الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: إمارة الشعر
بين الزهاوي والعقاد ومطران:
"كانت إمارة الشعر حدثا من أهم أحداث الأدب العربي المعاصر بعد وفاة شوقي 1932 فقد تعدد القول فيها وأصدر الدكتور طه ثلاثة أحكام مختلفة في عام 1932 بايع "العراق" بإمارة الشعر ولم يحدد هل هو الزهاوي أم الرصافي؟ وفي 1934 بايع طه حسين "العقاد" بإمارة الشعر في حفل تكريمه وفي عام 1937 بايع طه حسين "مطران" بهذه الإمارة ونظر الرافعي للمبايعة نظرة ساخرة.
ثم عاد طه حسين فأنكر أنه بايع العقاد وقد نقلنا نص كلامه الذي نسبه الناس يوم قال قلت: إن الشعراء ييستطيعون أن يدفعوا لواء الشعر إلى العقاد بعد أن مات حافظ وشوقي فهو يستطيع أن يحمل هذا اللواء مرفوعا منشورًا وأن يحتفظ لمصر بمطانها من الشعر الحديث.
1-
مبايعة طه حسين للعراق بإمارة الشعر 1:
"صور أحمد حسن الزيات هذه المبايعة على هذا النحو":
خلا ميدان الشعر فجأة من قائديه العظيمين فحدث في صفوف الشعراء اضطراب وفوضى وقام في السقيفة المقلدون والمجددون يقولون: منا أمير ومنكم أمير. وهناك أرسل الدكتور طه حسين حكمه المعروف فزاد الخلاف شدة والجدال حدة. قضى للعراق بإمارة الشعر التقليدي فغضبت مصر، وكان الأستاذ الهراوي أشد المصريين حنقا وأعنفهم خصومة.
وسورية
…
لقد هبت العاصفة تدافع رأي الدكتور في حدة وعنف وتقول مع السيد النجار: ما للدكتور يرسل الزعامة إلى العراق في طيارة وكان يكفيه أن يرسلها إلى صاحبه مطران في سيارة.
1 الرسالة 15 يناير 1933.
والعراق
…
هل اغتبط بهذه الزعامة؟ أما الرصافي فيرجو أن يكون خليفة لشوقي وحافظ. أما الزهاوي فأنا أعلم أنه يؤثر يكون في ساقة المجددين على أن يكون في طليعة المقلدين.
2-
مبايعة طه حسين بإمارة الشعر للعقاد 1:
"بين خطاب طه حسين في حفل تكريم العقاد":
تستطيعون أيها السادة أن تحبوا العقاد وما وسعكم الحب فلن توفوه حقه. ذلك لأن العقاد هو الصورة الناطقة واللسان الخالد والمرآة الصافية والمجلوة التي حفظت صورة مصر الناهضة وأبقتها ذخرًا للأجيال المقبلة.
أما أنا أيها السادة فسعيد جدًا بهذه الفرصة التي أتيحت لي ومكنتني أن أقول بالرغم من الذين سخطوا والذين يسخطون إني لا أؤمن في هذا العصر الحديث بشاعر عربي كما أؤمن بالعقاد. تسألونني لماذا أؤمن بالعقاد في الشعر الحديث وأؤمن به وحده؟ وجوابي يسير جدًا. لماذا؟ لأنني أجد عند العقاد ما لا أجده عند غيره من الشعراء، لأني حين أسمع شعر العقاد أو حين أخلو إلى شعر العقاد فإني أسمع نفسي أو أخلو إلى نفسي إنما أرى صورة قلبي، وصورة قلب الجيل الذي نعيش فيه لأن العقاد ليس مقلدًا ولا يستطيع أن يكون مقلدا، ولو حاول التقليد لفسدت شخصيته وشخصية العقاد فوق الفساد.
يعجبني العقاد لأنه يلتمس موضوعاته حيث لم يستطع شعراء العرب أن يلتمسوا موضوعاتهم لأننا نحن الأساتذة أعلم بالعقاد من العقاد.
أعترف أني عندما قرأت القصيدة "ترجمة شيطان" وقرأتها، وقرأتها
1 الجهاد 29 أبريل سنة 1934.
فكرت في شعراء آخرين ليسوا عندنا ولا هم بين شعرائنا. ولكنهم يعيشون في أوربا، فكرت في جوت، فكرت في بول فاليري، وفكرت في ملتون.
كنا أيها السادة نشفق على الشعر العربي وكنا نخاف عليه أن يحل سلطانه عن مصر، وكنا نتحدث حين مات الشاعران العظيمان شوقي وحافظ، كنا نتحدث عن علم الشعر العربي المصري، أين يكون ومن يرفعه للشعراء والأدباء ليستظلون به.
كنا نسأل هذا السؤال، وكنت أنا أسأل هذا السؤال، لماذا؟ لأني كنت أرى هذه المكانة العظيمة التي اكتسبها شوقي وحافظ رحمهما الله، وكنت أرى شعر العقاد على علو مكانته وجلال خطره شعرًا خاصا مقصورًا على المثقفين المترفين في الأدب، وكنت أسأل هل آن للشعر القديم المحافظ المسرف في المحافظة أن يستقر وأن يحتفظ بمجده، وهل آن للشعر الجديد الذي يصور مجد العرب وأمل المصريين أن ينشط ويقوى، انتظرت فلم أجد للمقلدين حركة أو نشاطا فإذا المدرسة القديمة قد ماتت بموت شوقي وحافظ، وإذا المدرسة الجديدة قد أخذت تؤدي حقها، وتنهض بواجبها فترضي المصريين والعرب جميعا. وإذا الشعر الجديد يفرض نفسه على العرب فرضا، وإذا الشعور المصري والقلب المصري والعواطف المصرية أصبحت لا ترضى أن تصور كما يصورها حافظ.
وإنما تريد وتأبى إلا أن تصور تصويرا جديدا، هذا التصوير الذي ترونه في العقاد الذي حمل هؤلاء الملايين على إكبار العقاد كما قال أحد الخطباء إذن لا بأس على الشعر العربي وعلى مكانة مصر في الشعر والأدب.
ضعوا لواء الشعر في يد العقاد وقولوا للأدباء والشعراء: أسرعوا واستظلوا بهذا اللواء فقد رفعه لكم صاحبه.
2-
مصطفى صادق الرافعي 1:
"ليس لدي الآن نص كلام الدكتور طه ولا أنا أذكر ألفاظه بحروفها، ولكن الذي أذكره أني حين قرأته لم أبحث بين ألفاظه عن يقين المتكلم واقتناعه وحججه وأدلته، بحثت فيه عن سخرية طه بالعقاد وبالشعراء جميعا في أسلوب كأسلوب تلك المرأة العربية في قصتها المعروفة حين قالت لرجال قومها في أبيات مشهورة:
وإن أنتموا لم تغضبوا بعد هذه
…
فكونوا نساء لا تغيب عن الكحل
غير أن طه في سخريته كالذي يقول: فإن لم تثبتوا أن فيكم من استطاع أن يخلف شوقي فاصغروا واصغروا حتى يكون العقاد هو أميركم.
ثم قال: بقي أن نتساءل: لماذا لم تأت الشهادة يوم كان الدكتور طه عميدًا لكلية الآداب وكان يومئذ حرًا لا يستذله الإكراه؟ ولماذا جاءت الشهادة وهو يحترف الصحافة؟ وترى لو كان العقاد من الحزب الوطني أو من الأحرار الدستوريين أو اتحاديا أو شعبيا، أفتكون قولة طه يومئذ وهو في انسلاخه الثاني وانقلابه وفديا، أفتكون إلا ردًا سياسيا على العقاد وشعره ونفرة سياسية من هذا الشعر وعقاده؟
3-
مبايعة طه حسين بإمارة الشعر لمطران:
"من خطاب من طه حسين إلى مطران بمناسبة بلوغه الستين":
تحية ذكية إليك أيها الصديق الكريم من صديق تعرف مكانك في قلبه ومنزلتك في نفسه وتعرف إعجابه بخلقك العظيم وإكباره لأدبك الرفيع.
1 الأسبوع مجلد عام 1934.
وإعلانه في كل قطر زاره من أقطار الأرض في الشرق والغرب وإلى كل متحدث إليه من الشرقيين والغربيين أنك زعيم الشعر العربي المعاصر وأستاذ الشعراء العرب المعاصرين، لا يستثني منهم واحدا ولا يفرق منهم بين المقلدين والمجددين، وإنما يسميهم جميعا بأسمائهم غير متحفظ ولا متردد ولا ملجلج ولا مجمجم، وإنما هو اللفظ الصريح يرسله واضحا جليا لا التواء فيه ولا غموض، فأنت قد علمت المتقدمين كيف يرتفعون بتقليدهم عن إفناء النفس فيما يقلدون، وأنت قد علمت المجددين كيف ينزهون أنفسهم عن الغلو الذي يجعل تجديدهم عبثا وابتكارهم هباء. أنت حميت حافظا من أن يسرف في المحافظة حتى يصبح شعره كحديث النائمين، وأنت حميت شوقي من أن يسرف في التجديد حتى يصبح كهذيان المحمومين.
وأنت رسمت للمعاصرين هذه الطريقة الوسطى التي تمسك على الأدب العربي شخصيته الخالدة وتتيح له أن يسلك سبيله إلى الرقي والكمال، وقد حاولوا أن يتبعوك في هذا الطريق فطار بعضهم بجناح واستسلم بعضهم فارتاح1.
1 مجلة الحديث مجلد 48 سنة 1927.