الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثامن: بين سلامة موسى وخصومه
كان لسلامة موسى طابعه المعروف في الكتابة الأدبية، مما يضعه في مكان الكتاب التغريبي الأول، فقد كان عنيف الخصومة للغة العربية وللأمة العربية والدين عامة والإسلام والشرق والقيم والمثل العليا والأمجاد التي عرفتها أمتنا وأقلمت عليها كيانها.
وقد عمل منذ أن بدأ يكتب عام 1913 على هدم هذه المعالم في عنف حينا وفي رفق حينا آخر واستمر على ذلك حتى توفي في أغسطس عام 1958.
وقد سار في طليعة الدعاة إلى التجديد الذين كانوا خصومه أيضا فهو لم يكتف بخصومة المحافظين وحدهم، وكانت له سقطات كثيرة متعددة ومرجعها اندفاعه ويقتضينا الإنصاف أن نذكر له بجانب هذا أن له أثارا في الفكر العربي المعاصر ستظل مذكورة فقد كان معنيا بالدعوة إلى التطور والتحليل النفسي فضلا عن أسلوبه التلغرافي وطريقته الدقيقة الواعية في العرض مهما قيل من أنه كان ينقل من هوامش الصحف والمجلات الغربية وأنه لم يكن كاتبا موضوعيا يتصل بالآثار الكبرى أو يحدد هدفه.
وهذه ملامح من خصوماته وآراء الكتاب المحافظين والمجددين فيه:
أحلام الفلاسفة لسلامة موسى؛ محب الدين الخطيب 1:
الكتاب موضوعه أماني العظماء في تكون الإنسان وإبلاغها إلى خبيئه من المثل العليا، وهذه الفكرة جميلة لولا ما بثه الكاتب في كتابه من آراء ما يرتجونه كقول سلامة موسى ص18 وكان أفلاطون يبحث عن شيوعية النساء ففي مثل هذا الوسط الحر نشأ أدب نزيه خلا من القيود ولا يزال "يوحي إلى الكتاب والأدباء روح التفكير النزيه الحر الجريء" وقوله: وليس في هذا النظام ما يخالف الطبيعة البشرية كما يتوهم القارئ لأول وهلة، فإن العائلة لا تزال موجودة بوجود الأم التي هي صلة القرابة بين جميع السكان، ثم إن
1 مجلة الزهراء جزء 3 ص193.
الأبناء لا يعرفون لهم أبا معينا فالمنفعة الشخصية والأثرة الأبوية منتفية، ثم إن الشهوة الجنسية غير مقيدة لأن لجميع الأفراد أن يتمتعوا بها بشرط أن لا يعقب نسلا.
وكنا نستغرب من الأستاذ المؤلف شدة كراهيته للإسلام والنصرانية معا -مع أن الثانية دين آبائه- إلى أن علمنا من هذا ما أساءت به هاتان الشريعتان إلى حضرته حيث قال له: "ثم كان ملوك النصارى وخلفاء المسلمين عائقا آخر يمنع التخيل والبحث عن المثل العليا للحكومات والهيئات الاجتماعية".
ويقول: "وحسبك أن تعرف أن لجزيرة العرب حرمة في نفس المصري أكثر مما لممفيس، وأن موسى من الأنبياء المكرمين، وأن فرعون من الظلمة الفاسقين، ثم أذكر أن الطوبيات الدينية تغمر كل طوبي دنيوي أخرى. فهذه كلها عقبات تمنعنا أن نحب مصر، وتعترض العاطفة الوطنية في نفوسنا، فمنذ خرج البدوي "يعني المسلمين" من جزيرة العرب على حضارة المصريين والرومانيين والإغريق، ووطنية مصر شائعة في العالم الإسلامي ومدينتها مغمورة بالبداوة العربية".
إن تعصب الأستاذ سلامة موسى للباطل قد وصل إلى شغاف قلبه حتى صار لا يرى فظاعة عبودية آبائه للفراعنة وبينما هو يشفق على الإنسانية من عبوديتها لله عز وجل.
1-
بين الرافعي وسلامة موسى 1:
مصطفى الرافعي يدافع عن المذهب القديم ويقول بأفضلية الأساليب العربية
1 الهلال يناير 1924.
القديمة على أساليبنا الراقية وهو يجيد الصنعة أيما إجادة ولكنه لا يعنى بالفن فإذا كتب اتسعت عباراته وانتظمت ألفاظه فأتى بالعجب ولكن الحقيقة "أي الجمال" لا تشغله في نظمه أو نثره، ثم هو لا يكاد يؤمن بالعلم بل لا تجد له أثرا في جميع كتاباته والقطعة التي انتخبناها منه تشهد بذلك ويمتاز شعر الرافعي بقوة الطبيعة وحسن النظم ولكن خياله مع ذلك عربي تقليدي تعرف ذلك من تشبيهه صفحة البدر بصفحة الأمرد وضوء الفجر برونق الصارم، هذا إلى خلوه من مثل أعلى يتوخاه.
إن أهل المذهب القديم يهملون العلم لأن العلوم تتعارض ومعتقدات العرب.
رد الرافعي 1:
أرادوا بالمذاهب الجديد أن يكتب الكاتب في العربية ينصرف إلى المعنى والغرض تاركا للغة وشأنها، متعسفا فيها آخذًا ما يتفق كما ينعق، ما يجري على قلمه كما يجري تعبيرًا ذلك الممتاز من يرى أن غلافا من عظام رأسه وأن عظام رأسه كعظام رجله.
وأن اللغة أداة ولا بأس بالأداة ما اتفق منها والواقع أن هذه العربية لغة دين قائم على أصل خالد هو القرآن الكريم وقد أجمع الأولون والآخرون على إعجازه بفصاحته إلا من لا حفل به من زنديق يتجاهل أو جاهل يتزندق.
3-
رأي طه حسين في سلامة موسى:
إن الأستاذ سلامة موسى ليس من أصحاب الألوان السياسية الظاهرة، وقد يكون حرًا دستوريا وقد يكون وطنيا، بل قد يكون اتحاديا،
1 الهلال فبراير 1942.
ولكنه على كل حال لا يعلن رأيه السياسي أو لا يتكلف إعلانه ولا يتخذ لنفسه لونا.
وهو من أنصار الجديد، وهو يعلم أني أرى رأيه وأشاركه فيه دون حفظ ولا احتياط، ولكن نصره للجديد قد اضطره إلى شيء من الإسراف.
كنت أحب ومازلت أحب ألا يتورط فيه الباحثون المنصفون، وهو مسرف في ازدراء الأدب العربي القديم والغض منه وقد أفهم ألا يكون هذا الأدب القديم كما هو ملائما كله لذوقنا الحديث أو كافيا لحاجات أنفسنا، ولكن القدماء لم يضعوا أدبهم لنا وإنما وضعوه لأنفسهم. وليس من شك في أن هذا الأدب القديم كان يلائم أذواق القدماء وحاجات نفوسهم، فإذا لم يلائم أذواقنا وأهواءنا فلنبتغ غيره لا أكثر ولا أقل، وهو مسرف أيضا حين يقول: إن الأدباء المصريين لم يكن لهم شأن في حركة الاستقلال، لم يقودوا الأمة في هذه الحركة، وإنما قادتهم الأمة بل قادهم الرعاع إلى الاستقلال، وقد يكون هذا حقا بالقياس إلى هؤلاء الشعراء الذين تبعوا الجمهور ولم يتبعهم.
رد سلامة موسى:
لقد اتهمني الدكتور طه حسين بالشعوبية أو كاد، وكأنه نسي كفاحي لأجل الشعب ضد فاروق الفاسد، هذا الفاروق الذي وقف الدكتور طه نفسه في حرم الجامعة ومن منبرها يخاطبه بالصوت العالي بقوله: صاحب مصر.
واتهمني عباس العقاد بأني لست عربيًا، مع أنه هو وهو التركي النوبي وصف فاروق بأنه فيلسوف من أعظم الفلاسفة.
إن أدب الملوك والأمراء والباشوات هو الذي يدعو إليه طه حسين.
4-
من سلامة إلى توفيق الحكيم:
أحب أن أسأل توفيق الحكيم: ما هي رسالتك الأدبية في مصر؟ وهل تستطيع أن تفهم هذه الرسالة مثلا من "أهل الكهف"؟ وأحب أن أسال عباس محمود العقاد: لقد ألفت نحو خمسين أو ستين كتابا فما هي رسالتك الإنسانية فيها؟ وأحب أن أسال طه حسين مثل هذا السؤال.
لقد عشنا في مجتمع مصري لابسته ظروف سياسية استعمارية واستبدادية والكاتب الذي وقف بعيدًا لا يكتب عن هذه الظروف لمصالح الشعب أو الذي كتب في مدح المستبدين والمستبدين والمستعمرين لا يمكن أن يوصف بأنه كان أمينا للإنسانية والمجتمع.
وعرض سلامة موسى لخصومه في كتابه "الأدب والشعب"1 فردد ما اتهمه به توفيق الحكيم من أنه متخلف الفكر وأن طه حسين يرى أن جريمة شوقي في نظر سلامة موسى في هذه القصائد التي تغنيها أم كلثوم أي قصائد شوقي في مدح الرسول.
وقال كامل الشناوي: إن سلامة موسى حاقد موهوب وهو يحقد على الأموات أكثر مما يحقد على الأحياء وحقده على الضعيف أشد من حقده على القوي.
5-
سلامة موسى في رأي العقاد:
كل ما يهدف إليه سلامة موسى في حملاته على الأدب العربي هو تشويه الأدب العربي عامة ورميه بالقصور والجهل وانحلال مجتمعه.
والذنب الأكبر للأدب العربي عند سلامة موسى هو أن هذا الأدب عربي وسلامة موسى ليس بعربي.
1 ص250.
والواقع أنه "أي سلامة موسى" ليس أديبا وعالما ولكنه قارئ لبعض العلم وبعض الأدب في بعض الأوقات وما يفهمه أتفه مما لا يفهمه.
6-
رأي سلامة موسى في طه حسين والمازني والعقاد:
أدب الملوك والأمراء والباشوات هو هذا الأدب الذي يدعو إليه الدكتور طه حسين، ومن أحسن ما اقترحه الدكتور طه حسين قبل نحو عشرين عاما أننا يجب أن تنقل إلى لغتنا ترجمة أدبية لأحد الكتاب الأوربيين.
إنه لولا انغماس العقاد وطه حسين في الأدب العربي القديم لما خاطب طه حسين الفاروق بكلمة "يا صاحب مصر" ولما وصفه العقاد بأنه فيلسوف؛ ذلك لأن الأدب العربي القديم هو إلى حد بعيد أدب الملوك.
إن تاريخ أدبائنا في مصر هو مأساة إنسانية قبل أن يكون مأساة أدبية، ولست أذكر شوقي الذي طعن في وطنية عرابي ونظم الأشعار في سبه ومحمد حسين هيكل الذي أيد عدلي في تحطيم وحدة الأمة، ثم بعد ذلك أيد زيور الذي جمع البرلمان في الظهر ثم حله مساء اليوم نفسه وطرد الأعضاء ثم أيد محمد محمود في تعطيل البرلمان ثلاث سنوات تقبل التجديد.
وأديب آخر هو إبراهيم عبد القادر المازني فقد اشترك مع الدكتور طه حسين في تحرير جريدة يومية تخدم زيور في مكافحة الشعب. "هي جريد الاتحاد".
وكان طه حسين والمازني القلمين الفصيحين في الدعوة إلى هذا التحطيم ووجد فاروق الدكتور طه حسين الذي خاطبه أمام الطلبة: "يا صاحب مصر"، ووجد عباس محمود العقاد الذي يقول فيه: "إنني لم أسعد من قبل بفرصة كهذه الفرصة الواسعة لاستجلاء طلعة المليك عن كثب والإصغاء إلى جلالته على
على انفراد في جو لا مثيل له بين أجواء اللقاء والحديث لأن جو الملك والديمقراطية ممثلين في شخصية الكريم أجمل تمثيل، لقد سمعت في هذا الحديث الواحد كلام فيلسوف، وكلام وطني غيور وكلام محدث ظريف، وطاف بخاطري الإيمان وذكر الوطن".
قال توفيق الحكيم: إن سلامة موسى يتحدى للحكم على قضايا لا يملك أسباب التصدي لها ويخيل إلي أنه قد انقطع للقراءة منذ ربع جيل على الأقل فإني كلما قرأت له لمحت أثر تفكير القرن التاسع عشر في اتجاهات تفكيره والتفاتات ذهنه. إنه لا زال يقيم فلسفته -إن كان له فلسفة- على الاعتراف بالمادة وإنكار الروح. وقال: إن ما قرأته لسلامة موسى منذ ثلاثين عاما لا يختلف عما أقرؤه له اليوم نزعة وأسلوبا واتجاها حادًا إلى إنكار كل شيء والاستخفاف بكل شيء.
وقال العقاد: إن كل ما يهدف إلى سلامة موسى بين حملاته على الأدب العربي هو تشويه للأدب العربي عامة، ورميه بالقصور والجهل وانحلال مجتمعه.