الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مجمع اللغة، ما هي مهمته
؟:
بين منصور فهمي وطه حسين:
هذه معركة جرت حول مهمة المجمع اللغوي، بدأها الدكتور طه حسين بآراء عرض فيها وجهة نظره في أمر المجامع اللغوية وعملها بمناسبة قرب دخوله إلى المجمع اللغوي الذي أنشئ في مصر سنة 1931 وظل الدكتور بعيدًا عنه، عارضه فيها الدكتور منصور فهمي وإسماعيل مظهر وجرت بينهم مناقشات انتهت بأن مهمة المجمع اللغوي الذي يقوم في مصر تختلف عن مهمة المجمع الفرنسي الذي أراد الدكتور طه أن نسير على نهجه، وذلك لمدى الفوارق في الاحتياجات اللازمة للغتنا والفرق بين اللغة العربية والفرنسية.
قال الدكتور طه حسين 1:
1-
إنها لكارثة كبرى أن يكلف مثلي وضع الاصطلاحات في الطب والطبيعة والفنون العملية المختلفة ولو أن الأكاديمية الفرنسية عنيت بوضع الاصطلاحات للعلوم والفنون لكانت موضع سخرية الفرنسيين جميعا والعلماء في مقدمتهم، فمن العبث إذن أن يكلف المجمع وضع الاصطلاحات أو يضيع وقته فيها.
وهناك مسألة اللهجات فليس المجمع مدرسة وإنما تدرس اللهجات في معاهد خاصة تلحق بالجامعات وبكليات الآداب، وما أعرف المجمع الفرنسي مثلا عنى في يوم من الأيام باللهجات، بل هو يحاربها لأن عمله الأول إنما هو الاحتفاظ ببقاء اللغة وفصلها فإذا أريد درس اللهجات العربية القديمة كما تمثلها قراءات القرآن الكريم فهذه شيء متصل بالمعجم التاريخي وبالنحو والصرف، وهو شيء مخالف كل المخالفة لما يراد من درس اللهجات الحديثة.
رد الدكتور منصور فهمي:
إن وضع المصطلحات العلمية من صميم عمل المجامع. وأعضاء المجمع ليسوا لغويين فحسب، وإنما منهم من اختص أيضًا بعلوم غير علوم اللغة فعند اتصال بعضهم بالبعض الآخر ثمرة طيبة تعين على وضع مصطلحات علمية موقعة في مختلف نواحي العلوم والفنون.
1-
أخالف الدكتور طه في رأيه بأن الأكاديمية الفرنسية لو عنيت بوضع الاصطلاحات للعلوم والفنون لكانت موضع سخرية الفرنسيين جميعًا.
1 مارس 1937، الأهرام.
وهل يسخر أحد حين يعلم أن جماعة من أهل اللغة يضعون اصطلاحات لما يرتجل ارتجالا تكون أوفق لروح اللغة وقد يستساغ بعضها وقد يصقل الاستعمال البعض الآخر.
ولا أظن أن الدكتور طه حسين حين يستفهم ويقول نصا "أي أعضاء المجمع" يستطيع أن يضع الأسماء لأي آلة من الآلات المستحدثة التي لا عهد للعرب بها يحسب أن كتابا من الكتاب يرضى أن يستخدم كلمتي "فرملة" أو "دريكسون" التي يستخدمها عامل السيارة في حين أن أدباء المجمع بل وكل أديب بل وكل من له إلمام يسير باللغة يجد لهاتين اللفظتين من لغة العرب ما يناسب ذوقها وذوق الناس.
2-
ما قولكم في دراسة اللهجات التي تعرض لها الدكتور طه حسين؟
أما اللهجات فنعلم أن دراستها قد تعين على معرفة معنى الكلمة على وجهها الصحيح. فغير قليل من الكلمات قد تستخدم من ناحية أو في عدة نواح من البلاد العربية لمعنى من المعاني، وإن العناية بمعرفة هذه الألفاظ ومعانيها قد تعين على وضع كثير من المعاني والألفاظ موضعها الصحيح الأوفق فضلا عن أن اللهجات لم تخرج عن أنها جزء من تاريخ اللغة وتطورها. ومن أراد أن يزيد رسوخا في اللغة فليس له أن يهمل أجزاء تاريخها، زد على هذا أن البلاد العربية قد تعددت لهجاتها لدرجة الصعوبة في التفاهم أحيانًا وأنه من أمل مجمع اللغة المصري أن يكون لمصر مركز ممتاز بين البلاد العربية لتوحيد الأدوات والأساليب في التخاطب والكتابة والتفاهم بلغة مشتركة فصحى رقيقة فمن حقه إذن أن يعنى بلهجات البلاد العربية المختلفة، وذلك لدفع تلك اللهجات إلى لغة سليمة فصحى توحد بين الجميع في الكتابة والتخاطب.
وما كان المجمع حين أراد أن يستبقي العناية باللهجات بغافل عن معرفة
حقيقة نفسه وأنه ليس مدرسة كما يقول الدكتور وأن من حق الكليات ومعاهد العلم العالية أن تعنى بدراسة اللهجات. ولكن المجمع رأى أن تقرير العناية بدراسة اللهجات يعينه على تحقيق أغراضه السامية في خدمة اللغة.
أما قول الدكتور "أنه لم يعرف أن المجمع الفرنسي عنى في يوم من الأيام باللهجات وأنه يحاربها". فأحسبني لا أخطئ إذا قلت: إن العناية بدراسة اللهجات وما يتصل بها فائقة في فرنسا وفي غير فرنسا بل هي من الدراسات التي يحرص عليها العلماء خصوصا في الزمن الأخير لتفهم قانون تطور اللغات وما يستفاد من هذه الدراسة لتنمية ثروة القوانين العلمية والتاريخ. وقد ألفوا في ذلك المصورات والأطالس الكبرى.
2-
طه حسين 1:
الدكتور منصور فهمي أعلم بشئون المجامع اللغوية من أن يحتاج إلى أن أنبه إلى أن هذه المجامع ليس من شأنها ولا ينبغي أن يكون من شأنها ولم تزعم قط أن من شأنها وضع اصطلاحات العلوم والفنون وإنما هي تسجل من ذلك ما يصنعه العلماء وأصحاب الفن إذا لائم اللغة وفرضه الاستعمال.
مازلت أقول وسأقول دائمًا وسيقول المثقفون الفرنسيون معي دائما: إن المجمع اللغوي الفرنسي يضحك الناس من نفسه لو أنه انصرف إلى وضع الاصطلاحات في العناية بصفاء اللغة ونقائها، فالعلماء وحدهم هم الذين يضعون اصطلاحاتهم وألفاظهم الخاصة وما ينبغي لغيرهم أن يتطفل عليهم أو يشاركهم في تسمية ما لا يتقنه من معاني العلم واصطلاحاته.
إن الأمور تقلب أوضاعها في مصر فنحن نريد أن يذهب الأطباء إلى
1 6 مارس 1937 الأهرام.
أعضاء المجمع اللغوي يلتمسون منهم الأسماء لمعاني الطب التي لا يحسنونها ولعلهم لا يعرفون عنها قليلا ولا كثيرا على حين يذهب أعضاء المجمع اللغوي الفرنسي إلى الأطباء يسألونهم عن معاني الكلمات الطبية التي يفرضها الاستعمال والتي يحتاج إلى أن تأخذ مكانها في المجمع اللغوي.
3-
إسماعيل مظهر 1:
لأول وهلة أدركت أن الأستاذ "طه حسين" يحاول أن يثبت أن لمجامع اللغة طبيعة واحدة لا تختلف باختلاف الشعوب واللغات وظروف الأحوال فمضى يطبق القواعد التي يجري عليها مجمع اللغة الفرنسي مثلا على ما يجب أن يكون لمجمع اللغة العربية كأن الطبيعة والتاريخ لا حساب لهما في قياس الفارق بين اللغتين "اللغة العربية واللغة الفرنسية" وحال الشعبين.
"أما ما ذكره" من أن المجامع اللغوية لا شأن لها بوضع المصطلحات العلمية وأخذه المثل على ذلك من المجمع الفرنسي ووضع بذلك مقياسا على الفارق البعيد والبعيد جدًا فلا جدال إطلاقا من أن المجمع اللغوي الفرنسي لن يقبل كلمة واحدة أو اصطلاحا يضعه عالم من العلماء أو مؤلف من المؤلفين ما لم ينطبق على القواعد المرعية في اللغة الفرنسية أولا أو في اللغتين اليونانية واللاتينية إذا كان المصطلح منهما، وإذا جاز هذا فإن ذلك يكون بمثابة حكم بالإعدام على المجمع يوقعه أعضاؤه على أنفسهم، فالمجمع الفرنسي يجيز المصطلحات الحدثية متى كانت صحيحة مطابقة لقواعد اللغات التي تؤخذ منها.
إن طبيعة لغتنا والظرف القائم بيننا يجعل من أوليات المهام التي يجب أن يباشرها مجمع اللغة العربية النظر في وضع المصطلحات العربية الصحيحة مع
1 الأهرام، 6 مارس 1937.
الاستعانة بأهل الذكر من العلماء الذين هم على استعداد للتضحية في سبيل اللغة، لا أهل الذكر الذين يضنون على المجمع بجهودهم وكثير ما هم، أهل الذكر الذين يستطيعون التأليف باللغة العربية ولا يستكبرون أن تصحح لغتهم أو مصطلحاتهم التي يستعملونها إسرافًا بالأخذ من الأصول الأعجمية بغير حساب.
4-
الدكتور منصور فهمي 1:
إني أعلم أن المجامع تسجل ما يلائم اللغة وما يفرضه الاستعمال إذا لاءم اللغة ومنذ القديم عربت كلمات ودخلت في معاجمها لمواءمتها أو أشير إلى أنها معربة؛ ولكن هل علمت أن لغة من اللغات الراقية الحية أو معجما من معاجمها القائمة لخدمتها وسلامتها يجيز أن نسجل لفظا فرضه استعمال عامة الناس أو فرضه استعمال أهل حرفة من الحرف أو طائفة من الطوائف دون أن يكون حقا هذا اللفظ ملائما للغة صحة أو وضعا أو قالبا، فمن هو ذلك الحكم الذي يحتكم إليه لمعرفة ما إذا كان اللفظ ملائما للغة أو نابيا عنها أو هناك في اللغة ما يعوض عنه.
حدثني الأستاذ "فيشر" أن علماء الكيمياء والطبيعة من الألمان يستعينون بزملائهم العلماء في اللغات القديمة لعونهم على وضع مصطلحات في الكيمياء وفي الطبيعة فهل كان في ذلك خير.
بل على العكس كان ذلك الدليل القاطع على أن أهل العلم يحتاجون لعلماء اللغة وأن ذلك يحصل كل يوم في فرنسا التي يستشهد بها الدكتور وفي غير فرنسا من البلاد.
1 الأهرام 7 مارس 1937.
المسألة إذن ليس أمرها واضحا وحظها من البداهة لا يحتمل الخلاف.
بل إن المسألة هي خلاف بعيد في الرأي بيني وبينك.
فأنا أرى أن من عمل المجمع وضع المصطلحات الموافقة لسلامة اللغة وذوقها وأن من عمله مؤازرة العلماء وأهل كل فن وحرفة لتسمية المسميات الحديثة وأنت ترى أن أهل الحرفة وأهل العلم وحدهم هم الذين يضعون هذه المصطلحات حتى "دون أن يشاركهم في تسمية ما لا يتقنه من معاني العلم واصطلاحاته أحد".
تبارك الله يا صاحبي. إن الحياة كلها تقوم على التآزر والتعاون فالأمور لا تقلب أوضاعها في مصر كما تقول.
الأطباء يتصلون بأعضاء المجمع يلتمسون فهم الأسماء العربية لمعاني الطب وعندي أن مثل هذا هو وضع للأمور في مواضعها وسواه هو القلب العنيف.
أما اللهجات فأعود وأقول: لم يكن من مهمة المجمع أن يبحث فيها ليتوصل إلى توحيدها. لا لإحياء الميت منها وذلك بإصلاح ما فسد من مفرداتها ورده إلى الأصل العربي السليم الصافي وبهذا الاعتبار حرص المجمع على الاشتغال بمختلف اللهجات.
ومن أهم الأسباب التي تدعو إلى البحث في اللهجات هو الوقوف على وسائل تطورها في مختلف العصور إذ إن ذلك يعين على معرفة نفس التطورات التي حدثت في العربية الفصحى قبل أن تبلغ وحدتها.
5-
طه حسين 1:
إذا أردت الحق فإن مجمعنا اللغوي قد أنشئ على عجل، وأخشى أن
1 7/ 3/ 1937 الأهرام.
يكون إنشاؤه الأول قد قصد به الدعاية السياسية أكثر مما قصد به إلى المصلحة الحقيقة وإلا فقد كان الملائم لمصلحة مصر أن ينشأ فيها مجمع على طراز المجمع العلمي الفرنسي لا على طراز المجمع اللغوي.
حرام1 عليكم أيها الأصدقاء فلا يباح لكم أن تقتلوا هذه العامية الحلوة فإنا نجد في اختلافها لذة ومتعة وعزاء في كثير من الأحيان.
6-
منصور فهمي 2:
حرام عليك أن تشجع تبلبل اللهجات وتطري اختلافها، فاللغة العربية هي التي تجمع بين البلاد العربية فلتكن موحدة في اصطلاحاتها اللغوية ولتكن موحدة في جمال نطقها فذلك أحرى للجمع والترابط والتفاهم.
فأنا أقول لك إنه حلال أن تقتل لهجات قد تقوى فتتحول إلى لغات مختلفة تفرق بين بعض الأهل والبعض الآخر وحلال أن نسعى نرتفع باللهجات إلى لغة عربية موحدة فصحى تجمع بين أهل اللغة العربية الموحدة. ثم توحد في الثقافة إخوانا في اللسان والإنسانية والبيان.
7-
طه حسين:
إن المجمع الفرنسي لا ينظم لجانه على هذا النحو المصري الطريف الذي يفرض فيه الخبراء فرضًا لأن المجمع الفرنسي لا يكلف نفسه ولا يكلف أحد ما لا يطيق من وضع الاصطلاحات العلمية. ولو قد كلفه أحد ذلك لرفضه لأنه يرفع نفسه عن العرض لما لا يحسن.
1 9/ 3/ 1937، الأهرام.
2 10/ 3/ 1937.
واللهجات إن حديثها لعجب، ماذا يراد من مجمعنا اللغوي أن يصنع؟ بل وكيف يكون درسه لها وقوله فيها؟
إنني أحقق أن الذين يفرضون على مجمعنا درس اللهجات لم يصوروا لأنفسهم هذا الموضوع تصويرا واضحا.
كلا. إن لعلم اللهجات خطره وقيمته ولكن مكانه في الجامعة لا في المجمع، وإذا عرض المجمع له فإنما يعرض له مصادفة حين يحتاج إلى ذلك بين حين وحين. فأما أن يفرض درسه والعناية الخاصة به على المجمع فشيء لا يفهم ولا يستقيم.