الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السادس: معارك النقد حول الكتب
الفصل الأول: رسالة منصور فهيم الدكتوراه
…
الباب السادس: معارك النقد حول الكتب
الفصل الأول: رسالة منصور فهمي. الدكتوراه
كان الدكتور منصور فهمي من أوائل المبعوثين إلى الجامعات الأوروبية. منذ سافر 1908 إلى باريس حيث أعد أطروحة الدكتوراه تحت إشراف "ليفي برل" الإسرائيلي وموضوعها "حالة المرأة في التقاليد الإسلامية وتطوراتها" وقد طبعت هذه الرسالة في باريس 1913؛ ولم تنشر باللغة العربية وإنما أثارت ضجة حينما نقلت بعض نصوصها إلى الصحف وقد اضطرت الجامعة المصرية بعد أن راجعت نصوص الكتاب إلى الاستغناء عن منصور فهمي وتناولت جريدة المؤيد أمر هذا الكتاب بعدد من المقالات نشرتها خلال شهر يناير ومارس 1914 وكان أبرزها ما نشره محمد لطفي جمعة "وهو أحد كتابنا الذين درسوا في أوروبا وفرنسا بالذات" مفندًا أخطاء منصور فهمي وقد دافعت "الجريدة" دفاعا حارًا عن منصور فهمي كما نشرت الجريدة مقالا بعنوان حرية الفكر وأدب النقد لعبده البرقوقي ذكر فيه أنه نائب عن جمعية الطلبة المصريين بباريس ينعى فيه على من هاجموا منصور فهمي ونالوا منه وسفهوا رأيه وقال: إن الإنسان حر في معتقده.
ولكن الدكتور منصور فهمي لم يلبث أن صحح معتقده وألقى خطابا في الاحتفال بعيد الهجرة "1361-1915" تحدث فيه عن أنشودة البطولة المحمدية الرائعة، وقال: إنها تهز هواطعنا لمطلع دين جديد إنساني سمح عظيم يذكرنا بروائح الجهاد البالغ من حمل رسول الله أمانته فحملها واثقا لكي يبلغها إلى الناس كاملة.
وكان في خلال المرحلة التالية من حياته إلى أن توفي 1957 مدرة للعربية والإسلام وأحد أقطاب جمعية الشبان المسلمين ومن الدعاية إلى أمجاد العرب في اعتدال رأي وحماسة صادقة.
وهذه هي النصوص التي هاجمها النقاد:
"ص15" محمد يشرع لكل الناس ويستثني نفسه ومع أنه -يعني محمدا- كان المشرع الذي ينبغي أن يخضع لما يدعو إلى تطبيقه على الآخرين إلا أنه كان له ضعفه واختص نفسه ببعض المزايا.
"ص16" وهكذا نجد أنه -يعني محمدا- بعد أن ينام نومًا عميقا، يقوم ليؤدي صلواته دون أن يجدد طهوره ووضوءه على حين أن المؤمنين
الآخرين كان عليهم الشروع في وضوء وطهور جديد ومن أجل أنه يبرر الاستثناء الذي علم لصالحه اكتفى بأن قال: إن عيني تنام ولا ينام قلبي أبدًا.
"ص18" لقد حد النبي من نظام تعدد الزوجات إلا أنه تعدى بالنسبة إلى نفسه ما وضعه من حدود للآخرين فمع أن بقية المؤمنين لم يكن في مقدورهم أن يتزوجوا بأكثر من أربع نساء فإن محمدًا أجاز لنفسه أن يتزوج بأكثر من ذلك كما أنه استلزم لشرعية الزواج دفع مهر ووجود شهود إلا أنه في زواجه أعفى نفسه من المهر والشهود.
محمد لطفي جمعة 1:
عاد منصور فهمي من أوربا بعد دراسة الفلسفة حاملا لقب دكتور جامعي وهي درجة في العالمية حديثة الوضع أنشأتها جامعة باريس إكرامًا لطلاب العلم الأجانب الذين يعجزون أو يضيق وقتهم عن تحصيل الدكتوراه الحقيقية التي اختص بها الفرنسيون أنفسهم وقليل من الأجانب المجدين.
إن أعلى الألقاب العلمية وأشرف المناصب المعنوية لا تبيح للرجل أن ينتهك حرمة دين قوم من الأقوام أو يهاجم أمة في معتقدها أو يقلل من مجد وكرامة نبي مرسل شهد له بالفضل أعداء دينه.
لا يظن منصور فهمي أننا نناقشه في رسالته مناقشة من يمكن رميهم بالتعصب وضيق الفكر من المتشددين المغالين في المحافظة على القديم إلى درجة الجمود ولكننا سنناقشه الحساب مناقشة العلم الحديث الذي بهرت بصره قشوره ولم يصل إلى بصيرته.
1 المؤيد 28 يناير 1914.
لن نجادله دينيا لأننا لو طرقنا معه باب الدين فقد كفر لمجرد قوله "إن محمدًا شرع للناس واستثنى نفسه" ص13 من رسالته.
فهو بهذا القول ينكر الوحي وينكر العصمة ويؤكد أن محمدًا هو واضع الشرع.
نحن نريد أن نتجرد عن صفتنا الدينية مؤقتا لنثبت بالعلم القديم والحديث وبالأدلة العقلية والمنطقية جهله وتعديه حقوقه وعبثه بحرية القول والفكر والاعتقاد.
يقرر منصور فهمي في فاتحة رسالته أنه أنشئ مسلما في وسط إسلامي وأنه قصد باريس ففتح عليه بإرشاد العلامة ليفي الإسرائيلي فظهرت فيه المؤثرات السعيدة فدون هذه الرسالة التي بحث فيها في حالة المرأة في الإسلام.
ألا يعلم حضرته أن العالم الحقيقي إذا أراد البحث والاستقصاء عن أمر من الأمور ذهب إلى مصدر الأمر واستقصى الحقيقة من نبعها الأصلي حتى إن دارون القائل بمبدأ التطور والنشوء لما أراد التثبت من مبدئه طاف جزر المحيط الهندي الخصيب منها والمجدب ليقف على طبائع ما يوجد فيها من أنواع المخلوقات.
كذلك علماء الاجتماع الذين جعلوا همهم درس شئون الأمم والشعوب المختلفة لم يقولوا برأي من الآراء دون الذهاب إلى أوطانها ودرس أحوالها من قرب.
فغريب جدًا من منصور فهمي الشرقي المصري المسلم أن يترك الوسط الإسلامي، وسط علماء الأزهر ووطن جلال الدين السيوطي وابن تيمية والشافعي ويذهب إلى باريس مقر الحاخام ليفي الإسرائيلي للبحث عن حقائق
الدين الإسلامي والاهتداء بنور هذا الأستاذ للوقوف على تاريخ محمد وحياته الخاصة والعامة.
إن كثيرين من المستشرقين الذين أخذ عنهم منصور أقل بضائعهم وأحقرها قبل أن يدونوا ما دونوا أنهم يحملون الشدائد في تعلم اللغة الدينية وانتقلوا إلى وسط إسلامي وخاطروا بحياتهم في سبيل الوصول إلى الحقيقة، وصاحبنا منصور فهمي قصد باريس مقر العلامة ليفي ليعود إلينا بالطعن في نبينا ومعتقداتنا المقدسة.
وهنا ننقل لحضرته رأي العلامة فبلهاوزن الألماني مؤلف كتاب تاريخ الدولة العربية إذ يقول: إن كثيرين منا يذهبون إلى الشرق للبحث عن عيوب فيجدوا أمورًا تبدل عقيدتهم وفضائل لم تكن تخطر على بالهم فتغير آراءهم تمام التغيير.
وإني أذكر منصورًا بعبارة لا بد سمعها من الأستاذ إدوار لامبير وهي قوله: "إنني قبل أن أقصد مصر كان رأيي في الإسلام مخالفا لرأيي بعد إقامتي بضعة شهور حتى إنني مضطر لتغيير ما جاء في كتبي عن الإسلام مما دونته قبل ذهابي إلى مصر".
إننا نعرف المصادر التي استقى منها منصور، وبئست تلك المصادر، هي كتب بعض المتعصبين من المستشرقين الذين يرمون بكتاباتهم أغراضا سياسية أكثر منها علمية.
إن حرية الاعتقاد تبيح لكل شخص أن ينتحل أي دين أو يقيم شعائر معتقده دون اضطهاد أو تعذيب وشتان بين حماية المتدين وبين الطعن في صاحب شريعة عظمى.
إن العاقل الكبير النفس هو الذي يرحل إلى الغرب مملوء القلب بالآمال العالية فيعود إلى وطنه وقد ازداد حبه لقومه ودينه وقد يرحل أحدنا وهو ضعيف العقيدة ويعود إلينا وهو شديد التعصب لملته وقومه.
يقول منصور فهمي في مقدمة كتابه 1:
"إن هذه الرسالة تعطينا فرصة لإظهار المؤثرات السعيدة التي أثرت على تفكيرنا العلمي فقد ولدت مسلما وقضيت شبابي في وسط إسلامي ثم رحلت إلى باريس وحصلت العلوم بإرشاد ورعاية العلامة ليفي بريل".
ومعنى هذا أن نشأته في وسط إسلامي كان حائلا بينه وبين النور الإسرائيلي الذي أشرف عليه مجلس الأستاذ ليفي وهو فيما نعلم رجل خامل الذكر لم نسمع عن مؤلف من مؤلفاته وربما خدع منصور أفندي بما يقوله بعض أدعياء العلم في أوربا من أن النبي عليه الصلاة والسلام تزوج عددًا عظيما من النساء بلغن الثلاثة عشر عددا حبا منه في التمتع وأنه عليه السلام لم يبح لأمته إلا أربعا على أن منصور أفندي لو نظر إلى شخصيات زوجات النبي نظرة الفيلسوف العالم الباحث عن الحقيقة، الآخذ بلب الأمور المعرض عن قشورها لعلم أن هناك أسباب عليا دعت النبي محمدًا إلى التزوج من نساء يزيد عددهن عن الأربع وتلك الأسباب أولها وأهمها رغبته في ربط الأسر والعائلات الكبرى ببيته الطاهر.
1 نشرت جريدة الجريدة عدد 2117 مقالا بعنوان حرية الفكر وأدب النقد لعبده البرقوقي ذكر فيه أنه نائب عن جمعية الطلبة المصريين بباريس ينعى فيه من ردوا على منصور فهمي أنهم نالوا منه وسفهوا رأيه وتناولوه بالسب والشتم وقال: إن الإنسان حر في معتقده.