الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل العاشر: بين النقد والتقريط
…
الفصل العاشر: بين النقد والتقريظ
بين زكي مبارك وعبد الله عفيفي 1:
هذه معركة من ذلك النوع القائم على السخرية لا الأخطار ذات الأهداف جرت بين كاتبين نبرات حياتهما في الأزهر ثم اتجه أحدهما إلى أوربا وعاد بنقد الأسلوب القديم قد ناقش زكي مبارك الوفد بين النقد والتقريظ في الكتابة عن المؤلفات، ثم دخلت المعركة في المهارة وقد بدأها زكي مبارك وحاراه فيه وزار عنه عبد الله عفيفي وجرت المناقشة والتنابذ بالبلاد والقرى وباب المزينين وحسان باريس.
نقد زكي مبارك:
قال زكي مبارك في مقدمة مقاله أنه تصل إليه بين حين وحين مؤلفات يعلن أصحابها رغبتهم الشديدة في نقدها لا تقريظها "فنقع بذلك في حيرة لأن النقد القوي قد يعطل أحيانا سوق الكتاب ولكننا من ناحية أخرى نرى من حق القراء أن تطلعهم على المآخذ التي تبدو لنا فيما نقدمه إليهم من المؤلفات.
وقال: إنه يسعرض لكتاب "زهور منثورة" بين النقد والتقريظ "فنعرض موضوع الكتاب ومنهجه عرضا حسنا ثم نعقب عليه بملاحظاتنا في رفق ولين حتى نجمع بين الحسنيين.
وقال: "إن الكتاب في 192 صفحة وموضوعه النقد الأدبي، والأستاذ عبد الله عفيفي كاتب متين الديباجة مشرق العبارة دقيق الملاحظة وهو صديق عرفناه منذ سنين فلم نطلع منه إلا على صدق الخلق وكرم الوفاء.
1 البلاغ 3 فبراير 1933.
ثم تناول بعض موضوعات الكتاب وعرض للهفوات التي وجدها وعددها 27 هفوة.
وقال: هذا ما قيدناه ونحن نراجع الكتاب وفي هذه المؤاخذات دليل على أننا راعينا صداقتنا للأستاذ عفيفي ونحن حين نصادق الناس نبالغ في محاسبتهم على يسير الهفوات.
مراجعة المراجعة؛ عبد الله عفيفي 1:
أهنئك على نجاحك فيما اعترفت من حمل الأدباء على مساجلتك بكل ما ملكت من حيلة وما بذلت من وسيلة حتى ولو كانت من تلك الوسائل التي يعدها بعض رجال الأدب تجنيا غير سائغ، وتحاملا غير مقبول، ذلك ما أؤول به دعابتك الطريفة ومزاجك الرشيق في نقد كتابي.
ومن الخير لي ولك أن أعدك هازلا في كثير مما أتيت به، لأني لا أعتقد أن يرخص النقد الأدبي في هذا الزمان حتى يكون تصحيحا مدرسيا تحاسبني فيه على حرف نافر أو نقطة طائرة.
وأبيت إلا أن تنفذ من كتابي هذا إلى الأزهر وكليات الأزهر وأساتذة الأزهر وهي أغنية مرجعة وإيقاع مردد وقد أوشك السامعون أن يملوا.
وأوشك الحفل أن ينفض، ولا أعلم إن كان تجنيك على الأزهر أصابني في طريقه أو تجنيك علي ما أصاب الأزهر في طريقي أو أنك أردت أن تشبها غبراء قاتمة وإن انجلت عن غير جند وغير قتل.
أما أن تتناول القلم وتبدأ الكتابة وأنت تنوي أن تصيب الأزهر بحق أو بباطل فذلك ما لا أحله لك ولا أرضاه لأدبك.
1 البلاغ 8 فبراير 1933.
ولا أحب لك أن تجحد "أبوة الأزهر" إلى الحد الذي آراه منك، قد تقول: إني أريد الجد في الأمر وإني أريد إصلاحا لا هوادة فيه فهل يهذا العبث وتلك الدعاية تصلح الأزهر.
الأزهر والنحو؛ زكي مبارك 1:
قدمت لصديقنا الأستاذ عبد الله عفيفي طائفة من الأغلاط التي وقعت في كتابه وكانت الأغلاط تنقسم إلى قسمين: أغلاط بسيطة وأغلاط جوهرية، أما الأغلاط البسيطة فقد أشرت أنها وقعت من الطابع أما الأغلاط الجوهرية فقد نبهت عليها في رفق وعطف. فجاء الأستاذ وتجاهل الأغلاط الجوهرية.
وكان من واجبه أن يقدم إلينا كلمة ثناء رعاية للجهد الذي بذلناه في تصحيح كتابه.
لقد استبحت لنفسك أن تسلك معنا سبيل السخرية في جوابك فما رأيك لو استبحنا لأنفسنا ما استبحت لنفسك، ولكنك أعز علينا من أن نروض القلم في السخرية منك.
أما بعد فمن كان يظن أننا سنلقي درسا في النحو على فضيلة الأستاذ عبد الله عفيفي، تلك والله أعجوبة الأعاجيب، فالأستاذ لا يزال يحمل العمامة، ومثل الأستاذ عبد الله عفيفي إذا دخل الأزهر وقفت لقدومه قواعد النحو صفا صفا، فكانت المنصوبات في جانب، والمرفوعات في جانب وقد تصدمه المجرورات من شماله إذا دخل إليها من الباب الذي كان يسمى باب المزينين.
وأراد الأستاذ عبد الله عفيفي أن يتظرف -وهو والله ظريف- فقص
علينا قصة "التركي" الذي زعموا أنه حين تقدمت به السن ولزم بيته ووضع على منهل عنده أكوابا بيضاء وحمراء فإذا شرب أحد بالكوب الأحمر انتهره وقال: "اشرب بالأبيض" إلى آخر تلك القصة الشريفة، فما رأي القارئ في أن هذا المثل لا ينطبق إلى على الأستاذ عبد الله عفيفي.
ضربني وبكى؛ عبد الله عفيفي:
إلى الأزهر1 يا دكتور زكي! فإن الهواء أطارك منه أخضر فجا لا تحسن مبادئ ما يدرس فيه.
إلى الأزهر يا دكتور زكي! واحذر أن تنوي عند باب المزينين أو عند هذا الشيء الذي تنضح به منه، فقد ذهب عهده كما ذهب عهدك منه. إلى الأزهر يا دكتور زكي مبارك! لتعرف باب الاشتغال فقد طويت في دراسته إحدى عشرة ليلة، ثم خرجت منه أفرغ مما دخلت فيه، تريد أن تعلمني النحو يا دكتور زكي؟ اسمع يا بابا! اسمع يا معلمي! اسما يا شاطر! واعلم أن لتلاميذك حقا إن لم يكن عليك فعلى الذين ائتمنوك عليهم.
إنك أرخصت النقد وأهزلته لأنك فهمته مراجعة مطبعية وزعمته تصحيحا مدرسيًا فلم تصغ إلى ما أقول وشاء أن يرد وجاء رده بعامل جديد زاد النقد رخصا وهزالا حتى انحدرت سوقه عن سوق القمح والقطن، والفول والشعير، ذلك العامل: إنه اتخذ الشتم حجة واللغو سلاحًا، وشاء أيضًا أن يكون ظريفا خفيفا فقال: أكرم الله وجهه "وقد تصدمه المجرورات من شماله إذا دخل من الباب الذي كان يسمى باب المزينين" أرأيت كيف كان ظريفا؟
1 البلاغ 20 فبراير 1933.
وكان نظيفا في نكتته، وهذا الذي يقذف فمه الشريف بهذه المجرورات برغم أن سامر حسان باريس وساهر حسان باريس، ولو أن سامر حسان الصومال أو حسان ما وراء خط الاستواء، أو أي حسان بين أعطاف الأرض وأطرافها ما قارف تلك الكلمة التي تكدر الجو وتزهق الأنوف.
"وهذا الدكتور الذي يتخذ الشتم حجة، واللغو سلاحا يكتب في جريدة البلاغ وصاحب البلاغ هو الكاتب الذي تقرؤه فتجده أطهر الناس من الشتم وأبعدهم عن اللغو، وهو الذي تقرؤه فتراه ساطعا كالنجم، نافذًا كالسهم صافيا كالفرات، وتراه أقدح ما يكون إذا خف وأقسى ما يكون إذا لان، ذلك رأيي فيه كاتبا أديبا، فما كانت لك به قدوة حسنة وأسوة طيبة، ولكنك لا تملك أن تكونه ولا أن تقع قريبا منه لأنك تعوم ولا تغوص، وتحوم ولا تمعن، فإذا قيل لك غص غرقت، وإذا قيل لك أمعن ضللت، فأنت حين تطهر يدك من الشتم وقلمك من اللغو لا تجد شيئا تقوله.
نحن حين نجالدك إذًا على صفحة البلاغ إنما نجاهد في الله حق جهاده لأننا نريد أن نفهمك كيف يكون نقد الأدب وأدب النقد ولأننا نريد أن نحول بين الأدباء وبين طغيان الشتم وإرهاب اللغو.
أما بعد يا صديقي الدكتور! لا بد من تحطيم تلك الدمى المنتفخة الأوداج واعلم أننا حين ننغلب لأطفالنا الصغار وننخذل أمامهم ونتركهم يقتعدون أكتافنا فما ذلك إلا لأن لهم شفيعا من غرارة الطفولة وطهارة الطفولة، أما أنت فلماذا تسطو على أقدار الناس وإكراماتهم ومروءاتهم ولماذا تنضح عليهم مما وراء باب المزينين وتطلب إليهم بعد ذلك أن يداروك ويجاملوك.
أتريد أن تفرض الجزية وتضرب الإتاوة على الأدباء ليصوفوا أعراضهم بالفداء؟ لا، لن يكون ذلك.
ولقد حاول قوم من قبلك أن يفعلوا ما فعلته فكانوا كالفقاقيع الطافية على الماء لا تلبث حين يدركها قليل من الهواء أن تزول وتتبدد، لتقل في الأزهر ما شئت فإنك تريد أن ترضي قوما تظن أنهم يثيبونك على هجائه.
أجل، لتقل في الأزهر ما شئت فإنه لا يضيق ذرعا بأن ينتفع بهجائه والصخرة التي قاومت الخطوب وصمدت لها ألف عام لا يقوى زكي مبارك أن يزحزحها عن مكانها. قل في الأزهر ما شئت ودع الأدباء وشأنهم فهم قوم يعز عليهم أن يأتي زكي مبارك فيكدر عليهم صفاء الحياة.
لماذا دعوك زكيا وأنت قروي من سنتريس ومولدك في القرن التاسع عشر وهذه الأسماء لم يكن مما يألفه القرويون في ذلك العهد.
زكي مبارك قروي من سنتريس 1:
ادعى صديقنا الأستاذ عبد الله عفيفي أننا كنا نطوي مقالات خصومنا من العلماء أو نمزقها أو نجتزئ منها بما لا غناء فيه، وأننا كنا نقف على أقدارهم المهضومة وأفواههم المكمومة.
وحقيقة المسألة أن علماء الأزهر ألفوا الجنة في العام الماضي "ليقفوا طغيان زكي مبارك عند الحد المعقول" وصح رأيهم على نشر ردودهم في جريدة البلاغ وهنا يعلم الله أني لم أطلع على سطر واحد مما أرسلوه للجريدة وقلم التحرير هو الذي فصل في المسألة.
1 البلاغ 24 فبراير 1933.
حرص الأستاذ على إفهام القراء أنني قروي من سنتريس وكتب هذا وأعاده ثلاث مرات. أفيستطيع أن يحدثنا في أي قصر ولد من قصور الحواضر، إن الأستاذ يشاطرنا شرف الانتساب إلى الريف وقد ولد فضيلته في قرية لطيفة بالقرب من سنتريس، والفرق بيني وبينه أني أتحدث عن بلدي في جميع المناسبات أما هو فلا يذكر بلده على الإطلاق، ولا يجري اسمها على قلمه ولا لسانه مع أن الأوطان الصغيرة هي حبات العقد في الوطن الكبير.