الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: معركة فضل العرب على الحضارة
بين طه حسين وأحمد زكي باشا وشكيب أرسلان:
أثار البحث حول مكتبة الإسكندرية "وهل حرقها العرب" معركة حول فضل العرب على الحضارة. وذلك أن طه حسين، ترجم تقريرا كتبه المستشرق "بول كانوفا" ونشره في السياسة اليومية "2 مايو 1923" حول هذا الموضوع.
وقد عرض طه حسين لأحمد زكي باشا "شيخ العروبة" وسخر من أنه أذاع بأن للعرب فضلا على الحضارة وسبقا فيها أجاب زكي باشا بأنه لم يطلق هذا إطلاقا، ودخل المعركة الأمير شكيب أرسلان حيث عرض لدور كتاب التقريب.
وهذه ملامح المعركة:
1-
طه حسين:
لست أدري لماذا نبحث عن الظهر في الساعة الرابعة عشرة كما يقول الفرنسيون، فقد يخيل إلي أن من السهل أن نلتمس لهذه القصة أصلا تاريخيا لم يروه التاريخ، وما الذي يمنع أن تكون هناك خزانة كتب تحرقت أثناء فتح الإسكندرية دون أن يكون عمر قد أمر بتحريقها ودون أن يكون عمرو قد أحدث هذا التحريق. فإن أخذ المدن عنوة يستتبع أهوالا كثيرة من التحريق والتدمير، ذلك إلى أن هذا التأويل الذي أفترضه سهل معقول في نفسه لا يأباه المنطق ولا ينكره التاريخ.
وأشار الدكتور طه إلى رأي المستشرق كازانوفا في قضية مكتبة الإسكندرية على النحو الذي أشار إليه ثم قال:
المستشرقون إذن متعصبون للعرب وقد لا يكونون أقل تعصبا للعرب من صاحب السعادة أحمد زكي باشا الذي أذاع في الناس منذ سنين فكرة أن العرب سبقوا إلى كل شيء، ولا يوجد بين الشعوب شعب سبقهم إلى
إلى شيء، وظاهر أن هذا التعصب وما ينشأ عنه من الآراء الكثيرة المختلفة، هو أبعد الأشياء عن الشعور العلمي والمنهج العلمي في البحث والتحقيق. فإذا قامت مناهج البحث عن خزانة الإسكندرية وتمزيق العرب إياها على قاعدة التعصب للعرب والمسلمين أو على العرب والمسلمين فنحن واثقون بأمرين: الأول أن هذه المسألة لن تحل، والثاني أن القرون ستتعاقب قبل أن يفرغ الباحثون من الكلام الكثير.
2-
أحمد زكي باشا 1:
إن الذي قلته وكررته وأيدته بالوقائع الثابتة ودعمته بالنصوص الصحيحة التاريخية المعهودة هو:
أن العرب سبقوا الإفرنج إلى اختراع كتابة العميان.
سبقوا الإفرنج إلى التفكير في حل مسألة الطيران وإلى محاولة ذلك بالفعل وإلى نقله من حيز العلم إلى حيز العمل.
إن العرب سبقوا الإفرنج إلى التفكير في كشف أمريكا وأنهم حاولوا الوصول إليها مرتين بالفعل، وأولاهما من لشبونة عاصمة البرتغال وثانيهما من مدينة غانة بالسودان الغربي على ساحل المحيط الأطلنطي.
إن العرب سبقوا الإفرنج إلى معرفة مرض النوم.
إن العرب سبقوا الإفرنج إلى اكتشاف منابع النيل ووصفوها وصف شاهد العيان.
إن العرب سبقوا الإفرنج إلى احتلال أمريكا وافتراض وجودها.
1 اقرأ تفاصيل البحث في السياسة اليومية 18 أبريل 1923 و2 مايو 1923، 3/ 1/ 1924.
وكان ذلك بطريقة منطقية عقلية هي أفضل من التي اتبعها كرستوف كولوفب فإنه لم يكتشفها إلا بطريق الصدفة والاتفاق فإن نظريته التي شرحها للملكة إيزابلا الكاثوليكية بعد طرد العرب من غرناطة إنما كان الإمعان في السير غربا حتى يصل إلى بلاد الهند فلما وصل إلى أمريكا أسماها بلاد الهند الغربية وكان معه رجل من المسلمين الأندلسيين هو الرياش وقد وصفها لها وسماها "الهند الغربية".
وإن كل أمة في الوجود لها فضل في الحضارة والعمران فهل يراد بنا أن نسكت عن مفاخر أجدادنا ونترك الميدان لغيرنا مثل العلامة سيديو الإفرنسي الذي أثبت أن اكتشاف أبو الوفا البوزجاتي فيما يتعلق باختلافات القمر وأثبت أن العلامة "تيخويراهما" الدنماركي إنما نقل أرقامه وحساباته بالنص والحرف.
واعترف علماء الإفرنج لذلك الفلكي الإسلامي بالسبق إلى هذا الاكتشاف البديع فضلا عن الاكتشافات الأخرى.
أم تريد أن نترك لغيرنا إظهار مفاخر أجدادنا1.
3-
شكيب أرسلان:
لكل عصر شعوبية وإن شعوبية هذا العصر نفر من أدباء مصر لا تمر بهم فرص ينتقصون فيها فضل العرب ويغضون منزلتهم في التاريخ وينحتون من أثلة مدينتهم الشيهرة إلا توردوها مبتهجين، ولا يرون للعرب عورة من العورات إلا تهافتوا على إظهارها.
من هذه الطائفة من يطعن في العرب جهارًا دون مواربة مثل سلامة موسى الذي يكتب في الهلال والذي زعم أن العرب بدو هجموا على المدنيات
1 السياسة اليومية 24/ 1/ 1924.
الرومانية والإغريقية، وهذا النوع من العداء أقل خطرًا وأجدر بأن لا يباليه أحد لأنه كلام ساقط عن نفسه ومن محاسن العرب أن يكون أعداؤهم -مثل سلامة موسى- إباحية يدعون إلى اختلاط الأنساب ولا يرون بأسًا من أن يعرف المولود بأبيه وهي الشناعة.
ومن هذه الطائفة من تراه يضيق صدره -كأنما يصعد إلى السماء- إذا سمع كلمة خير في العرب أو قرأ عبارة توفر لهم قسطهم من المجد، وقد قامت قيامة طه حسين على أحمد زكي باشا بزعمه أن الأستاذ المشار إليه قال إن مدينة العرب فوق كل مدينة مع أنه لم يقل ذلك، وكيف كان يقول لو قال أحمد زكي باشا: كلما كان الإنسان عريبا كان أقرب إلى البشرية، كما يقول الفرنسيس -ولا يكبر ذلك طه حسين- كلما كان الإنسان إفرنسيا كان أعرق في البشرية" أو كما يقول الألماني "ألمانيا فوق كل شيء" وهلم جرا، فلا نتحرج صدور هؤلاء إلا إذا كان الإعجاب بالعرب، ولعمري لو قال أحمد زكي باشا إن مدنية العرب فوق كل مدنية بالنسبة إلى القرون الوسطى -أي إلى الوقت الذي ظهرت فيه- لم يكن كاذبًا لكان ظهيره التاريخ العام كما يعلم في مدارس أوربا1.
ولا يعيب أنهم في القرون الوسطى لم تكن مدنيتهم أعلى من مدنية أوربا اليوم بعد القرون الوسطى ينحو تسعمائة سنة وألف سنة من البديهي أن الآخر بطبيعة الحال يعلم ما لا يعلمه الأول. نعم، لا يعيب السلف أن يكون الخلف أعلم منهم وإنما يعيب السلف أن يكونوا قعدوا عن النهوض بالواجب عليهم ولكن طه حسين أذنه صماء عن الفحشاء.
1 الزهراء مجلد 3/ 290، 1345هـ.
فلا يجب أن يسمع هذا اللغو الذي هو مدح العرب وسبحان من جمع بين عمى البصائر وعمى الأبصار وأولهما أشد وأدهى.
يعلم الله أننا كنا نحب أن لا نستعمل لهذه الطائفة مثل هذه الألفاظ ولكن وقاحتهم على الوطن والدين واللغة والإخلاص والصيانة والقومية، وما أشد ذلك تجاوزت حدها فأصبح من الواجب على كتاب الوقت أن يضعوهم حيث وضعوا أنفسهم وأن يصبوا السخن على هذه الجراثيم الفاسدة للتخلص من سر عدواها.
ومنهم من لا تصل به الحماقة إلى هذا الحد، ولكنه ينقب في الكتب والآثار حتى إذا وجد كلمة يقدر أن يغمز بها العرب ولو من طرف خفي وقع عليها وأخذ يستنتج ويقيس ويذهب إلى بعيد، وكان مرماهم الأصلي هو سلب العرب محاسنهم التي حلا بها التاريخ، فإن لم يمكن سلبهم بعضها وأي شيء وجده في هذ المعنى عدوه ربحا. فترى الواحد منهم يذكر فلاسفة العرب وأطباءهم أو الكمياويين منهم وهو يشير إلى أن هذا كان نصرانيا وذاك يهوديا وذاك صابئا أو حرانيا، على أن هؤلاء العلماء كلهم بعد أن كتبوا مؤلفاتهم بالعربية لم تعرفهم الدنيا إلا عربًا.
والتحامل كل التحامل هو قول بعضهم أن العرب كانت علومهم كلها مبنية على الأسلوب الغيبي وأنهم لم يعرفوا التجربة في العلم، كلمات ينقلونها عن بعض المؤلفين الأوروبيين الذين لا يريدون أن يعترفوا بفضل الشرقيين، أو بعض مؤلفيهم الذين لم يفهموا تاريخ العرب حق الفهم. ومن الغريب أن هذه الفئة إذا حاجها الإنسان بأقوال وشواهد من أناس من المستشرقين الأوروبيين كان جوابهم أن المستشرقين هؤلاء من دأبهم المبالغة وهم لتعلمهم اللغة العربية أحبوها وصاروا يزينون كل شيء عربي.
فإذا ما عثر على رواية تنقص من فضل العرب في كلام مستشرقي الإفرنجة أسرعوا إلى نقلها وعدوها آية منزلة وبنوا عليها أحكاما طويلة عريضة، ونسوا أن المستشرقين الذين يكرهون العرب ويشنئون العالم الإسلامي هم أكثر عددا من المستشرقين المحبين، فهم يحرمونه عاما ويحلونه عامًا.
وليس من عربي عاقل يحب أن ينحل العرب ذرة مما لم يعملوه، ولا أن يمدحهم بالكذب، ولكن أليس من عربي عاقل يرضى بأن فئة مريضة من أهل هذا الزمان تهجم على مدنية العرب التي اتفق على عظمتها المشرق والمغرب وتحاول أن تحط من قدرها وأن تطفئ من نورها بأفواهها.
أما إن علوم العرب كانت نظرية تخمينية ليس لها حظ من التجربة العلمية فهذا خلاف ما عليه الجمهور ممن اشتغلوا بتاريخ حضارة العرب، ارجع إلى مقال الدكتور محمد شرف في السياسة الأسبوعية عن الحضارة الإسلامية وفضلها على العلوم الطبية.