الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مقدمة المصنف]
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين وصلى الله على سيدنا مُحَمَّد وآله وسلم
الحمد لله الذي رفع أقدار العلماء وشرفها بمعاليها الذاتية والاسمية. ونور بمانيرهم بالعلوم الشرعية والحكمية. وأيدهم بالحقائق العلمية والفقهية، ونزههم بفضله عن الأمور الوهمية.
نحمده حمد من فاز بالأمنية والقسمية.
ونشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، شهادة تمحو الحادثات الإثمية.
ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله المبعوث بشرف الهمة والحمية، صلى الله عليه وعلى آله ما أشرقت الأنوار الشمسية والنجمية.
أما بعد: فإنه لما كان خلاف العلماء في الشريعة المطهرة واقعًا بين الصحابة والتابعين والأئمة المهديين رضي الله عنهم أجمعين. كان ذلك من اتساع الرحمة، وتيسيرًا من الله تعالى للأمة. قال اللَّه تعالى:(وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ). وقال صلى الله عليه وسلم: "بعثت بالحنيفية السمحة السهلة" وقال ابن عَبَّاسٍ رضى اللَّه عنه "الرحمة صدقة من الله تعالى فلا تردوا على اللَّه صدقته".
وقيل: إن الله تعالى يحاسب العبد على أيسر الوجوه.
ولما نظرت في كتاب ابن حزم رحمه الله، الذي جمعه في إجماع الأئمة، وأورد ما فيه الخلاف ظاهرًا، وادعى الوفاق فيه، وأورد ما فيه الوفاق ظاهرًا، وادعى الخلاف فيه.
وجاء في كل من الأمرين بما ينافيه، وقد نبهت على ذلك في نسختي منه بالحواشي إزاء المسائل التي ذكرها في الكتاب. وجئت بما فيه إن شاء الله تعالى عين الصواب، رجاء فضل اللَّه وجزيل الثواب.
أحببت أن آتي بكتاب فيه الخلاف بين الصحابة، والتابعين، والأئمة الأربعة رضي الله عنهم أجمعين، وإلى نحو ذلك بالأقوال القوية الأكيدة. والوجوة الضعيفة البعيدة،
لئلا تحرج الأمة، ولا يقع مسكين في غياهب الظلمة.
وسميته: "المعاني البديعة في معرفة اختلاف أهل الشريعة".
كتابًا شافيًا، وكلامًا وافيًا، يحتوي على الكمال ويبعد عن مقاربة الإشكال، ورتبته على ترتيب المهذب للشيخ أبي إِسْحَاق الشيرازي تبركًا به. وجعلت أول كل مسألة ميمًا بالحمرة علامة لأولها، وانفصالاً عما يقدمها، ليسهل على الطالب.
وأهملت ذكر دلائل الترجيح. إذ عند كل من الأئمة أن نظره الصحيح، فلا حاجة إلى ذكر التفصيل والتصحيح. وإنَّما اعتمدت في الترتيب على الشيخ أبي إِسْحَاق المذكور، لأنه في الشَّافِعِيَّة من الصدور، وبدأت بذكر الشَّافِعِيّ في المسطور، وتوكلت على الله في كل الأمور وأسأل الله تعالى الإعانة والتوفيق، والهداية إلى أرشد طريق التحقيق، إنه ولي ذلك والقادر على ما هنالك.
ثم اعلم أن السبب الذي أوجب الخلاف بين العلماء، وإن كان الكتاب واحدًا والنبي صلى الله عليه وسلم واحدًا، إنما هو في الطريق المؤدية إلى الحق لا في الحق نفسه، والموجب لذلك في كل مسألة يطول شرحه، ونحن نشير إلى ما تيسر من ذلك.
وهو ثمانية أسباب:
وكل ضرب متولد منها، ومتفرع عنها:
الأول: اشتراك الألفاظ مثل لفظ القرء في الآية، لأن العرب تطلقه تارة على الطهر وتارة على الحيض، وغير ذلك من الألفاظ الواقعة على الشيء وضده، وكذا لفظ الأمر هل يحمل على الوجوب أو الندب، ولفظ النهي هل يحمل على التحريم أو كراهة التنزيه، وكذا اشتراك المعاني كاللمس فإن العرب تطلقه تارة على اللمس باليد، وتارة تكنى بها عن الجماع، فحمله الشَّافِعِيّ رضي الله عنه في الآية على اللمس باليد، فينقض به الوضوء في لمس الأجنبية، وحمله أبو حَنِيفَةَ على الجماع فلم ينقض الوضوء إلا بذلك.
الثاني: الحقيقة والمجاز، مثل لفظ النكاح هل هو حقيقة في العقد مجاز في الوطء أو عكس ذلك، أو مشترك.
الثالث: إطلاق اللفظ أو تقييده مثل تقييد الرقبة في العتق بالإيمان تارة وإطلاقها أخرى.
الرابع: ما يعرض من جهة العموم والخصوص.
الخامس: ما يعرض من قبيل الرِّوَايَة، كالإرسال والرفع والإسناد، وغير ذلك مما يقدح فيها.
السادس: ما يعرض من قبيل القياس فيما عدم النص فيه من الكتاب وهو أشهر الأسباب وبه قطع البندنيجى في خطبة كتابه.
السابع: ما يعرض من جهة النسخ، كالخلاف في الأخبار، هل يجوز نسخها كالأمر والنهي أم لا؟ وهل يجوز نسخ السنة بالقرآن وبالعكس أم لا؟ وكالخلاف في مواضع في القرآن والسنة، ذهب بعضهم إلى نسخها، وبعضهم إلى عدمه.
الثامن: ما يعرض من قبيل الإباحة كالخلاف في القراءات السبع، والتكبير على الجنازة، وتكبير أيام التشريق، ونحو ذلك.
فهذه أسباب الخلاف الواقع بين العلماء لا يسع أحد جهلها ولم يخل منها هذا الكتاب. والله الموفق للصواب.
* * *