الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل التاسع: بين المازني وخصومه
لم تكن للمازني خصومات واضحة، ولعل أكبر معاركه الأدبية كانت مع طه حسين1 ولعل الخلاف السياسي كان مصدرا من مصادرها، أو سببا من أسبابها، ومعركته مع عبد الرحمن شكري تدل على قدرته على ضبط النفس والرجوع إلى الحق، وقد ظل على رأيه في أن مدرسة "شكري، العقاد، المازني" كانت هي مطلع النهضة الفكرية الحقيقية وليست مدرسة "طه حسين، هيكل" في جريدة السياسة وفي ذلك يقول موجها قوله إلى الدكتور طه حسين:
"أستأذن صديقي الدكتور طه حسين في أن أقول من غير غمط لأحد أو إنكار لفضل أحد أن أدب العقاد وشكري وإخوانهما هو عندي مظهر النشوء الطبيعي للأدب العصري، وهو لهذا تيار رئيسي في رأيي الحركة الأدب عندما تسايره تيارات أخرى يتعذر الحكم عليها الآن لأنها صاخبة لم تستقر، فيما عدا هيكل بك فقد اهتدى إلى طريقة وأخذ سمته فيه إلى غايته أما تيار العقاد وشكري وإخوانهما فقد أخذ الطريق منذ اللحظة الأولى ولايزال ماضيا فيه على سنته في هدوء وصراحة وإيمان واطمئنان.
ولا أنكر أني من هذه المدرسة بحكم مزاجي وتربيتي واطلاعي ولعله من سوء حظها أني معدود من رجالها".
وقد عني المازني بالكتابة في نقد الكتب ثم انصرف عنها مغضبا بعد أن أحس بعجز المثقفين عن تقبل النقد، فقد رأى أنهم يريدون منه أن يكتب مدحا خالصا تحت ستار النقد وقد عدد الأضرار التي وقعت له من جراء بعض كلماته الصريحة عن بعض الكتاب، وبعض الشعراء، ولذلك فقد قرر أن يعدل نهائيا عن نقد الكتب حتى لا يقرأ منها ما لا يريد وحتى يقتني منها ما يحب فقط وحتى يربح "دماغه" من آلام هو في غنى عنها وقد حدث هذا بعد مناقشة لكتاب "النثر الفني" للدكتور زكي مبارك ويقول في مقاله عن هجر النقد:
1 اقرأ هذه المعركة في هذا الكتاب.
المازني والنقد 1:
أقول: إني صرت أعتقد أن هذا النقد هدم وتخريب وقلة حيلة وضيعة وإفلاس، وما رأيت أحدًا زاد علما بالقديم أو فهما له من أجل النقاد تناولوه بفلسفتهم وما ضر لو تركنا الناس يتدبرون هذا القديم بعقولهم التي خلقها الله لهم ويقدرونه على قدر فهمهم وإدراكهم له.
من أجل هذا آليت ألا أتناول شيئا بنقد -لا جديدا ولا قديما- فمن كان له كتاب وكان يشتهي أن يكتب عن الكتاب فليضن به علي كناقد وليحتقب شكري له كعادتي.
تهمة السرقة:
ولعل أبرز الاتهامات التي وجبت إلى المازني اتهامه بالسرقة في الشعر وفي القصة، فقد هاجمه عبد الرحمن شكري بأنه يترجم شعر بعض الشعراء الإنجليز وينقله إلى قصائد دون الإشارة إليه2، كما وجهت إليه الاتهامات بأنه ترجم قصة "ابن الطبيعة" وأنه نقل فصولا كاملة منها في قصته الأولى "إبراهيم الكاتب".
وقد حفلت أعداد مجلة "النهضة الفكرية" التي أصدرها الدكتور محمد غلاب سنة 1932 بمقالات متعددة تحت عنوان "سرقات المازني" وقد رد المازني على هذه الاتهامات فقال:
في سنة 1926 شرعت أكتب في قصة إبراهيم الكاتب وانتهيت منها ولم أرض عنها فألقيتها في درج حتى كانت سنة 1930 فخطر لي أن أنشرها فدفعت بها إلى المطبعة فاتفق بعد أن طبعت نحو نصفها أن ضاعت بعض
1 29 سبتمبر 1934، البلاغ.
2 اقرأ نص المعركة في معارك الشعر في هذا الكتاب.
الأصول وكنت لطول العهد قد نسيت موضوعها وأسماء أشخاصها فحرت ماذا أصنع؟ ثم لم أر بدا من المضي في الطبع فسددت النقص ووجهت الرواية فيما بقي منها توجيها جديدًا ونشرت الرواية.
وبعد شهور تلقيت نسخة من مجلة الحديث التي تصدر في حلب وإذا فيها فصل يقول فيه كاتبه: إني سرقت فصلا من رواية "ابن الطبيعة" فدهشت ولي العذر، واذكروا أني أنا مترجم ابن الطبيعة وناقلها إلى العربية وأن 4 آلاف نسخة نشرت منها في العالم. وإني أكون أحمق الحمقى إذا سرقت من هذه الرواية على الخصوص فبحثت عن ابن الطبيعة وراجعتها وإذا بالتهمة صحيحة لا شك في ذلك بل هي أصح مما قاله الناقد الفاضل.
وقد اتضح لي1 أن أربع أو خمس صفحات منقولة بالحرف الواحد من ابن الطبيعة في روايتي "إبراهيم الكاتب" أربع أو خمس صفحات سال بها القلم وأنا أحسب أن هذا كلامي، حرف العطف هنا هو حرفه هناك، وأول السطر في إحدى الروايتين هو أوله في الرواية الأخرى لا اختلاف على الإطلاق في واو أو فاء أو اسم إشارة أو ضمير مذكر أو مؤنث ومن الذي يصدقني إذا قلت: إن رواية ابن الطبيعة لم تكن أمامي ولا في بيتي وأنا أكتب روايتي؟ من الذي يمكن أن يصدقني وأنا أؤكد له أني لم أر رواية ابن الطبيعة منذ فرغت من ترجمتها وأني لو كنت أريد اقتباس شيء من معانيها أو مواقعها لما عجزت عن صب ذلك في عبارات أخرى! لهذا سكت ولم أقل شيئًا، والواقع أن صفحات أربعا أو خمسا من رواية ابن الطبيعة علقت بذاكرتي -وأنا لا أدري- لعمق الأثر الذي تركته هذه الرواية في نفسي فجرى بها القلم وأنا أحسبها لي.
1 اقرأ الفصل كله "السرقات الأدبية" في الرسالة 2 أغسطس 1937.
حدث ذلك على الرغم من السرعة التي قرأت بها الرواية والسرعة التي ترجمتها بها أيضا ومن شاء أن يصدق فليصدق ومن شاء أن يحسبني مجنونا فإن له ذلك.
ولست أروي هذه الحادثة لأدافع عن نفسي فما يعنيني هذا، وإنما أرويها على أنها مثال لما يمكن أن تؤدي إليه معابثة الذاكرة للإنسان.