المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌نماذج من حملات المعركة: - المعارك الأدبية

[أنور الجندي]

فهرس الكتاب

- ‌مدخل

- ‌أولا: معركة مفاهيم الثقافة

- ‌ثانيا: معركة مفاهيم الأدب

- ‌ثالثا: معركة مفاهيم الأدب

- ‌الباب الأول: معارك الوحدة والتجزئة

- ‌معركة الوحدة العربية

- ‌مصر بين العربية والفرعونية:

- ‌معركة العروبة والمصرية:

- ‌الباب الثاني: معارك اللغة العربية

- ‌مدخل

- ‌تمصير اللغة العربية:

- ‌مجمع اللغة، ما هي مهمته

- ‌معركة الكتابة بالحروف اللاتينية:

- ‌الباب الثالث: معارك مفاهيم الثقافة

- ‌مدخل

- ‌ثقافة الشرق ثقافة الغرب:

- ‌معركة بين فيلكس فارس وإسماعيل أدهم:

- ‌لا يتنيون وسكسونيون: بين العقاد وطه حسين

- ‌النزعة اليونانية بين زكي مبارك وطه حسين:

- ‌كتابة السيرة" بين التاريخ والأسطورة:

- ‌كتابة التاريخ: بين رفيق العظم وطه حسين

- ‌معركة الترجمة: بين منصور فهمي وطه حسين

- ‌آداب الساندويتش: بين الزيات والمازني والعقاد

- ‌أدبنا: هل يمثلها؟ بين أحمد أمين وأمين الخولي

- ‌غاية الأدب: ما هي؟ بين زكي مبارك وسلامة موسى

- ‌متى يزدهر الأدب؟ معركة بين لطفي جمعة وزكي مبارك:

- ‌الأدب المكشوف: بين توفيق دياب وسلامة موسى

- ‌التراث الشرقي؛ يكفي أو لا يكفي؟: بين عبد الرحمن الرافعي وعباس محمود العقاد

- ‌ثقافة دار العلوم: بين أحمد أمين ومهدي علام

- ‌الباب الرابع: معارك الأسلوب والمضمون

- ‌الأسلوب والمضمون: بين الرافعي وسلامة موسى وطه حسين

- ‌أسلوب الكتابة: معركبة بين شكيب أرسلان وخليل سكاكيني

- ‌أساليب الكتابة؛ بين شكيب أرسلان ومحمد كرد علي:

- ‌الباب الخامس: معارك النقد

- ‌الفصل الأول: أسلوب طه حسين

- ‌الفصل الثاني: مقومات الأدب العربي

- ‌الفصل الثالث: مذهبان في الأدب:

- ‌الفصل الرابع: بين النقد الذاتي والموضوعي

- ‌الفصل الخامس: الأدب بين التجديد والانحراف

- ‌الفصل السادس: هل نقتبس أم نقلد

- ‌الفصل السابع: معركة فقدان الثقة

- ‌الفصل الثامن: الفن للفن والفن المجتمع

- ‌الباب السادس: معارك النقد حول الكتب

- ‌الفصل الأول: رسالة منصور فهيم الدكتوراه

- ‌الفصل الثاني: الخلافة وأصول الحكم

- ‌الفصل الثالث: معركة الشعر الجاهلي

- ‌مدخل

- ‌نماذج من حملات المعركة:

- ‌تجدد معركة الشعر الجاهلي:

- ‌الفصل الرابع: كتاب "النثر الفني

- ‌الفصل الخامس: كتاب "أوراق الورد

- ‌الفصل السادس: كتاب ثورة الأدب

- ‌الفصل السابع: "كتاب" مع المتنبي

- ‌الفصل الثامن: معركة مستقبل الثقافة

- ‌الباب السابع: المعارك بين المجددين والمحافظين

- ‌الفصل الأول: معارك الرافعي

- ‌الفصل الثاني: معركة فضل العرب على الحضارة

- ‌الفصل الثالث: الدين والمدينة

- ‌الفصل الرابع: التغريب

- ‌الفصل الخامس: حقوق المرأة

- ‌الفصل السادس: معركة حول التراث القديم

- ‌الفصل السابع: معركة الخلاف بين الدين والعلم

- ‌الفصل الثامن: جمال الدين الأفغاني ورينان

- ‌الفصل التاسع: خم النوم

- ‌الفصل العاشر: بين النقد والتقريط

- ‌الباب الثامن: معارك بين المحافظين حول اللغة

- ‌المعركة الأولى:

- ‌المعركة الثانية:

- ‌المعركة الثالثة:

- ‌الباب التاسع: معارك نقد الشعر

- ‌الفصل الأول: بين شوقي ونقاده

- ‌الفصل الثاني: بين عبد الرحمن شكري والمازني

- ‌الفصل الثالث: إمارة الشعر

- ‌الفصل الرابع: ديوان وحي الأربعين

- ‌الباب العاشر: معارك النقد بين المجددين

- ‌الفصل الأول: بين التغريب والتجديد

- ‌الفصل الثاني: معركة الكرامة

- ‌الفصل الثالث: معركة الصفاء بين الأدباء

- ‌الفصل الرابع: معارك النقد

- ‌الفصل الخامس: بين زكي مبارك وخصومه

- ‌الفصل السادس: مبارك ينقد كتابه

- ‌الفصل السابع: بين العقاد وخصومه

- ‌الفصل الثامن: بين سلامة موسى وخصومه

- ‌الفصل التاسع: بين المازني وخصومه

- ‌الفصل العاشر: معارك أدبية؛ بين الدكتورين هيكل وطه حسين

- ‌الفصل الحادي عشر: معركة لقمة العيش

- ‌الفصل الثاني عشر: بين شباب الأدب وشيوخه

- ‌محتويات الكتاب:

الفصل: ‌نماذج من حملات المعركة:

‌نماذج من حملات المعركة:

1-

مصطفى صادق الرافعي 1:

ما رأيت فئة يأكل الدليل الواحد أداتها جميعا كهؤلاء المجددين في العربية فهم عند أنفسهم كالجمرة المتوقدة لا يشبعها حطب الدنيا.

ولقد كان من أشدهم غراما وشراسة وحمقا هو الدكتور طه حسين أستاذ الآداب العربية في الجامعة المصرية فكانت دروسه الأولى في الشعر الجاهلي كفرا بالله وسخرية بالناس فكذب الأديان وسفه التواريخ وكثر غلطه وجهله فلم تكن في الطبيعة قوة تعينه على حمل كل ذلك والقيام به إلا المكابرة واللجاجة؛ فمر يهذي في دروسه لا هو يثبت الحقيقة الخيالية ولا يترك الحقيقة الثانية، على أن أستاذ الجامعة إنما يقلد الهدامين من جبابرة العقول في أوربا وإنه منهم. ولكن كما تكون هذه الكرة الجغرافية المدرسية التي تصور عليها القارات الخمس من كرة الأرض التي تحمل القارات الخمس.

والرجل متخلف الذهن تستعجم عليه الأساليب الدقيقة ومعانيها وأكبر ما معه أنه يتحذلق ويشداهى ويشبه بالمفكرين ولكن في ثوب الرواية.

هو وأمثاله المجددين يسمون كتابا وعلماء وأدباء إذا كان لا بد لهم من نعت وسمة في طبقات الأمة غير أنهم على التحقيق غلطات إنسانية تخرجها الأقدار في شكل علمي أدبي لتعارض بها صوابا كاد يهمله الناس فيخشى الناس أن يتخيف الخطأ صوابهم أو يذهب به فيستمسكون بحبله ويشدون عليه.

من أقبح ما في كتاب الدكتور طه حسين أنه يعلن في مقدمته تجرده من دينه عند البحث، يريد أن يأخذ النشء بذلك اتباعا لمذهب ديكارت الفلسفي الذي يقضي على الباحث بالتجرد من كل شيء عندما يبحث عن الحقيقة.

1 ك: تحت راية القرآن؛ الرد على الشعر الجاهلي.

ص: 362

قال الأستاذ: يجب حين نستقبل البحث عن الأدب العربي وتاريخه أن ننسى قوميتنا وكل مشخصاتها "وأن ننسى ديننا وكل ما يتصل به".

وهذا لعمري هو منتهى الجهل فإن هناك فرقا بين البحث عن حقيقة فلسفية عقلية محضة وبين البحث عن حقيقة أدبية تاريخية قائمة على النص، وقول فلان وفلان، وإذا هو نسي دينه "وتأمل هذه العبارة" فماذا يكون من أثر هذا في التاريخ مادامت المادة التاريخية لم تجتمع له كما أسلفنا وما دام الأستاذ مبتلى من كل جهة؟

إن طه حسين مجموعة أخلاق مضطربة وأفكار متناقضة وطبائع زائفة وما من عالم في الأرض إلا وأنت واجد آراءه قائمة بمجموع أخلاقه أكثر مما هي آتية من صفاته العقلية، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:"إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان" ، وطه رجل أرسلوا لسانه إلى أوربا فرجع بلسانه وترك قلبه هناك في خرائب روما، فيجب أن يكون نفاقه وثرثرته مقصورتين على نفسه وإذا كان عميد كلية الآداب لا يحسن من العربية شيئا ولا يفقه من هذه المباحث شيئًا ولا هو من دين الأمة في شيء فماذا نقول في الأستاذ الأديب الذكي البليغ مدير الجامعة الذي اسمه أحمد؟

والأمر الذي نخشاه من طه أنه "أداة" أوروبية استعمارية تعمل على إفساد أخلاق الأمة وحل عروتها الوثقى من دينها في أدبه ولغته وكتابه وتحقير كل من يتسم بشيء من ذلك عالما أو متعلما أو متورعا، فهو دائب على إزالة ما وقر في نفوس المسلمين من تعظيم نبيهم وكتابه وإيثار دينهم وفضيلتهم وإجلال علمائهم وسلفهم مرة بالتكذيب ومرة بالتهكم ومرة

ص: 363

بالزيادة ومرة بإفساد التاريخ ومرة بنقل الأخلاق الفاحشة المتعهرة من مدينة الفرنسيين.

إن التاريخ الإسلامي إذا حمل على غير طريقته وتولاه غير أهله لم يأت منه إلا ما هو دخيل فيه وتقل الرواية ويكثر التكذيب، ويحصل الخطأ ويقع الخلل لأن الأشياء، بما كانت عليه لا بما تتوهم أنت أنها كانت عليه.

وذلك هو السر في خلط المستشرقين والمسيحيين والديكارتيين من أمثال طه حسين إذا هم تعاطوا الكلام في المصدر الأول أو ما يفصل به نوعا من الاتصال في الأدب وفي الشعر أو نحوهما. وإذا كتبت الشياطين تاريخ الملائكة واتبعت مذهب ديكارت، فتجردت من قوميتها ودينها فهل تراها تقلب طبيعتها وخبثها وهل يدخل عليها الخطأ إلا من ناحية هذه الطبيعة في تركيبها على غرائز وأوصاف لا تتحول.

2-

محمد فريد وجدي 1:

رأيت منه أخطاء اجتماعية وسيكولوجية وفلسفية لا يصح السكوت عليها وألفيت الدكتور لاضطراره إلى تصيد الأسباب التي حملت ذوي النفوس المريضة على اختلاق الشعر ونسبه إلى الجاهليين قد عول على كتب المستشرقين وهي قرارة الأكاذيب ومستنقع المقدمات من كل نوع فجاء كتابه بما حمل من أوزار المغتربين وبما غلا هو فيه من تقصي إغراءات المتناظرين وتسويدات المتنافسين من القادة الأعلين طامسا لمعالم أكبر ثورة اجتماعية حديثة في العالم ألا وهي ظهور الديانة الإسلامية وما استتبع انتشارها من سقوط دول وقيام دول.

1 ك/ نقد كتاب الشعر الجاهلي 12960.

ص: 364

فبينما علماء الغرب لا يتمالكون أنفسهم من الدهش من قوة هذه الحركة الاجتماعية التي انبعثت من بلاد العرب فجأة فرجت العالم كله رجة أذهلته عن كل شيء، يصعب علينا أن نرى واحدًا منه يضع كتابا بالفرض قليل الخطر وهو إثبات أن الشعر الجاهلي مختلق يكون أثره على قارئه أن يحتقر هذه الثورة الكبرى ويستخف برجالها الذين أخذوا حظا من تمثيلها والاضطلاع بأعبائها1.

3-

محمد لطفي جمعة 2:

هذا المؤلف لم يترك فضيلة للعرب في علومهم وتاريخهم وآدابهم وعقائدهم دون أن يحاول هدمها بشدة وتهكم واستهزاء لم يعد له مثيل في كتب العلماء فيخيل للقارئ أن المؤلف يلعب ويلهو بأشرف الأشخاص وأسمى المبادئ التي خلفتها المدنية العربية الإسلامية منذ أربعة عشر قرنا. وكنا نود أن نظن بكتابه خيرا فلم نجد له في الخير محملا. وحاولنا أن نلمح بصيصا أشبه بالبصيص شيئا في وسط هذه الظلمات المتكاتفة المتطالعة من أول الكتاب إلى آخره لأنه للأسف طافح بالأوهام فهو سراب يحسبه الإنسان من بعيد ماء. والحقيقة أن كتاب "في الشعر الجاهلي" عبارة عن بعض نصوص صحيحة أو مزورة وبعض أكاذيب وأساطير وشيء من التهويل وشيء من السياسة وشيء من الخرق وكثير من الشعوبية والتعصب ضد العرب وعقائدهم.

1 سؤال: هل رجع طه حسين عن آرائه؟ كلا، والدليل أن الكتاب ما يزال يطبع الطبعة الخامسة والسادسة ولذلك فهو يناقض نفسه في آرائه فيما كتب عن الإسلام في الفتنة الكبرى وهامش السيرة.

2 ك/ الشباب الراصد على الشعر الجاهلي.

ص: 365

ولم يترك المؤلف نبيا أو صديقا أو عالما أو راوية أو شاعرًا إلا ابترك في عرضه ابتراكا ونال من شرفه وسمعته.

يقول المؤلف: إنه ليس لنا أن نتمسك بالقديم لمجرد قدمه وهو يعد أعظم مفاخر المدنية العربية في القوانين والأنظمة والعلوم والآداب قديما، يجب تركه، ولا يؤيد أقواله بدليل أو مرجع صحيح أو إسناد يعول عليه. فيقول ليس لنا أن ننبذ القديم لمجرد قدمه فما كل قديم ينبذ ولا كل جديد يؤخذ، والواجب على من رأى المصلحة في القديم أن لا يتركه ما لم تقم الأدلة على صحة الجديد وهذا ما فعلته الأمم الأوروبية فلم تترك قديمها بل فتشت فيه وبعثته وأحيت العلوم والآداب التي كانت مفاخر اليونان واتخذتها أساسًا متينًا إلى الجديد في عهد إحياء العلوم على أن معظم قديمهم أساطير وخرافات وأخبار لم يستطع أحد من علمائهم تحقيقها بيد أن قديمنا معظمه حقائق وشرائع وقوانين وآداب.

لقد طعنت في هدم العرب وتاريخهم وآدابهم قبل الإسلام وبعده1 بثلاثة قرون ولم تترك فرصة إلا اختلقت فيها غميزة ضد المدنية العربية وشرائعها وقوانينها وآدابها وتاريخها في عمد وإصرار كأنك تهدم بمعول الحقد الكمين بناء شاده أعداء لك ألداء وطعنت قبل كل شيء في الرواية والتواتر والإسناد وهي وسائل العلم والدين والأدب عند العرب في جاهليتهم وأسلافهم ولم يسبق لأحد من الباحثين أن طعن في تلك الوسائل من علماء المشرقيات الأجانب1.

1 قال ص51 ولكن النبي توفي بعد الفتح بقليل ولم يضع قاعدة للخلافة ولا دستورًا لهذه الأمة.

ص: 366

4-

شكيب أرسلان 1:

ليس طه حسين في هذا الرأي القائل والمنطق المقلوب إلا مقلدا لمرغليوت أو لغيره من الأوروبيين بسائق عقيدة سخيفة فاشية -وياللأسف- في الشرق وهي أن الأوروبي لا يخطئ أبدًا، وأنه من حيث اخترع الأوروبي سكة الحديد والغواصة والطيارة والسيارة وما أشبه ذلك فلا شك أنه صار يفهم أحسن مما يفهم سيبويه والخليل بن أحمد وليس في الدنيا خطأ أعظم من هذا ولا طيش يفوت هذا الطيش فكل علم له أربابه الذين هم أدرى به.

إننا لا ندعي كون الشرقيين أعلم من الغربيين وحاشا أن نقول هذا بل أولئك اليوم على وجه الإجمال أعلم منا لا جدال، ولكن الحقيقة القاتلة هي أن الشرقي يتهم أخاه الشرقي في نقله ويسفهه في عقله ويحتقر رأيه ولا يقبل له قولا لمجرد أنه شرقي حتى إذا اطلع على تأليف أوروبي ولو محشوا بالهذيان تلقى ما فيه نازلا من السماء وعض عليه بالنواجذ وأبى أن يرتاب فيه أو يحاكمه، ومن هنا نشأ ما نحن فيه من الأزمة الأدبية، والاجتماعية واللغوية والتخبط الذي ترانا نتخبطه لأن حقائقنا انقلبت ضلالات بلا سؤال، وضلالات الإفرنج تلقيت حقائق بلا جدال.

النظرية الجديدة غير الحقيقة العلمية.

الحقائق العلمية ما تزال تتجدد وينقض آخر منها أول.

الهوس بقبول الجديد.

1 مقدمة كتاب النقد التحليلي. الغمراوي.

ص: 367

مخالفة رأي الجمهور.

ليس كل شيء قديم منبوذا وليس كل شيء جديد مرغوبا فيه.

أني لا ألوم الدكتور طه حسين الذي قصاراه أن يسرق رأيا لمستشرق أوروبي خالف به جمهور المستشرقين فضلا عن علماء العرب وأن ينتحل هذا الرأي لنفسه متبجحا به.

5-

محمد عبد المطلب 1:

سخطت وازوررت لأني أجد ضعفا في أسلوبه العربي وضعف تأليف وخطأ في اللغة وقواعد الإعراب وسخطت وازوررت ثم تنظمت وأوردت إذ رأيت أكبر أستاذ في أكبر معاهد مصر يتردد بين التناقض في الرأي والخطأ الفاحش في الفن.

فأما قصور اللفظ فإني وجدت الدكتور يمنح في كل دعوى الشك والتشكيك عجزًا عن الدليل القويم ولا ينتج من المقدمات في أدلته إلا العقيم وما كان الشك والتشكيك يوما عكازًا لأحد من العاجزين، أما التقصير في الاجتهاد فإنك تراه لا يزجر نفسه ولا يكلفها شيئا من الجهد فيستمرئ الكسل عن التحقيق في أقل المواطن كلفة وأيسرها منالا ويتستر بالتعمية في الأسلوب والمراوغة في الجدال والختل في الاستدلال ولو كلف نفسه قليلا لبدا له العلم الصحيح.

أما ضعف الأسلوب فإنه يجيئك بالمعنى القليل الهزيل في اللفظ الكثير والتركيب المملول.

على أني حائر في الحكمة التي يرمي إليها بافتتاحه القول مغيظًا محنقا

1 الأهرام 28 أبريل 1926.

ص: 368

بتصوير الخصومة ولا خصومة ويمعن في اللئوم روبما كان هو الحليم وبعد فإنه خرج من التمهيد الطويل العريض الذي وضع أسلافنا فيه تحت المطرقة وانهال عليهم بلا حرمة ولا مبالاة وتجرد في حقهم من آداب المؤلفين.

6-

عبد ربه مفتاح:

تبرأ طه حسين بجواب أرسله إلى مدير الجامعة بعد أن قامت الأمة وقعدت لفعلته الشنيعة، تبرأ الآن من الكفر والإلحاد بعد أن سجله في مؤلفه وأذاعه بين الناس وأفسد به عقول النابتة. ولكن فات دكتور أوربا أن هذا سبيل البراءة والخلاص، وإنما السبيل أن يعلن رجوعه عن هذا الكفر الصريح وأن ينص في غير مواربة ولا لف ولا دوران أن مؤلفه باطل لا يعول عليه. وبخاصة ما يمس منه الدين.

أخبرني أيها الدكتور ماذا في كتابك وما الجديد الذي أحدثته فيه، أفكرة التغير والتعديل في الشعر الخاصة وقد رادها قبلك الرواد.

7-

عبد المتعال الصعيدي 1:

بين يدي الآن كتاب "مقالة عن الأحلام" لجرجيس صال الإنجليزي معربة عن الإنجليزية بقلم من يدعى هاشما العربي مطبوعة 1891 يرى فيها ما رأى الدكتور طه في قصة إبراهيم وإسماعيل وينسبه لنفسه على أنه ابتكار من ابتكاراته ورأي من آراءه الجديدة. وهو الذي أقام الدنيا وأقعدها على الأستاذ علام سلامة إذ نقل على لسان العرب ما نقل مما كتبه عن الآداب والأدباء في السياسة الأسبوعية ولم ينسبه إلى صاحبه.

1 12 مايو 1926 الأهرام. وعبد المتعال الصعيدي أول من كشف نقل طه حسين عن المبشر الإنجليزي.

ص: 369

فلماذا استحل الدكتور طه هذه السرقة الفظيعة وهو العالم الذي لا يبارى ولا يليق أن يتهجم على الكتب فيسرق منها وينسب لنفسه.

يقول طه حسين "ص29" أمر هذه القصة "قصة إبراهيم وإسماعيل" إذن واضح فهي حديثة العهد ظهرت قبل الإسلام واستغلها الإسلام لسبب ديني وسياسي، وإذن فيستطيع التاريخ الأدبي واللغوي ألا يحفل بها عندما يريد أن يتعرف أصل اللغة العربية الفصحى.

ويقول "هاشم العربي" في كتابه مقالة في الإسلام:

"وحقيقة الأمر في قصة إسماعيل أنها دسيسة لفقها قدماء اليهود العرب تزلفا إليهم وتذرعا بهم إلى دفع الروم عن بيت المقدس أو تأسيس مملكة جديدة لهم في بلاد العرب يلجئون إليها".

هل يليق يا دكتور أن تنقلب مبشرًا تنقل آراء المبشرين التي يمليها عليهم حقدهم في جامعة علمية.

وقال عبد المتعال الصعيدي في كتابه "القضايا الكبرى في الإسلام" ص391: إن الدكتور طه أجاب في التحقيق بأنه يقرر صدق هجرة إسماعيل عليه السلام إلى مكة ويؤمن بقصة بناء الكعبة كما وردت في القرآن ويؤمن بتنزيل القراءات بصفته مسلما معتقدا ولكنه لا يقرها بصفته عالما أديبا وقال: إن عدم إقرارها هو الطريق الوحيد العلمي للوصول إلى حقائق الشعر الجاهلي وتاريخه.

وقال: إن الدكتور أنكر القراءات السبع المجمع عليها فزعم أنها ليست

ص: 370

منزلة من الله تعالى. وأن العرب قرأتها كما استطاعت لا كما أوحى الله بها إلى نبيه.

8-

محمد أحمد الغمراوي 1:

ظهر كتابه "في الشعر الجاهلي" تحت اسم جديد بعد أن حذف منه وزيد فيه أما المحذوف فيه فهو أكثر تلك الأجزاء التي ثارت من أجلها ثائرة الناس في مصر على صاحب الكتاب فاستعدوا عليه القانون فهذا تحسن في الكتاب من غير شك يرجع الفضل بعض إلى صاحبه -أو إلى النيابة- ولكن المنقود عاد فانبعث بعد أن غير زيه وإن لم يغير من حقيقته "الأدب الجاهلي بدلا من الشعر الجاهلي" فلم نجد بدا من أن نعيد ذلك النقد ونجعله بعد التعديل نواة لنقد أوسع يتناسب مع التضخم في الكتاب المنقود. لم ينتفع صاحب الكتاب بنقد الناقدين على تعدد نقدهم وصوابه، وفي رأينا أن إعراض صاحب الكتاب عن الانتفاع بذلك النقد الكثير الصائب أدل على الروح الذي يحركه والغرض الذي يسعى إليه من كل ما نمق وينمق من زخرف يزعم به التجرد من الهوى والجري على أسلوب العلم الحديث.

إن عملية تنقية الكتاب بالحذف لم تقو على تخليصه من كل ما يجافي الدين وإن خلصته فيما يظهر من كل ما يؤاخذ عليه القانون. وخلصته من الواضح الصريح الذي يمكن أن يمتد القلم إليه بالحذف أما المثبت في ثنايا جملة من التهكم الخفي فذلك ما لا يمكن أن يتناول بالحذف إلا أن يحذف أكثر الكتاب.

فالكتاب وإن خلص من مثل: "للتوراة أن تحدثنا أن إبراهيم وإسماعيل وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضًا".

1 النقد التحليلي لكتاب في الأدب الجاهلي "1929".

ص: 371

ومن قوله: "لأمر ما شعروا بالحاجة إلى إثبات أن القرآن كتاب عربي مطابق في ألفاظه للغة العرب"، فإنه لم يخلص من مثل:

"وفي القرآن سورة تسمى سورة الجن أنبأت أن الجن استمعوا للنبي" ومن مثل قوله: "فلأمر ما اقتنع الناس بأن النبي يجب أن يكون من صفوة بني هاشم" وهذه القطعة التي وصفتها النيابة بسوء الأدب في حق النبي، وكان ينبغي أن تحذف ومن مثل قوله:"لأمر ما شعروا بالحاجة إلى إثبات أن القرآن كتاب عربي مطابق في ألفاظه للغة العرب"، فإن التهكم المستتر طي هذا الكلام وكثير غيره من الكتاب أخفى من أن يستطاع إثباته بالبرهان المنطقي على ما يظهر، على أن هناك على حذف المحذوف ملاحظة جديرة بالذكر هي أن صاحب الكتاب حذف من غير أن يذكر أسباب الحذف. وهذه نقطة لها خطرها فقد جرت سنة العلماء إذا نشروا بحثا ألا يغيروا منه من غير أن يقرنوا التغيير بالتنبيه إلى الأسباب التي دعت إليه خصوصا إذا كان التغيير رجوعا في الظاهر عن رأي كان الباحث قد ارتآه وأذاعه باسم العلم كما وقع من صاحب الكتاب.

فحذفه ينفع صاحبه من غير شك لأنه يخلصه من عار ذلك الخطأ ومن كل ما ينطوي تحته من دلالة على مبلغ صاحبه من العلم ولا في غير العلم ما يمنع من التخلص من مثل هذا العار ولكن بشرط واحد هو إقناع المخطئ بأنه قد أخطأ واعترافه بذلك من غير مراوغة ولا غمغمة وصاحب الكتاب لم يعترف وليس هناك ما يدل على أنه اقتنع.

إن التجديد في الأدب كالتجديد في العلم لا يمكن أن يقوم إلا على أساس تعاون الحاضر والماضي، سيبنى العقل في حاضره على ما أسس العقل

ص: 372

في ماضيه فإن الحق وحدة قائمة لا يقوم جزء منها إلا على جزء فلن يقوم حق جديد إلا على أساس من حق قديم.

القاعدة البسيطة هي التي يمكن العلم بها من تجديد ثرائه وتنميته، وهي القاعدة التي ينبغي أن يسير عليها فيحتفظ بتراثه الكثير القيم فلا يغير منه إلا بقدر ما يجدده وينميه.

ولا ننسى أن قد كان للشرق ماض باهر في العلم والأدب والدين والاجتماع هو لنا تراث ينبغي تجديده، وإن هذا التراث منه الحق اليقيني الذي نسي بتطاول العهد وتجديد هذا يكون بالتنقيب عنه وإحيائه وفيه ما هو بين الاحتمال واليقين وتجديد هذا يكون باستعماله وارتقاب الفرص في تمحيصه والترقي به شيئًا فشيئًا إلى مرتبة اليقين. ثم لا تنسى أن كل ما أسلمته إلينا أجيال العلماء من السلف إنما هو في مرتبة الرجحان على أقل تقدير.

الرد على نقطة: "نسيان القومية والدين شرط أساسي من شروط البحث العلمي".

إنه ذهب إلى أن نسيان القومية والدين شرط أساسي من شروط البحث العلمي، فإن كان أراد بذلك على الباحث ألا يخفى بعض الحق أو يتراخى في استيفاء الدليل العلمي محاباة لقوميته أو إرضاء لعاطفته فقد أصاب. أما إذا كان أراد أن الإنسان لا يستطيع أن يكون ذا عاطفة قومية أو دينية من غير أن يحابي أو يداجي في العلم فقد أخطأ ولم يصب، إن الإنسان يستطيع أن يراعي الدقة العلمية التامة في البحث وهو متذكر دينه كل التذكر ومعتقد صحته كل الاعتقاد. غير مجوز على قرآنه خطأ أو توراته. بل إن التدين

1 ص122 من كتاب النقد التحليلي.

ص: 373

الصحيح يزيد الباحث المخلص إن أمكن حرصًا على الحق واستمساكا به إذا وصل إليه. إن الباحث المتدين بين محبين في الحق: دينه وعلمه، ومبغضين في الباطل: دينه وعلمه، وكذلك فهو يحب الحق مرتين: مرة لدينه ومرة لعلمه، ويبغض الباطل مرتين كذلك، ولا خوف عليه مطلقا أن يخفي بعض الحق أو يدلس في البحث محاباة لدينه، إذ ليس الحق يخاف على دينه ولكنه الباطل، وهو يعلم أن دينه حق. يعلم ذلك علم مستيقن. ويعلم أن العلم قائم على قاعدة استحالة التنافي بين أجزاء الحق، فهو لا يخشى أبدًا أن يكشف البحث الصحيح عن حقيقة تنافي دينه ولذلك يمضي في أبحاثه آمنًا مطمئنا متبعا أقوام الطرق في البحث والتفكير.

فالتدين الصحيح والعلم الصحيح ممكن اجتماعهما إذن وكثيرًا ما اجتمعنا، كما أن العاطفة العلمية القوية والعاطفة الدينية القوية لا تتعارضان بل تتضافران في خدمة العلم.

ص: 374