الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس: كتاب "أوراق الورد
":
بين مصطفى صادق الرافعي ولطفي جمعة وإبراهيم المصري:
عندما أصدر "مصطفى صادق الرافعي" أوراق الورد قال: إنه لون جديد من أدب الحب في الأدب العربي لم يكتب من قبل، وعرض في مقدمة مطولة الفن رسائل الحب في الأدب العربي خلص منها إلى أنه استحدث فنا جديدًا في الأدب العربي بكتابه هذا.
وقد واجه الرافعي مساجلات متعددة بالنسبة لأسلوبه وفنون كتاباته وكان هذا الكتاب فرصة جديدة لمعارك حول الأسلوب الجديد في الأدب العربي المعاصر.
1-
لطفي جمعة 1:
صاحب أوراق الورد يريد القارئ على أن يعتقد أن أوراق الورد تكملة على كتابي رسائل الأحزان والسحاب الأحمر، وإن لم يكن بين الكتب الثلاثة رابطة سوى كونها نوعا من الأدب الذي أراد الرافعي أن يظهر به الأسلوب القديم قادرًا على مسابقة الأسلوب الجديد وأنه هو الكاتب العربي القح الصميم الذي لم يغرف من حياض الآداب الأوروبية قادر على الغوص إلى لجج المعاني والظفر بدراري ولآلئ لا تقل عما يظفر به أهل الفرقة الجديدة من المحدثين.
إن كنا لانزال نذكر أنه بجانب جمال أسلوبها ونقاء ديباجتها التي قد لا تجاري من حيث الفصاحة والبيان إلا أن المعاني كانت مبهمة وبها بعض الغموض، لقد كان الأسلوب في تلك الكتب يشبه ثوبا واسعًا جميلا مزركشًا ولكن لابسه طفل صغير، وهذا هو الأثر الباقي في ذهننا وربما كان الأثر خاطئًا.
1 المساء 19 أبريل 1931.
غاية الرافعي أن يظهر اللغة العربية بمظهر القادر على احتواء المعاني وكسوتها بأجمل شكل وأبهى صورة، إذ العبرة في نظره وفي نظر كل كبار الأدباء ليست بغرابة المعنى، ولكن العبرة بجمال الشكل.
موضوع الجدل بينه وبين خصومه هو أنه يقول: إنه لا يوجد في العربية قديم وجديد ولكن يوجد أسلوب واحد فصيح من ذاق حلاوته ووصل للقدرة على احتلال ناصيته لا يسلوه ولا يستطيع التخلي عنه مهما أعطي من المزايا.
قد وجدنا الأستاذ قد قطع شوطا بعيدًا في التجديد من حيث لا يدري ولعله بذلك أن يعجمهم بممارسة كافة أنواع الأدب بين دفتي هذا الكتاب حتى الشعر المنثور الذي ليس موزونا ولا مقفى.
2-
إبراهيم المصري 1:
الأستاذ مصطفى صادق الرافعي ولوع بالأدب العربي وطريقة التأليف العربية تستهويه بالجملة المتماسكة والعبارة المصقولة واللفظ السليم فيشتغل بالعرض عن الجوهر ويصيب من بلاغة القول أضعاف ما يصيب من بلاغة الحياة.
وهو غني بالألفاظ غنى يحسد عليه، لا يحفل بالفكرة وتناسبها وعمقها قدر احتفاله بصياغة اللفظ وحلاوته وحسن رنينه.
ومن هذه الناحية فهو فنان، فنان مغرم بالشكل الظاهري وتطربك أهازيج أسلوبه، ولكنها لا تنفذ إلى قرارة نفسك ولا تستطيع أن تؤثر في مجرى تفكيرك على أن الرجل يحاول أن يفكر وقد يصادفك في كتابه
1 المساء 23 يوليو 1931.
الجديد "أوراق الورد" خواطر مبتكرة رائعة ولكن إفراطه في حبك العبارة ونحتها يسوقه إلى تضحية بالفكرة في سبيل اللفظ.
والأستاذ مصطفى صادق الرافعي هو دون شك أقرب أدباء الثقافة العربية المحضة إلى روح العصر الحديث، ففي أسلوبه عذوبة وله نصوع وفيه لمحات من الشعر الوجداني الصادق ولولا عبادة اللفظ المشئومة لكان شأنه غير هذا الشأن.
ولكن ما حيلته والثقافة الغربية لا تصل إليه واطلاعه لا يجاوز حدود الأدب العربي وبعض الأعمال الأوربية المترجمة.
والواقع أن أسلوب الرجل يتمثل في الصراع الدائم بين النزعة الخيالية والنزعة الواقعية الأولى فيه تتغلب على الثانية وهذا سر ضعفه ولكنه لا يلبث أن يهجر الخيال الأجوف يتوخى البساطة والحقيقة حتى يعتدل أسلوبه ويفيض على القارئ بأروع العواطف وأفتن الأنغام.
3-
رد مصطفى الرافعي:
أنا أقرر أن البيان في اللغة أسمى وأدق وأظرف من البيان في لغة باريس ولندن وبرلين وغيرها، وليس عندنا عبادة لفظ ولا ألاعيب ألفاظ ولا شيء يسمى استعارة أو مجازا فإن هذه كلمات اصطلحوا عليها بعد الإسلام عند تدوين العلوم ولم يعرفها العرب ولا تعمد صناعتها رجال البيان.
إنما البيان العربي فن دقيق يحقق في اللغة ناموس الجمال وطبيعة الوزن.
قال لإبراهيم المصري: إن كتابته لا تسمو إلى طبقة الفصيح وهو وأمثاله يعيبون هذه اللغة بما يعجزهم منها كأنها اشتراكية لغوية.
إني لأدعو كتابنا وأدباءنا أن ينبذوا التقيد بآراء كتاب أوربا وأدبائها فهم قوم يصيبون ويخطئون، فإذا قالوا: إن الفن في كتابة الحب "أن ترى فيه قوة هائلة من قوى الغريزة الجامحة العمياء تشترك فيها المادة والروح والعاطفة والشهوة".
إن الفن عندنا في كتابة فن إسلامي عربي يقوم على الضمير الطاهر والنزعة الشريفة وعلى الخلق القوي الدال على المروءة والشجاعة وضبط النفس وعلى الإيمان بحق المرأة في الحياة وسموها. وإن كانت ضعيفة فلا يتغفلها الرجل ولا يطلب عزتها ولا ينتفع من ضعفها بل يحميها من نفسه ولا يكون معها كالمفترس يشبع من فريسته ويحيا من قتلها.
وقلنا لهم: إن الكتابة عندنا يجب أن تكون لتهذيب النفس الناشئة لا لإسقاطها ولضبط الغريزة الحيوانية لا لإثارتها.
وقلنا: إن الكاتب الإسلامي يضع في كتابته عن الحب نفسه لا أغراضه ويحيا بما هو إلهي فيه لا بما هو حيواني منه ويكون كالطبيعة نفسها تظهر للأعين ما بدا من جمال الجسم وتستر عن الأعين ما في داخله.
أنا أعرف أن الأستاذ المصري مأخوذ بآراء ديستويفنسكي فهو من أجل ذلك ومن وجهة نظره نظر تقليد ينتقد الحب في أوراق الورد بأنه مجرد فكرة فلسفية أفلاطونية تحلق في سموات الخيال.
"ولذلك أنت لا تسمع من خلال سطوره هدير الحب الإنساني الحي" نعم يا صاحبي أنت لا تجد في أوراق الورد قلما مرسلا بالرفث والنخاسة والتعهر ولا تجد فيه مثل قولك أنت في رواية سخرية الميول التي تقول فيها على لسان بطلها: "ألست الرجل الذي تمرغ في حمأة فسقه كتيس مخمور".
كلا يا هذا لا تيس ولا مخمور، التمس هذا ونحوه عند صاحبك ديستويفنسكي الذي يريد أن يقارف أبطاله كل محرم وأن يتمرغوا في حمأة الفسق كالتيوس المخمورة ليتألموا من بعد ذلك، ثم يكون الألم آخر الأمر سموا وروحانية.
هذه سخافات دنيئة بعيدة عن الفن تتضع عن قدرة النفس المؤمنة ويجب أن لا يكتب فيها كاتب مسلم ولا كاتب شريف.
الفن عندي في الحب أن يبدأ في المرأة ولكنه لا ينتهي فيها.
فالمرأة طريقة لا غاية وهي وسيلة لفهم الجمال وإدراكه فيما هو أجمل منها، أي في الوجود نفسه بكل ما فيه، كان الخلود الروحي في الإنسان يحاول بالحب أن يحس معانيه السامية الخالدة.
أما أني أرى أن شيوع الكتابة في الحب المادي الفاسق ليس معناه إلا تحول نساء الأمة التي يشيع فيها ذلك إلى بغايا.
وهذا هو رأيي وهذا هو الفن عندي.
4-
رسائل الحب في اللغة العربية؛ زكي مبارك:
كان الأستاذ محمد علي غريب استكثر على الأستاذ مصطفى الرافعي أن ينكر خلو اللغة العربية من رسائل الحب وقال قد يكون هذا الرأي صائبا فلم ينته إلينا مؤلف كهذا إلا ما تفرق بين أسفار الأدب من بعض الرسائل مما جرى بين المحبين.
وقرأت رد الأستاذ الرافعي ونقضه هذه الجملة إذ قال: فأين هذه الرسائل التي تشتت في أسفار الأدب؟ إنها كلمة تكتب في دقيقة ولكن برهانها لا يجيء إلا من عمر طويل يفرق على مكاتب الدنيا في مشارق الأرض ومغاربها.
وأنا أحب أن أقدم للقراء نماذج من رسائل الحب التي عثرت عليها في كتب الأدب بدون أن أبدد عمرا جديدا في طلبها.
لقد قرأت كتاب أوراق الورد واستجدته وفي رأيي أن المؤلف لا غضاضة عليه في أن يتنازل عن الأولية في كتابه رسائل الحب فقد كانت للناس أقلام وقلوب منذ مئات السنين.