الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1959 -
وقالتْ عائشةُ رضي الله عنها: كانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بنا ونحنُ معَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مُحْرِمَاتٌ، فإذا حاذَوْنَا سَدَلَتْ إحْدَانَا جِلْبَابَها مِن رَأسِها عَلى وَجْهِهَا، فإذا جاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ.
قولها: "فإذا حاذَوْنَا سَدَلَت"؛ أي: وصل الرُّكبان، وهو جمع راكب؛ أي: محاذاتنا ومقابلتنا، (تَدَلَّتْ) أصله: تَدَلَّيَتْ، فقلبت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم حذفت الألف لسكونها وسكون التاء.
ومعناه: أرسلت إحدانا جلبابها على وجهها بحيث لم يمس الجلباب بشرة الوجه؛ كي لا يرانا الركبان.
* * *
1960 -
وعن ابن عُمر رضي الله عنهما: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَدَّهِنُ بالزَّيْتِ وهُوَ مُحْرِمٌ غَيْرَ المُقَتَّتِ. يعني: غير المُطيَّب.
قوله: "غيرَ المُقَتَّتِ" بالقاف والتاءين المنقوطتين من فوق بنقطتين؛ أي: غيرَ المُطَيَّبِ؛ أي: ليس فيه طِيب، فإن كان فيه طِيب حرم استعماله في جميع البدن، وإن يكن فيه طِيب حرم استعماله في الرأس واللحية دون سائر الأعضاء، والله أعلم.
* * *
12 - باب المُحرِم يَجتنِب الصَّيد
(باب المحرم يجتنب الصيد)
مِنَ الصِّحَاحِ:
1961 -
عن الصَّعْب بن جَثَّامة: أنَّهُ أَهْدَى لرسُولِ الله صلى الله عليه وسلم حِمَارًا وحْشِيًّا
وهو بالأَبْوَاءِ - أو بَوَدَّانَ - فَرَدَّ عليهِ، فلمَّا رأَى ما في وَجْهِهِ قال:"إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إلَاّ أنَّا حُرُمٌ".
قوله: "أهدى لِرسول الله عليه السلام حمارًا وحشيًا وهو بالأَبْوَاء أو بِوَدَّان فَرَدَّ عليه، فلما رأى ما في وجهه قال: إنا لم نَرُدَّهُ عليك إلا أَنَّا حُرُم"، (أهدى)؛ أي: أرسل إليه، (الأَبواء والوَدَّان): موضعان.
(فرد عليه)؛ أي: لم يقبل رسول الله عليه السلام ذلك الحمار منه، (فلما رأى ما في وجهه)؛ يعني: فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في وجه صاحب الحمار من أثر التأذي؛ برده عليه السلام الحمار إليه، فاعتذر إليه رسول الله عليه السلام وقال:(إنا لم نَرُدَّه)، يعني: لم نَرُدَّهُ عليه لتكبر أو لقلة حرمتك عندنا، بل لأن هذا صيد، ونحن محرمون، ولا يحلُّ الصيدُ على المحرم الحُرُم - بضم الحاء والراء - جمع حَرَام، وهو الذي أحرم بالحج والعمرة.
* * *
1962 -
عن أَبِي قَتَادَةَ: أنَّهُ خَرَجَ معَ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَتَخَلَّفَ مَعَ بعضِ أَصْحَابهِ وهم مُحْرِمُونَ، وهو غيرُ مُحْرِمٍ، فرَأَوْا حِمارًا وَحْشيًا قَبْلَ أَنْ يراهُ، فلمَّا رأَوهُ تَرَكُوهُ حَتَّى رآهُ أبو قَتادَةَ، فرَكِبَ فَرَسًا له، فسأَلَهُمْ أنْ يُنَاوِلُوهُ سَوْطَهُ، فأَبَوْا، فتَنَاوَلَهُ، فحَمَلَ عليهِ فَعَقَرَهُ، ثُمَّ أَكَلَ، فأكلُوا، فَنَدِمُوا، فلمَّا أَدْركُوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، سأَلُوه قال:"هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شيء؟ " قالوا: مَعَنا رِجْلُهُ، فأَخَذَهَا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فَأَكَلَها.
وفي روايةٍ: فلمَّا أَتَوْا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا، أَوْ أَشَارَ إلَيْهَا؟ "، قالوا: لا، قال:"فكُلُوا ما بَقِيَ مِنْ لَحْمِها".
قوله: "فتخلف"؛ أي: فتأخر أبو قتادة مع جماعة عن رسول الله - عليه
السلام - قليلًا في الطريق (فرأوا)؛ أي: فرأى الذين أحرموا "حمارًا وحشيًا قبلَ أن يراه" أبو قتادة.
"تركوه"؛ أي: لم يقولوا: هذا حمار، بل سكتوا "حتى رآه أبو قتادة"، وإنما سكتوا عن دلالة أبي قتادة على الحمار؛ لأنه لا يجوز للمحرم أن يصيد، ولا أن يدل أحدًا على الصيد.
"فسأَلَهُم"؛ أي: فطلب منهم أبو قتادة "أن يُنَاولوه"؛ يعني: أن يعطوه سوطه، "فأَبَوا"؛ أي: فامتنعوا أن يعطوه سوطه؛ لأنه لا يجوز للمحرم أن يُعِيْنَ أحدًا في قتل الصيد، (المناولة): الإعطاء، و (التناول): الأخذ، "فتناوله"؛ أي: أخذ أبو قتادة سوطه، "فحَمَلَ"؛ أي: ركَّض فرسه نحو الحمار الوحشي، "فعقره"؛ أي: فقتله، (العقر): القتل، وقطع عَقِبِ الرجل، والجراحة، وكل ذلك محتمل ها هنا.
"فندموا"؛ أي: فندم المحرمون عن أكل لحم ذلك الحمار الوحشي.
"فأخذها" الضمير يعود إلى الرِّجْلِ؛ لأن الرِّجْلَ مؤنث سماعي.
"فأكلَهَا": وهذا يدل على أن المحرم يجوز له أن يأكل من لَحْمِ صَيْدٍ صاده غير محرم، إذا لم يصد ذلك الصائد لأجل المحرم، فإن صاد لأجل المحرم لا يجوز لذلك المحرم أن يأكل من ذلك الصيد.
* * *
1963 -
وعن ابن عُمر رضي الله عنهما، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"خَمْسٌ لا جُنَاحَ على مَنْ قَتَلَهُنَّ في الحَرَمِ والإحْرامِ: الفَأرَةُ، والغُرابُ، والحِدَأَةُ، والعَقْرَبُ، والكَلْبُ العَقُورُ".
"خمسٌ"، أي: خمس حيوانات، "لا جُنَاح"؛ أي: لا إثم "على مَنْ قتلَهُنَّ
في الحرم"، يعني: سواء كان ذلك القاتل في حرم مكة أو المدينة، أو في حالة الإحرام.
"الفأرَةُ والغُرابُ والحِدَأَةُ والعقرَبُ والكلب العقور"، (الحِدَأةُ): طير يسلب من الناس الخبز وغيره، ويقتلُ الطيورَ الصغارِ والفأرةَ، ويكسر الكوز، و (الكلب العقور): الذي يعض الإنسان ويجرحهم.
والحديث صريح على قتل هذه الخمسة، وقد جاء في حديث بعد هذا:"الحية".
لا خلاف عند العلماء في قتل ما نُصَّ على قتله في الحديث، وأما ما لم يأت في قتله حديث؛ فأجاز الشافعي قتل ما لا يؤكل لحمه، إلا أنه يستحب قتل ما يضر كهذه الأشياء المذكورة، وكالأسد والذئب والخنزير وغيرها، ويكره قتل ما لا يضر أحدًا، لكن لو قتله فلا جزاء عليه سواء كان في الحرم أو في حال الإحرام، إلا ما تولد من مأكول وغير مأكول كالمتولد بين الضبع والذئب، فإنه يحرم أكله، ولكن لا يلزم على قاتله الفداء.
وقال مالك: كل ما يضر الناس من الدواب مثل الأسد والفهد والنمر والذئب، فهو كالكلب العقور، فيجوز قتله، فأما ما لا يضر كالهرة البرية وكالنسر من الطيور وما أشبه ذلك؛ فلو قتله لزمه الجزاء.
وأجاز أبو حنيفة سوى ما جاء في الحديث قتل الذئب، وأوجب الكفارة فيما عداه كالفهد والنمر والخنزير، وجميع ما لا يؤكل لحمه.
* * *
1964 -
وعن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ في الحِلِّ والحَرَمِ: الحَيَّةُ، والغُرابُ الأَبْقَعُ، والفَأرَةُ، والكَلْبُ العَقُورُ، والحُدَيَّا".
قوله: "خمس فواسق"، (الفواسق): جمع فاسقة، وهي المُضرَّة من الدواب والطيور، و (الغراب الأبقع): الذي لونه أبيض وأسود.
(الحُدَيَّا): تصغير حِدَأَة، فلما صُغِّرَتْ صارت حُدَيْئَةَ، فقلبت الهمزة ياء فصارت: حُدَيَّةَ - بياء مشددة - ثم حذفت التاء وأقيمت الألف مكانها؛ لأن الألف تدل على التأنيث مثل: حُبْلَى.
* * *
1965 -
عن جابر رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَحْمُ الصَّيْدِ لَكُمْ في الإِحْرَامِ حَلالٌ مَا لَمْ تَصِيدُوهُ، أوْ يُصادَ لَكُمْ".
قوله: "لحمْ الصَّيد لكم في الإِحرَامِ حلالٌ ما لم تَصيدوه أو يُصاد لكم"؛ يعني: كل صَيدٍ ذَبَحَهُ غيرَ مُحْرِم يجوز للمحْرِم أكلُه إذا لم يُصد لأجل المحْرِم، ولا بِدلالته وإعانته.
(أو) بمعنى إلا أن، و (ما لم تصيدوه) استثناء في المعنى، فكأنه قال: لحم الصيد لكم في الإحرام حلالٌ، إلا أن تصيدوه، أو إلا أن يصاد لكم؛ فإنه لا يحلُّ لكم في هاتين الحالتين.
ونصب (يصاد) لأجل أنَّ (أو) بمعنى: إلا أن.
واعلم أن حلالاً إذا صاد لأجل محرم، لا يجوز لذلك المحرم أكلَ لحم ذلك الصيد، وإن لم يأمره المحرمُ بالصيد ولا أَذِنَ له.
* * *
1966 -
عن أَبِي هُريرة - رضى الله عنه -، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"الجَرَادُ مِنْ صَيْدِ البَحْرِ".
قوله: "الجراد مِنْ صَيْدِ البحر"؛ يعني: كما أنه يجوز للمحرم قتل صيد البحر يجوز له قتل الجراد، ولا ضمان عليه، وبهذا قال أهل الظاهر، وعن أبي سعيد الخدري رواية هكذا، وأما الأئمة الأربعة قالوا: لا يجوز للمحرم قتل الجراد، ويلزمه بقتله قيمته، ويأتي شرحه في (الأطعمة).
* * *
1967 -
عن أَبِي سَعيد الخُدريِّ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال:"يَقْتُلُ المُحْرِمُ السَّبُعَ العَادِي".
قوله: "يقتل المحرمُ السَّبع العادي" الذي يقصد الإنسان والمواشي بالقتل والجراحة كالأسد والذئب والنمر وغيرها، وقد ذكر بحثه قبيل هذا.
* * *
1968 -
عن عبد الرَّحمن بن أبي عَمَّار قال: سألتُ جابر بن عبدِ الله رضي الله عنه عَنِ الضَّبُعِ أَصَيْدٌ هِيَ؟، قال: نعمْ، فقلتُ: أَتُؤْكَلُ؟، قال: نعمْ، فقلتُ: سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. صحيح.
قوله في حديث الضَّبُعِ: "أَصَيْدٌ هِيَ"، بهذا الحديث قال الشافعي وأحمد، وأجازا أكل لحمها، وأوجبا الكفارة على المحْرِم بقتلها.
وقال مالك وأبو حنيفة: لا يجوز أكل الضَّبُعِ للحديث الذي بعد هذا، وهو قوله عليه السلام:"أَوَيَأكلُ الضَّبُعَ أحدٌ؟ ".
* * *