المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌6 - باب الدفع من عرفة والمزدلفة - المفاتيح في شرح المصابيح - جـ ٣

[مظهر الدين الزيداني]

فهرس الكتاب

- ‌7 - كِتابُ الصَّومِ

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب رؤية الهِلال

- ‌فصل

- ‌3 - باب تَنْزيه الصَّوم

- ‌4 - باب صَوْم المُسافِر

- ‌5 - باب القَضَاء

- ‌6 - باب صِيَام التَّطوُّع

- ‌فصل

- ‌7 - باب لَيْلَةِ القَدْر

- ‌8 - باب الاعتِكاف

- ‌8 - كِتَابُ فَضَائِلِ القُرْآنِ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌9 - كِتابُ الدَّعَوَاتِ

- ‌2 - باب ذِكْرِ الله عز وجل والتَّقرُّبِ إليهِ

- ‌3 - باب أَسْماءِ الله تعالى

- ‌4 - باب ثواب التَسبيح والتَحميد والتَهليل

- ‌5 - باب الاستِغفار والتَّوبة

- ‌فصل

- ‌6 - باب ما يقُول عند الصَّباح والمَسَاء والمَنام

- ‌7 - باب الدَّعَوَاتِ في الأَوْقاتِ

- ‌8 - باب الاستِعاذَة

- ‌9 - باب جامع الدُّعاءِ

- ‌10 - كِتَابُ المَنَاسِكِ

- ‌2 - باب الإِحْرام والتَّلْبية

- ‌3 - قِصَّةُ حجة الوداع

- ‌4 - باب دُخُول مَكَّةَ والطَّواف

- ‌5 - باب الوُقُوفِ بِعَرَفةَ

- ‌6 - باب الدَّفْع من عَرَفَةَ والمُزْدَلِفَة

- ‌7 - باب رَمْيِ الجِمَار

- ‌8 - باب الهَدْي

- ‌9 - باب الحلق

- ‌فصل

- ‌10 - باب الخُطْبة يومَ النَّحر، ورَمْي أَيَّام التَّشريق والتَّوديع

- ‌11 - باب ما يجتنبه المحرم

- ‌12 - باب المُحرِم يَجتنِب الصَّيد

- ‌13 - باب الإِحْصَار وفَوْت الحَجِّ

- ‌14 - باب حرَم مكَّة حرَسَها الله

- ‌15 - باب حرَم المَدينة على ساكنها الصلاةُ والسلام

- ‌11 - كِتابُ البُيُوعِ

- ‌1 - باب الكَسْب وطلَب الحَلال

- ‌2 - باب المُساهلةِ في المُعاملةِ

- ‌3 - باب الخِيَارِ

- ‌4 - باب الرِّبا

- ‌5 - باب المنهيِّ عنها من البيوع

- ‌فصل

- ‌6 - باب السَّلَمِ والرَّهنِ

- ‌7 - باب الاحتِكارِ

- ‌8 - باب الإفلاسِ والإنظارِ

- ‌9 - باب الشَّركةِ والوَكالةِ

- ‌10 - باب الغَصْبِ والعاريَةِ

- ‌11 - باب الشُّفْعَةِ

- ‌12 - باب المُساقاةِ والمُزارعةِ

- ‌13 - باب الإجارة

- ‌14 - باب إحياء المَوَاتِ والشّرْبِ

- ‌15 - باب العطايا

- ‌فصل

- ‌16 - باب اللُّقَطَة

- ‌17 - باب الفرائضِ

- ‌18 - باب الوصايا

الفصل: ‌6 - باب الدفع من عرفة والمزدلفة

صوتَه، والمراد ها هنا: رفعُ الصوتِ بالتلبية، (من كلِّ فجٍّ): أي: من كلِّ طريق (عميقٍ): أي: بعيد.

هذه الكلمات أعني: شعثًا وما بعده منصوباتٌ على الحال.

قوله: "فتقول الملائكة: يا ربِّ! فلانٌ كان يُرَهِّقُ، وفلانة"، (يُرَهِّقُ) - بضم الياء وفتح الراء المهملة وتشديد الهاء وفتحها -: ينسَبُ إلى فعل المعاصي، وَيرهَقُ - بفتح الياء وسكون الراء المهملة وفتح الهاء -: إذا فعل المعاصي أيضًا.

تقول الملائكة: يا ربِّ! فلان وفلانة يفعلان المعاصي، وليسا بأهلٍ أن تغفرَ لهما، فقال الله: قد غفرتُ لهما؛ فإن الحجَّ يهدِمُ ما كان قبلَه من الذنوب.

* * *

‌6 - باب الدَّفْع من عَرَفَةَ والمُزْدَلِفَة

(باب الدفع من عرفة والمزدلفة)

الدَّفْعُ: الذَّهابُ مع كثرة.

1879 -

عن هِشَام بن عُرْوةَ، عن أَبيه أنه قال: سُئِلَ أُسامةُ: كيفَ كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَسِيْرُ في حَجَّةِ الوَداعِ حينَ دَفَعَ؟، قال: كانَ يَسيرُ العَنَقَ، فإذا وجَدَ فَجْوَةً نَصَّ.

قوله: "كيف كان رسول الله يَسيرُ"؛ أي: يسيرُ على سرعة أو على سكون؟

قوله: "يسير العَنَق" - بفتح العين المهملة وفتح النون -: سيرٌ متوسِّطٌ.

"فَجْوةً"؛ أي: موضعا فسيحًا خاليًا عن زحمة الناس.

ص: 304

"نَصَّ"؛ أي: ساق دابَّته سوقًا شديدًا، يعني: إذا كان في الطريق ازدحامُ الناس يسير سيرًا غيرَ سريع، كي لا يتأذَّى الناس بصدْمةِ دابته، وإذا وجد في الطريق موضعًا خاليًا أسرع.

* * *

1880 -

عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّه دَفَع مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يومَ عرَفَةَ، فَسَمِعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وراءَهُ زَجْرًا شَديدًا، وضَرْبًا للِإبلِ، فأَشَارَ بسوْطِهِ إلَيْهِمْ، وقال:"يا أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ بالسَّكِينَةِ، فإنَّ البرَّ لَيْسَ بِالإِيْضَاعِ".

قوله: "فإن البرَّ ليس بالإيضاع"؛ (الإيضاعُ): الإسراع، يعني: الإسراعُ ليس من البرِّ إذا كثُرَ الناسُ في الطريق، فإن الإسراعَ في مثل هذه الحالة يؤذي الناس بصدمة الدوابِّ والرِّحالِ، ولا خير في هذا، بل الخيرُ في الذهاب على السكون في مثل هذه الحالة.

* * *

1881 -

وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما: أَنَّ أُسَامَةَ بن زَيْدٍ كَانَ رِدْفَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ عَرَفَة إلى المُزْدَلِفَةِ، ثُمَّ أَرْدَفَ الفَضْلَ مِنَ المُزْدَلِفَة إلى مِنًى، فكِلاهُما قال: لَمْ يَزَلِ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُلَبي حتَّى رمى جَمْرَةَ العَقَبةَ".

قوله: "لم يزل النبي عليه السلام يلبي حتى رمى جمرة العَقَبة"، (جمرة العقبة): الموضعُ الذي يرمي فيه الحجاج في يوم العيد، وفي يوم العيد لا يُرمى في غير هذا الموضع.

هذا الحديث يدلُّ على أن التلبية من وقت الإحرام إلى رميِ جمرة العقبة في يوم العيد مأمورٌ، وقد ذكرنا أن التلبية سُنَّةٌ في قول، واجبٌ في قول.

* * *

ص: 305

1882 -

عن ابن عُمر رضي الله عنه قال: "جَمَعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم المَغرِبَ والعِشاءَ بجَمْعٍ، كُلُّ واحدةٍ مِنهُمَا بإقامةٍ، ولَمْ يسبحْ بينَهُمَا، ولا على إثْرِ كُلِّ واحدةٍ مِنْهُمَا.

قوله: "جمع النبي عليه السلام المغربَ والعشاءَ بجَمْعٍ"، (بجمع)؛ أي: بمُزْدَلِفةَ، و (جَمْع): اسم مُزْدَلِفة، سمي به لاجتماع الناسِ فيه، أو للجَمْعِ بين صلاة المغرب والعشاء كلُّ واحدٍ منهما بإقامة.

اعلم أنه اختُلِفَ في الأذان والإقامة إذا جُمِعَ بين المغربِ والعشاء بمُزْدَلِفة.

قال الشافعي: يقيمُ لكلِّ واحدٍ منهما ولا يؤذِّن.

وقال أبو حنيفة: يؤذِّن ويقيمُ للمغرب ويقيم للعشاء.

وقال مالك: يؤذِّن ويقيم لكلِّ واحدٍ منهما.

وقال سفيان الثوري: يقيم للمغرب، ولا يقيم للعشاء، ولا يؤذِّنُ لا للمغرب ولا للعشاء. هذا بحثُ الجمع بين المغرب والعِشاء.

فأما الجَمْعُ بين الظهر والعصر بعَرَفَة؛ فقد أجمعوا على أنه يؤذِّنُ ويقيم للظهر، ولا يؤذِّن للعصر.

وأما في الإقامة للعصر خلافٌ؛ فقال الشافعي: يقيم للعصر، وقال أبو حنيفة: لا يقيم.

قوله: "ولم يسبحْ بينهما"؛ أي: ولم يُصَلِّ بين المغرب والعشاء شيئًا من السُّنَن والنوافل.

"ولا على إثر كلِّ واحدةٍ منهما"؛ أي: ولم يُصَلِّ بعد كلِّ واحدة منهما، وهذا تكرارٌ من الراوي؛ لأنه لمَّا قال: ولم يسبحْ بينهما عُلِمَ أنه لم يصلِّ بعد المغرب، فلم يحتج إلى أن يقول: ولا على إثر كلِّ واحدةٍ منهما، بل حقُّه أن

ص: 306

يقول: ولا على إثر العشاء.

وهذا الحديث صريحٌ بأنه لا تُصلَّى السننُ الرواتبُ عند الجمع بين الصلاتين، وعند القصْر؛ لأن الجمعَ والقَصْرَ إنما يكون للتخفيف عن المسلمين، فإذا خفَّف عليهم الفرائضَ، فالتخفيفُ بوضع السنن عنهم أولى.

* * *

1883 -

وقال عبد الله بن مَسْعُودٍ رضي الله عنه: ما رَأَيْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم صَلَّى صَلاةً إلَاّ لِمِيْقاتِهَا إلَاّ صلاتَيْنِ: صلاةَ المغرِبِ والعِشاءَ بِجَمْعٍ، وصلَّى الفَجْرَ يومئذٍ قَبْلَ مِيقاتِهَا.

"ما رأيت رسولَ الله عليه السلام صلى صلاةً إلا لميقاتها إلا صَلَاتين: صلاةَ المَغْرِب وصلاةَ العِشاء بجَمْع"؛ يعني: صلى جميع الصَّلَوات في أوقاتها إلا صلاةَ المغرب؛ فإنه تركَها ولم يُصَلِّها في وقتها حتى صلاها في وقت العشاء بمزدلفة، والصلاة الثانية صلاة الفجر؛ فإنه صلَاّها بمزدلفةَ قبل ميقاتها.

يعني: قبل وقتها الذي صلَاّها فيه كلَّ يوم، فإنه صلَاّها كلَّ يوم بعدَ ما ذهب بعدَ الصبح مقدارَ ظهور الضياء فيه، وصلَاّها يوم العيد بمزدلفة حين طَلَعَ الفجر، وإنما عجَّلَ صلاةَ الفجر في هذا اليوم؛ ليسير إلى المَشْعَر الحرام، ويقفَ فيه ويدعو، ويفرغ قبل طلوع الشمس؛ ليعجِّلَ السير إلى مِنًى، ويشتغلَ بالرمي والنَّحْر والحَلْق.

* * *

1884 -

وقال ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنا مِمَّنْ قَدَّمَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لَيلَةَ المُزْدَلِفَةِ في ضَعَفَةِ أهلِهِ.

قوله: "أنا ممَّن قدَّمه النبي عليه السلام في ضَعَفَةِ أهلِه"، (الضَّعَفَة):

ص: 307

جمعُ ضعيف، يعني: بعثني رسول الله عليه السلام مع ضعفاءِ أهلهِ من النساء والصبيان قبل الصبحِ ليلةَ العيد كي يسيروا بلا عَجَلةٍ ولا زَحْمةٍ إلى مِنًى.

* * *

1885 -

وعن ابن عبَّاس رضي الله تعالى عنهما، عن الفَضْلِ بن عبَّاس، وكانَ رَديفَ نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قال في عَشِيَّةِ عَرَفَةَ وغَداةِ جَمْعٍ للنَّاسِ حينَ دَفَعُوا:"عَلَيْكُمْ بالسَّكِينَةِ"، وهو كَافٌّ نَاقَتَهُ حَتَّى دَخَلَ مُحَسِّرًا، وهو مِنْ مِنًى، قال:"عَلَيْكُمْ بحَصَى الخَذْفِ الذي يُرْمَى بِهِ الجَمْرَةُ"، وقال: لَمْ يَزَلْ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُلَبي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبة.

قوله: "وكان رديفَ رسول الله عليه السلام"؛ أي: وكان فَضْلُ بن عباسٍ راكبًا خلفَ رسول الله عليه السلام على ناقته.

"أنه يقول في عشية عَرفةَ وغداة جَمْعٍ"؛ يعني: إذا رجعَ من عرفةَ إلى مزدلفةَ ليلةَ العيد، وإذا ذهب من مزدلفة غداةَ يوم النَّحْر إلى مِنًى قال لهم: عليكم بالسكينة كي لا يتأذَّى أحدٌ بصدمتكم.

"وهو كافٌّ ناقَتَه"، بتشديد الفاء؛ أي: وهو مانعٌ ناقتَه عن السرعة.

"عليكم بحصى الخَذْف"، (الحصى): جمع حصاة، وهي الحجَرُ الصغير، (الخَذْف): الرميُ برؤوس الأصابع، يعني: ارمُوا الأحجارَ الصِّغارَ، ولا ترمُوا الحجارَ الكِبار، كي لا يتأَذَّى الناس، ولا يضيقَ طريقُهم.

* * *

1886 -

وعن جابر رضي الله عنه قال: أفاضَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ جَمْعٍ وعلَيْهِ السَّكينةُ، وأَمَرَهُمْ بالسَّكِينَةِ، وأَوْضَعَ في وادي مُحَسِّر، وأَمَرَهُمْ أَنْ يَرْمُوا بمثلِ حَصَى الخَذْفِ، وقال:"لَعَلِّي لا أَرَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذا".

ص: 308

قوله: "لَعَلِّي لا أراكم بعد عامي هذا"، (لعلِّي): كلمةُ الترجِّي، وتُستعمَلُ بمعنى الظنِّ، وبمعنى عسى؛ أي: تعلَّمُوا مني أحكامَ الدِّين، فإني أظنُّ أن لا أراكم في السنة التي تأتي بعد هذه السنة.

يعني فراقه من دار الدنيا إلى دار العُقْبى، وقد كان كما ظنَّه، فإنه فارقَ الدنيا في تلك السنة في الثاني عشر من شهر ربيعٍ الأول في السنة العاشرة من الهجرة، جزاه الله عنا وعن جميع المسلمين ما هو به أولى من الوسيلة والزُّلْفَى.

* * *

مِنَ الحِسَان:

1887 -

عن محمد بن قَيْس بن مَخْرَمَة قال: خَطَبَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنَّ أَهلَ الجاهِليَّةِ كانُوا يَدْفَعُونَ مِنْ عَرفةَ حينَ تكون الشَّمسُ كأنَّها عَمائِمُ الرِّجالِ في وجُوهِهِمْ قبلَ أنْ تغرُبَ، ومِنَ المُزْدَلِفَةِ بعدَ أنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ حينَ تكون كأنَّها عَمائِمُ الرِّجالِ في وجُوهِهِمْ، وإنَّا لا نَدْفَعُ مِنْ عَرَفَةَ حتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، ونَدْفَعُ مِنَ المُزْدَلِفَةِ قبلَ أنْ تَطلُعَ الشَّمسُ، هَدْيُنا مُخالِفٌ لِهَدْي أَهْلِ الأَوْثانِ والشِّرْكِ".

"إن أهل الجاهلية كانوا يَدْفَعُون من عَرفَةَ"؛ يعني: حتى تكونَ الشمسُ كأنها عمائمُ الرجالِ في وجوههم، يريدُ بقوله:(كأنها عمائمُ الرجال): أن الشمسَ عند الغروب يخلطُ نورُها بظِلِّ الجبال والأشجار، ويشبهُ نورَ الشمسِ بين الظِّلِّ عمائمَ الرجال الواقعِ ظِلُّها وأثرُها على الوجوه.

يعني: كانَ أهلُ الجاهلية يذهبون من عرفَةَ قبل أن تغربَ الشمسُ، ومن مزدلفة قبل أن تطلُعَ الشمس، وفي دين الإسلام لا يذهبُ الحُجَّاجُ من عرفةَ إلا بعد غروب الشمس، ويذهبون من مزدلفةَ قبلَ طلوع الشمس، فمن ذهب من عرفةَ قبل غروب الشمس، فلا شيءَ عليه، وفي قولٍ: يجبُ عليه دمُ شاةٍ.

ص: 309

"وهَدْيُنا"؛ أي: وسيرتُنا ودينُنا مخالفٌ لسيرة عَبَدَةِ الأوثان وأهلِ الشرك.

* * *

1888 -

قال ابن عباس رضي الله عنهما: قَدَّمَنا رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ المُزدَلِفَةِ أُغَيْلِمَةَ بني عَبْدِ المُطَّلِبِ على حُمُراتٍ، فجعلَ يَلْطَخُ أَفخاذَنا، ويقول:"أَبنيَّ! لا تَرْمُوا الجَمْرَةَ حتَّى تَطلُعَ الشمسُ".

قول ابن عباس: "قدَّمَنا رسولُ الله عليه السلام ليلةَ المزدلفةِ أُغَيْلِمَةَ بني عبد المطَّلب على حُمُرات، فجعلَ يَلْطَخُ أفخاذَنا ويقول: أُبَيْنِيَّ! لا ترمُوا الجمرةَ حتى تطلُعَ الشمسُ".

"ليلةَ المُزْدَلِفَة"؛ أي: الليلةَ التي كنَّا فيها بالمزدلفةِ، وهي ليلة العيد.

"أُغَيْلِمَة"؛ منصوب على أنه بَدَلٌ، أو عطفُ بيان للضمير في (قدَّمَنا)، و (أُغَيْلِمَة): تصغيرُ غِلْمَة شاذٌّ، وقياسها: غُلَيْمَة، وغِلْمَة جمعُ غلام، والمراد بالغِلْمَة هنا: الصبيان والشُّبَّان.

"على حُمُرَات"؛ أي: راكبين على حُمُرَاتٍ، وهي جمع حُمُر بضم الحاء والميم، وهي جمع حِمَار.

"فجَعَلَ"؛ أي: فطَفِقَ النبيُّ عليه السلام.

"يَلْطَخُ"، بالطاء المهملة والخاء المعجمة؛ أي: يضرِبُ يدَه على أفخاذِنا ضربًا خفيفًا للتَّلَطُّف.

"أُبَيْنِيَّ"، بضمِّ الهَمْز وفتح الباء، وبعده ياء ساكنة، وبعد الياء نون مكسورة، وبعد النون ياء مشددة.

قال سيبويه: هو تصغيرُ (اِبنى) بالقصر بوزن (سَلْمَى)، وهو اسمٌ مفرَدُ اللفظ مجموعُ المعنى.

ص: 310

قوله: "لا ترمُوا الجمرةَ حتى تطلُعَ الشمسُ"؛ يعني: بعثَ رسول الله عليه السلام صبيانَ أهلِه ونساءَهم قبلَ الصبح ليلةَ العيد إلى مِنًى، وقال: لا ترمُوا جَمْرةَ العَقَبة في هذا اليوم - أي: يوم العيد - إلا بعد طلوع الشمس، وهذا هو الأفضلُ، فإن رَمَى أحدٌ جمرةَ العَقَبة بعد نصفِ ليلةِ العيد جازَ عند الشافعي.

ولا يجوزُ عند أبي حنيفة ومالكٍ وأحمدَ قبلَ الصبح، ويجوزُ بعد الصبح بالاتفاق.

هذا بحثُ رميِ جمرة العقبة يومَ العيد، وأما الرَّميُ في أيام مِنًى: فلا يجوز إلا بعدَ زوالِ الشمس.

* * *

1889 -

وعن عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: أرسَلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بأُمِّ سَلَمَةَ ليلةَ النَّحْرِ، فَرَمَتْ الجَمْرَةَ قَبْلَ الفَجْرِ، ثمَّ مَضَتْ فأَفاضَتْ، كانَ ذلكَ اليومُ اليومَ الذي يكونُ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عِنْدَها.

قولها: "ثم مَضَت"؛ أي: ثم ذهبتْ من مِنًى.

"فأفاضت"؛ أي: فطافَتْ بالكعبة.

* * *

1890 -

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: يُلَبي المُعْتَمِرُ حتَّى يَفْتِتحَ الطَّوافَ، ويُروى: حتَّى يَسْتَلِمَ الحَجَرَ. ورفعه بعضهم.

"يُلَبي المُعْتَمِر"؛ يعني: يلبي الذي أحرمَ بالعمرةِ من وقت إِحرامه إلى أن يفتتح؛ أي: يبتدِئُ بالطواف ثم يتركُ التَّلْبية.

ص: 311