الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس: حقوق المرأة
مساجلة بين رشيد رضا ومحمود عزمي:
هذه واحدة من مساجلات المجددين والمحافظين، موضوعها هل يجب مساواة المرأة بالرجل في الحقوق والوجبات؟ وهي محاضرة ألقاها الدكتور محمود عزمي ورواها ورد عليها الشيخ رشيد رضا وكان معارضا لكثير مما أورده عزمي.
قال عزمي: ما كنت أحسب وقد ملأت الدنيا أنباء الفضليات من النساء اللاتي يضربن الآن بسهم وافر في مختلف نواحي النشاط البشري والواقي، وفي الملك الدستوري النابه، في إدارة شئون الدول، ولا يزال يطن في آذاننا جميعا دوي تلك الجهود الهائلة التي قام بها النساء خلال الحرب العالمية وقد استحلن عمال خشنين يبرزن على الرجال في المعامل والمصانع المدنية فيها والعسكرية.
وقد تناول الشيخ رشيد رضا رواية المساجلة بقلمه:
خطاب1 الدكتور محمود عزمي، كان مكتوبا بالأسلوب الخطابي الذي يقصد به التأثير بخلابة القول وما يزينها من المعاني الشعرية، ولعله ينشره في بعض الجرائد اليومية التي يثبت فيها دعابته وآراءه وقد بدأه بقضايا ظن أنها كليات لأشكال منطقية يلزم من تسليمها النتيجة المطلوبة، والحق أنها في عرف المنطق الصحيح إما شخصية وإما جزئية لا يصح تأليف الأشكال المنتجة منها، وأن ما قد يضاف إليها من الكليات لا يمكن أن تكون مسلمة فيحتج بنتيجتها، وقد سماها منطقية وهي تسمية مردودة عند من له إلماما بعلم المنطق وما في باب الحجة والقياس من الشروط في تأليف الأشكال المنتجة للبرهان.
ذلك أنه ذكر أسماء بعض النساء في أوربا وفي الشرق من معاصرات
1 كوكب الشرق 22 يناير 1930.
وغابرات كمدام كوري وملكة هولندا وأميرة لكسبورج وخالدة أديب والأميرة نازلي وهدى ومي وسيزانبراوي.
فالقضايا التي تتركب من هذه الأسماء تسمى في المنطق قضايا شخصية لا يصح أن يتألف عنها منفردة ولا مجتمعة قياس برهاني على وجوب مساواة النساء والرجال في جميع الحقوق والواجبات، وذكر أيضا بعض أعمال النساء العامة في أوربا وما كان من جهودهن في إبان الحرب العظمى. وهؤلاء وإن كن كثيرات فإنه لا يصح الاحتجاج بهن على المطلوب لأنها جزئيات لم تصل إلى حد الاستقراء التام الذي يفيد البرهان اليقيني.
وما زال يقول "وما كنت أحسب" ويذكر جملا حالية معروفة حتى جاء بإتمام الجملة فقال: "ما كنت أحسب وكل هذه الظروف تكتنفنا أن وجود تسوية المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات يمكن أن يكون محل مناظرة" لأنها في رأيه كانت يوم قال بها الأستاذ لاند خيالا من الخيالات ولأنها أصبحت اليوم بدهية من البدهيات، وحقيقة من الحقائق العلمية التي لا يماري فيها إنسان.
وبعد إلقاء الدكتور عزمي لهذه المقدمات العقيمة شرع في بيان الحقوق فقال إن أولها حق الوجود واستنشاق الهواء كالرجل لأنها كائن موجود مثله سواء، وإن النتيجة المنطقية لذلك تمزيق الحجاب وهتك الستر والاختلاط مع الرجال في كل مجال فهو القاعدة الأولى لحق الوجود. وأفاض في مدح هذا الاختلاط وعده من مهذبات الرجل في ملبسه وزينته وكلامه وتفكيره.
واستشهد على ذلك برحلته الأخيرة إلى فرنسا فذكر أنه كان يحلق ذقنه كل مرة أو مرتين لأجل الاجتماع بالنساء وذكر أيضا من مزايا هذا الاجتماع
بهن، التفكير الطاهر البريء، وانتقل منه إلى حق الحياة في المجتمع ومنه أن يكون لها حق اختيار الزوج، وحق الطلاق، واتقاء ما يهدد حياتها من عواصف تعدد الزوجات وقفى عليه بحق الاشتراك مع الرجل في تربية الأولاد وتوجيه أنفسهم إلى الأعمال، وعطف على هذا حق الامتلاك بالإرث والكسب فارتطم ههنا في حمأة مصادمة الشرع، إذ زعم أنه يجب مساواة الأنثى للذكر في الإرث فكان كعاصفة على البحر اضطرب جمهور الموجودين اضطراب الموج، واصطخبوا اصطخابة عندما يتكسر على الصخر وأرادوا منعه من الكلام.
ولما أمكن إتمام القول التجأ إلى التأويل فزعم أن مسألة الإرث عند كثير من علماء الشرع ليست كمسائل العبادات التي تجب المحافظة عليها والجمود على نصوصها بل هي من مسائل المعاملات المالية التي يجوز تعديلها وتغييرها حسب تطور الزمان والمكان.
وقال: وإذا تعنت معنا أصحاب الجمود على الآراء الدينية فلماذا لا يتفيئون في تعدي قواعد الحدود الشرعية كالرجم، وقطع يد السارق؟ فإن الحدود قد عطلت وهم ساكتون فليسكتوا إذن على تغيير أحكام الميراث. والدليل على أن هذه الأحكام لا يمكن الاستمرار عليها أن المسلمين أنفسهم قد شعروا بذلك فرأوا الخروج من هذا الجمود بالوقف الذي هو عبارة عن حيلة يجيزها الإسلام الصحيح للخروج من الشيء إلى ما هو أوسع منه وقد جزم بأن أبناءنا سيرون هذا التغير إن لم نره نحن.
وختم هذه الحقوق بالحق السياسي وهو أنه لما كانت المرأة عنده كالرجل من كل وجه وجب أن يكون لها الحق في جميع أعمال الحكومة ووظائفها والانتخاب لمجالسها وقد حال انتهاء مدة كلامه دون إفاضة فيها
فسكت سكوتا مسخوطا عليه من الأكثرين، وصفق له الأقلون، وقد علمت بعد الخروج أن أكثرهم من غير المسلمين وأقل من ملاحدتهم.
2-
قلت1 فيما ذكره الخضم من المقدمات من نابغات النساء أن المرأة إنسان فلا يستنكر أن يظهر في بعض النسوة عالمات فاضلات ومهذبات نابغات، وأن وجود من ذكرهن دليلا على مساواتهن للنابغين من الرجال على قلة أولئك وكثرة هؤلاء، وأن سياسة الأميرة نازلي لا تسمو فتصل إلى سياسة سعد باشا وإن زعم أن اجتماعات قصرها كانت هي العاملة في تكييف ملكات التفكير العام عنده.
وإنما الفضل الأول لتكوين ملكات التفكير في عقل سعد هو الأستاذ الإمام ثم قلت منها ما سماه "حق الوجود واستنشاق الهواء" أنه ثابت بنفسه في الواقع وخلق الخالق فالكلام فيه من تحصيل الحاصل فلا يحتاج وجود النساء إلى إثبات الخطيب له بالدلائل فالنساء موجودات بدون حاجة إليه، إنما الباطل هو استدلاله به على وجوب تمزيق المرأة للحجاب والستور الذي يعبر عنه بالسفور واختلاط النساء بالرجال الذي ذقنا مرارته وتجرعنا غصصه، بخروجهن كاسيات عاريات يسبحن مع الرجل على شواطئ البحار ويرقصن معه في مواخير الفساد.
أما حق المرأة في التعلم فقد قلت فيه: إن الله تعالى فرض طلب العلم على النساء كما فرضه على الرجال فهو واجب عليهن في الدين وحق لهن على الوالدين والأولياء، ومن العلم ما هو واجب عيني على الصنفين وما هو واجب كفائي ومنه ما هو واجب عيني على أحدهما دون الآخر كالأحكام
1 كوكب الشرق 10 يناير 1930.
الخاصة بالنساء فيما هو خاص بطبيعتهن كبعض أحكام الطهارة المعروفة.
فكل علم تنتفع به المرأة في تهذيب نفسها وتربية أولادها وتدبير مغزلها فهو حق مشروع وقد جعل الشرع لها حق حضانة الأطفال دون الرجل.
قلت: وما ظلم النساء من ظلمهن من الرجال إلا بسبب امتهان الأقوياء غير المهذبين بتهذيب الدين للضعفاء، وذلك شأن كل قوي غير مهذب من ذكر أو أنثى هو من هو أضعف منه حتى الوالدين مع الأولاد، والعلم قوة يحترم التسليح بها بالطبع فتعلم النساء العلم الصحيح النافع يثمر لهن احترام أزواجهن وغير أزواجهن.
أما حق الحياة في المجتمع فقد بينت حكم الشرع فيما ذكره منه وهو حق اختيار الزوج وحق الطلاق كالرجل وحق صيانة نفسها من ضرر تعدد الزوجات.
قلت: إن الرضى بالزوج حق شرعي قررته السنة الصحيحة للمرأة وإن من قال من الفقهاء بجواز إجبار الأب لبنته البكر على الزواج فقد اشترطوا له شروطا له ولصحته شروطا منها الكفاءة وعدم العداوة الظاهرة بينه وبين الولي وعدم العداوة الظاهرة أو الباطنة بينها وبين الرجل الذي يراد تروجها به.
أما الطلاق فلو جعل حقا مطلقا للنساء كالرجال لفسدت البيوت وانقطع سلك نظام العائلات بالإفراط فيه كما تحدثنا الصحف عن أعظم أمم الغرب مدنية أن للمرأة أن تشترط في عقد النكاح أن يكون أمرها بيدها وهذا الشرط يعطيها حق تطليق نفسها.
أما حق الامتلاك للنساء كالرجال فالشرع الإسلامي فيه أوسع الشرائع
وأرحمها ومن رحمته وحكمته أحكام الإرث وقد تكلمت في ذلك حتى أسكتني الرئيس بانتهاء الوقت.
3-
ومع1 أن بعض الجرائد الإفرنجية انتصرت للأستاذ محمود عزمي وطعنت على الجمهور الذي أيدني بما يطعن به الإفرنج على كل مسلم معتصم بدينه -مع هذا وذاك- لا أزال مصرا على ما كتبه من إعجابي بحرية الرجل وصراحته وإنصافه فيما صرح به أمامي فيما قلت من الرد عليه ومنه قوله لي: "إننا نبالغ فيما نطلب للنساء من الحقوق في مقابلة ما نعلم من مبالغة رجال الدين في هضم حقوقهن لنصل إلى الاعتدال الذي يقول به مثلك، نعم لقد أكبرت من إنصافه في هذا المقال وزاد عجبي به ما علمته من أنه قال هذا في مجالس أخرى.
1 كوكب الشرق 31 يناير 1930.