المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني: بين عبد الرحمن شكري والمازني - المعارك الأدبية

[أنور الجندي]

فهرس الكتاب

- ‌مدخل

- ‌أولا: معركة مفاهيم الثقافة

- ‌ثانيا: معركة مفاهيم الأدب

- ‌ثالثا: معركة مفاهيم الأدب

- ‌الباب الأول: معارك الوحدة والتجزئة

- ‌معركة الوحدة العربية

- ‌مصر بين العربية والفرعونية:

- ‌معركة العروبة والمصرية:

- ‌الباب الثاني: معارك اللغة العربية

- ‌مدخل

- ‌تمصير اللغة العربية:

- ‌مجمع اللغة، ما هي مهمته

- ‌معركة الكتابة بالحروف اللاتينية:

- ‌الباب الثالث: معارك مفاهيم الثقافة

- ‌مدخل

- ‌ثقافة الشرق ثقافة الغرب:

- ‌معركة بين فيلكس فارس وإسماعيل أدهم:

- ‌لا يتنيون وسكسونيون: بين العقاد وطه حسين

- ‌النزعة اليونانية بين زكي مبارك وطه حسين:

- ‌كتابة السيرة" بين التاريخ والأسطورة:

- ‌كتابة التاريخ: بين رفيق العظم وطه حسين

- ‌معركة الترجمة: بين منصور فهمي وطه حسين

- ‌آداب الساندويتش: بين الزيات والمازني والعقاد

- ‌أدبنا: هل يمثلها؟ بين أحمد أمين وأمين الخولي

- ‌غاية الأدب: ما هي؟ بين زكي مبارك وسلامة موسى

- ‌متى يزدهر الأدب؟ معركة بين لطفي جمعة وزكي مبارك:

- ‌الأدب المكشوف: بين توفيق دياب وسلامة موسى

- ‌التراث الشرقي؛ يكفي أو لا يكفي؟: بين عبد الرحمن الرافعي وعباس محمود العقاد

- ‌ثقافة دار العلوم: بين أحمد أمين ومهدي علام

- ‌الباب الرابع: معارك الأسلوب والمضمون

- ‌الأسلوب والمضمون: بين الرافعي وسلامة موسى وطه حسين

- ‌أسلوب الكتابة: معركبة بين شكيب أرسلان وخليل سكاكيني

- ‌أساليب الكتابة؛ بين شكيب أرسلان ومحمد كرد علي:

- ‌الباب الخامس: معارك النقد

- ‌الفصل الأول: أسلوب طه حسين

- ‌الفصل الثاني: مقومات الأدب العربي

- ‌الفصل الثالث: مذهبان في الأدب:

- ‌الفصل الرابع: بين النقد الذاتي والموضوعي

- ‌الفصل الخامس: الأدب بين التجديد والانحراف

- ‌الفصل السادس: هل نقتبس أم نقلد

- ‌الفصل السابع: معركة فقدان الثقة

- ‌الفصل الثامن: الفن للفن والفن المجتمع

- ‌الباب السادس: معارك النقد حول الكتب

- ‌الفصل الأول: رسالة منصور فهيم الدكتوراه

- ‌الفصل الثاني: الخلافة وأصول الحكم

- ‌الفصل الثالث: معركة الشعر الجاهلي

- ‌مدخل

- ‌نماذج من حملات المعركة:

- ‌تجدد معركة الشعر الجاهلي:

- ‌الفصل الرابع: كتاب "النثر الفني

- ‌الفصل الخامس: كتاب "أوراق الورد

- ‌الفصل السادس: كتاب ثورة الأدب

- ‌الفصل السابع: "كتاب" مع المتنبي

- ‌الفصل الثامن: معركة مستقبل الثقافة

- ‌الباب السابع: المعارك بين المجددين والمحافظين

- ‌الفصل الأول: معارك الرافعي

- ‌الفصل الثاني: معركة فضل العرب على الحضارة

- ‌الفصل الثالث: الدين والمدينة

- ‌الفصل الرابع: التغريب

- ‌الفصل الخامس: حقوق المرأة

- ‌الفصل السادس: معركة حول التراث القديم

- ‌الفصل السابع: معركة الخلاف بين الدين والعلم

- ‌الفصل الثامن: جمال الدين الأفغاني ورينان

- ‌الفصل التاسع: خم النوم

- ‌الفصل العاشر: بين النقد والتقريط

- ‌الباب الثامن: معارك بين المحافظين حول اللغة

- ‌المعركة الأولى:

- ‌المعركة الثانية:

- ‌المعركة الثالثة:

- ‌الباب التاسع: معارك نقد الشعر

- ‌الفصل الأول: بين شوقي ونقاده

- ‌الفصل الثاني: بين عبد الرحمن شكري والمازني

- ‌الفصل الثالث: إمارة الشعر

- ‌الفصل الرابع: ديوان وحي الأربعين

- ‌الباب العاشر: معارك النقد بين المجددين

- ‌الفصل الأول: بين التغريب والتجديد

- ‌الفصل الثاني: معركة الكرامة

- ‌الفصل الثالث: معركة الصفاء بين الأدباء

- ‌الفصل الرابع: معارك النقد

- ‌الفصل الخامس: بين زكي مبارك وخصومه

- ‌الفصل السادس: مبارك ينقد كتابه

- ‌الفصل السابع: بين العقاد وخصومه

- ‌الفصل الثامن: بين سلامة موسى وخصومه

- ‌الفصل التاسع: بين المازني وخصومه

- ‌الفصل العاشر: معارك أدبية؛ بين الدكتورين هيكل وطه حسين

- ‌الفصل الحادي عشر: معركة لقمة العيش

- ‌الفصل الثاني عشر: بين شباب الأدب وشيوخه

- ‌محتويات الكتاب:

الفصل: ‌الفصل الثاني: بين عبد الرحمن شكري والمازني

‌الفصل الثاني: بين عبد الرحمن شكري والمازني

هذه أضخم معركة أدبية في ميدان الشعر المعاصر بدأت 1917 واستمرت سبعة عشر عاما قد بدأ الشعراء الثلاثة "شكري، المازني، العقاد" حياتهم الفكرية معا ثم اختلف العقاد والمازني مع شكري الذي قصر عمله على وظيفة التعليم، بينما عمل المازني والعقاد في الصحافة ثم كان من نصيب شكري أن يهاجم في أول عمل نقدي للمدرسة الحديثة وهو "الديوان" قد حمل المازني لواء الحملة على شكري وبجوار حملة العقاد على شوقي والرافعي وكان مقال "صنم الألاعيب" من أقسى ما كتب المازني ثم عاد المازني فصحح موقفه من شكري عام 1930 فأعلن رأيه في شكري، صحح موقفه وعاد إلى الكتابة مرات في هذا الأمر حتى أثار العقاد الذي دخل المعركة مصححا لما وقع ثم صدر كتاب رسائل النقد للدكتور رمزي مفتاح حول هذه القضية.

1-

شكري يتهم بالسرقة المازني:

قال عبد الرحمن شكري في مقدمة ديوانه "الجزء الخامس":

"لقد لفتني أديب إلى قصيدة المازني التي عنوانها "الشاعر المحتضر" البائية التي نشرت في عكاظ واتضح لنا أنها مأخوذة من قصيدة أودني للشاعر شيلي الإنجليزي، كما لفتني أديب آخر إلى قصيدة المازني التي عنوانها "قبر الشعر" وهي منقولة عن هيني الشاعر الألماني ولفتني آخر إلى قصيدة المازني "فتى في سباق الموت" وهي للشاعر هود الإنجليزي، ولفتني أيضا أديب إلى قصيدة المازني التي عنوانها الوردة الرسول وهي للشاعر ولز الإنجليزي وأشياء أخرى ليس هذا مكان إظهارها. وقرأت له في مجلة البيان مقالة تناسخ الأرواح وهي من أولها إلى آخرها من مجلة السبكتانور لادسون الكاتب الإنجليزي ومن مقالاته في ابن الرومي التي نشرت في البيان قطع طويلة عن العظماء وهي مأخوذة من كتاب شكسبير والعظماء تأليف فيكتور هيجو ومن مقالات كارليل الأدبية وقد ذاعت هذه الأشياء ولو كنت أعلم

ص: 547

أن المازني تعمد أخذها، لقلت: إنه خان أصحابه بهذه الأعمال، ولكني لا أصدق تعمد أخذها ولو أني رأيت الآن عفريتا لما عراني من الحيرة والدهشة قدر ما عراني لرؤية هذه الأشياء ولا أظن أني أبرأ من دهشتي طول عمري، وفي أقل من ذلك مبررًا لمروجي الإشاعات والتهم، لا أظن أن أحدًا يجهل مدحي المازني وإيثاري إياه وإهدائي الجزء الثالث من ديواني إليه وصداقتي له ولكن كل هذا لا يمنع من إظهار ما أظهرت، ومعاتبته في عمله لأن الشاعر مأخوذ إلى الأبد بكل ما صنع في ماضيه حتى يداوي ما فعل ويرد كل شيء إلى أصله وليس الاطلاع قاصرًا على رجل دون رجل حتى يأمن المرء ظهور هذه الأشياء ولسنا في قرية من قرى النمل حتى تخفى.

2-

شكري؛ انتحال المعاني الشعرية 1:

لقد كان يعد الاطلاع على آداب الغرب جريمة وتهمة في أعين الأدباء إذ إنه مظنة السرقة وذلك لأن بعض الشبان لا يدين بدين الملكية في الآداب والواقع أن العقول مثل التربة تحتاج إلى أن تتعهد بما يظهر خصبها.

ولو كانت المسألة التي أتكلم فيها تافهة لما تعرضت لها، ولكنها تشمل قصائد ومقالات كثيرة تسيء ظن الناس بأهل العلم والابتداع وتبعث على الفوضى في العلوم والآداب، وقد شاعت حتى لم يمكن كتمانها، على أن كل أديب حارس من حراس الأدب ومن واجبه ألا يغفل عن حراسته.

وهناك دافع آخر دفعني إلى الكتابة أو إظهار هذه المآخذ وهو الرغبة في الخلاص من مظان الريب. فقد اعتاد بعض الناس أن يقرن اسمي إلى اسم المازني والعقاد للمودة التي بيننا، ولكنها مودة لا تحمل كل واحد منا عيوب.

1 مجلة المقتطف يناير 1917 ص28 وقد واصل شكري اتهامه للمازني.

ص: 548

أخيه فحسب المرء منا أن يحمل عيوب نفسه ولكن الجمهور لا يستخدم المنطق في كل رأي يراه.

إن المودة التي بيني وبين المازني قديمة، ومن أجل ذلك لم أعرف كيف يسوغ لي أن أكتب هذا المقال، ولكني شرحت الأسباب التي دعتني إلى الكتابة، وقد شاع بين الأدباء أن المازني قد أخذ بعض قصائد كاملة من شعراء الغرب وأفكار متفرقة غير أني لم أنتبه إلى هذه التهمة، وأهديت إليه الجزء الثالث من ديواني علامة على ثقتي ومودتي، ولكن أحد الأدباء لفتني إلى قصيدة "فتى في سياق الموت" في ديوان المازني وهي مأخوذة من قصيدة لتوماس هود الشاعر الإنجليزي ثم لفتني آخر إلى قصيدة "قبر الشعر" في ديوانه فإذا هي للشاعر هيني الألماني، وقد كنت أقرأ عرضا في تينسون الشاعر الإنجليزي فرأيت فيه قصيدة الذكرى التي قال المازني: إنها له، ثم أرسل إلي المازني بعد ذلك قصيدة "الوردة الرسول" فإذا هي للشاعر ولز الإنجليزي، ونشر في جريدة عكاظ قصيدة "الراعي المعود" فإذا هي للشاعر لويل الأمريكي، وبينما كنت أحادث أحد الأدباء في شعر المازني وهو الأديب أمين أفندي مرسي لفتني إلى قصيدته البائية التي سماها الشاعر المحتضر فإذا هي من قصيدة أوديني لشلي الشاعر الإنجليزي وهي التي قالها في رثاء كيتسي ورأيت بعد ذلك قصيدة "شوكة الحسن" فإذا هي لهيني الألماني.

وقد نبهت المازني إلى هذه القصائد فاعترف أنها ليست له ولكنه قال: إنه نظمها وهو يظن أنها له. ذلك لأنه حفظ المعاني ونسي أنها لغيره، فبينت له أن الأبيات والمعاني متسلسلة والترجمة دقيقة جدا، فأصر على فكرته السيكولوجية وقال: إن ذلك جائز في علم السيكولوجيا، ولكنه وعد أن يتجنب مثال هذه المآخذ في المستقبل، ولم يف، إذ إنه بعد ذلك أنشدني قصيدة

ص: 549

إكليل الشوك والغزال الأعمى وهي أيضا من هذه المآخذ، وبينما كنت أقلب مجلة البيان وجدت مقالا طويلا عنوانه "تناسخ الأرواح" منسوبا إلى المازني فإذا هو مأخوذ من أوله إلى آخره من مقالات أديسون الكاتب الإنجليزي الشهير في مجلة السبكتاتور.

ثم اطلعت على مقالات المازني في ابن الرومي والجزء الأكبر منها ليس في ابن الرومي بل في العبقرية والعظماء فإذا أجزاء كبيرة منها مأخوذة بعضها من كتاب عنوانه شكسبير تأليف فكتور هيجو الشاعر الفرنسي. وبعضها من مقالات كارليل الأدبية، فنبهت المازني إلى ذلك فقال: ماذا أصنع إذا كنت أكتب الشيء ولا أعرف أنه ليس لي، هل أطوف على الناس أسألهم هل رأوه من قبل. "هذه كلمة من رسالة بعث بها إلي".

وليس الأمر مقصورًا على ما ذكر فإن أحد أدباء مصر هو مصطفى أفندي علوة كان قد جمع كتابا ذكر فيه مآخذ كثيرة زعم أن المازني أخذها من كتاب واحد فقط وهو كتاب "الذخيرة الذهبية" في الشعر الإنجليزي.

وقد جمعنا مجلس فأخذ أحد الأدباء الأفاضل وهو عبد الحميد أفندي العبادي ديوان المازني وكتاب الزخيرة الذهبية الإنجليزي وجعل يقارن بين أبيات المازني وأبيات الذخيرة حتى أدهش الحاضرين، وقد أرسل إلى المازني قصيدة عنوانها الإنذار فإذا جزء منها مأخوذ من قصة "قابيل" للشاعر الإنجليزي بيرون

إلخ.

ولا أريد أن أذكر مآخذ المعاني المفردة والأبيات المتفرقة. ولكني اكتفيت عن المقال بذكر ما قدرت أن أحصيه من المقالات والقصائد التي أخذت كاملة.

ص: 550

هذا وأوكد لصديقي المازني أني أحبه وأوده بالرغم من ذلك وأدع للقارئ أن يحكم أمصيب أو مخطئ أنا في إظهار ما أظهرت، وليس لي أن أتملك هذه المآخذ أو أتهم المازني بأنه تعمد أخذها.

3-

أبو شادي؛ انتحال المعاني الشعرية 1:

قرأت ملتذا رسالة الأستاذ عبد الرحمن شكري في موضوع انتحال المعاني الشعرية وانتقاد شعر المازني فأكبرت شعوره بالواجب نحو الأدب دون تحيز بحكم صداقة أو قرابة في المذهب الشعري، وهذه صفة تكاد تكون معدومة في مصر لأنها فوق الشجاعة الأدبية التي تعتبر عن ندرتها بيننا من نقائص الأخلاق المصرية.

ويلوح لي أن بين الأسباب التي دفعت شكري أفندي إلى الجهر بتلك الملاحظات غيرته على حسن سمعة صديقه المازني الذي أبدع أيما إبداع في ديوانه باكورة ثماره الشهية، وظهر بين أقطاب الشعر الحديث الذي تتكسر فوق درعهم نبال الجامدين، وقد كان هؤلاء المجاهدين الأبطال يغنمون الموقعة كما غنمها من قبل شوقي ومطران وغيرهما ممن حرروا الشعر العربي بعد اعتقاله الطويل.

الشعر العربي آخذ في تدرج راق سريع، شكري وأمثاله منة كبيرة عليه للروح الجديدة العالية التي نفحوها فيه وهو يغدر إذا خشه أن تعبث العواطف بمجهوداته ومجهودات أقرانه فقال كلمة نصح وتحذير، ولكن اقتدار المازني المشهور به ضمين بفوزه مهما عدت له العثرات، وما الابتكار بعزيز على خاطره الفياض بالآيات البينات، ومهما تشابهت نغماته مع أنغام

1 مارس 1917 ص187 "المقتطف" وقد دخل المعركة من لندن.

ص: 551

غيره ففضله في النقل عظيم وفضله في الاعتراف بالحق عند تنبيهه أعظم وهو إذا احترس في المستقبل من أغاليط تعودها أضاف إلى حسناته حسنات خالصة وأنصف نفسه وأهل حزبه والأدب والعلم.

"ولم يرد المازني إلا بعد مرور أربع سنوات" وكان رده عنيفا.

4-

إبراهيم عبد القادر المازني، "صنم الألاعيب 1 ":

شكري صنم ولا كالأصنام، ألقت به يد القدر العابثة في ركن خرب على ساحل اليم، صنم تتمثل فيه سخرية الله المرة وتهكم "إستفانيز السماء" مبدع الكائنات المضحكة ورازقها القدرة على جعل مصابها فكاهة الناس. وسلوانهم ولم لا يخلق الله المضحكات وقد آتي النفوس الإحساس بها وأشعرها الحاجة إليها، ولم يلتزم في الإنسان ما لا يتوخى في سواه من وزن واحد وقافية مضطردة، هنالك إذا عند ساحل البحر شاءت الفكاهة الإلهية أن ترمي بهذا الصنم، ليس في كل مفاتن الطبيعة ما يحرك هذا الصنم لأن باطنه شاعت فيه لعنة السماء فعاد أشقى الناس بنفسه وصار لا ينقذه منها ومما منته به من صفوف البلاء إلا أن تهدمه فئوس الكاشفين طبقات التراب عنه، وليت تراب الخمول لم يرفع عنه فقد ولد ميتا ولم يجده نور الحياة وحرها ولا أغنيا عنه من جمود طبعه شيئا.

وعلى قدر ابتعاد الكتابة عن مجال التفكير البارد ودنوها من ميدان الذهن المشبوب والعواطف الذكية تكون الحاجة إلى ضرورة فن الأسلوب ولعل هذا أكبر الأسباب التي أفضت إلى خمول شكري وفشله في كل ما يعالج من فنون الأدب لأنه لا أسلوب له إذ كان يقلد كل شاعر ويقتاس بكل

1 الديوان العدد الأول 1922.

ص: 552

كاتب وينسج على كل منوال وحسب المرء أن يجعل نظره في كلامه ليدرك ذلك إذا كان على شيء من الاطلاع فإذا لم يكن فهو لا يعيبه أن يرى أنه يستعمل اللغة جزافًا.

ولعله من أسباب ضعفه العديدة أنه يقرأ حتى كتب العفاريت وقصص السحرة والمردة والجان لما وقع في نفسه أن هذا حقيق أن يقوي خياله ويجعل له أجنحة يحلق بها في سماء الشعر.

وقد ركب شكري هذا الجهل متكلفا ما لا يحسن وأراد أن يكون شاعرًا وكاتبًا من الطراز الأول وظن أن الاجتهاد يغني عن الاستعداد فلا هو بلغ إلى درجة مما طمع فيه ولا هو أبقى على خلقه الوداع وقناعة بميسور العيش.

لا نقول: إن شكري مجنون، فنحن أرفق من أن نصدمه بذلك وأعرف بحاله، وبأمراض العقل من أن نهيجه إلى الخيال بالإيحاء والتذكير والإلحاح.

ولكننا نقول: إن ذهنه متجه إلى هذا الخاطر -خاطر الجنون- وأن فكرته مالئة لجو حياته والخوف منه منغص عليه كل لذاته.

وقلنا: إن ذهن شكري متجه إلى هذا المعنى وقد يكون هذا غير راجع إلى علة أصيلة فيه إلى ما يجسم نفسه من المتاعب ويحمل عليها ويرهقها به كأنه يكتب جزءًا من ديوانه في شهر واحد حتى كأنما هو مأجور على ذلك مشروط عليه أن يتمه في وقت محدود، وقد كان نتيجة ما أصابه من الكلال أن حدثته نفسه بإحراقه بعد طبعه.

إن لشكري كتابين غير دواوينه1 أحدهما اسمه الاعترافات وليس فيه ما يستحق الذكر إلا أنه وصفه بأنه أحلام مجنون والآخر رواية اسمها الحلاق المجنون وهي كذلك تافهة لا قيمة لها.

1 ملخص من 15 ص الجزء الأول "الديوان" من ص48 إلى ص62.

ص: 553

وقد سبق لنا أن نبهنا شكري إلى ما في شعره من دلائل الاضطراب في جهازه العصبي وأشرنا عليه بالانصراف عن كل تأليف أو نظم ليفوز بالراحة اللازمة له أولا.

صنم الألاعيب؛ "الجزء الثاني من الديوان من ص85 إلى 95"1.

في هذا الجزء المازني ينقل سطورًا من كتاب الاعترافات الذي ألفه شكري يريد أن يدلل بها على أن شكري كان يتهم نفسه بالجنون "قال":

"لا يمكن أن يقال في الرد علينا وفي تبرئة شكري مما قذف به نفسه أن الاعترافات صاحبها رجل آخر اسمه "م. ن" وأن شكري ليس إلا ناشرًا لها فإن هذه الاعترفات ليست إلا طائفة من المقالات لا يربطها شيء إلا ضمير المتكلم، وقد نشر شكري أكثرها في الجريدة سنة 1909/ 1913 بتوقيعه على أنها له ثم عاد فجمعها في كتاب طبعه 1916.

ومما هو خليق أن يبعث القارئ على الركون إلى هذه الاعترافات وتصديقها أنه يجد مصداقها في شعره فكما أنه قال في الاعترافات أن في نفس القديس جرثومة الإجرام كذلك قال في شعره "فقد أغرم الإنسان بالشر والأذى".

5-

المازني؛ إنصاف لنفسي ولشكري 2:

أتيحت لي اليوم فرصة للتفكير في بعض ما اجترحت من الاتهام وارتكبت من الذنوب، وإني لمدين بهذا لمن لا أعرف، بل لمن تحدثني نفسي

1 الرسالة 15 أغسطس سنة 1938.

2 البلاغ 20 مايو 1934.

ص: 554

أنه شخص لا وجود له، فإن للسان سلطة منكرة ولقد لعن آبائي وأجدادي لعنا أظنه أزعجهم في قبورهم.

قلت لنفسي: لا بد أن في الأمر سرًا وأقبلت على الكتاب أتصفحه فما راعني إلا أن مؤلفه هو الدكتور رمزي مفتاح يتهمني بالعقوق والغدر والخيانة، وإلى آخر ما يمكن أن يخطر بالبال من أمثال هذه المعاني وهو يشرك معي في التهمة الشنيعة صديقي الأستاذ العقاد بلا سبب ثم يفرد له تسعة أعشار الكتاب وللعقاد لسان حال وبيان قوي، وإن كنت أحسبه لن يعنى بهذا الطن السخيف وسبب هذه الحملة أني كنت نقدت الأستاذ عبد الرحمن شكري الشاعر في كتاب الديوان الذي أصدرناه -العقاد وأنا- في سنة 1922وأن ما بيني وبين شكري فسد بعد ذلك وقبله.

وأحب أن أنصف شكري وأسطر للقراء قصتي معه لا لأن الدكتور رمزي مفتاح رماني بالغدر والخيانة، بل لأن كتابة مناسبة صالحة.

كانت علاقتي بشكري كأوثق ما يمكن أن تكون علاقة صديقين ثم حدث سنة 1915 أن كنت أنا في الإسكندرية فبلغني أنه وضع كتابا عن أدباء هذا العصر وأن فيه فصلا عني يجب أن يقرأه علي قبل طبعه وأنه قادم لهذا.

ولما صرنا في بيتي أدهشني بقوله: إنه يريد أن يسترد مني رسائل كان قد كتبها إلي فذهلت، وقلت له: دونك الدرج فخذ منه رسائلك جميعًا إذا شئت ولم أر أن أسأله بعد هذا عن كتابه الذي يزعم أنه كتبه عني فقد حز هذا المطلب في نفسي ووقع عندي أسوأ وقع وآلمه.

وكان مما قاله لي في ذلك اليوم أن الجزء الأول من ديواني أبياتا سهل

ص: 555

أن أرمى فيها بالسرقة فقلت له إذا كنت قد وقعت على هذه الأبيات فما عليك إلا أن تدلني عليها وإنك تعلم أني لا أتعمد ذلك، وإني لمستعد إلى أراجعها معك فإذا اقتنعت فلست أتردد في كتابة مقال أنشره في الأهرام. وأنص فيه على هذه الأبيات مهما بلغت عدتها وأعلن نزولي عنها وردها إلى من يعدون مني لأنهم أسبق، فنصح ألا أفعل وقال: إن الناس لا يقدرون هذه الصراحة.

وإذ به بعد الجزء الخامس من ديوانه يحمل على مقدمته حملة يتهمني فيها بالسرقة.

ولم يثقل على نفسي اتهامه لي بالسرقة لأني أعرف من نفسي أني لم أتعمد سطوًا ولم أغر على شاعر وإنما علقت المعاني بخاطري أثناء المطالعة وجرى بها القلم وأنا غافل لأني ضعيف الذاكرة سريع النسيان، وإنما الذي أثارني أنه لم يأتمني على بعض رسائله وشك في مروئتي، وثانيا أنه ضحك علي ووصفني أني أميط عن شكري لوثة السرقة ليتسنى له أن يرميني بها وليكون وقع التهمة أعمق وأثرها أبلغ.

ولا أكتم القارئ أني انتقمت لنفسي شر انتقام وأني أسأت إلى شكري أعظم إساءة وما كنت أستطيع أن أفعل غير ذلك لأني لا أؤمن بإدارة الخد الأيسر لمن يضربني على خدي الأيمن وبعد أن شفيت نفسي مما وجدت استرحت ونسيت الحكاية.

ومضت سنون أخرى وجاء شهر مارس 1930 فطلبت مني إحدى الجمعيات أن ألقي عندها محاضرة في التجديد في الأدب العربي فجعلت موضوعها عبد الرحمن شكري وقد نشرت هذه المحاضرة في الخامس من أبريل 1930 في السياسة الأسبوعية.

ص: 556

قلت هذا عن شكري وأنا لم أضع يدي في يده منذ سنة 1919 إلى اليوم لأني لا أحمل له ضغنًا أو أنطوي له على حفيظة فما أحمل له أو لغيره شيئا من هذا القبيل بل لأنه هو شاء أن ينأى ويبتعد ولست أستطيع أن أطارد أحدًا بصداقة لا يريدها، وأنا امرؤ ينسى المعركة بعد انتهائها يستوي في ذلك أن أكون غالبا أو مغلوبا.

فإذا كنت غالبا لم أره أو كنت مغلوبا لم أتحسر ولم أحقد، وبحسبي أن أكون قد بذلت جهده كله ولم أدخر منه شيئا.

ولو كان شكري يذهب مذهبي في الحياة لما منعه شيء من أن يصافحني بعد أن وضع السلاح وانقطع الكفاح، ولماذا يظل الناس متنافرين طول العمر.

وإنما كتبت هذا الكلام الكثير لأني أحب شكري وأجله ولأني نادم على ما صنعت به تائب من ذنبي إلى الله ومعه وله أن يصدق أو يرتاب فما لي فيه مطمع ولقد حاولت أن أكفر عما أسأت به إليه وأن أجره إلى الدنيا مرة فأبى وقال: اتركني ولا تنبش قبري وحسبي ما لقيت منك فأقصرت ونفضت يدي يائسا.

وإنه لسخيف من الدكتور رمزي مفتاح أن يخوض فيما لا يعلم وأن يكتب عن العقاد وعني وما كتب ولست أظن العقاد مباليه.

ويحسن أن أنبه إلى أن الأستاذ العقاد لا ذنب له فيما وقع بيني وبين شكري ولم يكتب حرفا واحدًا يسوء شكري ولقد كان فضله علينا أن أصلح ما أفسدناه.

ص: 557

6-

المازني؛ شكري وكتاب رواد الشعر الحديث 1:

كيف كنا صديقين حميمين ثم وقعت الجفوة بيننا وحلت النبوة وتعادينا وأساء كل منا إلى صاحبه ومضى خير عمرينا إلى قطيعة سخيفة، ولعلي ما ندمت على شيء في حياتي كندمي على ما فرط مني في حقه، ذلك أني أحبه ولا أستطيع أن أجحد فضله علي، نعم كنا زميلين في المدرسة ولكن كان ناضجا وكنت فجا، وكان أديبا شاعرًا واسع الاطلاع، وكنت جاهلا ضعيف التحصيل قليل العقل فتناول يدي وشد عليها وأبت مروءته أن يتركني ضالا حائرًا أنفق العمر سدى وأبعثر في العبث ما هو كامن في نفسي من الاستعداد وكنت أقرأ ابن الفارض والبهاء زهير فأقرأني شعر الحماسة وشريف الرضي والبحتري والمعري وابن المعتز.

وكانت مطالعاتي في الإنجليزية قاصرة على أمثال ماري كوريللي ومن نسيت غيرها ففتح عيني على شكسبير وبيرون وردز ورث وشيللي وبينز وملتون وهازيلت وكارليل ولي هنت وماكولي وشيلي وراين وروسو ومئات غيرهم، وصرفني عن المقلدين في أدب كل أمة وأغراني بأصحاب المواهب والابتكار وصحح لي المقاييس وأقام الموازين الدقيقة وفتح عيني على الدنيا ومن فيها وكنت عميا لا أنظر وإذا نظرت لا أرى، وكان لفرط أدبه يتوخى معي سلوك الند ولا يتعالى تعالي الأستاذ على التلميذ وكنت فقيرًا فكان يعيرني الكتب أو يهبنيها، وكنت غبيا فكان يشرح ويفسر.

ولما نفخني وأعداني فقلت الشعر كان يصرفني عن العبث ويزجرني عن التقليد ولا يرضى لي الضعف؛ ولو أردت أن أنقضي لما فرغت وأنا مدين له

1 الجهاد 4 سبتمبر 1934.

ص: 558

بكل ما أعان على ما صرت إليه. أقول ذلك مباهيًا شاكرًا فضل الله علي أنه لم يضيعني وأن كتب لي نعمة الاتصال بشكري، وإني لأرجع البصر في حياتي وأتساءل ماذا عساي كنت أكون لولاه؟ فلا أجد عندي لهذا جوابًا وأدير عيني في نفسي وأبحث عن نزعة لم يكن هو غارس بذرتها إذا لم يكن هو الموحي بها فلا أهتدي.

ومن طول ما عرفته وفرط ما ملأت نفسي به صرت على البعد والقطيعة أستطيع أن أستوحيه فكأننا ما تباعدنا ولا تجافينا، ولقد تذمرت له وغدرت به ولكني والله ما كرهته قط ولا انطويت له في أحلك ساعات النعمة إلى على الحب والإكبار.

وشكري وحده هو المظلوم المغمور ولا نكران أنه هو الذي حجب نفسه عن العيون وطوى آثاره وكيف عن نشرها وأصر على ذلك سبع عشر عامًا حتى نسيه الناس.

ولكن من له مثل فضله ومزاياه إنه يحب إكراهه على الظهور رضي أم سخط.

7-

العقاد؛ اعترافات المازني 1:

من اعترافات الأستاذ المازني الأخير قوله وهو يذكر الأستاذ عبد الرحمن شكري "نعم كنا زميلين في المدرسة ولكنه كان ناضجا وكنت فجا، وكان أديبا شاعرًا واسع الاطلاع وكنت جاهلا ضعيف الشخصية قليل العقل فتناول يدي وشد عليها وأبت له مروءته أن يتركني ضالا حائرًا أنفق العمر سدى وأبعثر من العبث ما لعله كان في نفسي من الاستعداد وكنت أقرأ ابن الفارض

1 الجهاد 1 سبتمبر 1934.

ص: 559

والبهاء زهير فأقرأني شعر الحماسة والشريف الرضي والبحتري والمعري وابن المعتز وأبي نواس وغيرها من أضرابها ففتح عيني على شكسبير وبيرون دورد زورث وشيلي وملتو وهازلليت وكارليل ولي هنت وماكولي وجوتيه وشيللر ولسنج وموليير وراسين وروسو ومئات غيرهم من أعلام الأدب الغربي وصرفني عن المقلدين في كل أمة وأغراني بأصحاب المواهب والابتكار وصحح لي المقاييس وأقام الموازين الدقيقة وفتح عيني على الدنيا وما فيها وكنت عميا لا أنظر وإذا نظرت لا أرى".

لا ضير عليه في إثباتها إذا كانت هي الحقيقة ولا ضير على أنا في إثبات مثلها إذا لزمني منها ما يلزمه وسرى علي ما سرى عليه ولكننا هنا نفترق كما يعلم الأستاذ:

ويخطئ من يظن لنا شأنا واحدًا في تاريخ هذه الفترة التي تحدث عنها.

إن الأستاذ شكري والأستاذ المازني كانا طالبين في مدرسة المعلمين قبل فتعارفا وتزاملا قبل لقائي لهما ببضع سنوات.

اما أنا فلم ألق الأستاذ عبد الرحمن إلا في سنة 1913 بعد عودته من البلاد الإنجليزية، ولم ألق الأستاذ المازني إلا قبل ذلك ببضعة شهور ولم يخرج منهجي في القراءة بعد أن لقيتهما عما اخترته لنفسي منذ بداية الاطلاع.

فقبل أن لقيت الأستاذين كنت أشترك في تحرير مجلة البيان وأترجم فيها ماكس نورد ونيتشه وأمرسون وحافظ الشيرازي وغيرهم.

وقبل اشتراكي في تحرير البيان أصدرت خلاصة اليومية وفيها آثار الاطلاع على فتزجيرالد وتلستوي ودافيد هيوم وبيرك ونيتشه، وغيرهم مقتبسة من مراجع لم تترجم إلى اللغة العربية.

ص: 560

وقبل صدور خلاصة اليومية بأربع سنوت أو خمس اشتركت في تحرير الدستور ونشرت فيه فصولا متعاقبة عن شعراء الفرس المترجمين إلى اللغة الإنجليزية.

بل لقد لقيت الأستاذ شكري وهو يعلم لي رأيا مكتوبا في الأدب وحكما مستقلا في النقد إلى أن أقدم ديوانه الثاني الذي طبعه على أثر عودته من البلاد الإنجليزية فقدمته.

فدراستي الآداب الأوربية ومطالعاتي في تاريخها ومذاهبها سابقة لمعرفتي بالأستاذ شكري والمازني، إنني لم أغير مناهج قراءتي بعد سنة 1913 أقل تغيير. ولكن الأستاذين شكري والمازني هما اللذين غيرا منهجهما في القراءة فالتفتا إلى النقد العلمي الفلسفي بعد أن كانت القراءة عندهما شاخصة كلها -في هذه الناحية- إلى النقد الأدبي المحض على أسلوب ماكولي ومن إليه، وظهرت في كتابتهما أسماء ماكس نوردو ولمبروز لسنغ ونيتشه بعد أن كانت خلوا منها وهم النقاد الذين عنيت بهم منذ البداية.

الواقع أنني بدأت بقراءة الأدب الإنجليزي قبل سنة 1903. وأنا بعد تلميذ بالمدرسة الابتدائية في بلدي أسوان وساعدني على ذلك أسباب لعلها خاصة بمدينة أسوان بين المدن المصرية.

ولقد كانت أسوان تزدحم بالمئات من علية الأوروبيين الذين يفدون إليها من أقطار أوربا في الشتاء، فكنا نحادثهم ونسمع منهم ونغتبط بالمرانة التي نستفيدها بمحادثتهم والإصغاء إليهم.

وإذا أقبل الشتاء تفتحت المكتبات في أسوان وفيها ذخيرة صالحة من المصنفات الإنجليزية التي كانت تشيع بين القراء في تلك الأيام.

ص: 561

وهناك لغط فارغ يطن به بعض الناس حول شكري والمازني والعقاد لا أثر فيه للحقيقة، بل هو نقيض الحقيقة في أكثر الأمور، ولكني لا أعرض لها -أي الحقيقة- بالتوضيح إلا إذا كان المسئول بين أيدي القراء رجال كالمازني أو كشكري أو من يروي عنهما رواية يقوم عليها الدليل لدي، أما من عدا هؤلاء فليسوا عندي في حساب.

8-

المازني؛ حول اعترافاتي 1:

أنا وشكري كنا طالبين في مدرسة المعلمين وتزاملنا منذ عام 1901 أما الأستاذ العقاد فلم ألقه إلا في سنة 1912 أو في أخريات سنة 1911 بمناسبة ظهور مجلة البيان.

وكان الأستاذ العقاد كاتبا معروفا في ذلك الوقت بل من قبل ذلك بسنوات وله كتب مطبوعة ورسائل منشورة.

ما يمكن أن يفهمه أحد أن ما يسري عليّ يسري على الأستاذ العقاد أو أن حظي وحظه مشتركان في عالم الأدب بلا افتراق أو اختلاف.

كان لكل منا شأنه وطريقه ومنهجه على الرغم من صلاتا الوثيقة كل هذه الأعوام المديدة وصداقتنا التي لم توهنها الأزمات من سياسية وغير سياسية.

إني لا أزال أقيس قدرتي إلى أملي فلا أراني صنعت شيئا أو بلغت حيث أريد. إن خير شعري هو الذي لم أقله وهو الذي يدور في نفسي ويضطرب به جنابي ولا يجري به لساني. فليسمح لي أن أقول أن ليس لي بالاعتراف وإنما هو إيثار للحقيقة وأنفة من المكابرة.

1 البلاغ سبتمبر 1934.

ص: 562

9-

مقدمة رسائل النقد للدكتور رمزي مفتاح:

يجد القارئ في هذا الكتاب رجلين هما: عبد الرحمن شكري وعباس العقاد وسيكون بلا ريب من العسير على نفسه أن يحل كلا منهما في المنزلة التي يجده فيها في هذا الكتاب إلا إذا كان مستوعبا للحركة الأدبية منذ عشرين سنة حينما صدر ديوان شكري الأول سنة 1906 وكانت له ضجة كبيرة في الشرق العربي.

واسم العقاد الآن مذكور لاشتغاله بالصحافة أكثر من عشرة أعوام واسم شكري مغمور لعزوفه عن طلب الشهرة وعدم طبعه دواوينه بعد أن نفذت طبعتها من أزمان. ولقد كان تلميذه العقاد والمازني يلازمانه ويأخذان من أدبه ويؤمنان بعظمته حتى إن المازني كتب في الدفاع عن ديوانه الأول قرابة عشرين مقالا متتالية. ولما اشتغلا بالصحافة اصطحبا عليه وراحا ينالان منه ويقعان فيه ليغمرا ذكره ويعلوا على شلوه المأكول فأصدرا معا كتاب "الديوان في النقد" فرمياه بالنقد الذي لا يمت إلى النقد الأدبي ولكنه مفرق إلى مقتل يعلمانه في الرجل وطبيعة استحيائه ونكوصه أمام المهاترة الحزاف، فكان كل نقدهما أنه ذكر لفظة الجنون في أبيات متفرقة من شعره فلا بد أن يكون مجنونًا!.

10-

رد عبد الرحمن شكري 1:

ذكر الأستاذ خلدون أنه إذا صح ما في الكتاب "كتاب الدكتور مفتاح" تكون منزلته من الأستاذ العقاد والأستاذ المازني كمنزلة عريف القرية من تلاميذه الذين يبزونه فضلا وعلما ويفوقونه دراية وحكمة، وكنت أود أن

1 الأهرام 12/ 9/ 1934 وقد نشرها ردا على مقال عنه.

ص: 563

أكون عريف القرية المفضول الذي علم هذين الأستاذين، كما أكتسب شيئا من الخلد بسبب خلود اسميهما ولكن لم يكن حتى هذا الفضل، وإهدائي إلى صديقي المازني الكتب أو إعارتي إياه بعضها لا يعد تعليما، أما الأستاذ العقاد فلم أعرفه إلا بعد أن أتم دراسته للأدب ولم أكن أقابله كثيرًا لأني كنت في الإسكندرية وكان هو في القاهرة وكانت المكاتبة بيننا نادرة.

وإذا كان في دواوينه الأخيرة والتي قبلها ما يشبه بعض قولي فسبب التشابه في القولين تشابه الثقافة وأسلوب التعبير والشعور في موضوعات خاصة.

وقد تنحيت عن الاشتغال بالأدب نحو سبعة عشر عاما من غير قاهر يقهرني وإنما تنحيت زهدا في أن أكيد أو أكاد فليس من المعقول أن آتي بعد أن فترت فورة الشباب فأغري الكتاب بالأستاذ العقاد والأستاذ المازني وأنا لا أتكسب بالكتابة ولم أحترف الأدب والصحافة ولا أعد نفسي المحترمون أديبا إذا عد الأساتذة.

ص: 564