1) حيث يرى أن اللفظ له وضع ثابت مهما تغيرت الأحوال، واختلفت المقامات وكتاب الفروق يذكر المحقق أنه تحت الطبع في القاهرة ويبدو أن أبا هلال العسكري الذي جاء بعده (2) كان متأثرا به، وفكرة عدم الفروق بين الألفاظ لعله متأثر في مجالها بالحكيم الترمذي.
بقي بعد هذا أن نشير في إيجاز إلى منهج الحكيم الترمذي في كتابه
منهجه:
1 -
تفسير الكلمة القرآنية على أساس وضعها أولا، ثم يتناول معانيها الأخرى، ليربطها بالمعنى اللغوي الوضعيّ لها:
فكلمة «أحس» (3) يفسّر معناها اللغوي، فيقول:
«وأما قوله:» أحس «على كذا وجه: فالإحساس هو علم النفس وهو وجود النفس خبر الأشياء، وإنما سميت الحواس الخمس حواسا لأنهن يجلبن الخبر إلى النفس» .
ثم ينتقل بعد ذلك إلى معنى آخر ل «أحس» محاولا ربطه بمعناه اللغوي، فمن معاني أحسّ: عرف.
يقول: «وإنما صار أحسّ في هذا المكان يعني: عرف، لأن النفس عرفت ما عاينت» (4)
(1) انظر: مقدمة تحصيل النظائر: 15.
(2)
قال السيوطي في البغية: 1/ 507:
«وقال ياقوت لم يبلغني شىء في وفاته إلا أنه فرغ من إملاء: الأوائل» يوم الأربعاء لعشر خلت من شعبان 375 هـ.
(3)
من قوله تعالى: أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ آل عمران: 52 وغيرها.
(4)
تحصيل النظائر: 131.
2 -
الاستشهاد بالقرآن الكريم، ليقوّي ما يرى، ويدعم ما يقول:
فالظن تفسيره اللغوي هو: «الشىء الذي يتراءى للقلب، فيحسب أنه هكذا والتهمة مقرونة به لا يقين هناك، فإذا غلب على القلب حسن الظنّ صار علما، وإذا لم يغلب فهي محسّة مع التهمة» ثم يستدل بالقرآن بأن الظن قد يكون علما فيقول:
«وإنما صار ها هنا الظن «علما» في هذا المكان حيث يقول:
* وظن داود أنما فتنّاه* (1) أي علم، لأن الملائكة دخلت عليه المحراب بتلك الخصومة، فضربت له المثل حيث قال الله تعالى: إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ (2) فمن ذلك المثل المضروب تراءى له سوء فعله، فصار، ما تراءى له ظنا.
ثم يقول: «وإنما صار الظنّ ظنا في مكان آخر، لأنه لم يكن مع يقين، ولا انكشف له علم ذلك عن الغطاء فلذلك قال الله تعالى:
وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (3) 3 - وإلى جانب الاستشهاد بالقرآن الكريم نجد أنه، يستشهد بالحديث الشريف وذلك عند تعرضه لكلمة «الذكر» ، فمن الذكر التكبير وهو وصف الله تعالى بالكبرياء لقوله تعالى: وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (4) ومن أجل إثبات هذا المعنى، وتقريره في النفسّ يقول:
وروى عن رسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يقول الله العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني فيهما ألقيته في النار» (5)
(1) ص: 24.
(2)
ص: 23.
(3)
الجاثية: 32. وانظر تحصيل النظائر: 106، 107.
(4)
الجاثية: 37.
(5)
تحصيل النظائر: 67.
4 -
ومن منهجه أنه تغلب عليه الصّوفية والوعظ، ولعلّ السبب في ذلك أنه اشتغل بالتّصوّف والفلسفة وله فيه مؤلفات أشرنا إليها من قبل، وهي:
1 -
حقيقة الآدمية، 2 - الرياضة وأدب النفس.
3 -
بيان الفرق بين الصدر، والقلب، والفؤاد واللب.
4 -
ختم الأولياء.
ولهذا السبب نراه لا يسير على نمط واحد في كتابه، فبعض الكلمات مثل الأسباب (1) و «السّوي» (2) لا تتجاوز نصوصها أربعة أسطر على حين نجد كلمة «الذكر» استوعبت من كتابه سبع عشرة صفحة. (3)
وبعد، فإن هذا الكتاب يعتبر تأليفا فريدا في الوجوه والنظائر اعتمد فيه الرجل على مذهب من لا يرى الاشتراك اللفظي في اللغة إلى جانب أن الصّوفية التي تدعو إلى تهذيب النفس، وتطهير القلب، وتصفية الروح حيث أطال فيها القول ويخاصة عند تعرّضه لكلمة:
«الذكر» كانت مسيطرة عليه.
(1) تحصيل النظائر: 153.
(2)
السابق: 147.
(3)
من ص 51 إلى 67.