الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: الدين والمدينة
…
الفصل الثالث: الدين والمدنية
بين محمود عزمي وعلماء الأزهر:
محمود عزمي، التغريب 1:
أثار "محمود عزمي" معركة فكرية بمناسبة إعداد الدستور المصري عام 1922 حيث دعا إلى اعتبار "القومية المصرية" وحدها أساسًا لتقرير حقوق المصريين وواجباتهم العامة والمطالبة بتوحد التشريع والقضاء وجعلهما مدنيين في الأحوال الشخصية كما في المعاملات وقد جرى هذا السجال في جريدة الأهرام "يونيه 1922" واشترك فيه كثيرون منهم: محمد هلال الإبياري وعبد ربه مفتاح. ولم يتوقف محمود عزمي عن آرائه ولكنه استنبطها بحثه طوال حياته الفكرية.
نريد أن تكون القومية المصرية وحدها أساسًا لحياتنا العامة، نريد أن تكون القومية المصرية بارزة كتلة واحدة.
تسمح التقاليد الدينية بتزويج المسلم من الكتابية، فتسمح بهذا بدخول العنصر المسلم إلى حظيرة الأسرة الكتابية، ولكن هذه التقاليد نفسها تأبى أن تتزوج مسلمة من كتابي فيجعل باب الأسرة المسلمة محكم الإغلاق في وجه الكتابيين جميعًا.
نحن أول من يتقدم بكل قلبه مطالبا بالمظاهر المدنية البحتة لحياتنا العامة جميعًا، في أسرتنا وفي تعليمنا وفي تفكيرنا وفي قضائنا.
لا نريد غير قواعد واحدة للزواج، ولا نريد غير محاكم واحدة للفصل في كل أنواع المنازعات، ولا نريد أن يكون -خاصة في مدارسنا- مظهر لخلاف بين التلاميذ في العقيدة.
1 الأهرام 3 يونيو 1922.
لا نريد غير الوحدة القومية للتشريع وغرضنا للتشريع ولا نريد أن يكون في تصرفاتنا العامة مظهر لغير القومية وغير الامتزاج الحقيقي لجميع عناصر الوحدة المصرية.
فكوا عنا تلك الأغلال التي تريد أن تقيد فكرنا وعواطفنا وتقيد أعمالنا بدعوى أنها منزلة خالدة.
محمد هلال الإبياري؛ مدنية القوانين جميعا 1:
كيف يعقل أن يكلف أهل الأديان عامة في قطر من الأقطار أن يدعوا عقائدهم وأديانهم جانبا ونلزمهم باستبدالها بقوانين وضعية يستنبطونها بعقولهم وأفكارهم مع ما يعلمه كل واحد منا من أن العقول البشرية لا يمكنها أن تستقل وحدها بعلم المصالح والمفاسد التي يربط بها الشقاء والسعادة.
كان على الأستاذ أن لا يخاطر بالأديان هذه المخاطرة وأن لا يغامر بها هذه المغامرة حتى يدعو الناس إلى هذه التجربة الخطيرة فيدعوهم إلى التخلص من دياناتهم لمجرد ظنه أنها قيود عتيقة تقيد العواطف والأفكار بدعوى أنها منزلة خالدة.
هذا هو ما يقوله في ترويج تلك التجربة الخطيرة مدعيا أن من وراء العمل بها إسعاد الأمة وحفظ الوحدة وهو خيال إذ لو تجرد الناس عن أديانهم والتجئوا إلى ما توحيه إليهم عقولهم من السبل والوسائل في التشريع لأصبحت الأمة في فوضى خلقية.
ويئن الأستاذ ويتضجر من الأديان ويجعلها قيودا ثقيلة ويطلب إلى الأمة التخلص منها ويقرر أن كونها منزلة خالدة دعوى من الدعاوي.
1 الأهرام 7 يونيه 1932.
عبد ربه مفتاح؛ إلى عصبة الملاحدة 1:
لقد فتح دين الإسلام أبواب الكمال في وجه القراء، وأماط لها الستار عن سبل السعادة وقرر حقوق البشرية على وجه الشركة وأتى على بنيان الاستبداد من أساسه.
فما بال هؤلاء الناس يريدون أن لا نكون كالأمم الحية والدول القائمة بل ما بالهم يريدون أن لا يكونوا في دائرة البشرية، بل كلما جذبناهم إلى نوعنا استعصوا وأبوا ألا يشتركوا معنا في الجنس. أروني يا زعماء الزندقة عقلية عند مشرعيكم ونظما عند مقننيكم ينطق بهذا اللسان وإنصاف يقرب لا أن يساوي هذا الإنصاف، وروحا يدنو من هذا الروح.
بين زكي مبارك ومحمود عزمي:
"كتب زكي مبارك في كتابه "ليلى المريضة بالعراق" يناقش آراء محمود عزمي".
لما ذهب2 إلى بغداد قال: إن الخلاف بين السنة والشيعة ينتهي في حالة واحدة "هو الإسلام: ولو خرج العراقيون من دينهم ورجعوا إلى الفطرة لزالت أسباب هذا الخلاف".
قال زكي مبارك "والحكاية غريبة، ولكن وقوعها من الأستاذ عزمي غير مستحيل، فلهذا الرجل سوابق من هذا النوع، وهو الكاتب الوحيد الذي اعترض على أن ينص في الدستور على أن دين الدولة المصرية هو "الإسلام" وكان يسميه النص المشئوم في كلمات نشرها بجريدة الأهرام وجريدة الاستقلال.
1 الأهرام 12 يونيو 1922.
2 جـ1 جـ1 25.
وهناك سابقة ثالثة وقعت يوم كنا في باريس، فقد أثنى عليه الدكتور بشر فارس في أحد المحافل وقال: إنه يريد أن يكون الإسلام إسلامًا، فاعترض الأستاذ عزمي قائلا: أنا ما يهمني أن يكون الإسلام إسلامًا.
ولم يكن عزمي أول من أشاد بالارتداد عن الإسلام لتنقية الفطرة من أوهام المحترفين من أتباع الدين، فقد سبقه إلى ذلك الأستاذ محمد فريد وجدي ولكن فريد وجدي يقبل منه كل شيء لأنه قضى حياته في الدفاع عن الشريعة الإسلامية، أما محمود عزمي فرجل يعلن أن إيمانه مقصور على الحقائق التي يؤيدها العلم الحديث، ومن أجل هذا يقع هجومه على الإسلام موقعا غير مقبول.