الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غاية الأدب: ما هي؟ بين زكي مبارك وسلامة موسى
كانت حملة سلامة موسى على الأدب العربي مثارًا لمعارك متعددة، كان أبرزها معركته مع زكي مبارك، يرى سلامة موسى أن غاية الأدب هي توجيه الحياة الاجتماعية وأن الأدب الحديث أنفع من الأدب القديم، ويرى زكي مبارك أن الأدب وثيقة تسجل فيها مظاهر الحياة الاجتماعية وقد تصير "دستورا تخضع له هذه الحياة".
1-
الآداب الباقية: رد زكي مبارك على سلامة موسى 1
كنت بينت للخصم الشريف سلامة موسى وجه الخطأ فيما ذهب إليه من الدعوة إلى الإقلال من العناية بالأدب العربي، وكانت حجتي أنه يعنى بالأدب الفرعوني مع أنه أدب موغل في القدم، وأن الأستاذ عبد القادر حمزة يبذل جهودًا عنيفة في شرح الأساطير الفرعونية، ولم يقل أحد أنه يضيع وقته فيما لا يفيد، فكيف يلام رجل مثلي إلى قصر عمره على درس الأدب العربي مع أنه أدب حي لا يزال يسيطر على أذواق الناس في المشرق والمغرب، وهو فوق ذلك يفسر غوامض النفس العربية التي تلقت الإسلام ونشرته في العالمين.
وأعود فأقرر أن لدراسة الأدب العربي غايات أخرى غير تلك الغايات الدينية وأبدأ فأنقض حجة سلامة موسى إذ يرى أن غاية الأدب هي توجيه الحياة الاجتماعية وأن الأدب الحديث أنفع دائما من الأدب القديم.
وعندي أن الأدب كما يكون ضربا من الإصلاح يكون نوعا من الوصف وهو وثيقة تسجل فيها مظاهر الحياة الاجتماعية، وقد يصير دستورًا تخضع له الحياة الاجتماعية. فإن كنت في ريب من ذلك فراجع كتب الأدب في القديم والحديث تراها سجلات دونت فيها أزمات القلوب والنفوس والعقول.
1 ك: الأسمار والأحاديث ص371.
والكتاب الاجتماعيون يعيشون في عالم الواقع كما يعيش رجال القوانين، ولذلك نراهم يهتمون بشئون لا يلتفت إليها أحد من الشعراء، والأستاذ سلامة موسى كاتب اجتماعي وليس بأديب واللغة عنده ليست إلا أداة تفاهم وكل تأنق في العبارة يبدو لعينيه وكأنه لغو وإسراف. والأدب القديم لا يمكن أن يحتل رأسًا مثل رأس الأستاذ سلامة موسى.
أما الأديب -وارحمتاه للأديب- فهو إنسان لا يعرف غير عالم المعاني وليس للدنيا في نفسه حدود ولا تواريخ فهو يلتمس الحكمة حيث وقعت، الحكمة الجميلة التي تحمل طابع الحق والخير والجمال.
الذي يهمني أن أقرر أن الأديب لا يشوقه غير المعاني، وهو من أجل ذلك لا يتقيد بالحدود التاريخية والجغرافية وهو لا يعنى بالمشاكل إلا من الوجهة الإنسانية. أما الأوضاع الاجتماعية فموقفه منها موقف الوصاف الذي يشرح المحاسن والعيوب.
وهذا لا يمنع أن يكون الأديب من أهل الكفاح، وهو حين يكافح يصبح قوة خطرة في الحياة الاجتماعية لأنه يحلق دائما في الأجواء العالية ولا يقنع بالقليل.
2-
قد يكون سلامة موسى في دينه أصدق مني في ديني والله أعلم بالسرائر، ولكن من المؤكد أني أصدق منه في الوطنية، فأنا أحرص على اللغة العربية والإسلام خدمة لوطني. وأنا أغض النظر عن هفوات كبيرة لرجال الدين لأنهم على أي حال من الشواهد على أن وطني له سلطة روحية، وقد تطوع المسلمون في مصر لمعاونة الأحباش أيام محنتهم بعدوان الطليان بغرض وطني هو الشعور بأن الكنيسة القبطية لها سلطات روحية على عقائد الأحباش.
فهل يغار الأستاذ سلامة موسى على الأزهر الشريف كما أغار على الكنيسة القبطية.
وهل من الكثير أن يكون منا عشرة أو عشرون أو ثلاثون يقضون أعمارهم في دراسة ماضي اللغة العربية، وهي اللغة القومية في مصر منذ ثلاثة عشر قرنا وهل تعاب فرنسا وإنجلترا وإيطاليا بأن فيها مئات من الباحثين لا يهتمون بغير درس الذخائر في الأدب القديم عند اليونان والرومان.
وفي العرب: نصارى ويهود ومسلمون لأن العروبة هي مصدر هذه الديانات الثلاثة، ولو كان سلامة موسى من أرباب المآرب المادية لعذرناه وقلنا: إنه رجل ينتفع من مؤازرة خصوم العروبة والإسلام، ولكن سلامة موسى رجل عفيف القلب والجيب ولن يترك لأطفاله غير ما ورث من أبويه الكريمين فكيف يستبيح لنفسه أن يسيء إلى سمعة مصر العربية الإسلامية بلا جزاء.
3-
إن اهتمام الأستاذ سلامة موسى بالكلام عن الحرمان وتفاوت الطبقات فتات خطفه من موائد الأجانب الذين كتبوا في الاشتراكية فليس فيه أصالة فكرية أما أعمالنا فنحن في درس أسرار اللغة العربية فهي الأساس لزعامة مصر في الشرق فمؤلفاتنا في الأدب هي المظهر لمجد مصر.
إن تجني سلامة موسى على مؤرخي الأدب العربي بغير حق دليل على أنه جاهل وجهول وجهالة ومجهال.
إنه يعادي لغة العرب لسبب بسيط وهو أنها لغة القرآن المجيد.