المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌5 - باب الوقوف بعرفة - المفاتيح في شرح المصابيح - جـ ٣

[مظهر الدين الزيداني]

فهرس الكتاب

- ‌7 - كِتابُ الصَّومِ

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب رؤية الهِلال

- ‌فصل

- ‌3 - باب تَنْزيه الصَّوم

- ‌4 - باب صَوْم المُسافِر

- ‌5 - باب القَضَاء

- ‌6 - باب صِيَام التَّطوُّع

- ‌فصل

- ‌7 - باب لَيْلَةِ القَدْر

- ‌8 - باب الاعتِكاف

- ‌8 - كِتَابُ فَضَائِلِ القُرْآنِ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌9 - كِتابُ الدَّعَوَاتِ

- ‌2 - باب ذِكْرِ الله عز وجل والتَّقرُّبِ إليهِ

- ‌3 - باب أَسْماءِ الله تعالى

- ‌4 - باب ثواب التَسبيح والتَحميد والتَهليل

- ‌5 - باب الاستِغفار والتَّوبة

- ‌فصل

- ‌6 - باب ما يقُول عند الصَّباح والمَسَاء والمَنام

- ‌7 - باب الدَّعَوَاتِ في الأَوْقاتِ

- ‌8 - باب الاستِعاذَة

- ‌9 - باب جامع الدُّعاءِ

- ‌10 - كِتَابُ المَنَاسِكِ

- ‌2 - باب الإِحْرام والتَّلْبية

- ‌3 - قِصَّةُ حجة الوداع

- ‌4 - باب دُخُول مَكَّةَ والطَّواف

- ‌5 - باب الوُقُوفِ بِعَرَفةَ

- ‌6 - باب الدَّفْع من عَرَفَةَ والمُزْدَلِفَة

- ‌7 - باب رَمْيِ الجِمَار

- ‌8 - باب الهَدْي

- ‌9 - باب الحلق

- ‌فصل

- ‌10 - باب الخُطْبة يومَ النَّحر، ورَمْي أَيَّام التَّشريق والتَّوديع

- ‌11 - باب ما يجتنبه المحرم

- ‌12 - باب المُحرِم يَجتنِب الصَّيد

- ‌13 - باب الإِحْصَار وفَوْت الحَجِّ

- ‌14 - باب حرَم مكَّة حرَسَها الله

- ‌15 - باب حرَم المَدينة على ساكنها الصلاةُ والسلام

- ‌11 - كِتابُ البُيُوعِ

- ‌1 - باب الكَسْب وطلَب الحَلال

- ‌2 - باب المُساهلةِ في المُعاملةِ

- ‌3 - باب الخِيَارِ

- ‌4 - باب الرِّبا

- ‌5 - باب المنهيِّ عنها من البيوع

- ‌فصل

- ‌6 - باب السَّلَمِ والرَّهنِ

- ‌7 - باب الاحتِكارِ

- ‌8 - باب الإفلاسِ والإنظارِ

- ‌9 - باب الشَّركةِ والوَكالةِ

- ‌10 - باب الغَصْبِ والعاريَةِ

- ‌11 - باب الشُّفْعَةِ

- ‌12 - باب المُساقاةِ والمُزارعةِ

- ‌13 - باب الإجارة

- ‌14 - باب إحياء المَوَاتِ والشّرْبِ

- ‌15 - باب العطايا

- ‌فصل

- ‌16 - باب اللُّقَطَة

- ‌17 - باب الفرائضِ

- ‌18 - باب الوصايا

الفصل: ‌5 - باب الوقوف بعرفة

‌5 - باب الوُقُوفِ بِعَرَفةَ

(باب الوقوف بعرفة)

مِنَ الصِّحَاحِ:

1870 -

عن محمد بن أبي بَكْر الثَّقَفِي: أنَّهُ سألَ أَنَسَ بن مالكٍ رضي الله عنه وهُمَا غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إلى عَرَفَةَ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ في هذا اليَوْمِ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم؟، فقال: كانَ يُهِلُّ مِنَّا المُهِلُّ، فلا يُنْكَرُ عليهِ، ويُكَبرُ المُكَبَّرُ مِنَّا، فلا يُنْكَرُ علَيْهِ".

قوله: "وهما غَاديَانِ من مِنًى إلى عَرَفَةَ: كيف كنتم تصنعون في هذا اليومِ مع رسول الله عليه السلام، فقال: كان يُهِلُّ مِنَّا المُهِلُّ فلا يُنْكَرُ عليه".

يعني: محمد بن أبي بكرٍ الثقفي، وأنس بن مالك يجيئان يومَ عَرَفَة من مِنًى إلى عرفةَ للوقوف، فسأل محمدُ بن أبي بكرٍ الثقفي أنسَ بن مالك: كيف صنعتم مع رسول الله عليه السلام في هذا اليوم؟ - أي: في يوم عرفة -، فقال: بعضنا يُهِلُّ؛ أي: يلبي، فلا يعيبُه أحد.

اعلم أن قولَه: "ويكبر منَّا المكبر فلا ينكَرُ عليه" هذا رخصةٌ، يعني: لا إثمَ في التكبير، بل يجوزُ كسائر الأذكارِ، ولكنْ ليس التكبيرُ في يومِ عرفةَ سُنَّةً للحاج، بل السنة للحاج: التلبيةُ إلى رمي جمرةِ العقبة يومَ النحر، وأمَّا لغير الحاجِّ في سائر البلاد التكبيرُ يوم عرفة سُنةٌ عَقِيبَ الصلوات من صبحِ يومِ عرفةَ إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، لِمَا روى جابر بن عبد الله: أن رسول الله عليه السلام كان يصلي صلاة الغداة يوم عرفة، ثم يستدبر إلى القبلة فيقول:"الله أكبر الله أكبر، الله كبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد"، ثم يكبر دبر كل صلاة إلى صلاة العصر من آخر أيام التَّشْريق.

ص: 297

وفي قول: يبتدئ بالتكبير من ظهر يوم النحر إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق، وفي قولٍ: يبتدئُ بالتكبير من مغربِ ليلةِ العيد إلى صبحِ آخر أيام التشريق، ويُستحبُّ التكبيرُ عَقيبَ صلواتِ الفرض والنَّفْل في هذه الأيام.

* * *

1871 -

عن جابر رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "نَحَرْتُ ها هنا، ومِنًى كُلُّها مَنْحَرٌ، فاَنْحَرُوا في رِحَالِكُمْ، ووَقَفْتُ هَا هُنَا، وعَرَفَةُ كُلُّها مَوْقِفٌ، وَوَقَفْتُ هَا هُنَا، وجَمْعٌ كُلُّها مَوْقِفٌ".

قوله: "نَحَرتُ ها هنا، ومنًى كلُّها مَنْحَرٌ، فانحروا في رِحالِكم، ووقفتُ ها هنا وعَرَفةُ كلها مَوْقِفٌ"، (المَنْحَرُ): موضعُ نَحْر الإبل، يعني: لا يختصُّ نحرُ الهَدْيِ بالمكان الذي نُحِرَتْ فيه، بل يجوزُ نَحْرُ الهَدْيِ في أيِّ موضعٍ كان من أرض الحَرَم، فمنًى كلُّها من أرض الحرم.

وكل دمٍ وجبَ على المُحْرِم وجبَ ذبحُه في الحَرَم، ويفرَّقُ لحمُه على مساكينِ الحرم؛ فإن ذبح خارجَ الحرم فأصحُّ القولين: أنه لا يجوز، وفي قولٍ: يجوز، ولكن يجبُ تفريق اللحم على مساكين الحرم.

وكذلك يجوزُ الوقوف بأيِّ موضع كان من أرض عَرَفةَ، ولو وقف خارجَ أرضِ عرفَةَ لا يجوزُ وقوفُه عن وقوفِ عَرَفَةَ.

* * *

1872 -

وقالت عائشة رضي الله عنها: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ الله فيه عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَة، وإنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُباهِي بِهِمُ الملائِكَةَ، فيقولُ: ما أَرادَ هَؤُلَاءِ؟ ".

قوله: "وإنه ليدنو" الضمير في (إنه) يعودُ إلى الله.

ص: 298

(ليدنو): أي: ليَقْرُب.

فبعض أهل السنة لا يقول في معنى هذا وأشباهه، وبعضُهم يقول: معناه: دنوُّ رحمتِه، أو نزولُ خِطَابه مع الملائكة.

"يباهي بهم الملائكةَ"، الضمير في (بهم) يعود إلى الحُجَّاج، و (المباهاةُ): المفاخرةُ، ومعنى هذا الكلام: أنه تعالى يُعِزُّهم، ويظهرُ فضلَهم وشرفَهم بينَ الملائكة، "فيقول: ما أرادَ هؤلاءِ؟ "؛ أي: فيقولُ الله: أيَّ شيء يريدُ هؤلاءِ الحُجَّاج، فإنْ أرادوا رحمتي ومغفرتي فقد غفرتُ لهم ورحِمْتُهم.

هذا الحديث مطلَقٌ، وقد جاء كما قُلْنا في حديثٍ آخرَ.

* * *

مِنَ الحِسَان:

1873 -

عن عَمْرو بن عبد الله بن صفْوان، عن خالٍ له يُقال له: يَزِيْد بن شَيْبَان أنَّه قال: كُنَّا في مَوْقِفٍ لنا بعَرَفَةَ يُباعِدُهُ عَمْروٌ مِنْ مَوْقِفِ الإِمامِ جِدًا، فأَتَانَا ابن مِربَع الأنصَارِيُّ، فقال: إنِّي رسُولُ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إِلَيْكُمْ، يقولُ لَكُمْ:"قفوا على مَشاعِرِكُمْ، فإنَّكُمْ على إِرْثٍ مِنْ إِرْثِ أَبيكُمْ إبراهيمَ عليه السلام".

قوله: "يباعدُه عمرٌو عن موقف الإمام جِدًا"، الضميرُ في (يباعده) يعودُ إلى الموقِف الذي وقفَ فيه يزيدُ بن شيبان.

يعني: قال عمرُو بن عبد الله: سمعتُ خالي يزيدَ بن الشيبان أنه قال: كنا وقفْنا في موضعٍ بعرفةَ، قال عمرو: وكان بين ذلك الموقفِ وبينَ موقفِ إمام الحُجَّاج مسافةٌ بعيدة، فجاء ابن مِرْبَع، واسمه يزيد، ولم يعرف أنه روى عني هذا الحديث.

"فقال: إني رسولُ رسولِ الله"؛ يعني: أرسلني رسول الله عليه السلام -

ص: 299

إليكم، ويقول: قِفُوا في أيِّ موضعٍ شئتم من عرفة، سواءٌ كان من أرضِ الحَرَم أو غيره، بشرطِ أن يكونَ من أرض عرفة.

"المشاعر": جمع مَشْعَر، وهو المَعْلَم أو غيره؛ أي: موضعُ العبادة.

"فإنكم على إرثٍ"، أي: بقية "من إرثِ أبيكم إبراهيمَ"؛ أي: من بقية أفعالِ إبراهيم، يعني: وقوفُ عرفة، وبنيانُ أرضها وحدودها مما بناه إبراهيم عليه السلام للحجاج.

* * *

1874 -

وعن جابرٍ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "كُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ، وكُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ، وكُلُّ المُزْدَلِفَة مَوْقِفٌ، وكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ طَرِيقٌ وَمَنْحَرٌ".

قوله: "كلُّ مُزْدَلِفةَ موقِفٌ"، (المُزْدَلِفةُ): أصلُها: مزتلفة، وأبدلت التاء دالًا، ومعناه: موضع اجتماع الناس، والمبيتُ بمُزدلِفة ليلةَ العيدِ سُنَّةٌ في قولِ، وفي قولٍ: هو واجب، فمن ذهبَ من مُزْدَلِفةَ نصفَ الليل؛ لَزِمَه دمٌ في القول الذي يقولُ بالواجب

وإنْ ذهبَ بعدَ نصفِ الليل؛ فلا شيءَ عليه.

وقال أبو حنيفة: لو ذهبَ قبلَ الصبح؛ لَزِمَه دمٌ.

وقوله: "كل مزدلفةَ موقفٌ"؛ معناه: في أيِّ موضعِ من مواضعِ مزدلفةَ بات الرجلُ يجوزُ.

قوله: "وكل فِجَاجِ مكَة طريقٌ ومَنْحَر"؛ يعني: من أيِّ طرقِ مكةَ يدخلُ الرجل مكةَ جاز، وفي أيِّ موضعِ ينحرُ الهَدْيَ من حوالي مكة في الطريق وغيرها جاز؛ لأنها من أرض الحَرَم.

* * *

ص: 300

1875 -

عن خالد بن هَوْذَة قال: رَأَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ النَّاسَ يومَ عَرَفَةَ على بَعِيرٍ قائمًا في الرِّكابَيْنِ.

قوله: "قائمٌ في الرِّكَابين"، تقديره: هو قائمٌ في الرِّكابين، قائمٌ خبر مبتدأٍ محذوف، ومعنى هذا الكلام: أنه عليه السلام رفَع مَقْعَده من ظهر البعيرِ، وقامَ على الرِّكابين؛ ليراه الناسُ، ويسمعُوا كلامَه من البُعْد.

و (الرِّكابُ): الحَلْقة التي يُدخِلُ الفارسُ رجلَه فيها.

روى هذا الحديث: خالد بن هَوْذَة.

* * *

1876 -

عن عَمْرو بن شُعَيْبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وخَيْرُ ما قُلْتُ أَنَا والنَّبيُّونَ من قَبْلِي: لا إلهَ إلَاّ الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وهُوَ على كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ".

قوله: "خيرُ الدعاءِ دعاءُ يومِ عَرَفَة، وخيرُ ما قلتُ أنا والنبيون من قبلي: لا إلا إله إلا الله وحده

" إلى آخره.

هذا الحديث يشير إلى أن قول: (لا إله إلا الله) من الدعاء، وهو ثناءٌ، فكيف يكون دعاءً؟.

جواب هذا الإشكال: أن من ذكرَ الله فقد دعا الله بأي لفظٍ ذكرَه، ولأنَّ مَنْ ذكرَ الله يعطيه الله حاجتَه، وإن لم يطلبْ منه قضاءَ حاجته باللَّفظ؛ لقوله عليه السلام حكايةً عن الله: أنه قال: "من شَغَلَه ذكري عن مسألتي أعطيتُه أفضلَ ما أُعْطِي السائلين"، فإذا كان الذكرُ سببَ قضاء الحوائج وتحصيلِ الثواب، فهو كالدعاء.

* * *

ص: 301

1877 -

عن طَلْحَةَ بن عُبَيْد الله بن كَرِيْز رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "ما رُؤِيَ الشَّيْطانُ يَوْمًا هو فيهِ أَصغَرَ، ولا أَدْحَرَ ولا أَحْقَرَ ولا أَغْيَظَ منهُ يومَ عَرَفَةَ، وما ذاكَ إلَاّ لِمَا يَرَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ، وتَجَاوُزِ الله تعالَى عنِ الذُّنُوبِ العِظامِ، إلَاّ ما كانَ مِنْ يَوْمِ بَدْرٍ"، فقيلَ: وما رَأَى مِنْ يَوْمِ بَدْرٍ؟، فقال:"إنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ وهو يَزَعُ الملائِكَةَ"، مُرسَلٌ.

قوله: "ما رُئِيَ الشيطانُ يومًا هو فيه أصغرُ ولا أدحرُ ولا أحقرُ ولا أغيظُ منه يومَ عرفة".

الضميرُ في (منه) يعود إلى الشيطان، و (يوم عرفة) منصوبٌ على الظرف؛ أي: الشيطانُ في يوم عرفَة أبعدُ مرادِه منه في سائر الأيام.

(أدْحَر) بالحاء المهملة؛ أي: أبعدُ من رحمة الله، ومن مرادِه.

وفي بعض النسخ: (أدخر) بالخاء المعجمة، وهو سهوٌ؛ لأن محيي السنة - رحمة الله عليه - شرحَ هذا اللفظَ في "شرح لسنة" بـ (أبعد).

وقال: معنى (أدحر): أبعدُ من رحمة الله، ولو كان أدخر - بالخاء المعجمة - لفسره بـ (أذلَّ)، ولم يفسِّره بـ (أبعد).

قوله: "ولا أغيظ"؛ أي: ولا أشدُّ غيظًا، يعني: يصيرُ الشيطان يوم عرفةَ ذليلًا وحقيرًا وكثيرَ الغيظ؛ لأنه يرى نزولَ الرحمةِ الكثيرةِ على المسلمين، وهو يكرهُ نزول الرحمة الكثيرة على المسلمين، ويحبُّ نزول الغضب والعذاب، فلما رأى أن الله تعالى يفعل بالمسلمين خلافَ ما يحبُّ الشيطان يصيرُ الشيطان حقيرًا.

قوله: "إلا ما كان من يوم بدرٍ"؛ يعني: الشيطانُ في يوم عرفةَ أحقرُ منه في سائر الأيام إلا يومَ بدْر، فإنه كان في يوم بدرٍ أحقرَ منه في يوم عرفةَ؛ لأنه رأى نزولَ الملائكة لمَدَدِ المسلمين، فلمَّا رأى نزولَ الملائكة وانهزامَ

ص: 302

المشركين، وصيرورتَهم عاجزين مقتولين صارَ حقيرًا؛ لأنه يطلبُ إعزازَ المشركين، وغلبتهم على المسلمين، فلم يحصُلْ مطلوبُه.

قوله: "يَزَعُ" - بفتح الزاي المعجمة -: كان أصلُه: يوزع فسقطت الواو، ومعناه: يهيئُ ويرتِّبُ صفوفَ الملائكةِ للحرب.

روى هذا الحديث: طلحةُ بن عبد الله بن كَرِيز.

* * *

1878 -

عن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كانَ يومُ عَرَفَةَ إنّ الله يَنْزِلُ إلى السَّماءِ الدُّنْيَا، فَيُبَاهِي بِهِمُ الملائِكَةَ، فيقول: اَنْظُرُوا إلى عِبَادِي، أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا ضَاجِّينَ مِنْ كَل فَجٍّ عَمِيقٍ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، فتقُولُ الملائِكَةُ: يا ربِّ! فُلانٌ كانَ يُرهِّقُ، وفُلانٌ وفُلانةٌ، قال: يقولُ الله عز وجل: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ".

قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "فَمَا مِنْ يَوْمٍ أكثرَ عَتِيقًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ".

قوله: "إن الله ينزلُ إلى السماء الدنيا"، فبعضُ أهلِ السنةِ لا يفسِّرُ هذا الكلامَ ويقول: لا نعلَمُ معناه، وبعضُهم يفسِّر: بأنه يُنْزِلُ رحمتَه، ويقرِّبُ فضلَه وغفرانَه إلى الحُجَّاج.

قوله: "أَتَوني شُعْثًا غُبْرًا ضَاجِّين من كلِّ فجٍّ عَمِيق".

(الشُّعْثُ): جمع أشعثَ، وهو متفرِّقُ شعر الرأس من عدمِ غسلِ الرأس، كما هو عادةُ المُحْرِمين.

(الغُبْرُ): جمع أغبر، وهو الذي التصقَ الغُبارُ بأعضائه، كما هو عادة المسافرين.

(الضَّاجِّين): جمع ضَاجٍّ، وهو اسم فاعل من ضَجَّ: إذا رفع الرجلُ

ص: 303