المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الخامس: بين زكي مبارك وخصومه - المعارك الأدبية

[أنور الجندي]

فهرس الكتاب

- ‌مدخل

- ‌أولا: معركة مفاهيم الثقافة

- ‌ثانيا: معركة مفاهيم الأدب

- ‌ثالثا: معركة مفاهيم الأدب

- ‌الباب الأول: معارك الوحدة والتجزئة

- ‌معركة الوحدة العربية

- ‌مصر بين العربية والفرعونية:

- ‌معركة العروبة والمصرية:

- ‌الباب الثاني: معارك اللغة العربية

- ‌مدخل

- ‌تمصير اللغة العربية:

- ‌مجمع اللغة، ما هي مهمته

- ‌معركة الكتابة بالحروف اللاتينية:

- ‌الباب الثالث: معارك مفاهيم الثقافة

- ‌مدخل

- ‌ثقافة الشرق ثقافة الغرب:

- ‌معركة بين فيلكس فارس وإسماعيل أدهم:

- ‌لا يتنيون وسكسونيون: بين العقاد وطه حسين

- ‌النزعة اليونانية بين زكي مبارك وطه حسين:

- ‌كتابة السيرة" بين التاريخ والأسطورة:

- ‌كتابة التاريخ: بين رفيق العظم وطه حسين

- ‌معركة الترجمة: بين منصور فهمي وطه حسين

- ‌آداب الساندويتش: بين الزيات والمازني والعقاد

- ‌أدبنا: هل يمثلها؟ بين أحمد أمين وأمين الخولي

- ‌غاية الأدب: ما هي؟ بين زكي مبارك وسلامة موسى

- ‌متى يزدهر الأدب؟ معركة بين لطفي جمعة وزكي مبارك:

- ‌الأدب المكشوف: بين توفيق دياب وسلامة موسى

- ‌التراث الشرقي؛ يكفي أو لا يكفي؟: بين عبد الرحمن الرافعي وعباس محمود العقاد

- ‌ثقافة دار العلوم: بين أحمد أمين ومهدي علام

- ‌الباب الرابع: معارك الأسلوب والمضمون

- ‌الأسلوب والمضمون: بين الرافعي وسلامة موسى وطه حسين

- ‌أسلوب الكتابة: معركبة بين شكيب أرسلان وخليل سكاكيني

- ‌أساليب الكتابة؛ بين شكيب أرسلان ومحمد كرد علي:

- ‌الباب الخامس: معارك النقد

- ‌الفصل الأول: أسلوب طه حسين

- ‌الفصل الثاني: مقومات الأدب العربي

- ‌الفصل الثالث: مذهبان في الأدب:

- ‌الفصل الرابع: بين النقد الذاتي والموضوعي

- ‌الفصل الخامس: الأدب بين التجديد والانحراف

- ‌الفصل السادس: هل نقتبس أم نقلد

- ‌الفصل السابع: معركة فقدان الثقة

- ‌الفصل الثامن: الفن للفن والفن المجتمع

- ‌الباب السادس: معارك النقد حول الكتب

- ‌الفصل الأول: رسالة منصور فهيم الدكتوراه

- ‌الفصل الثاني: الخلافة وأصول الحكم

- ‌الفصل الثالث: معركة الشعر الجاهلي

- ‌مدخل

- ‌نماذج من حملات المعركة:

- ‌تجدد معركة الشعر الجاهلي:

- ‌الفصل الرابع: كتاب "النثر الفني

- ‌الفصل الخامس: كتاب "أوراق الورد

- ‌الفصل السادس: كتاب ثورة الأدب

- ‌الفصل السابع: "كتاب" مع المتنبي

- ‌الفصل الثامن: معركة مستقبل الثقافة

- ‌الباب السابع: المعارك بين المجددين والمحافظين

- ‌الفصل الأول: معارك الرافعي

- ‌الفصل الثاني: معركة فضل العرب على الحضارة

- ‌الفصل الثالث: الدين والمدينة

- ‌الفصل الرابع: التغريب

- ‌الفصل الخامس: حقوق المرأة

- ‌الفصل السادس: معركة حول التراث القديم

- ‌الفصل السابع: معركة الخلاف بين الدين والعلم

- ‌الفصل الثامن: جمال الدين الأفغاني ورينان

- ‌الفصل التاسع: خم النوم

- ‌الفصل العاشر: بين النقد والتقريط

- ‌الباب الثامن: معارك بين المحافظين حول اللغة

- ‌المعركة الأولى:

- ‌المعركة الثانية:

- ‌المعركة الثالثة:

- ‌الباب التاسع: معارك نقد الشعر

- ‌الفصل الأول: بين شوقي ونقاده

- ‌الفصل الثاني: بين عبد الرحمن شكري والمازني

- ‌الفصل الثالث: إمارة الشعر

- ‌الفصل الرابع: ديوان وحي الأربعين

- ‌الباب العاشر: معارك النقد بين المجددين

- ‌الفصل الأول: بين التغريب والتجديد

- ‌الفصل الثاني: معركة الكرامة

- ‌الفصل الثالث: معركة الصفاء بين الأدباء

- ‌الفصل الرابع: معارك النقد

- ‌الفصل الخامس: بين زكي مبارك وخصومه

- ‌الفصل السادس: مبارك ينقد كتابه

- ‌الفصل السابع: بين العقاد وخصومه

- ‌الفصل الثامن: بين سلامة موسى وخصومه

- ‌الفصل التاسع: بين المازني وخصومه

- ‌الفصل العاشر: معارك أدبية؛ بين الدكتورين هيكل وطه حسين

- ‌الفصل الحادي عشر: معركة لقمة العيش

- ‌الفصل الثاني عشر: بين شباب الأدب وشيوخه

- ‌محتويات الكتاب:

الفصل: ‌الفصل الخامس: بين زكي مبارك وخصومه

‌الفصل الخامس: بين زكي مبارك وخصومه

جرت بين زكي مبارك وكتاب عصره معارك أدبية متعددة1؛ وهذه ثلاث نماذج من نقده لكتابات: عباس محمود العقاد، وعبد العزيز البشري، وإبراهيم عبد القادر المازني، وطنطاوي جوهري، ولقد كان لزكي مبارك آراء في الزيات سجلها في خلال كتاباته في مجلة الرسالة غير أنه بعد أن ترك الرسالة هاجم الزيات في أسلوبه، وعرض لعبارته التي تقول:

"قل لأولئك الذين زعموا أن مصر نبت عن العروبة فقطعت الأسباب الموصلة وأيبست الأرحام المبلولة".

فقال مبارك: من الذي أباح لك يا زيات أن تتكلم عن الأرحام المبلولة؟ ومن أوحى إليك ذلك؟ أجبني، إنها الرجل الذي لبس بهذه المقولة قفطانا أخضر وجبة خضراء وبعد أن ندد بجناية السجع على المعاني وأعرض قال: أمن أجل سجعة تافهة تقع في ذلك الجرم المبلول، اتق الله في قرائك فلا ترهقهم بالسجع ولا تقتلهم بالازدواج.

بين زكي مبارك والعقاد:

عرض زكي مبارك للعقاد في أكثر من مناسبة على نحو فيه ذلك التهيب لقلم العقاد حتى إنه أجاب على سؤال في هذا لمجلة المكشوف "يوليه 1939" فقال: أنا لا أنقد مؤلفات الأستاذ عباس العقاد ولا هو ينقد مؤلفاتي، لأننا كنا تلاحينا مرة على صفحات جريدة الجهاد وأنا غير مستعد لإنصاف الأستاذ عبد العزيز البشري لأني سمعت أنه تألم من المناوشة التي وقعت بيني وبينه منذ سنوات وأنا أكره أن أقول كلمة خير في الدكتور طه حسين لأنه كتب مقالا في مجلة الرسالة فيه تهوين من شأن كتاب النثر الفني وأنا أحقد على جميع علماء الأزهر لأن فيهم جماعة أرادوا أن يثيروا الغبار حول كتاب التصوف الإسلامي.

1 أوردنا عددًا من هذه المعارك في هذا الكتاب.

ص: 634

وقال: إن الناقد الصريح في مصر يتعرض رزقه ومعاشه لضروب من الزعزعة والاضطهاد وقد يتعرض مسلكه في الحياة إلى سفاهة القيل والقال، وفي مصر عبارة مألوفة حين تظهر مقالة نقدية؛ هي: ما الذي بين فلان وفلان. ومعنى ذلك أن الناقد لا يتعرض لمؤلف إلا وفي صدره غرض خاص.

وهاجم زكي مبارك العقاد في مقال له "البلاغ 28 يناير 1947" فقال: زعم الأستاذ العقاد أن "سعدًا" خلع عليه لقب الكاتب الجبار والعقاد كاتب بلا جدال وشاعر من أكابر الشعراء وله في نفسي منزلة غالية حفظه الله من جميع الأسواء، ولكن الكاتب الذي عناه سعد باشا هو "عبد القادر حمزة" كما تشهد بذلك مذكرات كامل سليم سكرتير سعد زغلول.

رأيه في العقاد 1:

العقاد في الكتابة والنقد شخصان مختلفان كل الاختلاف؛ فالعقاد الكاتب السياسي يرمي ويرمي ويظلم ويظلم في كل وقت، فهو من أبناء السماء عند قوم ومن أبناء الأرض عند آخرين، أما العقاد الكاتب الأدبي فهو من الطبقة الأولى بشهادة الجميع. والعقاد الناقد لا ينحرف عن القصد إلا في حال واحد، حال الحكم على من يعادي من المعاصرين. أما حكمه على المفكرين الذين بعد عهدهم في التاريخ، فهو في غاية من العدل والسداد وقد يصل به الرفق إلى المبالغة في إظهار المحاسن وإخفاء العيوب.

وانحراف العقاد في كتاباته السياسية والنقدية يشهد بأنه سليم الشخصية وللكلام هنا مدلول خاص هو اكتمال الحيوية والإحساس، فالعقاد يصادق بعنف ويعادي بعنف فأصدقاؤه ملائكة ولو كانوا شياطين وأعداؤه شياطين

1 الرسالة 13 يناير 1941.

ص: 635

ولو كانوا ملائكة مقربين، وهو مستعد لخوض النار مع أصدقائه إن أوجب الوفاء أن يشاطرهم عذاب الحريق.

أما أعداؤه فهو لهم بلاء وعناء، وهو يلقاهم في السر والعلانية بأقبح ما يكرهون، وقد شاع وذاع أن العقاد رجل حقود وهو كذلك، فالحقد من كبريات الفضائل في بعض الأحايين وقد يجزى عليه خير الجزاء يوم يقوم الحساب.

والرجولة الحق تفرض الشجاعة الحق ولا تتم الشجاعة لرجل إلا إذا جاز أن تصل به أحيانا إلى حد التهور والجنون.

ما قيمة القلم إن لم يحز بستانه عيون المتعاقلين والمتغافلين من حين إلى حين وما حظ الأمة في أن يوصف جميع أبنائها بالفظ والظرف.

رأي مبارك في كتاب "مطالعات":

العقاد في هذا الكتاب ناقد وكاتب، وقد خلص من الشوائب التي تعرض لها في بعض كتاباته النقدية أو السياسية، نجده يقول في هامش بعض الفصول "من مقال نشر بالبلاغ" كان المقال في الأصل يحوي فكرة باقية أضيف إليها التحامل على أحد المعاصرين. ويكتفي بالجزء الذي يصور فكرة باقية من أمثلة ذلك مقاله عن "المتأنقين" وهذا الفصل أنشأه العقاد للسخرية من الأستاذ لطفي السيد، ثم رأى أن يحذف تلك السخرية من جانبها الخاص وأن يكتفي بجانبها الأصيل وهو احتقار التأنق في تناول عظائم الأمور.

أما الدكتور طه حسين فقد أساء إلى نفسه وإلى تاريخه حين عجز عن تهذيب مقاله عن عنترة بن شداد في الجزء الأول من الطبعة الثانية لكتاب

ص: 636

"حديث الأربعاء" ففي ذلك المقال تعريض قبيح بالأستاذ حلمي عيسى.

وما أعيبه على الدكتور طه حسين أعيبه على نفسي، فقد أثبت في الطبعة الثانية من كتاب البدائع فضلا دميما عن "طه حسين بين البغي والعقوق" وهو فصل عانيت من شئومه ضروبا من العقابيل، وعرضني لمكاره ومتاعب لم أدفع شرها إلا بنضال عنيف.

ومن أعجب العجب أن يكون عباس العقاد أقدر على ضبط النفس من زكي مبارك وطه حسين.

وقال زكي مبارك: إن عيب العقاد وعيب المازني في الغرام بالسجع والاذدواج عيب مغفور، لأن هذين الكاتبين لم يكونا إلا شاعرين ضاق عنهما نظام القريض، وإن غرام المازني بالشرح والتفصيل فيما يعرضان له من دقائق الشئون يرجع إلى أنهما ابتدءا حياتهما الأولى باحتراف التدريس، والتدريس يوجب التفكير في تفهيم الأغبياء قبل التفكير في مسامرة الأذكياء ولعل هذا هو السبب في اهتمام طه حسين وأحمد أمين بالطواف حول هوامش الكلمات.

رأي مبارك في كتاب "المختار" للبشري 1:

إنه كاتب على الطريقة البشرية، كاتب يذكرك في كل سطر بأنه أديب يتصيد الأوابد من مجاهيل القاموس واللسان والأساس.

الكاتب الحق الذي يشغلك بنفسك ويوجهك إلى مصيرك المنشود ويفرض عليك درس غرائزك وأهوائك.

والبشري رجل صخاب ضجاج يدق الأجراس الضخام حين يدخل الغابة

1 الرسالة 20 يناير 1951.

ص: 637

للصيد، هل سمعتم بالرحا التي تطحن القرون، هي البشري في بعض نثره القعقاع؟ إذ يندر أن تجد في نثر هذا الرجل صفحة خلت من التكلف.

والجزء الأول من المختار تراه محصولا من الجهد المحمود في عرض طوائف كثيرة من صور الدنيا والناس، وإن كان قدم بروح مكدود، ونفس مجهود لأن الكاتب لا يفصح عما بنفسه إلا بعد أن يعاني من المشقات ما لا يطاق.

وقد كافح عبد العزيز البشري في ميدان الكتابة كتاب المستميت فلنعرف له هذا الفضل ولنذكر أنه قضى ثلاثين سنة وهو معدو من أبطال القلم في هذه البلاد.

رأي مبارك في إبراهيم الكاتب 1 للمازني:

المازني معني بالسخرية من نفسه. وقد عرف المازني معرفة أدبية لا شخصية في أعوام الحرب الماضية. وكان قد أخرج كتابا في نقد "حافظ إبراهيم" وكان نقد حافظ في تلك الأيام من شواهد التفوق.

عرفت أن المازني بروحين، وأرواح، وعرفت أن الذي كان يراسل "الأفكار" وهو في "الأخبار" هو نفسه الذي يراسل "الأهرام" وهو في "البلاغ" ثم تعقبته فعرفت أن بينه وبين أنطوان الجميل صلات وأنه ينشر من الأهرام أشياء بدون إمضاء لمكانه في البلاغ.

"الكاتب" هو الذي أضاع "المدرس" في المازني، فما كاد يرى بوارق النضال السياسي حتى اندفع إليه بقسوة وعنف ومضى ينشر مقالات سياسية في تأييد الخطة الوفدية.

وجاء الخلاف بين أمين الرافعي وسعد زغلول فاندفع المازني في الهجوم

1 الرسالة 10 نوفمبر 1941.

ص: 638

على الوفد وكانت مقالاته غاية في القوة البيانية، ولكن هذا الكاتب الذي يعادي الوفد علانية في جريدة الأخبار هو نفسه الكاتب الذي يزور الأفكار كل صباح ويقدم إليها في تأييد الوفد أشياء ثم يثب فجأة فينتقل إلى حزب الاتحاد ويزامل الدكتور طه حسين في تحرير جريدة الاتحاد ثم ننظر فنراه مع الأحرار الدستوريين في صحبة الدكتور هيكل، ونلتفت فنراه انتقل إلى البلاغ.

كان المازني من أكابر الشعراء. ولكنه انشغل بالكتابة في جميع الأوقات ولجميع الأحزاب ولم يجد الفرصة للغناء ومتى يخلو إلى نفسه من يعاني ضجيج المجتمع السياسي في الصباح والمساء.

بدأ المازني حياته النثرية بالطريقة الجاحظية وهي تقوم أساسا على الازدواج وقد وفى المازني لهذه الطريقة أصدق الوفاء في أمد يزيد على عشر سنين. ثم جنى المازني على نفسه بالكتابة اليومية، ثم ابتدع المازني طريقة جديدة هي كتابة أكثر مقالاته وقت إنشائها بالكتاب.

ثم قال زكي مبارك: إن المازني رجل جنى عليه قلمه وجنى عليه إحساسه فلم يعرف قيمة الصبر على الانحياز إلى إحدى الجهات. في زمن لا يعيش فيه المفكرون إلا بأسندة من العصبيات السياسية والاجتماعية.

بين زكي مبارك وطنطاوي جوهري 1:

كتاب "أحلام في السياسة" للأستاذ طنطاوي جوهري هو دعوة إلى السلام وقد أرسله إلى الملوك ورؤساء الحكومات.

قال زكي مبارك تحت عنوان: "اسمع يا أستاذ طنطاوي" إن كتابك هذا لن يغني فتيلا في الدعوة إلى السلام، لأنك لم تكلم الساسة بلغة السياسة،

1 البلاغ 5 يوليو 1935.

ص: 639

وإنما كلمتهم بلغة الرفيق في عالم الإنسانية ودعوتهم إلى فهم الجمال، وأغلب الظن أن كتابك إن ترجم إلى اللغات الأوروبية سيكون أضحوكة لأنه يتكلم عن كل شيء إلا الدعوة إلى السلام.

إن الدعوة إلى السلام في العصر الحاضر لا تكون إلا عن طريق واحد هو الاقتصاد، فإن أمكنك يا أستاذ طنطاوي أن تؤلف كتابا جديدًا تبين فيه أن المنافع الاقتصادية لا تقوم إلا على السلام وأن الحرب نذير الخراب، كان من الممكن أن تكون رسول السلام في هذه الأيام.

إن الجمال الذي تتحدث عنه هو في أعين الساسة حديث خرافي ولا قيمة لتلك الصور الملائكية التي تعرضها للترغيب في السلام بين أهل الأرض.

أنت يا أستاذ طنطاوي رجل طيب، أو أكبر عيوبك أنك رجل طيب وإلا فكبف تنتظر أن يترجم كتابك بأمر ملك الإنجليز ليشعر ذلك الملك بالتبعة التي يحملها وهو يسيطر على ربع الأرض فيما قيل.

إن خصوم الإسلام أطالوا القول في غمزه ولمزه لأنه يبيح القتال، ولو فهم أولئك لعرفوا أن إباحة القتال في الشريعة الإسلامية هي الدليل أنها أصلح الشرائع لقيادة الحياة الإنسانية، إن السلام العام هو الأمل الباطل الذي يتحدث عنه الفارغون، والنضال بين الأمم والأفراد والجماعات هو القانون الذي يعيش في ظله التقدم العلمي والاجتماعي.

طنطاوي جوهري 1:

لقد كان ينقد كتبي كثيرون فلم أكن لأعبأ بهم، ولا أرد عليهم ضنا بوقتي ومضيت في عملي، فأما أنت فإن منزلتك الخاصة توجب عليَّ أن أجاذبك الحديث.

1 البلاغ 9 يوليو 1935.

ص: 640

ليس هذا الكتاب بأول ما سطرته في السلام العالمي، بل ألفت كتابا قبله بربع قرن أسميته "أين الإنسان" وأنا حين كتبته لم تكن في العالم جمعية للسلام العام، فهل أنت أيها الأستاذ مشفق علي من هذا الضحك؟ وأي رأي شريف لم يقابل أول الأمر بالسخرية.

أما كوني مفتونا بالكتاب فهل معنى هذا أكثر من أني موقن بما فيه لأن سياسة الأمم مبنية على الحقائق العلمية الثابتة وأي قوة في الأرض تستطيع أن تنتزع الآراء الثابتة بالبرهان.

أما كوني لم أتكلم بلغة السياسة فها أنا ذا أسمعك آراء علماء الأمم في الكتاب الأول، وهذا الكتاب الثاني أوسع بيانا وإيضاحا وأوفى حكمة وعلما منه.

ص: 641