الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: معركة الشعر الجاهلي
مدخل
…
الفصل الثالث: معركة "الشعر الجاهلي"
أثار صدور كتاب "الشعر الجاهلي" عام 1926 ضجة كبرى، هذه الضجة تتصل بالمشاعر الدينية من ناحية وبالصراع الحزبي من ناحية أخرى، وكانت نقطة الخطر فيه أنه ألقي على طلبة الجامعة. والجامعة يومها حديثة العهد، لم يمض عليها أكثر من عامين منذ ضمتها الحكومة إليها، كما كان صدى كتاب "الخلافة وأصول الحكم" الذي أصدره علي عبد الرازق لم يزل ماثلا في الأذهان.
والكاتبان متصلان بحزب الأحرار الدستوريين وجريدة السياسة التي كانت وقته تجمع الكتاب المجددين الذين يثيرون المعارك حول التجديد ويصطدمون بعلماء الأزهر والكتاب المحافظين، لذلك قامت معركة أدبية كبرى حول الشعر الجاهلي، فقد نشرت فصول في الصحف وصدرت مؤلفات في الرد على الكتاب بأقلام محمد فريد وجندي ومحمد لطفي جمعة ومصطفى صادق الرافعي وشكيب أرسلان ومحمد أحمد الغمراوي ويوسف الدجوي وعبد المتعال الصعيدي ومحمد عبد المطلب وعبد ربه مفتاح. وكما حملت جريدة السياسة لواء الدفاع عن طه حسين حملت جريدة كوكب الشرق لواء الحملة التي بدأها شكيب أرسلان في مقال كتبه من "روما 19 مارس 1926" تحت عنوان "التاريخ لا يكون بالافتراس ولا بالتحكم"، ثم بدأت مقالات الرافعي في 23 مارس 1926 وامتدت وتعددت حتى كانت بعد مادة كتابة "تحت راية القرآن: الرد على الشعر الجاهلي" واشتركت مختلف الصحف في هذه المعركة فنشرت الأهرام في 28 أبريل 1926 مقالا للشيخ عبد المطلب وصمتت جريدة السياسة حتى 13 مايو 1926 حينما نشرت كتاب طه حسين الذي ينص على أنه مسلم مؤمن بالله واليوم الآخر ثم عادت إلى الصمت حتى 16 مايو حيث نشرت حديث طه حسين مع جريدة فرنسية هي "الأنفورماسيون"، وكتب طه حسين مقالا في 16 يوليو 1926 في السياسة يهاجم الأزهر ونظام التعليم فيه.
ومن هذه المقالات التي نشرتها جريدة كوكب الشرق ما كتبه عبد المتعال الصعيدي "12 مايو" وإسماعيل حسن ومحمد أحمد العدوي 18 مايو و22 مايو و19 يونيه ويوسف الدجوي "21 مايو" وكانت هذه المقالات تحمل هذه العناوين: جماعة الملاحدة، مهزلة الجامعة المصرية، من يهد الله فهو المهتد: طه حسين يعادي التاريخ والعلم فوق عداوته للدين. حول
الدكتور طه حسين: نفسية شعوبية. شعوذية علي ديكارت. وعشرات المقالات بدون إمضاء.
وفي الأهرام كتب عبد ربه مفتاح بعنوان "الآن وقد عصيت قبل".
وامتدت المعركة في الصحف حتى شهر سبتمبر 1936 حين تحولت إلى استجوابات في البرلمان وتحقيقات في النيابة.
وقامت في هذه الفترة مظاهرات توجهت إلى مجلس الوزراء وخرج سعد زغلول ليخطب فيها ويقول "الأهرام 7 نوفمبر 1926": "إن مسألة كهذه لا يمكن أن تؤثر في هذه الأمة المتمسكة بدينها. هبوا أن رجلا مجنونا يهذي في الطريق فهل يضير العقلاء شيء من ذلك. إن هذا الدين متعين وليس الذي شك فيه زعيما ولا إماما حتى تخشى من شكه على العامة فليشك ما شاء ماذا علينا إذا لم يفهم البقر؟ ".
وقد كتب الدكتور طه مقالا واحدًا في هذه المعركة هو المقال الذي هاجم فيه تعليم الأزهر، وكتب زكي مبارك مقالا عن ديكارت ثم طلب الدكتور إلى بعض أصدقائه ومنهم زكي مبارك أن يكفوا عن الرد فقد كان المطلوب أن تمر العاصفة بسلام.
وصورت جريدة الأهرام الموقف على هذا نحو:
"من المسائل1 التي ثارت حولها الإشاعات مسألة كتاب الشعر الجاهلي الذي أخرجه الدكتور طه حسين الأستاذ بالجامعة واستنكر العلماء بعض ما احتواه من العبارات الماسة بالدين، فإن كثيرين من النواب يستنكرون بقاء الدكتور طه أستاذًا بالجامعة بعد أن اجتمعت كلمة العلماء على خروجه على الدين وكان صاحب الفضيلة النائب المحترم الشيخ مصطفى الغاياتي قد أعلن عزمه على استجواب رئيس الوزراء في هذا الشأن ثم بذلت مساع حثيثة لحمله على العدول عن الاستجواب ثم إبدال الاستجواب بسؤال نشرناه منذ أيام على أن يكون الرد عليه كتابة. ولم يرد رئيس الوزارة
1 12 سبتمبر 1926.
على السؤال وأشيع أن كثيرين من النواب سيعرضون مسألة الدكتور طه حسين على المجلس أثناء بحث الميزانية وقيل: إن بعضهم سيطلب إلغاء وظيفته فبذل أصدقاء الدكتور طه حسين مساعي حثيثة للوصول إلى إقناع الذين ينوون المطالب بالغاء الوظيفة بالعدول عن ذلك على أن يكتفي المجلس باستنكار عمل الأستاذ طه.
وحدث أمس أن ثارت المناقشة في مجلس النواب في شأن كتاب الشعر الجاهلي ومؤلفه وألقيت الخطب مما يراه القراء بنصه في محضر جلسة المجلس.
وقدم النائب المحترم عبد الحميد البنان نائب الجمالية اقتراحا من ثلاثة أقسام:
1-
إبادة كتاب الشعر الجاهلي.
2-
إحالة الدكتور طه حسين إلى النيابة.
3-
إلغاء وظيفته.
وقد سلم معالي وزير المعارف بالقسم الأول من الاقتراح وتكلم دولة عدلي باشا رئيس الوزراء عن القسم الثاني وجرت بينه وبين دولة الرئيس الجليل "سعد زغلول" مناقشة اشترك فيها وزير المعارف والحقانية انتهت بأن ذكر عدلي باشا أن قرار المجلس بإحالة المؤلف إلى النيابة يكون بمثابة اعتراض على تصرفات الحكومة وذكر مسألة الثقة بالوزارة.
وكان جو المجلس مملوءًا كهرباء فاقترح النائب الدكتور أحمد ماهر رفع الجلسة عشر دقائق للاستراحة ولما رفعت ذهب الرئيس الجليل إلى مكتبه بمجلس النواب وتبعه إليه عدلي باشا ورشدي باشا وبقيا معه عشر دقائق.
وكان دولة الرئيس الجليل سعد باشا متعبًا فاستقل سيارته إلى دراه واتفق بعض النواب على تأجيل الجلسة إلى غد.
وعلى إثر انصراف دولة سعد باشا قصد دولة عدلي باشا ومعه دولة رشدي
باشا إلى بيت الأمة كما قصد إليها صاحب المعالي فتح الله بركات باشا ومحمد محمود باشا وتكلم عدلي باشا عن ظروف الحادث وذكر أنه قام على سوء تفاهم فإنه لم يقصد تحدي المجلس في سلطته وبعد انصرافهما سألنا بعض الوزراء عن النتيجة فقالوا لنا: إن الحادث سوي وأصبح كأن لم يكن.
وقالت الأهرام: إنه في جلسة يوم الثلاثاء قال عبد الحميد البنان في مجلس النواب: "أنه قدم بلاغا إلى النيابة العمومية للتحقيق مع الدكتور طه حسين عما كتبه طعنًا على الدين الإسلامي وبناء على ذلك لم يبق محل للقسم الثاني من اقتراحي الذي قدمته أمس في المسألة. وبما أن مصادرة الكتاب لا يمكن أن تكون إلا بحكم وهذا تابع بطبيعة الحال للقضية المطلوب تحقيقها فإنه لم يبق محل للقسم الأول من اقتراحي".
وتولى محمد نور "بك" رئيس نيابة مصر التحقيق مع الدكتور طه حسين وحصره في أربعة أمور هي:
- أنه كذب القرآن في إخباره عن إبراهيم وإسماعيل.
- أنه أنكر القراءات السبع المجمع عليها فزعم أنها ليست منزلة من الله تعالى.
- أنه طعن في نسب النبي.
- أنه أنكر للإسلام أوليته في بلاد العرب وأنه دين إبراهيم.
وقال النائب العام في تقريره أن طه حسين أدلى بردود وأدلة على النقط الثلاثة، وأجاب ردًا عما إذا كان قد استنتج هذا الكلام أم نقله: "إن هذا
فرض فرضته دون أن أطلع عليه في كتاب آخر وقد أخبرت بعد أن ظهر الكتاب أن شيئا مثل هذا الفرض يوجد في بعض كتب المبشرين ولكن لم أفكر فيه حتى بعد ظهور كتابي.
وقد قال: إن كلامه ليس فيه طعن في نسب النبي وإن أورده بشكل غير لائق ولم يكن في بحثه ما يدعوه إلى إيراده بهذا الشكل.
وقال: إنه لا ينكر أن الإسلام دين إبراهيم ولا أن له أولية في بلاد العرب وأن ما ذكره هو رأي القصاص، فقد أنشئوا حوله كثيرا من الشعر والأخبار.
وقال عن القراءات: إن القرآن نزل بلغة قريش ولكن القراء من القبائل لم يكادوا يتناولونه بلهجاتهم حتى أمالوا فيه حيث لم تمل قريش.
وأنكر المؤلف في التحقيق أنه يقصد الطعن على هذا الدين وذكر أنه ورد في كتابه على سبيل البحث العلمي من غير تقييد بشيء. وأنه كمسلم لا يرتاب في وجود إبراهيم وإسماعيل ولا فيما جاء عنهما في القرآن، ولكنه كعالم مضطر أن يذعن لمناهج البحث فلا يسلم بالوجود العلمي التاريخي لإبراهيم وإسماعيل.
ورأى رئيس النيابة أن العقاب على الخطأ في الرأي مكروه ومن ثم حفظ القضية.
وصور الدكتور طه حسين موقفه من المعركة فيما بعد فقال في كتابه "في الصيف" أنه سافر في ذلك العام على كره من قوم لو استطاعوا لأمسكوني في مصر، وأنا الآن أسافر رغم هذا الشيخ الذي نهض في مجلس
الشيوخ يستصرخ المسلمين، ويستغيث برئيس الوزراء علي؛ لأني -فيما زعم مسخروه- عرضت الدين للخطر.
نعم، وزعم هؤلاء الشيوخ الأزهريين الذين أبرقوا إلى رئيس الوزراء من أقصى الصعيد يستغيثون به لأن الصحف نقلت إني عرضت الدين للخطر.
وقال الدكتور طه أنه سافر "مغيظا محنقا على هؤلاء الناس الذين يتخذون الدين والسياسة وسيلة للكيد وبث الفساد في الأرض ليعلموا أن الدين أثبت وأمكن من أن يعرضه للخطر رجل كائنا من كان".
وذكر الدكتور طه ذلك الرجل الذي لم يكن يعرفه إلا بما كان بينهما من خصومة سياسية عنيفة. والذي وقف أمام البرلمان وهو يتألف من كثرته الحزبية وقفة الحزم والمروءة والإباء والدفاع عن حرية الرأي "نعم إني لجاحد منكر للجميل إن نسيت موقف علي باشا الشمسي أمام النواب وأمام الشيوخ وأمام أولئك وهؤلاء من السعادة وأصحاب الكيد، لا يضطرب ولا يتردد ولا يفرط.
"أأذكر عدلي وموقفه يوم ثارت الثائرة؟ كلا فما كنت أنتظر من عدلي غير هذا. أأذكر ثروت وموقفه يوم استقلت فرفض الاستقالة. ويوم سعى إليه الساعون وكاد عنده الكائدون فأبى إلا أن يكون وفيًا شريفًا.
أهداف الكتاب:
استهل الدكتور طه حسين بحثه على هذا النحو:
هذا نحو من البحث عن تاريخ الجاهليين ولغتهم وأدبهم جديد، لم يألفه الناس عندنا من قبل، وأكاد أثق بأن فريقا منهم سيلقونه ساخطين عليه، وبأن فريقا آخر سيزورون عنه ازورارًا ولكني على سخط أولئك وازورار هؤلاء أريد أن أذيع هذا البحث. وبعبارة أصح أريد أن أفنده، فقد أذعته قبل اليوم حين تحدثت به إلى طلابي في الجامعة وليس سرًا ما نتحدث به إلى أكثر من مائتين.
ولقد اقتنعت بنتائج هذا البحث اقتناعا ما أعرف أن شعرت بمثله في تلك المواقف المختلفة التي وقفتها من تاريخ الأدب العربي، وهذا الاقتناع القوي هو الذي يحملني على تقييد هذا البحث ونشره في هذه الفصول، غير حافل بسخط الساخط ولا مكترث بازورار المزور وأنا مطمئن إلى أن هذا البحث وإن أسخط قومًا وشق على آخرين فسيرضي هذه الطائفة الثقيلة من المستنيرين الذين هم في حقيقة الأمر عدة المستقبل وقوام النهضة الحديث وفخر الأدب الجديد.
ونحن بين اثنين: إما أن نقبل من الأدب وتاريخه ما قاله القدماء لا يتناول ذلك من النقد إلا بهذا المقدر اليسير الذي لا يخلو منه كل بحث والذي يتيح لنا أن نقول: أخطأ الأصمعي أو أصاب وإما أن نضع علم المتقدمين كله موضع البحث. لقد أنسيت، فليست أريد أن أقول البحث وإنما أريد أن أقول الشك.
لا ينبغي أن تخدعك هذه الألفاظ المستحدثة في الأدب ولا هذا النحو من التأليف الذي قسم التاريخ إلى عصور ويحاول أن يدخل فيه شيئا من الترتيب والتنظيم فذلك كله عناية القشور والأشكال لا يمس اللباب ولا الموضوع.
وقال طه حسين إنهم لم يغيروا في الأدب شيئا أما أنصار الجديد فالطريق أمامهم موجة ملتوية تقوم فيها عقاب لا تحصى. وهم لا يطمئنون إلى ما قال القدماء وإنما يلقونه بالتحفظ والشك. وأن النتائج اللازمة لهذا المذهب الذي يذهبه المحددون عظيمة جليلة الخطر فهي إلى حياة المسلمين وميولهم وأهوائهم أكثر مما تمثل حياة الجاهلية.
وصور طه حسين منهج البحث فقال: إنه سيسلك إلى هذا البحث منهج ديكارت الذي يطالب الباحث بأن يتجرد من كل شيء كان يعمله من قبل. وأنه ينسى عواطفه القومية والدينية وألا يتقيد بشيء ولا يذعن لشيء، وقال: إن علينا أن ندرس الأدب العربي غير حافلين بتمجيد العرب أو الغض منهم ولا وجلين حين ينتهي بنا هذا البحث إلى ما تأباه القومية أو تنفر منه الأهواء السياسية.
ثم صور طه حسين هدفه في كتاب الشعر الجاهلي فقال:
إنه إنما يرمي إلى تحرير الأدب العربي من القيود التي تربطه بالعلوم العربية والعواطف الدينية وحتى يدرس الأدب لنفسه دون أن يكون وسيلة لفهم القرآن والحديث، وقال: إنه يريد أن يدرس تاريخ الآداب في حرية وشرف كما يدرس العلم الطبيعي وعلم الحيوان والنبات قال: من الذي يستطيع أن يكلفني أن أدرس الأدب لأكون مبشرًا بالإسلام أو هاديا للإلحاد وأنا لا أريد أن أبشر ولا أريد أن أناقش الملحدين.
النصوص موضع الاعتراض:
1-
للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضًا ولكن ورود هذين الاسمين في التوارة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي، فضلا عن أثبات هذه القصة التي تحدثنا بهجرة إسماعيل بن إبراهيم إلى مكة. ونشأة العرب المستعربين فيها ونحن مضطرون إلى أن نرى في هذه القصة نوعا من الحيلة في إثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة، وبين الإسلام واليهودية والقرآن والتوارة من جهة أخرى فهي حديثة العهد ظهرت قبيل الإسلام واستغلها الإسلام بسبب ديني وسياسي أيضًا. فيستطيع التاريخ الأدبي واللغوي ألا يحفل بهما عندما نريد أن نتعرف أصل العربية، ونستطيع أن نقول: إن الصلة بين اللغة العربية الفصحى التي كانت تتكلمها العدنانية واللغة التي كانت تتكلمها القحطانية في اليمن كالصلة بين اللغة العربية وأي لغة من اللغات السامية وأن قصة العاربة والمستعربة وتعلم إسماعيل من "جرهم" كل ذلك أحاديث أساطير لا خطر لها ولا عناء فيه "ص26 من كتاب الشعر الجاهلي".
2-
ونوع آخر من تأثير الدين في انتحال الشعر وإضافته إلى الجاهليين وهو ما يتصل بتعظيم شأن النبي من ناحية أسرته ونسبه من قريش فلأمر ما اقتنع الناس بأن النبي يجب أن يكون صفوة بني هاشم وأن يكون بنو هاشم صفوة بني عبد مناف وأن يكون بنو مناف صفة بني قصي، وأن تكون قصي صفوة بني قريش، وقريش صفوة مضر، ومضر صفوة عدنان، وعدنان صفوة العرب والعرب صفوة الإنسانية "ص72 من الشعر الجاهلي".
3-
وشاعت في العرب أثناء ظهور الإسلام وبعده، فكرة أن الإسلام يحدد دين إبراهيم، ومن هنا أخذوا يعتقدون أن دين إبراهيم هذا قد كان دين العرب في عصر من العصور، ثم أعرضت عنه لما أضلها المضلون وانصرفت إلى عبادة الأوثان "ص81 من الكتاب".
دفاع الدكتور طه 1 عن نفسه:
حديث طه حسين مع جريدة "الألفورماسيون":
إن الأستاذ الذي يلقي دروسه بأمانة كثيرا ما يعرض له في المادة التي يدرسها ملاحظات ومباحث شخصية كما تعرض له في بعض الأحايين نظريات أيضا وطبيعي جدا أن يجمع هذه الملاحظات ويصوغها في قالب تحليلي يعرضه مع شيء من التفصيل على زملائه.
طلبت مدفوعا بسبب مهنتي إلى أولئك الذين لا يعرفون مناهج النقد المدنية والبحث الحر ألا يقرءواكتابا لم يكتب لهم.
خصومي فريقان، رجال الدين ومعلموا الآداب في مدارس الحكومة،
1 مايو 1916 السياسة اليومية.
رجال الدين يرمونني بالإلحاد على أن 98 في المائة ممن يتهموني لم يقرءوا كتابي.
إن الآداب تعتبر لدينا حتى اليوم علما تابعا للدين فأي بلد في العالم يتهم في القرن العشرين بالإلحاد أستاذا يريد أن يدرس الآداب ذاتها.
طه حسين؛ خطران:
وكتب طه حسين مقاله الوحيد السياسة الذي هاجم فيه خصومه الأزهريين طالبا إلغاء الأزهر.
أولهما1 الجهل وثانيهما الجمود وكلاهما عقبة كئود في سبيل الحياة الدستورية الصالحة في سبيل الحياة الصالحة من حيث هي.
أحب ألا يغضب صاحب الفضيلة مولانا الأكبر شيخ الجامع الأزهر ومن حوله من الشيوخ. وأنا أريد أن أصارح البرلمانيين والذين إليهم أمور مصر في هذه الأيام بأن في مصر شرًا عظيما هو جمود الشيوخ.
إن واجبهم الوطني يقضي عليهم أن يتخذوا من الوسائل التشريعية والسياسية ما يحول بين الشيوخ وبين التسلط على الحياة العقلية والعلمية والسياسية.
والأمر الثاني، هو استئصال هذا الجمود ووقاية الأجيال الحاضرة والمقبلة من شره.
وأؤكد للبرلمان أن الشر مستمر متضاعف ما دام الأزهر قائما كما هو وأنا لا أريد أن أتدخل في شئون الأزهر.
إن حياتنا العقلية والعلمية لن تصلح ولن تتجه إلى خير ما دام في مصر نوعان من التعليم يقف كلاهما في وجه صاحبه عدوا مبينا وخصما عنيدًا.
1 16يوليو 1626 "السياسة اليومية".
التعليم المدني في مدارس الحكومة وما إليها والتعليم الديني في الأزهر وملحقاته؛ هذان النوعان من التعليم يخرجان لمصر في كل عام جيشين مستعدين للخصام: أحدهما جيش المتعلمين الطامحين إلى المثل الأعلى الراغبين في الاتصال بحياة العالم الحديث والآخر جيش الجامدين المتعصبين الذين ركبت رءوسهم مدارة إلى الوراء، فهم ينظرون إلى أمس بينما ينظر خصومهم إلى غد، وسيظل هذان الجيشان في خصومة وحرب حتى يظفر أحدهما، وليس من شك في أن جيش التعليم المدني هو المنتصر، ولكن انتصاره سيكون بعيدا وسيكون عنيفا وسيكلف مصر ضروبا من الضحايا إذا تركت الأمور في مصر بحيث هي الآن.
نحن بين أمرين إما أن ندع الأزهر كما هو والمدارس المدنية كما هي وأن ندع مصر تعاني هذه الخصومة المنكرة بين فريقين من أبنائها لكل منهما عقلية خاصة وفهم للحياة خاص وأن نتحمل ما يستتبعه هذا الإهمال من النتائج، وإما أن نحتاط لحماية مصر من هذه النتائج.
ولنا إلى ذلك سبيلان: أحدهما إصلاح الأزهر "وليس إليه كما أعتقد سبيل" ويجب أن نلاحظ أن طلاب الأزهر وملحقاته يعدون بالألوف أو عشرات الألوف فهم في حقيقة الأمر قوة لا يستهان بها في حياة الأمة فإذا نحن تركناهم كما هم أضعنا على الأمة عددا ضخما من أبنائها وأعددنا في الوقت نفسه جيشًا ضخما يحارب العمل ويحارب الحرية ويحارب العلم نفسه.
ينبغي أن نمهد السبيل لطلاب الأزهر وملحقاته حتى يستطيعوا أن يتحولوا إلى التعليم المدني أو أن يجمعوا بينه وبين التعليم الديني وسبيل ذلك:
أن يحال بين مناصب الدولة وبين الذين لا يحصلون على الشهادات المدنية مهما تكن هذا المناصب بحيث لا ينهض للقضاء الشرعي إلا من حصل على الليسانس ولا للتعليم إلا من حصل على دبلوم المعلمين العليا.
جريدة السياسة وكتاب الشعر الجاهلي 1:
رجال الدين وحركاتهم السياسية:
لما صدر كتاب الدكتور طه حسين "في الشعر الجاهلي" وتناوله حضرات رجال الدين بالنقد لم نرد أن ندخل في جدل أو مناقشة لنؤيد حرية الرأي أو البحث العلمي ولو كان صاحبه مخطئا وآثرنا أن يتلافى أولو الأمر الخلاف بالحكمة والأناة.
فلما طلب بعض المشايخ محاكمة الدكتور طه حسين وإخراجه من الجامعة ومصادرة كتابه أفهمهم من بيدهم الأمر أن ليس في الكتاب ما يحاكم عليه وأعلن الدكتور طه للناس أنه يؤمن بالله وكتبه واليوم الآخر. واتفق على أن تشتري الجامعة الكتاب فلا تتداوله أيدي الناس.
ولم يكن أحد يتوقع أن تثور مسألة الدكتور طه وكتابه من جديد، ولكن حضرات العلماء تحركوا في المرة الأولى لم يدعوا الوزارة تطمئن إلى مجالسها في الحكم ثلاثة أيام حتى قدموا عرائض يطلبون فيها فصل الدكتور طه من الجامعة ومصادرة كتابه وإحالته إلى المحاكمة.
وكنا نود أن الوزارة قوية غاية القوة مؤيدة أشد التأييد وأن محاولتهم إحراجها على هذه الصورة لن تصل بهم إلى أية نتيجة، وأنهم يقصدون
1 السياسة 7 يوليو 1929.
لغايات خاصة أو لإفساد الجو السياسي مما لم يستطيعوا الوصول إليه، وإنا لنود مخلصين أن يذر المشايخ هذه السياسة التي لا تفيدهم ولا تفيد أحدًا والتي تحرجهم ولا تحرج أحدا وأن ينصرفوا إلى التفكير في إصلاح حال المسلمين الدينية.
من محضر جلسة مجلس النواب
عبد الخالق عطية 1:
حدث يا حضرات الأعضاء حادث بالجامعة المصرية وقام من ناحيتها صوت أفقدها عطف الكثيرين فقد أدى إلى فتنة أو كاد والأشد والأنكى أن البلاد لم ينلها حظ ولم تنلها مصالح ظاهرة من إثارة ذلك الموضوع.
أظن أنكم فطنتم إلى ما أريد وتبينتم أن الصوت المعني بقولي هذا هو كتاب الشعر الجاهلي الذي تضمن طعنا ذريعا على الموسوية الكريمة والعيسوية الرحيمة وعلى الإسلام دين الدولة بنص الدستور.
إن تصرف هذا الشخص كان أيضا مخالفا للذوق فإنه مدرس بالجامعة المصرية وهي معهد أميري يعيش من أموال الحكومة وهو يتقاضى مرتبه من هذه الهيئة التي دينها الإسلام فلم يكن من المفهوم ولا من المعقول أن يقوم هذا الشخص فيبصق في وجه الحكومة.
إننا إذ نسلم أولادنا للحكومة ليتعلموا في دورها نفعل ذلك معتمدين على أن بيننا وبينها تعاقدًا ضمنا على أن الديانات محترمة.
وأغرب ما في هذا التصرف إن صح ما بلغني أن إدارة الجامعة اشترت
1 اقرأ محضر جلسة المجلس في الأهرام 14 سبتمبر 1926.
من مؤلف هذا الكتاب كتابه، اشترته من أموال الأمة الموتورة بهذا العمل، فإن كان هذا الكتاب سيدرس في الجامعة فتلك ثالثة الأثافي.
وزير المعارف: إننا لا نرمي أن تكون كراسي الأساتذة منابر تلقى منها المطاعن في أي دين من الأديان، وحادث كتاب الشعر الجاهلي وقع في عهد الوزارة السابقة، وقال مدير الجامعة: إن الجامعة منعت انتشار الكتاب بشراء جميع النسخ من المكاتب وحصرتها في مخازنها.
الشيخ القاياتي: الحق إنه ما كان من المظنون أن يوجد بين المسلمين في مصر من يجرؤ على الدين إلى هذا الحد الذي بلغه الشيخ طه حسين. قبائح متعددة ما بين تكذيب لصحيح التاريخ وتكذيب لنصوص القرآن ونسبة والتحايل إلى الله وإلى النبي وإلى موسى.
ثم اقترح عبد الحميد البنان مصادرة الكتاب وتكليف النيابة برفع الدعوى على طه حسين وإلغاء وظيفته في الجامعة.
من تقرير النائب عن طريقة طه حسين في الكتابة:
إن الذي1 نريد أن نشير إليه إنما هو الخطأ الذي اعتاد أن يرتكبه المؤلف في أبحاثه حيث يبدأ بافتراض بتخيله ثم ينتهي بأن يرتب عليه قواعد كأنها حقائق ثابتة. كما فعل في أمر الاختلافات بين لغة حمير وبين لغة عدنان، ثم في رسالة إبراهيم وإسماعيل وهجرتهما إلى مكة وبناء الكعبة.
أما إذا رأى المؤلف في بحثه إنكار شيء فيقول: لا دليل عليه
1 الفتح 12 مايو 1927 العدد 45.
من الأدلة التي تطلبها الطرق الحديثة للبحث حسب الخطة التي رسمها في منهج البحث.
"الشك في وجود إبراهيم وإسماعيل" سئل الأستاذ في التحقيق عن أصل هذه المسألة، فقال هذا فرض فرضته أنا دون أن أطلع عليه في أي كتاب آخر، وقد أخبرت بعد أن ظهر الكتاب أن شيئا مثل هذا الفرض يوجد في كتب المبشرين "هذا المبشر هو هاشم العربي".
وقد يكون للمبشر عذره في سلوك هذا السبيل لأن وظيفته التبشير لدينه وهو غرضه الذي يتكلم فيه. ولكن ما عذر المؤلف في طرق هذا الباب، وما هي الضرورة التي ألجأته أن يرى في هذه القصة نوعا من الحيلة.
"الافتراض في أول الأمر ثم الجزم كأنما هي حقيقة".
عندما سألناه في التحقيق عن السبب الذي دعاه أخيرًا لأن يقرر بطريقة تفيد الجزم بأن القصة حديثة العهد ظهرت قبيل الإسلام قال "هذه العبارات إذا كانت تفيد الجزم فهي إنما تفيده إن صح الغرض الذي قامت عليه وربما كان فيها شيء من الغلو ولكني أعتقد أن العلماء جميعا عندما يفترضون فروضا علمية يبيحون لأنفسهم مثل هذا النحو من التعبير.
تورط المؤلف في هذا الموقف الذي لا صلة بينه وبين العلم لغير ضرورة يقتضيها بحثه ولا فائدة يرجوها.
لا نفهم كيف أباح المؤلف لنفسه أن يخلط بين الدين وبين العلم
وهو القائل بأن الدين يجب أن يكون بمعزل عن هذا النوع من البحث الذي هو بطبيعته قابل للتغيير والنقص والشك والإنكار.
وإننا حين نفصل بين العلم والدين نضع الكتب السماوية موضع التقديس ونعصمها من إنكار المنكرين وطعن الطاعنين ولا ندري لم يفعل غير ما يقول في هذا الموضوع؟