المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثالث: معركة الصفاء بين الأدباء - المعارك الأدبية

[أنور الجندي]

فهرس الكتاب

- ‌مدخل

- ‌أولا: معركة مفاهيم الثقافة

- ‌ثانيا: معركة مفاهيم الأدب

- ‌ثالثا: معركة مفاهيم الأدب

- ‌الباب الأول: معارك الوحدة والتجزئة

- ‌معركة الوحدة العربية

- ‌مصر بين العربية والفرعونية:

- ‌معركة العروبة والمصرية:

- ‌الباب الثاني: معارك اللغة العربية

- ‌مدخل

- ‌تمصير اللغة العربية:

- ‌مجمع اللغة، ما هي مهمته

- ‌معركة الكتابة بالحروف اللاتينية:

- ‌الباب الثالث: معارك مفاهيم الثقافة

- ‌مدخل

- ‌ثقافة الشرق ثقافة الغرب:

- ‌معركة بين فيلكس فارس وإسماعيل أدهم:

- ‌لا يتنيون وسكسونيون: بين العقاد وطه حسين

- ‌النزعة اليونانية بين زكي مبارك وطه حسين:

- ‌كتابة السيرة" بين التاريخ والأسطورة:

- ‌كتابة التاريخ: بين رفيق العظم وطه حسين

- ‌معركة الترجمة: بين منصور فهمي وطه حسين

- ‌آداب الساندويتش: بين الزيات والمازني والعقاد

- ‌أدبنا: هل يمثلها؟ بين أحمد أمين وأمين الخولي

- ‌غاية الأدب: ما هي؟ بين زكي مبارك وسلامة موسى

- ‌متى يزدهر الأدب؟ معركة بين لطفي جمعة وزكي مبارك:

- ‌الأدب المكشوف: بين توفيق دياب وسلامة موسى

- ‌التراث الشرقي؛ يكفي أو لا يكفي؟: بين عبد الرحمن الرافعي وعباس محمود العقاد

- ‌ثقافة دار العلوم: بين أحمد أمين ومهدي علام

- ‌الباب الرابع: معارك الأسلوب والمضمون

- ‌الأسلوب والمضمون: بين الرافعي وسلامة موسى وطه حسين

- ‌أسلوب الكتابة: معركبة بين شكيب أرسلان وخليل سكاكيني

- ‌أساليب الكتابة؛ بين شكيب أرسلان ومحمد كرد علي:

- ‌الباب الخامس: معارك النقد

- ‌الفصل الأول: أسلوب طه حسين

- ‌الفصل الثاني: مقومات الأدب العربي

- ‌الفصل الثالث: مذهبان في الأدب:

- ‌الفصل الرابع: بين النقد الذاتي والموضوعي

- ‌الفصل الخامس: الأدب بين التجديد والانحراف

- ‌الفصل السادس: هل نقتبس أم نقلد

- ‌الفصل السابع: معركة فقدان الثقة

- ‌الفصل الثامن: الفن للفن والفن المجتمع

- ‌الباب السادس: معارك النقد حول الكتب

- ‌الفصل الأول: رسالة منصور فهيم الدكتوراه

- ‌الفصل الثاني: الخلافة وأصول الحكم

- ‌الفصل الثالث: معركة الشعر الجاهلي

- ‌مدخل

- ‌نماذج من حملات المعركة:

- ‌تجدد معركة الشعر الجاهلي:

- ‌الفصل الرابع: كتاب "النثر الفني

- ‌الفصل الخامس: كتاب "أوراق الورد

- ‌الفصل السادس: كتاب ثورة الأدب

- ‌الفصل السابع: "كتاب" مع المتنبي

- ‌الفصل الثامن: معركة مستقبل الثقافة

- ‌الباب السابع: المعارك بين المجددين والمحافظين

- ‌الفصل الأول: معارك الرافعي

- ‌الفصل الثاني: معركة فضل العرب على الحضارة

- ‌الفصل الثالث: الدين والمدينة

- ‌الفصل الرابع: التغريب

- ‌الفصل الخامس: حقوق المرأة

- ‌الفصل السادس: معركة حول التراث القديم

- ‌الفصل السابع: معركة الخلاف بين الدين والعلم

- ‌الفصل الثامن: جمال الدين الأفغاني ورينان

- ‌الفصل التاسع: خم النوم

- ‌الفصل العاشر: بين النقد والتقريط

- ‌الباب الثامن: معارك بين المحافظين حول اللغة

- ‌المعركة الأولى:

- ‌المعركة الثانية:

- ‌المعركة الثالثة:

- ‌الباب التاسع: معارك نقد الشعر

- ‌الفصل الأول: بين شوقي ونقاده

- ‌الفصل الثاني: بين عبد الرحمن شكري والمازني

- ‌الفصل الثالث: إمارة الشعر

- ‌الفصل الرابع: ديوان وحي الأربعين

- ‌الباب العاشر: معارك النقد بين المجددين

- ‌الفصل الأول: بين التغريب والتجديد

- ‌الفصل الثاني: معركة الكرامة

- ‌الفصل الثالث: معركة الصفاء بين الأدباء

- ‌الفصل الرابع: معارك النقد

- ‌الفصل الخامس: بين زكي مبارك وخصومه

- ‌الفصل السادس: مبارك ينقد كتابه

- ‌الفصل السابع: بين العقاد وخصومه

- ‌الفصل الثامن: بين سلامة موسى وخصومه

- ‌الفصل التاسع: بين المازني وخصومه

- ‌الفصل العاشر: معارك أدبية؛ بين الدكتورين هيكل وطه حسين

- ‌الفصل الحادي عشر: معركة لقمة العيش

- ‌الفصل الثاني عشر: بين شباب الأدب وشيوخه

- ‌محتويات الكتاب:

الفصل: ‌الفصل الثالث: معركة الصفاء بين الأدباء

‌الفصل الثالث: معركة الصفاء بين الأدباء

بين توفيق الحكيم وزكي مبارك والعقاد والزيات:

كان توفيق الحكيم قد دعا على صفحات "مجلة الرسالة" إلى الصفاء بين الأدباء، فأثارت دعوته صراعا وسجالا عجيبا، كأنما تفتحت له أبواب الخصومة والعراك، ذلك أن زكي مبارك انبرى له وقال: إنه إنما يقصده بهذه العبارة، وقال توفيق الحكيم: إنه ما من أديب واحد يعنيه بهذه الكلمة وإنما هي كلمة عامة للنفع العام ثم كشف عن حقيقة الأمر فقال: إن الذي أوحى له بها هو مقال العقاد الذي يشكر فيه طه حسين إهداءه إليه دعاء الكروان وقال: وفي الحق أني لم أجد بالمقال الرقة التي كنت أنتظرها واستأت في نفسي من الأستاذ العقاد بعض الاستياء وأنا الذي يعتقد أنه يخفي وراء قناع الكبر والتكبر نفسا طيبة تتفجر إذا اطمأنت بأجمل عاطفة وأنبل إحساس.

واتسع نطاق المعركة حتى هدد توفيق الحكيم بالانقطاع عن الأدب وانحنى بالملائمة على صاحب الرسالة إطلاق قلم زكي مبارك؛ وهذه ملامح المعركة:

1-

توفيق الحكيم؛ تواضع الأديب الحق 1:

مما يسترعي الالتفات أحيانا تلك اللغة التي يخاطب بها بعض الأدباء زملاءهم فتراهم يقولون "زميلنا أو صديقنا فلان يطلب إلينا كذا ونحن نقول له كذا والأجدر أن يسألنا كذا" إلى آخر هذا الكبر والتكبر في التعبير.

هؤلاء نسوا من غير شك أن تكبر الأديب الحق وتعاليه هو في الفكر والتفكير لا في مخاطبة الآخرين. إني أرى شعار الأديب الحق هو "تواضع في معاملة الناس وتعال في معالجة الأفكار"؛ لقد آن الآوان لأذكياء الشعراء أن يقفوا بالمرصاد لكل أديب يحاول أن يتعاظم بالحط

1 الرسالة 2 مارس 1942.

ص: 607

من قدر غيره وأن يرفع قدر نفسه بوسائل لا تتصل بجوهر الرسالة العليا للفكر والآداب.

حدث ذات مرة أن تفضل أحدهم فذكرني بقوله: صديقنا فلان، فتساءلت أهو يريد أن يشرفني بصداقته أم يشرف نفسه بتعظيمها على حسابي.

يقولون: إن الذوق شيء ليس الكتب، ولكني أقول: إن الذوق شيء ينبغي أن يكون في طبيعة كل كاتب.

2-

من زكي مبارك إلى توفيق الحكيم 1:

صديقي العزيز!

قرأت لك في الرسالة منذ أسابيع كلمة صغيرة تذكر فيها أن في مصر كاتبا قال في سياق حديثه إنه صديقك، وأنك تنكر أن يشرف الناس أنفسهم بالانتساب إليك، ولم يخطر في البال أني مقصود بتلك الغمزة؛ لأني أعرف أن منزلتي في نفسك لا تبيح لك أن تقع في مثل هذا الخطأ، ولكن ناسا حدثوني إنك تريدني بتلك الكلمة الصغيرة، وقد أردت أن أستوثق من نيتك، فكان جوابك أن تلك الغمزة موجهة إلى فلان فهل أجد عندك من الشجاعة ما تقوى به على التصريح باسم ذلك الفلان، أوضح، أوضح، فإن لم تفعل فسأنوب عنك في الإيضاح، صنع الزمن ما صنع، واستطال الدهر ما استصال، فمن يعزيني وقد استباح بعض الناس أن يكتب كلمة توهم أنه أكبر من أن يكون صديقي.

1 الرسالة 13 أبريل 1943.

ص: 608

3-

الصفاء بين الأدباء؛ توفيق الحكيم 1:

كتب: قد نشرت في الرسالة كلمة، وظاهر من روح هذه الكلمة أني أحض على توثيق صلات المودة الصادقة بين الأدباء بدعوتهم إلى نبذ الألفاظ التي قد تحدث في نفوس زملائهم شيئا من الامتعاض، ولكن الدكتور زكي مبارك فهم الأمر على وجه آخر.

ثم سألني؛ فقلت: أديب واحد قد عنيته بالذات، إنما هي كلمة عامة للنفع العام ولئن كان لا بد من مناسبة أوحت بهذه الكلمة فربما كانت مقالة الأستاذ عباس العقاد التي يشكر فيها الدكتور طه إهداءه إليه "دعاء الكروان".

وفي الحق إني لم أجد بالمقال الرقة التي كنت أنتظرها واستأت في نفسي من الأستاذ العقاد بعض الاستياء، وأنا الذي يعتقد دائما أنه يخفي وراء قناع الكبر والتكبر نفسا طيبة تتفجر إذا اطمأنت بأجمل عاطفة وأنبل إحساس. فالذي يستطيع التأثير في نفوسنا بكتاباته الإنسانية عن الكلب بيجو لا بد أن يحمل نفسا خليقة أن تفيض بالمودة نحو إنسان.

تلك هي المناسبة يا دكتور زكي، ولكنك شئت أن تحمل الكلمة على أنها غمزة مني لك، وأنا أبعد الناس عن الغمزات خصوصا إذا تعلق الأمر بشخصي فأنا لم أنشر قط يوما كلمة تعمدت بها إيذاء أديب في شعوره، أنا الذي يخرج على مهاجمة المبادئ والنظم إلى حد التعرض للخطر، لا أجد من اللائق بأديب أن يهاجم أديبا ليخدشه في كرامته. لأن الأدب قبل كل شيء مودة ومحبة ورحمة وصباء، على هذا الوجه فهمت دائما الأدب هو صنع

1 الرسالة 20 أبريل 1942.

ص: 609

الجمال، وعلى الذين يصنعون الجمال أن ينطووا على نفوس جميلة، وأنا الذي لا يختلط بالناس والأدباء إلا قليلا لما في طبيعتي من وحشة وكآبة أشكو منهما تجدني مع ذلك أحب الأدباء وأقدرهم ولا أقول فيهم قولة سوء؛ غير أني أيها الصديق العزيز وأنت تأخذ كلمتي على أنها موجهة إليك قد ذكرت لي أسباب ظنك فتحريتها بعد انصرافك، فاتضح لي أنك على حق وأن الكلمة ينبغي أيضا أن تنصرف إليك فقد تستعمل أداة التعظيم في مخاطبة الزملاء من الأدباء فماذا يضجرك أن أشكو منك ومن كل أديب يسهو عن واجبات التواضع والمودة والمحبة التي تؤلف بين نفوس الأدباء جميعا ويجعل منهم دولة متحدة مقرها حديقة الصفاء الغناء.

وليسمح لي الدكتور بأن أوجه إليه كلاما وجهته إلى الأستاذ أحمد أمين منذ ستة أعوام فقد تثمر بهمته ما فيه من فكرة خيرة، لقد قلت وقتئذ: لا شيء في الوجود أقوى من الابتسامة ولكن من ذا الذي أعطى القدرة على الابتسام الصافي الجميل في كل موقف وفي كل حين أهو الجبار وحده، ألا ترى معي الجبروت إنما هو الصفاء.

"إذا أردت أن تسلك طريق السلام الدائم، فابتسم للقدر إذا بطش بك ولا تبطش بأحد" تلك كلمة لعمر الخيام فإن كنت في رأي من هذا فإن لي عندك حاجة "أن تنثر معي تلك الابتسامة بين الأدباء فإن الأدب شيء جميل؛ هو جنة لا صخب فيها وهو معبد لا تدخله الأحقاد، وأن ظاهرة في أدبنا أنه لا توجد فيه صداقات عظيمة جديرة بأن يتحدث عنها تاريخ الأدب، ما الذي يعوزنا نحن؟ أهو شيء في الخلق؟ أم ضعف في النفس؟ أم هو نقص في الصحافة؟ لست أعلم.

ص: 610

4-

من العقاد إلى توفيق الحكيم:

عندي تعليق على كلمة عجيبة سبق إلى كتابتها الأستاذ توفيق الحكيم وهو في قبضة الأديب الفلاح الدكتور زكي مبارك، فقال كلاما لا يحسن السكوت عليه.

فلماذا قال؟ قال ما معناه أنه "صعب عليه" لأنه لم يجد في شكري للدكتور طه حسين تلك الرقة التي كان ينتظرها لا أدري ولا أعتقد أن الدكتور طه اهتم بأن يدري أو احتاج إلى رقة الأستاذ توفيق الحكيم التي أوشكت أن تسيل عبراته، لم؟ والله لا أدري، وقد أدري ويدري القارئ معي بعد قليل.

فعندي قصة صغيرة أهديها إلى الأستاذ توفيق الحكيم لأنه رجل قصتي يجب أن يخاطب بأسلوبه.

وهي قصة لا تتجاوز بضعة سطور ولكنها تفيد.

قيل إن الدكتور طه حسين خرج من وظيفته بالجامعة المصرية قبل سنوات وقيل: إنه أثنى على الأستاذ توفيق الحكيم في بعض ما كتب وهو على جفوة رؤساء تلك الأيام وقيل: إن الأستاذ توفيق الحكيم أشفق من مغبة تلك الجفوة فكتب يقول: إنه لا يريد مدحًا من أحد، وكان رفيعا جدًا فيما قال وأدرك شهر زاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح وقيل في قصة أخرى؛ لأن القصة الأولى انتهت والحمد لله. إن الأستاذ توفيق الحكيم يسيل رقة حين ينكر أن الدكتور طه حسين رفع من شأنه بما كتب عنه لأنه أطنب في وصف أديبه وفي وصف أديب، فلم يرفع من شأنهما على ما يزعم، وهما في الحق أرفع شأنا عند أناس كثيرين من صاحبنا الحكيم.

وأدرك شهر زاد الصباح أو المساء على قصة أخرى تمثل اليوم مع العقاد

ص: 611

لأن خصومته قد تشبه خصومة الدكتور طه حسين قبل سنوات، فما الرأي في تمثيلية تشتمل على فصول كهذه الفصول؟ أليس في التمثيل هوى لصاحبنا الحكيم؟

5-

الحكيم: خصومات أدبية 1

من كان يتصور أن دعوتي إلى الصفاء بين الأدباء تثير خصومات أو ذكريات عن خصومات فلقد كتب الأستاذ العقاد في الرسالة.

والتعليق على هذه القصة الطريفة لا يحتاج إلى عناء؛ لأن الأساس الذي بنيت عليه، وهو شبهة الخصومة بيني وبين العقاد قد انهار في اليوم ذاته الذي ظهر فيه مقالي، فقد طلع لحسن الحظ في مجلة الثقافة في مساء ذلك النهار تحية مني للعقاد وثناء على كتابه عبقرية محمد بما هو أهله.

يضاف إلى ما تقدم "أن ما يدريه العارفون أوشك أن يدريه غير العارفين" هو أني موقفي اليوم يشبه في كثير من الوجوه موقف العقاد، وأن بين المجلات والصحف والأقلام ما يعلن تجريحي وخصومتي بمختلف الأسباب لعين الأغراض.

إن حقيقة الخصومة بيني وبين طه حسين في تلك الأيام "عام 1934" كانت خصومة أدبية صرف، ولكن الدكتور طه أراد أن يقحم فيها عنصر السياسة ليظهرني في صورة "يهوذا" ويظهر نفسه في صورة "المسيح" فاخترع تلك القصة اختراعا ولكن الحقيقة ما لبثت أن ظهرت واضحة بينة.

وهناك قصة أخرى للأستاذ العقاد ومهداة إلي أيضا، وربما احتاجت

1 الرسالة 11 يوليه 1924.

ص: 612

إلى تعليق طويل لأنها تمس قضية أدبية تحدث في جميع الآداب في كل زمان، تلك هي قصة الناقد والكاتب، فقد ذكر الأستاذ العقاد أني أنكر أن الدكتور طه رفع من شأني بما كتب عني، وأنا حقا أنكر ذلك كل الإنكار ومن يحرص على كرامة الفن لا يسعه أن يقول غير هذا القول، فما من مخلوق على الأرض يرفع أو يخفض من شأني غير فني، ولما ترجم هذا الفن أو بعضه إلى لغات أجنبية وجد من أعلام نقادها من يرفع شأنه كما وجد من اللغة العربية طه وأمثاله.

فالفن هو الذي يكرم نفسه أو يمتهنها في كل مكان وزمان يحل فيهما. حقا؛ إن الدكتور طه حسين استقبل كتاب أهل الكهف استقبالا رائعا، ولكن لا ينبغي أن ننسى غيره، فبمراجعة تاريخ الحوادث يتضح أن أول من نوه بالكتاب تنويها جميلا كان الشيخ مصطفى عبد الرازق ثم الأستاذ المازني ثم الأستاذ العقاد على هذا الترتيب، فلما اطمأن طه حسين إلى آراء هؤلاء أقبل فصاح صيحته المشهورة كأنها صيحة "يوحنا المعمدان" وهو يبشر بالمسيح فقد قال بهذا النص:"أما قصة الكهف فحادث ذو خطر لا أقول في الأدب العربي المصري وحده بل أقول في الأدب العربي كله وأقول هذا من غير تحفظ ولا احتياط وأقول هذا مغتبطا به مبتهجا له، وأي محب للأدب العربي لا يغتبط ولا يبتهج حين يستطيع أن يقول وهو واثق بما يقول: إن فنا جديدًا قد نشأ فيه وأضيف إليه، وأن بابا جديدًا قد فتح للكتاب وأصبحوا قادرين على أن يلجوه وينتهوا منه إلى آماد بعيدة رفيعة ما كنا نفكر أنهم يستطيعون أن يفكروا فيها الآن". نعم هذه القصة حادث ذو خطر يؤرخ في الأدب العربي عصرًا جديدًا.

ص: 613

ويمكن أن يقال: إنها أغنت الأدب العربي وأضافت إليه ثروة لم تكن له: ويمكن أن يقال: إنها قد رفعت من شأن الأدب العربي وأتاحت له أن ينبث للآداب الأجنبية الحديثة والقديمة".

ولنسلم بأن طه حسين هو المشيد الأول بشأن أهل الكهف ومؤلفها فهل هذا حدث جديد في تاريخ الأدب.

لم نسمع من قبل أن الناقد إذا أثنى على كتاب حسب أنه تفضل على مؤلفه ورفع شأنه من الحضيض وأن على المؤلف واجبا مقدسا هو أن يشتري من فوره سبحة لكيلا ينسى أن يسبح بحمد الناقد أناء الليل وأطراف النهار.

ولكن من الإنصاف أن أقول: إني لا أشك في أن طه حسين أول الأمر كان يصدر حقا عن عقيدة الناقد الذي يؤدي واجب النقد والفن وحدهما، فلم يكن قد رآني وما كنت قد رأيته، وما كان تصادم الطباع والخصال قد لعب دورا في تقدير الأمور وسواء كان طه مخطئا أو مصيبا في رأيه الذي أبداه فهذا ليس من شأني ولا من شأن الأشخاص، إنما هو شأن النقاد.

على أني إذا تفرغت للنقد يوما، فإني أرجوا أن أؤدي واجبي بمثل هذه الحرارة والأمانة والقوة نحو آثار طه وغيره من الأدباء.

أما مشاعري الخاصة كإنسان نحو الدكتور طه فليس الظرف اليوم مواتيا للإطناب في وصفها وسأختار الزمان والمكان الملائمين للإفاضة بها دون أن يحمل فعلي على غير محمله.

ص: 614

وأخيرًا أوجه خطابي إلى الأستاذ العقاد قائلا:

إنك للمرة الأولى تخاطبني بهذه اللهجة التي كنت تخاطب بها الرافعي رحمه الله.

أبهذه السرعة تضع الناس في صف أعدائك، لعلك لفرط ما قاسيت من شر الناس ولقلة ما وجدت من خيرهم، أصبحت مثل "هملت" تستل سيفك لتضرب من خلف الأستار دون أن تتبين الوجوه فطعنت صديقا وأنت لا تدري.

6-

عباس محمود العقاد؛ صداقات الأدباء 1:

والأستاذ توفيق الحكيم أراد الصفاء بين جميع الأدباء فهل أراد شيئا يكون في هذه الدنيا؟ وهل أراده حقا؟ وهل توصل إليه بوسيلته المثلى؟ إن ثلاث "لاءات" مفحمات هي أصدق جواب على هذه الأسئلة الثلاث، فالصفاء بين جميع الأدباء معناه الصفاء بين الناس وليس هذا بميسور ولا هو بلازم للأدب والأدباء.

فالأستاذ توفيق الحكيم هنا لم يطلب شيئا يجاب.

ولكن نعود لنسأل: هل طلبه حقا؟ وهل اجتهد في تحقيقه فتوصل إليه بوسيلته المثلى؟

إن الذي يطلب الصفاء لا يبحث عن أسباب الكدر بملقاط ليخلقها خلقا بين رجلين على أحسن ما يكون من الصفاء.

أهدي إلى الدكتور طه حسين قصة "دعاء الكروان" فجعلت هذا الإهداء موضوع مقال من أعماق النفس في معنى الكروان ودعاء الكروان وذكريات

1 الرسالة أول يونيه 1933.

ص: 615

الكروان وقرأه كثيرون من الأدباء فحدثوني عنه حديث رضا وسرور، وفي مقدمتهم الدكتور طه مهدي دعاء الكروان.

أما الأستاذ توفيق الحكيم فماذا صنع؟

لم يرضه ما أرضى الدكتور طه ولا ما أرضى الأدباء ولا ما أرضى كثرة القراء.

وراح يتحدث ويكتب ليقول: هنا صفاء. فكيف بالله يليق هذا الصفاء؟

ثم وجه إلي بعد أيام أخرى خطابا قال فيه: "إنك للمرة الأولى تخاطبني إلخ ولا أظن أنني أشبه هملت في كثير من خصاله وأفعاله ولكني إذا سئلت: لم صنعت صنيع "هملت"؟ أفلا يجوز لي أن أسأل: ولم الوقوف وراء الأستار وأولى من ذلك الخروج إلى وضح النهار؟ أليس هنالك بعض اللوم على من ينصت خلف الستر ليسمع ما يسمع أو ليقول ما لا يقال.

وعبرة أخرى أن الأستاذ الحكيم يذكر التعالي في موقف الكاتب وينسى أنه اختار لأدبه عنوان "البرج العاجي" وهو عنوان الأدب المصطلح على وصفه بالتعالي بين نقاد الغرب وشعرائه، فليترك برجه العاجي إذن أو فليتركنا نحن نتعالى ونتواضع كما نشاء.

إن كان يعني هؤلاء وأمثال هؤلاء فهو واجد في الأدب العربي الحديث صداقات من تلك الصداقات وواجد من هناتهم في الغرب نظائر لما نشكوه من هنات الزملاء المصريين والشرقيين والطبيعة البشرية واحدة في كل مكان تلك أصدق حكمة عن الناس قالها إنسان.

ص: 616

7-

توفيق الحكيم 1 الصفاء "أيضًا":

كانت دعوتي إلى الصفاء بين الأدباء خالصة لوجه الأدب، فأدباء مصر البارزون الدائبون على الإنتاج لا يتجاوز عددهم العشرة على التسامح الشديد.

كان الأجدر بنا نحن العشرة أن نوجه صراعنا لا إلى بعضنا البعض بل إلى الفن ومصاعبه وأسراره.

ولكن الأستاذ العقاد في مقاله رد يقول: إن صاحب الدعوة إلى الصفاء هو الذي بحث في أسباب الكدر بملقاط ليخلقها خلقا بين رجلين على أحسن ما يكون من الصفاء فإذا صح هذا الزعم كان حقا مما يدعو إلى الأسف بل إلى السخرية، ربما كان ظاهر الوقائع يدل على ذلك ولكن هل كانت تلك حقيقة المقاصد والنوايا.

وقد رأى الأستاذ العقاد أن يجزي واحدة بواحدة فلم يفته في ختام مقاله أن يدرس هو الآخر سببا من أسباب الكدر بيني وبين الدكتور طه حسين لقوله أن الأستاذ الحكيم يقول بعد الإشارة إلى ثناء الدكتور طه عليه منذ سنوات: لم نسمع في غير مصر أن الناقد إذا أثنى على كتاب حسب أنه تفضل على مؤلفه ورفع شأنه من الحضيض

إلخ.

ومضى يصورني في هيئة الناكر للجميل. والأستاذ العقاد ولا شك قد فهم أني ما قصدت بإيراد هذه العبارة وأمثالها إلا مجرد إظهار الإساءة لطه حسين وهو في أوج نفوذه، فقلت ما نصه:"إن هذا الوقت هو أحب الأوقات عندي لإساءته لا لإرضائه".

1 الرسالة 8 يونيه 1942.

ص: 617

الحقيقة أنها كانت قصة انتهت مع الأسف بانهيار صداقة من أعظم الصداقات التي عرفها أدبنا المعاصر:

ثم تحدث توفيق الحكيم عن قصة أهل الكهف ورأي طه حسين فيها وصداقتهما التي قامت على الأثر وقال: "ولكن، وآسفاه لقد تغلب أولئك الشامتون واللائمون آخر الأمر وفازوا بمآربهم وأشعلوا نار الوقيعة بيننا واضعين أيديهم على مواطن الضعف فينا، وضعف الفنان هو عزته وكرامته، وإن شئت فقل غروره، وهكذا لم يستطع طه حسين أن يحتفظ طويلا بابتسامته وضحكه أمام السامعين بالسوء ولم أستطع أنا أن أحتفظ باتزاني فأنقذ المودة الصادقة وأضحي بالعزة الكاذبة.

وبهذا حطمنا تلك الجوهرة التي منحتنا إياها السماء، ومن أجل

من أجل ماذا؟ لست أدري ما حدث بعد ذلك، فذاكرتي الآن لا تسعفني، كل ما أذكر أننا حاولنا أن نرم ما تحطم، ولقد أقمنا معا بعض الصيف في جبال الألب فضحكنا كثيرًا ولهونا طويلا بل لقد ألفنا معا هناك كتابًا، ولكنها مع ذلك لم تكن الصداقة الأولى، لماذا؟ لعل شيئا في نفسينا لم يكن صافيا كل الصفاء أو في نفسي أنا على الأقل، إني أعرف؛ لقد كنت أمتنع عن كل ما يؤخذ على أنه ملق أو زلفى، لقد كان طه حسين وقتئذ هو شخصية ذات نفوذ، وأنا أكره إرضاء أصحاب النفوذ.

ولكني الآن وقد وضعت بين تهمتين: الزلفى ونكران الجميل فإني أوثر التهمة الأولى فلقد سبق أن اتهمت بها في مجال السياسة، إن الشهرة قد جائتني حقيقة ببعض المال ولكن، هل كنت محتاجا إلى ذلك المال؟ إني لم أكن معسرا ولا مقترا، جائتني بالمركز الاجتماعي، كلا فقد كنت قبلها من رجال

ص: 618

القضاء المحترمين ولو أني بقيت كذلك ولا شيء غير ذلك لظفرت بالحياة الهانئة الوديعة النافعة، على الأقل للعدالة والناس، ولكن الشهرة وما يحيط بها من الإشاعات والأقاويل والأباطيل قد حالت بيني وبين ذلك الخير، فبعد أن كانت تسعى إلى طلبي الأسر وأنا في القضاء سموا في الثقة والهيبة أصبحت تنفر مني اليوم، لقد جاوزت الأربعين وما أبصر في الأفق طيف واحة مورقة في صحراء حياتي المحرقة.

ما قيمة الشهرة بغير سعادة وما قيمة الأدب والفن بغير هناء؟

8-

زكي مبارك؛ أحزان توفيق الحكيم:

لم أكن أنتظر أن يكون عتبي على الأستاذ توفيق الحكيم1 فرصة لمجادلات ومساجلات يجري بها قلمه مع الكاتبين العظيمين عباس العقاد وطه حسين.

يظهر أن أحزان توفيق الحكيم لن تنجيه من "الوقوع في قبضة الأديب الفلاح" فاسمعه اليوم كلاما يسره في حين ويحزنه في أحايين وفقا لحالته النفسية.

دار الأستاذ الحكيم في رده على الأستاذ العقاد حول "نفوذ" الدكتور طه حسين فماذا يريد أن يقول؟

هل يتوهم أن نفوذ الدكتور طه تميمة تعيذه شر أقلامنا إذا رأيناه انحرف؟ وما احتياجنا إلى نفوذ طه حسين ونحن نعرف أن ذلك النفوذ بلاء عليه، يستطيع الدكتور طه بكفايته العلمية أن يكون أكبر موظف في الحكومة المصرية ولكنه لا يستطيع الزعم بأن سلطان القلم يفوقه أي سلطان.

1 الرسالة 8 يونيه 1942.

ص: 619

الدكتور طه رجل ضرار نفاع، ولكنه من العيب على حامل القلم أن يرجوه أو يخشاه، فما معنى هذا الذي تقوله يا عم توفيق؟

صديقنا توفيق يتألم ويتوجع لأن شهرته الأدبية أبعدته عن الانخراط في سلك القضاء فما معنى هذا؟ معناه أن الرجل يعيش بين رجال الأدب عيش الغرباء، وإلا فهل يجوز لكاتب له عقيدة أدبية أن يتوهم أن في الدنيا حظا أرباب الأقلام.

وصديقنا توفيق الحكيم يقول بعبارة صريحة أنه لا يجد أسرة تعطف عليه تتزوجه بنية يسكن إليها وتسكن إليه لأن الشهرة الأدبية أضافته إلى المشبوهين.

غضبة الأدب عليك يا توفيق فما أوذي الأدب بأقبح ولا أبشع ولا أفظع مما جرى به قلمك الأهوج.

أيهون الأدب على أهله إلى هذا الحد من الهوان البغيض؟

أيكون نفوذ طه حسين شيئا يخاف فتحبر فيه المقالات الطوال العراض؟ آه، ثم آه.

لو كان بيدي شيء لقضيت بنفي توفيق إلى جزيرة "واق الواق" ليعرف أبناؤنا وتلاميذنا أن للأدب سيطرة سماوية تبغض التأدب مع غير صاحب السماء.

أنت في جماعتنا دخيل يا توفيق، لأنك تقدم علينا رجال القضاء ولأنك تتهيب أصحاب النفوذ.

9-

توفيق الحكيم؛ الصفاء بين الأدباء:

صديقي الزيات؛ حتى أنت قد خاب أملي فيك! أنا الذي دعا إلى الصفاء

ص: 620

بين الأدباء كما رأيت وبذلت في ذلك ما بذلت؛ فإذا كان كل هذا يسفر عن كلمة سمحت أنت بنشرها في العدد الأخير من الرسالة كلها إيذاء لشخصي دون مبرر، كلمة لم تدع إليها مساجلة أدبية، ولم يتبع بها الأدب والفكر ولكن دعت إليها شهوة الهجوم والتجريح لمجرد الزهو والخيلاء بالهجوم علي وتجريحي.

ولعل السبب الوحيد في ذلك أنني رجل هادئ الطبع كما تعرف، نزاع إلى الخير، ينزه القلم عن أن يستخدم هراوة للبطش، وكنت أحسب أن الشجاعة الحقيقة فيه في احترام أصحاب هذه المبادئ والنزعات. ولكن صدمني حقا ما رأيت من أن الأدباء في مصر -مع الأسف- لا يحسبون حسابا لغير الكاتب الذي يبرز مخالبه، ويكشر عن أنيابه، ويتهيأ دائما للوثوب. أنا الذي أراد الأدب أن يكون حديقة غناء سياجها "الصفاء" إذا بي أراه حرشا من الأحراش المأهولة بالضواري. ما هي في واقع الأمر رسالة الأدب إلى اليسر؛ أهي شيء آخر غير ترويض كواسر الناس وإفهامهم أنهم أرقى من الحيوان. إن الأدب الرفيع هو الذي يثير المشاعر الرفيعة بما فيها من صدق وحب وخير وجمال، وإن الأدب الوضيع هو الذي يهيج فينا الغرائز الحيوانية بشهواتها للفتك والبطش والعدوان.

كنت أظن يا صديقي الزيات أن تلك هي رسالتك، وأن عملك في مجلتك هو توجيه الأدب إلى هذه الغاية الفضلى.

خاب أملي فيك، إنما الذي خيب أملي هو أني رأيتك قد حدت قليلا عن رسالتك في "الرسالة" وفي هذا خطر على شرف الغاية التي عاهدت نفسك والناس عليها، وقد أغتفر لك إهداء حق الصداقة والزمالة، أما هذه، فلا.

ص: 621

هنا ونفترق. وليكن اليوم آخر عهدي بك و"بأصالة" والأدباء. لن أكتب شيئا لك ولن أذكر بعد اليوم أديبًا بخير ولا بشر. سأصمت عن أشخاصهم، صمت القبر لأنصرف إلى الإنتاج وحده من حيث هو إنتاج.

فلا حلم في صفاء ولا أمل في عودة بين أدباء. على أني قبل ذلك أحب أن أنوه بحق لك عندي وفضل لا أود أن أنساه: لقد كنت أنت الذي اقترح علي فكرة تدوين ذكرياتي المنسية من عهد اشتغالي بالقضاء.. فخرج كتاب "يوميات نائب في الأرياف" ربما لولاك ما اتجه ذهني إلى هذا الأمر ولضاعت إلى الأبد معالم تلك الأيام.

10-

من الزيات إلى الحكيم:

ولو لم يكن النسيان عرض ملازما لك يا صاحب أهل الكهف لذكرت أن اسمي الزيات، لا زكي مبارك ولو أنك ذكرت ذلك لما كان منك ذلك الكتاب ولا كان مني هذا الجواب، ولكنك لا تستطيع أن تنكر أنك كفرت بنفسك وكذبت برسالتك لأن الرسول الصادق لا ينذر بالكدر وهو يبشر بالصفو ولا يبادر إلى القطيعة وهو يدعو إلى الصلة.

لم يكفر برسالتك غير العقاد ولا شك في إخلاصك للأدب غير المبارك فما، بالك يا توفيق تئن قبل التعذيب وتلقي بيديك ورجليك إلى الصليب وتفضح بهذا الجزع نبوة الأدب.

تقول إنني حدت قليلا عن رسالتي في الرسالة وقليلا هنا معناها "زكي مبارك" وزكي مبارك يا توفيق لون من ألوان الأدب المعاصر لا بد منه ولا حيلة فيه، فهو الملاكم الأدبي في ثقافتنا الحديثة؛ أما عنفه وشماسه فهي الطبع المميز للونه، فلو شئت أن تجرد هذا الملاكم المبارك من عنف الهجوم وخشونة المراس لما بقي منه غير توفيق الحكيم وحمار الحكيم.

ص: 622

على أنه هو نفسه أول الشاهدين على أن صفارتي قد بحت من طول ما أهبت به وهو في قفاره السنتريسي يهدر في المحال بين الجبال مغضيا بعض الأعضاء عن قواعد الملاكمة.

وزكي مبارك بعد ذلك سليم الصدر، صريح القلب رياضي الروح لا يتحرج أن يطلب إلى صديقه أن ينصره ظالما أو مظلوما. ثم تقول إن الأدباء في مصر مع الأسف لا يحسبون حسابا لغير الكاتب الذي يبرز مخالبه ويكشر عن أنيابه ويتهيأ دائما للوثوب، فهل مصداق ذلك يا توفيق أنك أدرت ظهرك لخصمك وحملت علي، أما قطعك الأسباب بينك وبين الرسالة والأدباء فأمر يهون ما دمت تخرج كتبك إلى قرائك الأوفياء، وإذا جاز لي أن أواجهك مرة أخرى فإني أنصح لك يا توفيق بأن تؤمن برسالتك كما أمن ذوو الفضل من الكتاب وأن تصبر عليها كما صبر أولو العزم من الرسل.

ص: 623