الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الضمير في (أفضله) يعود إلى (المال)؛ فإن قيل: قد قالت الصحابة: لو علمنا أيُّ المال خيرٌ فنتخذه؟ فأجابهم رسول الله عليه السلام: بأن أفضل المال لسانٌ ذاكرٌ، وقلبٌ شاكر، وزوجة مؤمنة، وهذه الأشياءُ ليست من المال، فإن المال في عرف الناس: الذهب والفضة والعقار والنعم والأقمشة وغير ذلك من متاع الدنيا.
قلنا: المال هو ما ينفعُ مالكه، ولا شيءَ أنفع للرجل من ذكر الله تعالى، ومن شكر القلب، ومن الزوجة المؤمنة التي تعينُ الرجلَ على دينه بأن تذكِّره الصلاة والصوم وغيرهما من العبادات إذا نسي أو غفل، وتمنعه من الزنا، وهذه الأشياء موجبة لرضا الله تعالى، [وهو]، موجبٌ للجنة، ولا أنفع للرجل من خلودِهِ في الجنةِ.
* * *
3 - باب أَسْماءِ الله تعالى
(باب أسماء الله تعالى)
مِنَ الصِّحَاحِ:
1633 -
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ للهِ تسعةً وتسعينَ اسمًا مائةً إلَاّ واحِدًا، مَنْ أَحصاهَا دخلَ الجنَّة"
وفي رواية: "وهو وِتْرٌ يُحِبُّ الوِتْرَ".
روى هذا الحديث والذي بعده أبو هريرة.
قوله: "إن لله تسعة وتسعين اسمًا"، لا يدلُّ هذا الحديثُ على أنه ليس لله اسم غيرُ هذه التسعة والتسعين يقبله ولا ينكره، والضابط: أن أسماءَ الله تعالى
وصفاته قديمة أزلية أبدية، لا طريقَ للمخلوقات إلى معرفة أسماء الله تعالى وصفاته إلا بتعريف الله عبادَه؛ إما بالقرآن أو بألفاظ رسول الله عليه السلام، ولا يجوزُ لأحد أن يذكرَ الله باسم أو صفة لم يكن مذكورًا في القرآن، ولا في الحديث.
قوله: "هو وِتْر يحبُّ الوترَ"؛ يعني: إنما كان أسماء الله تعالى وِتْرًا، وليس بشفع؛ لأنه تعالى وِتْرٌ؛ أي: فرد ليس له زوجٌ ولا شريكٌ، فيجب أن يكون عدد أسمائه وِترًا.
* * *
مِنَ الحِسَان:
1634 -
قال: "إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مَنْ أَحصاها دَخلَ الجنَّة: هوَ اللهُ الذي لا إله إلَّا هوَ، الرَّحْمَنُ، الرَّحِيمُ، الْمَلِكُ، الْقُدُّوسُ، السَّلَامُ، الْمُؤْمِنُ، الْمُهَيْمِنُ، الْعَزِيزُ، الْجَبَّارُ، الْمُتَكَبِّرُ، الْخَالِقُ، الْبَارِئُ، الْمُصَوِّرُ، الْغَفَّارُ، الْقَهَّارُ، الْوَهَّابُ، الرَّزَّاقُ، الْفَتَّاحُ، الْعَلِيمُ، الْقَابِضُ، الْبَاسِطُ، الْخَافِضُ، الرَّافِعُ، الْمُعِزُّ، الْمُذِلُّ، السَّمِيعُ، الْبَصِيرُ، الْحَكَمُ، الْعَدْلُ، اللَّطِيفُ، الْخَبِيرُ، الْحَلِيمُ، الْعَظِيمُ، الْغَفُورُ، الشَّكُورُ، الْعَلِيُّ، الْكَبِيرُ، الْحَفِيظُ، الْمُقِيتُ، الْحَسِيبُ، الْجَلِيلُ، الْكَرِيمُ، الرَّقِيبُ، الْمُجِيبُ، الْوَاسِعُ، الْحَكِيمُ، الْوَدُودُ، الْمَجِيدُ، الْبَاعِثُ، الشَّهِيدُ، الْحَقُّ، الْوَكِيلُ، الْقَوِيُّ، الْمَتِينُ، الْوَلِيُّ، الْحَمِيدُ، الْمُحْصِي، الْمُبْدِئُ، الْمُعِيدُ، الْمُحْيِي، الْمُمِيتُ، الْحَيُّ، الْقَيُّومُ، الْوَاجِدُ، الْمَاجِدُ، الْوَاحِدُ، الأَحَدُ الصَّمَدُ، الْقَادِرُ، الْمُقْتَدِرُ، الْمُقَدِّمُ، الْمُؤَخِّرُ، الْأَوَّلُ، الْآخِرُ، الظَّاهِرُ، الْبَاطِنُ، الْوَالِي، الْمُتَعَالِي، الْبَرُّ، التَّوَّابُ، الْمُنْتَقِمُ، الْعَفُوُّ، الرَّؤُوفُ، مَالِكُ الْمُلْكِ، ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، الْمُقْسِطُ، الْجَامِعُ، الْغَنِيُّ، الْمُغْنِي، الْمَانِعُ، الضَّارُّ، النَّافِعُ، النُّورُ،
الْهَادِي، الْبَدِيعُ، الْبَاقِي، الْوَارِثُ، الرَّشِيدُ، الصَّبُورُ"، غريب.
قوله: "من أحصاها دخل الجنة"، قال الخطابي: فيه أربعُ احتمالات:
أحدها: أن يكون معناه العَدُّ والحفظ؛ يعني: من قرأها وحفظها لفظًا من أولها إلى آخرها دخلَ الجنة.
الاحتمال الثاني: أن يكون معنى الإحصاء: الطاقة؛ يعني: من طاق أن يَعمَلَ ويعتقِدَ بموجب كلِّ لفظ.
مثاله: إذا قال: الرحمن الرحيم، اعتقد أنه رحمن رحيم، يرجو رحمته، ولا يقنط من رحمته، وإذا قال: القهار، يعلم قهره ويخاف منه، وإذا قال: الرزاق، يعلم أنه لا رازقَ سواه، فلا يخافُ من عدم الرزق، ولا يغتمُّ لأجل الرزق، وكذلك جميع هذه الكلمات؛ يتأملُ في معنى كل واحد، ويعملُ بموجبه.
الاحتمال الثالث: أن يكون معنى الإحصاء: العقل والمعرفة؛ يعني: من عرف وعقل معانيها.
الاحتمال الرابع: أن يكون معنى الإحصاء: القراءة؛ يعني: من قرأها في القرآن؛ أي: من ختم القرآن من أوَّله إلى آخره حتَّى تلفَّظَ بجميع هذه الأشياء في أثناء القرآن، فإن جميعَ هذه الأسماء موجودةٌ في القرآن.
قال أبو عبد الله الزبيري رحمة الله عليه: طلبتُ أسماءَ الله المذكورة في القرآن، فوجدتها مئة وثلاثة عشر، ولكن بعضها مكرَّرٌ، مثل: الغافر والغفور، والعليم والعالم، والقدير والقادر، فلمَّا حذفتُ منها المتكرر بقي تسعة وتسعون اسمًا، كما جاء في الحديث.
فإذا عرفت هذا فالمختارُ هو الوجه الأول والثاني، وعلى الوجه الثاني يحتاجُ قارئُها إلى معرفة معانيها؛ ليعتقدها ويعمل بموجبها، ونحن نذكرُ معنى
كلِّ لفظ مشكل.
"هو الله": (هو) مبتدأ، و (الله) خبره، "الذي لا إله إلا هو" صفة (الله)، و (الرحمن الرحيم) خبر بعد خبر، وكذلك إلى آخرها.
واختلف في لفظ (الله) تعالى؛ قال بعضهم: هو لفظ غيرُ مشتق، وقيل: بل مشتق من (أله): إذا فزع إلى أحد وعبَدَ، وكان أصل (الله) على هذا القول (إله)، فأُدخِل عليه الألف واللام الأصلية للتعريف، وحُذِفت الهمزة الأصلية، وأُدغِمت لام التعريف في اللام الأصلية، فقيل:(الله)، ومعناه: المعبود والملجَأُ الذي يَفزَع ويَلجَأ إليه العبادُ، وغُلِّظَ اللام منه عند التلفظِ به تعظيمًا لهذا الاسم، وليكون فرقٌ بينه وبين التلفظ باللات؛ التي هي اسم صنم؛ لأن (اللات) عند الوقف يصير:(اللاه)، فيشبه لفظة (الله)، ففُخَّم وغُلِّظ لفظ (الله) للفرق، وتغليظه إنما يكون إذا كان قبله حرفٌ مفتوح نحو: أنَّ الله، أو مضموم نحو: رسلُ الله، وأما إذا كان قبله حرف مكسور، يرقَّقُ عند التلفظ نحو: بالله، ولله، وإنما يُرقَّقُ ها هنا؛ لأن الترقيق أقربُ إلى الكسر في التجانس، والتغليظُ بعد الكسر ثقيلٌ.
"الرحمن الرحيم": هما اسمان مشتقان من (الرحمة)، وفيهما مبالغة؛ أي: كثير الرحمة، والمبالغةُ في (الرحمن) أكثر، ولهذا يقال عند الدعاء: يا رحمن الدنيا! ويا رحيم الآخرة! يعني: رحمته في الدنيا تعمُّ المسلم والكافر وجميع الحيوانات بأن يرزقهم، وفي الآخرة رحمتُهُ خاصةٌ للمسلمين.
"القدوس": الطاهرُ والمنزَّهُ عن الشركاء، وعن صفاتِ المُحدَثات.
"السلام": ذو السلامة من كل عيبٍ وآفةٍ ونقصٍ.
"المؤمن": الذي أمَّنَ عبادَهُ من الظلم؛ لا يظلمهم، بل ما فعل بهم؛ إما فضل وإما عدل.
"المهيمن": الشاهد الصادق؛ يعني: الله تعالى شاهدٌ على عباده؛ أي: عالم بما يفعلون ويقولون.
"العزيز": الغالب على المخلوقات، وهم عاجزون تحت أمره وتقديره.
"الجبار": الذي جَبَرَ الخلق؛ أي: جعلهم مُسخَّرين تحت أمره، ويحتمل أن يكون من (جبر): إذا أصلحَ حال أحد؛ أي: يصلح حال العباد بأن يرزقهم ويحفظهم من الآفات.
"المتكبر": المتعالي عن أن تدركَهُ العقولُ والأوهام، والمتكبر أيضًا: المتفرد بالعظمة.
"البارئ" بالهمز بعد الراء: اسم فاعل من برأ: إذا خلق.
"المصور": الذي أظهرَ ويظهرُ صورَ الحيوانات على وجهٍ يتميَّز كلُّ واحد عن الباقي.
"الفتاح": الحاكم بالحقِّ بين عباده.
"القابض الباسط"؛ يعني: هو الذي يقبضُ الرزق عمَّن يشاء، ويبسطُ على من يشاء، كما تقتضيه الحكمة.
"الخافض الرافع"، (الخفض): ضد الرفعة؛ يعني: هو الذي يوقع الجبابرة على التراب، ويرفع المؤمنين والمطيعين بأن يقرِّبهم من رحمته، ويرفع درجاتهم.
"الحكم": الحاكم؛ يعني: هو الذي يحكم بين عباده.
"العدل": معناه: العادل في الحكم، لا يظلم أحدًا.
"اللطيف": البَرُّ بعباده، يُحْسِنُ إليهم ويرزقهم من حيث لا يحتسبون.
"الخبير": العالم بحقيقة الأشياء.
"الحليم": الذي لا يعجِّل عقوبةَ المذنبين، بل يؤخِّر عقوبتهم لعلهم يتوبون إليه.
"الشَّكور": هو الذي يقبل القليل من الطاعة، ويُثيب عليه الثوابَ الكثير.
"العلي": العالي فوق خلقه بالقدرة والقوَّة، لا بالمكان والجهة.
"الحفيظ": الحافظ الذي يحفظ السماواتِ والأرضَ وما فيهنَّ.
"المُقيت": القادر ومعطي قوت الحيوانات.
"الحَسيب": الكافي لخلقه؛ يعني: هو حَسْبُهم، ولا يحتاجون إلى غيره.
و (الحسيب): المحاسب أيضًا؛ يعني: يحاسب عباده يومَ القيامة بما فعلوا.
"الجليل": العظيم.
"الكريم": المُكْرِم؛ أي: المُحْسِن على خلقه.
"الرقيب": الذي لا يغيب عن علمه شيء.
"المجيب": هو الذي يجيب المضطر إذا دعاه.
"الواسع": الذي وُسِّعَ رزقُه على جميع خلقه.
"الحكيم": هو المُحْكِم لخلقه - بكسر الكاف في المُحْكِم -؛ يعني: الذي أحسن تدبير المخلوقات؛ يعني: خلق كل شيء على وجه الحكمة جَلَّ وعلا.
"الودود": الذي يَوَدُّ؛ أي: يحب المطيعين.
"المجيد": الواسع العطاء.
"الباعث": الذي يبعث الخلق؛ أي: يُحييهم بعد الموت.
"الشهيد": الذي لا يغيب عن علمه شيء.
"الحق": الذي تُحقِّق وتُيقن وجودُه من غير شك.
"الوكيل": القائم بمصالح عباده، الكافل بأرزاقهم.
"القوي": الشديد القوة الذي لا يلحقه عجزٌ.
"المتين": الناصر الذي ينصر المؤمنين.
"الحميد": المحمود الذي لا يستحقُّ الحمدَ إلا هو.
"المُحْصي": الذي أحصى كلَّ شيء؛ أي: علم جميع الأشياء بحيث لا يغيب عن علمه شيء.
"المبدئ": الذي خلق الأشياء من العدم جَلَّ وعلا.
"المعيد": الذي يعيدهم من الحياة إلى الممات، ومن الممات إلى الحياة.
"المُميت": الذي لم يزل موجودًا ولا يعترضه الموتُ.
"القيُّوم": الدائم البقاء.
"الواجد": الغني.
"الماجد": مثل (المجيد).
"الواحد": المتفرد بالبقاء والذات، لا شريك له.
"الأحد": هو المتفرد في الصفات لا يشاركه في صفاته أحد.
"الصمد": الذي يُصْمَد؛ أي: يُقصد في الحوائج.
"المقتدر": مثل (القادر).
"المقدِّم": الذي يقدم أولياءه على غيرهم بأن يوفِّقَهم بالطاعة حتى يحصَّلوا قربَه.
"المؤخِّر": الذي يؤخِّر بعضَ عباده بأن خذلهم ولم يوفِّقْهم حتى اشتغلوا بحظوظ أنفسهم، وتركوا الآخرة.
"الأول": الذي ليس قبله شيء.
"الآخِر": الذي ليس بعده شيء.
"الباقي": بعد فَناء خَلْقِه.
"الظاهر": الذي ظهر شواهد وجوده بخلق السماوات والأرض وما بينهما.
"الباطن": المحتجب عن أبصار الخلق.
"الوالي المتعالي": هو مالك الأشياء.
"البَرُّ": المحسن إلى عباده الثواب، قابلُ توبةِ العبيد مرةً بعد أخرى.
"المنتقم": المبالغ في العقوبة بعضَ خلقه.
"العفو": كثير العفو.
"الرءوف": كثير الرحمة والشفقة على عباده.
"ذو الجلال والإكرام": أي: هو أهلٌ أن يُجِلَّه ويُكْرِمَه عبادُه بأن يطيعوه، وقيل معناه: هو الذي يُجِلُّ ويُكْرِم عبادَه المؤمنين.
"المُقْسط": العادل في الحكم.
"الجامع": الذي يجمع الخلق يوم القيامة.
"المغني": الذي جَبَر (1) حالَ عبادِه بأن يرزقَهم ويقضي حوائجهم؛ بحيث لم يفتقروا إلى أحد سوى الله تعالى.
"المانع": الذي يمنع ويدفع عن أوليائه مَنْ قصدَهم بسوء.
(1) جاء على هامش "ت": "من جبر: إذا أصلح؛ أي: أصلح حال العباد".
"الضار النافع": الذي يضر من يشاء وينفع من يشاء.
"النور": هو الذي ينوِّر السماوات والأرض، وينور قلوب المؤمنين بنور الإيمان.
"البديع": أي: المُبدع، وهو أبدع الأشياء؛ أي: أوجدها من العَدَم.
"الباقي": الذي لا يجوز عليه الزوال.
"الوارث": الذي يرث الأرض ومَنْ عليها؛ أي: يُميت أهلَها، ويبقى مُلْكُه، كما قال تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم: 40].
"الرشيد": الذي أرشد الخلق إلى مصالحهم.
"الصَّبور": الذي لا يُعاجل عقوبةَ المذنبين.
اعلم أنه قد جاء في بعض الروايات عن أبي هريرة عن رسول الله عليه السلام أسماء من أسماء الله تعالى غير ما ذكروا وهو: الربُّ، المَنَّان، البارئ، الكافي، الدائم، المولى، النصير، الجميل، الصادق، المُحيط، المُبين، القريب، الفاطر، العلَاّم، المَليك، الأكرم، المدبر، الوِتر، ذو المعارج، ذو الطَّول، ذو الفَضْل.
(المنان): الذي يكثر المَنَّ على عباده، وهو النعمة.
(البادئ): بمعنى المُبدئ، وقد ذُكر.
(المحيط): الذي أحاط علمُه بجميع الأشياء بحيث لا يَعْزُبُ عن علمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء.
(المبين): له معنيان؛ أحدهما: يعني: الظاهر، وقد ذُكر.
الثاني: بمعنى المبين؛ أي: مُوجد الأشياء من العدم، ومبين طريقَ الرُّشْد عن الغَيِّ للعباد.
(القريب): أي القريب بالعلم.
(الفاطر)؛ أي: الخالق.
(المليك)؛ أي: المالك.
(الأكرم): يريد به: أنه أكرم الأكرَمِين.
و (المدبر): هو الذي يعرف تدبير ملكه ويُصَرِّفه على وجه الحكمة.
(ذو المعارج): المعارج جمع مَعْرَج، وهو موضع العُروج، وهو الصعود؛ أي: هو الذي عُرِج إليه بأعمال عباده وبأرواحهم بأمره.
(الطَّول): الفضل.
* * *
1636 -
وعن أَنسٍ رضي الله عنه قال: كنتُ جالسًا معَ النبي صلى الله عليه وسلم في المَسجدِ، ورجلٌ يُصلي، فقال: اللهمَّ إني أسألُكَ بأنَّ لكَ الحَمْد، لا إلهَ إلَاّ أنتَ الحنَّانُ المنَّانُ، بديعُ السَّماواتَ والأرضَ، يا ذا الجَلالِ والإكرامِ، يا حيُّ يا قَيُّومُ أسأَلُكَ، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"دَعَا الله باسمِهِ الأعظم الذي إذا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وإذا سُئِلَ به أَعطَى".
قوله في حديث أنس: "الحنَّان المنان": ذُكر المنان، وأما الحنَّان: فهو كثير الحنان بعباده، والحَنَان: الرحمة والشفقة.
قوله: "دعا الله باسمه الأعظم": قيل: الأعظم هنا بمعنى: العظيم، وليس أفعل التفضيل؛ لأن جميع أسمائه عظيم، وليس بعضها أعظم من بعض.
وقيل: بل هو أفعل التفضيل؛ لأن بعض أسمائه تعالى أعظم من بعض، فكلُّ اسم أكثر تعظيمًا لله فهو أعظم من اسم فيه أقل تعظيمًا له، فـ (الرحمن)
أعظم من (الرحيم)؛ لأن الرحمن أكثر مبالغة من الرحيم، والخالق أعظم من المهيمن؛ لأنه لا شريك له في وصفه بالخالقيَّة.
وأما في وصفه بالمهيمن؛ له شريك بالمخلوقات؛ لأن معنى المهيمن: هو الشاهد الصادق، والشاهد الصادق كثير من الناس؛ مثل الأنبياء والأولياء وغيرهم، والملائكة كلُّهم صادقون، وعلى هذا فقِسْ أسماءَ الله تعالى؛ فإذا تأمَّلْتَ تعرفْ أنَّ لفظة (الله) أعظم من لفظة (الرب)؛ فإنه لا شريك في تسميته بالله، لا بالإضافة ولا بدون الإضافة، وأما (الرب) فإنه يقال للمخلوقات بالإضافة كما يقال: فلان ربُّ البيت، وربُّ المال.
* * *
1638 -
قال: "دَعْوةُ ذي النُّونِ إذ دَعَا وهُوَ في بطْنِ الحُوتَ: لا إلهَ إلَاّ أنتَ سُبحانَكَ إنِّي كنتُ من الظَّالِمِينَ، لَمْ يَدْعُ بها رجلٌ مسلمٌ في شيءٍ إلَاّ استجابَ لهُ".
قوله: "دعوة ذي النون": أراد بذي النون: يونس صلوات الله عليه.
قوله: "إني كنت من الظالمين"، وقصة هذا: أن الله بعث يونس عليه السلام إلى أهل نَيْنَوى من أرض المَوْصِل فدعاهم إلى الإيمان فلم يؤمنوا، فأوحى الله إليه: أن أخبرْهم أن العذاب يأتيهم بعد ثلاثة أيام، فخرج يونسُ مِنْ بينهم، فظهر سحابٌ أسودُ ودَنَا حتى وقف فوق بلدهم وظهر منه دخان، فلما أيقنوا أنه سينزل عليهم العذاب خرجوا مع أزواجهم وأولادهم ودوابهم إلى الصحراء، وفَرَّقوا بين الأولاد والأمهات من الإنسان والدواب، ورفعوا أصواتَهم بالتضرُّع والبكاء، وآمنوا وتابوا عن الكفر والعصيان، وقالوا: يا حي حين
لا حي! يا حي محيي الموتى! يا حي! لا إله إلا أنت، فأذْهَبَ الله عنهم العذابَ، فدنا يونسُ يومًا من بلدهم بعد ثلاثة أيام ليعْلَمَ كيف حالهم هل بقي منهم أحدٌ أم أُهلكوا جميعًا بالعذاب، فرأى من البعد أن البلد معمور كما كان وأهله أحياء فاستحيا وقال: قد قلت لهم إن العذاب ينزل عليكم بعد ثلاثة أيام، وقد مضى ثلاثة أيام ولم ينزل عليهم العذاب، فذهب ولم يعلم أنه نزل عليهم العذاب ودُفِعَ عنهم، فسار حتى أتى سفينة وركبها، فلما ركبها وقفت السفينةُ، فبالغوا في إجرائها فلم تَجْرِ.
فقال الملَاّحون: ها هنا عبد آبق حتى وقفت السفينة - فإن عادة السفينة الوقوف إذا كان فيها عبد آبق - فأقرعوا بين أهل السفينة فخرجت القُرعة على يونس، فقال يونس عليه السلام: أنا الآبق، فألقى نفسَه في البحر فالتقمه حوتٌ بأمر الله تعالى.
وإنما قال: أنا الآبق؛ لأنه خرج من بين قومه بغير أمر الله تعالى، فصار بمنزلة العبد الآبق، فأمر الله تعالى ذلك الحوتَ أن يحفظَه، فلبث في بطنه أربعين يومًا، وسار به إلى النيل، ثم إلى بحر فارس، ثم إلى دِجلة، ودعا يونسُ عليه السلام ربَّه فقال:{لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} ؛ أي: أنا من الظالمين بخروجي من بين قومي قبل أن تأذَن لي بالخروج من بينهم، فاستجاب الله له، فأمر الحوتَ بإلقائه إلى أرض نَصِيبين، وهو اسمُ بلدٍ من الشام.
روى هذا الحديثَ ودعوةَ ذي النون سعدُ بن أبي وقاصٍ رضي الله عنه، والله أعلم.
* * *