المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌6 - باب صيام التطوع - المفاتيح في شرح المصابيح - جـ ٣

[مظهر الدين الزيداني]

فهرس الكتاب

- ‌7 - كِتابُ الصَّومِ

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب رؤية الهِلال

- ‌فصل

- ‌3 - باب تَنْزيه الصَّوم

- ‌4 - باب صَوْم المُسافِر

- ‌5 - باب القَضَاء

- ‌6 - باب صِيَام التَّطوُّع

- ‌فصل

- ‌7 - باب لَيْلَةِ القَدْر

- ‌8 - باب الاعتِكاف

- ‌8 - كِتَابُ فَضَائِلِ القُرْآنِ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌9 - كِتابُ الدَّعَوَاتِ

- ‌2 - باب ذِكْرِ الله عز وجل والتَّقرُّبِ إليهِ

- ‌3 - باب أَسْماءِ الله تعالى

- ‌4 - باب ثواب التَسبيح والتَحميد والتَهليل

- ‌5 - باب الاستِغفار والتَّوبة

- ‌فصل

- ‌6 - باب ما يقُول عند الصَّباح والمَسَاء والمَنام

- ‌7 - باب الدَّعَوَاتِ في الأَوْقاتِ

- ‌8 - باب الاستِعاذَة

- ‌9 - باب جامع الدُّعاءِ

- ‌10 - كِتَابُ المَنَاسِكِ

- ‌2 - باب الإِحْرام والتَّلْبية

- ‌3 - قِصَّةُ حجة الوداع

- ‌4 - باب دُخُول مَكَّةَ والطَّواف

- ‌5 - باب الوُقُوفِ بِعَرَفةَ

- ‌6 - باب الدَّفْع من عَرَفَةَ والمُزْدَلِفَة

- ‌7 - باب رَمْيِ الجِمَار

- ‌8 - باب الهَدْي

- ‌9 - باب الحلق

- ‌فصل

- ‌10 - باب الخُطْبة يومَ النَّحر، ورَمْي أَيَّام التَّشريق والتَّوديع

- ‌11 - باب ما يجتنبه المحرم

- ‌12 - باب المُحرِم يَجتنِب الصَّيد

- ‌13 - باب الإِحْصَار وفَوْت الحَجِّ

- ‌14 - باب حرَم مكَّة حرَسَها الله

- ‌15 - باب حرَم المَدينة على ساكنها الصلاةُ والسلام

- ‌11 - كِتابُ البُيُوعِ

- ‌1 - باب الكَسْب وطلَب الحَلال

- ‌2 - باب المُساهلةِ في المُعاملةِ

- ‌3 - باب الخِيَارِ

- ‌4 - باب الرِّبا

- ‌5 - باب المنهيِّ عنها من البيوع

- ‌فصل

- ‌6 - باب السَّلَمِ والرَّهنِ

- ‌7 - باب الاحتِكارِ

- ‌8 - باب الإفلاسِ والإنظارِ

- ‌9 - باب الشَّركةِ والوَكالةِ

- ‌10 - باب الغَصْبِ والعاريَةِ

- ‌11 - باب الشُّفْعَةِ

- ‌12 - باب المُساقاةِ والمُزارعةِ

- ‌13 - باب الإجارة

- ‌14 - باب إحياء المَوَاتِ والشّرْبِ

- ‌15 - باب العطايا

- ‌فصل

- ‌16 - باب اللُّقَطَة

- ‌17 - باب الفرائضِ

- ‌18 - باب الوصايا

الفصل: ‌6 - باب صيام التطوع

الصلاة، فهذا الجواب ليس جوابًا لسؤال معاذة؛ لأنها تعلم هذا الحكمَ، ولكن تسأل عن علَّته، ولم تُجِبْها عائشةُ بما فيه بيانُ علَّة الحكم، ولم تبين لها علَّةَ الحكم؛ لأنه يجب على الناس قَبولُ أحكام الشرع، سواءٌ علموا علَّتَها أو لم يعلموا، ولكن لو طلب أحدٌ علَّةَ حكم من الأستاذ لطلبِ الفائدةِ لا للإنكارِ والاعتراضِ على الشارع فلا بأسَ.

وقيل: علَّة هذه المسألة أن قضاءَ صوم رمضانَ لا حرجَ فيه؛ لأن أكثرَ الحيضِ خمسةَ عشرَ يومًا، وقضاءُ خمسةَ عشرَ يومًا في سنةٍ غيرُ شديدٍ، بخلاف قضاء الصلاة؛ فإنه ربما يكون حيضُ المرأةِ خمسةَ عشرَ يومًا من كل شهرٍ، فقضاءُ خمسةَ عشرَ يومًا من كل شهرٍ شديدٌ.

* * *

‌6 - باب صِيَام التَّطوُّع

(باب صيام التطوع)

1451 -

وقالتْ: ما عَلِمْتُهُ صامَ شَهْرًا كُلَّهُ إِلَّا رَمضانَ، ولا أَفْطَرَهُ كُلَّهُ حتَّى يصومَ منهُ، حتَّى مَضَى لِسَبيلِهِ.

"حتى مضى لسبيله"؛ يعني: حتى تُوفِّي.

* * *

1452 -

وقال عِمْرانَ بن حُصَين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم له أَو لآخَر: "أَصُمْتَ مِنْ سَرَرِ شَعبانَ؟ "، قال: لا، "قال:"فإذا أَفْطَرْتَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ".

قوله: "له أو لآخر"؛ يعني: شكَّ الراوي أن النبيَّ عليه السلام قال

ص: 36

لعِمران بن الحُصين أو قال لرجلٍ آخرَ: "أصمتَ من سررِ شعبان؟ "(السَّرَر) و (السِّرَار) بفتح السين وكسرها: ليلتان من آخر الشهر؛ يعني: إذا أفطرتَ اليومَين الأخيرَين من شعبان فاقضِ مكانَهما يومَين، قيل: كان عليه صومُ يومِ الأخيرَين من شعبان، فأمرَه رسولُ الله عليه السلام بقضائها إذا فاتا، على هذا الوجه فسَّره أصحاب الحديث، سُمِّي اليومانِ الأخيرانِ من الشهر سَرَرًا وسِرَارًا؛ لاستتار القمر في ليلتهما.

* * *

1453 -

وقال: "أفْضَلُ الصِّيامِ بعدَ رَمضانَ شَهْرُ الله المُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلاةِ بعدَ الفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ".

قوله: "أفضلُ الصيام بعدَ رمضانَ شهرُ الله المُحرَّم"؛ أضاف (شهر المُحرَّم) إلى نفسه تعالى؛ لتعظيم هذا الشهر.

روى هذا الحديثَ أبو هريرة.

* * *

1454 -

وقال ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: ما رَأَيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَحَرَّى صِيامَ يَومٍ فَضَّلَهُ على غيرِهِ إلَّا هذا اليومَ يومَ عاشوراءَ، وهذا الشهرَ، يعني: شهرَ رمضانَ.

قوله: "يتحرَّى صيامَ يومٍ فضَّلَه" بدل من قوله: (صيام يوم)، والتقدير: يتحرَّى فضلَ صيامِ يومٍ على غيره، و (التحرِّي): طلبُ الصوابِ والمبالغةُ في طلبِ شيءٍ؛ يعني: ما رأيتُه يُبالغ في تفضيل صومِ يومٍ على يوم إلا عاشوراءَ ورمضانَ؛ فإنه عليه السلام فضَّل صومَ هذه الأيام على صوم غيرها.

أما صومُ رمضانَ فلأنه مفروضٌ، وأما عاشوراء فإنها كانت فريضةً في أول الإسلام، ثم نُسخت فرضيتُها ووجبَ فرضيةُ رمضانَ، ولا شك أن السُّنةَ

ص: 37

التي كانت فريضةً ثم نُسخت فرضيتُها أفضلُ من سُنَّةٍ لم تكن فرضًا قطُّ.

* * *

1455 -

وقال ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: حِينَ صامَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يومَ عاشوراءَ وأَمَرَ بصِيامِهِ قالوا: يا رسُولَ الله!، إنَّهُ يومٌ تُعَظِّمُهُ اليَهُودُ، فقال:"لَئِنْ بَقِيتُ إلى قَابلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ".

قوله: "حين صام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يومَ عاشوراءَ

" إلى آخره، قصته: أن النبي عليه السلام لمَّا خرج من مكةَ ودخل المدينةَ رأى اليهودَ يصومون يومًا، فقال لهم: "ما هذا اليوم؟ " فقالوا: هذا يومٌ أظهرَ الله موسى وبني إسرائيل على فرعون، فنصوم هذا اليومَ ونعظِّمه، فقال رسول الله عليه السلام: "نحن أَولى بموسى عليه السلام"؛ يعني: بموافقته، فصام رسولُ الله عليه السلام ذلك اليومَ وأمرَ أصحابَه بصومه، وذلك يوم عاشوراء، وهو العاشر من المُحرَّم، فلما كانت السنةُ العاشرةُ من الهجرة وصامَ يوم عاشوراء قال له أصحابه: هذا يومٌ يعظِّمه اليهود؛ يعنون بذلك: أنَّا لا نريد موافقتَهم، فقال رسول الله عليه السلام: "لئن بقيت إلى قابلٍ لأَصومَنَّ التاسعَ"؛ يعني: لئن عشتُ إلى المُحرَّم الذي يأتي بعد هذا لأَصومَنَّ من اليوم التاسع من المُحرَّم، يسمى ذلك اليومُ تاسوعاءَ، فلم يَعِشْ رسولُ الله عليه السلام إلى السَّنة القابلة، تُوفي في الثاني عشرَ من الربيع الأول، فصار اليومُ التاسعُ من المُحرَّم صومُه سُنَّةً وإن لم يَصُمْه رسولُ الله عليه السلام؛ لأنه عَزَمَ على صومه، وكلُّ ما فعلَه رسولُ الله عليه السلام أو عَزَمَ عليه أو أَمَر به أو رَضيَ به كان ذلك سُنَّةً، إن لم يكن فريضةً.

وقوله: "لأصومن التاسع"، لم يقل عليه السلام هذا على عزم ترك صوم عاشوراء مخالفة لليهود، بل قال هذا وعزم على صوم التاسع من المُحرَّم لتعلم اليهودُ أنَّه عليه السلام وأصحابَه لم يصوموا عاشوراءَ موافقةً لهم؛

ص: 38

لأنهم لو صاموها موافقةً لهم لم يعزموا على صوم تاسوعاء.

* * *

1456 -

وقالتْ أُمِّ الفَضْل بنت الحارِث: إنَّ ناسًا تَمارَوْا يومَ عَرَفَةَ في صِيامِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فأَرْسَلْتُ إليهِ بِقَدَحِ لَبن وهو واقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ بعَرَفَةَ، فَشَرِبَهُ.

قولها: "إن ناسًا تمارَوا"؛ أي: شكُّوا، (التماري): الشكُّ؛ يعني: خَفِيَ على الصحابة أن رسولَ الله عليه السلام هل هو صائمٌ يومَ عرفةَ بعرفة أو ليس بصائمٍ؟ "فأرسلْتُ إليه" بلَبن؛ لأرى هل يشربه أم لا؟ فشربَه، فعلم الناسُ أنَّه عليه السلام ليس بصائمٍ، فعُلِمَ بهذا أن صومَ يومِ عرفةَ سُنَّةٌ لغير الحاجِّ.

وأما الحاجُّ قال الشافعي ومالك: ليس بسُنَّةٍ لهم؛ كي لا يضعفوا عن الدعاء بعرفة.

وقال: إسحاق بن راهَوَيه: إنه سُنَّةٌ لهم، وقال أحمد: إن لم يضعفوا صاموا، وإن ضعفوا لم يصوموا.

* * *

1457 -

وقالت عائشةُ رضي الله عنها: ما رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم صائِمًا في العَشْرِ قَطُّ.

قول عائشة رضي الله عنها: "ما رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم صائمًا في العَشْرِ قطُّ"؛ أي: في العَشْرِ من أول ذي الحجَّة.

اعلم أن صومَ تسعةِ أيامِ من أول ذي الحجَّة سُنَّةٌ؛ للحديث المذكور في فضلها في آخر هذا الباب، وقولها: (ما رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم صائمًا في العَشْر

ص: 39

قط) لا ينفي كونَها سُنَّةً؛ لأنه عليه السلام ربما صامَها ولم تعرفْ عائشةُ رضي الله عنها بصومه، فإذا تعارَضَ النفيُ والإثباتُ فالإثباتُ أَولى بالقَبول.

* * *

1458 -

وعن أَبي قَتادة قال: قال عُمر: يا رسُولَ الله!، كيفَ مَنْ يصُومُ الدَّهْرَ كُلَّهُ؟، قال:"لا صامَ، ولا أفْطَرَ، ثَلاثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، ورَمَضانُ إلى رَمَضانَ، فهذا صِيامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ، صِيامُ يومِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ على الله أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ التي بعدَهُ، وصِيامُ يومِ عاشُوراءَ أَحْتَسِبُ على الله أنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قَبْلَها".

قولها: "لا صامَ ولا أفطرَ"؛ يعني: هذا الشخص كأنه لم يصمْ ولم يُفطرْ، لأنه لم يأكلْ شيئًا، ولم يَصُمْ؛ لأنه لم يكن بأمر الشارع.

قال الشافعي ومالك: هذا في حقِّ مَن صامَ جميعَ أيام السَّنة حتى يومَي العيد وأيام التشريق، فمَن صام هكذا فكأنه لم يَصُمْ؛ لأن يومَي العيدِ وأيامَ التشريقِ صومُهما مُحرَّمٌ، فأما مَن لم يَصُمْ هذه الأيامَ الخمسةَ لا بأسَ عليه في الصوم غير هذه الأيام؛ لأن أبا طلحةَ الأنصاريَّ وحمزةَ بن عمرو الأسلميَّ كانا يصومانِ الدهرَ، غيرَ هذه الأيامِ الخمسةِ، ولم يُنكر عليهما رسولُ الله عليه السلام.

وقال أحمد: يجب أن يفطرَ هذه الأيامَ الخمسةَ حتى يخرجَ من النهي، وعلَّةُ نهي صومِ الدهر: صيرورةُ الرجل به ضعيفًا عاجزًا عن الجهاد وقضاء الحقوق.

قوله: "ثلاثٌ من كل شهرٍ"، قيل: مرادُه من هذه الثلاثة: أيام البيض، والصحيح أن الرجلَ مخيَّر، أيَّ ثلاثةِ أيامٍ صام من كل شهر وجدَ هذا الثوابَ، بدليل حديث عائشة، ويأتي بعد هذا.

ص: 40

قوله: "أحتسب"؛ أي: أرجو.

"يُكفِّر" بتشديد الفاء؛ أي: يَستُر ويُزيل ذنوبَ صائمِ ذلك اليوم، ذنوبَه التي اكتسبَها في السَّنة التي قبلَها والسَّنة التي بعدها، ولعل المرادَ بهذه الذنوب: غيرُ الكبائر؛ لأنه اشترطَ اجتنابَ الكبائر في أحاديث.

فإن قيل: كيف يكون تكفيرُ ذنوب السَّنة التي بعدها ولو لم يكن للرجل ذنبٌ في السَّنة التي لم تأت بعدُ؟

قيل: معناه: يحفظهُ الله تعالى عن أن يُذنبَ إذا جاءت تلك السَّنة، أو يعطيه من الرحمة والثواب بقدَرْ ما يكون كفَّارةً للسَّنة القابلة اذا جاءت واتفق له فيها ذنوبٌ.

* * *

1459 -

وسُئل عَنْ صَوْمِ يومِ الإثْنَينِ فقال: "فيهِ وُلِدتُ، وفيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ".

قوله: "وسُئل عن صوم الاثنين": راوي هذا الحديث أيضًا أبو قتادة، عن عمر: أنه سأل رسولَ الله عليه السلام عن صوم يوم الاثنين، فأجابه بما يدل على أن هذا اليومَ مباركٌ وصومَه محبوبٌ.

* * *

1461 -

وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صامَ رَمضانَ، وأتْبَعَه سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كانَ كصِيامِ الدَّهْر". قوله: "من صامَ رمضانَ وأتبعَه سِتًّا من شوَّالٍ كان كصيامِ الدهر": وإنما كان كذلك؛ لأن الحسنةَ بعَشْرِ أمثالها، فإذا صام رمضانَ فكأنه صامَ عشرةَ أَشهُرٍ، وإذا صام ستةَ أيامٍ من شوالٍ فكأنه صامَ شهرَين، وهذه الستةُ لو صامَها

ص: 41

متتابعةً بعد يوم العيد لكان أَولى، ولو صامَها متفرقةً في شوَّالٍ جازَ.

روى هذا الحديثَ أبو أيوب الأنصاري.

* * *

1464 -

وقال: "أيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ، وشُرْبٍ، وذِكْرٍ لله".

قوله: "أيامُ التشريقِ أيامُ أكلٍ وشربٍ وذكرِ الله"، وحُرِّم الصومُ في يومَي العيد وأيام التشريق؛ لأن الناسَ أضيافُ الله تعالى في هذه الأيام، أراد أن يأكلَ الناسُ في عيد الأضحى وأيام التشريق من لحوم الأضاحي؛ حتى يكون للفقراء رفاهيةٌ وطيبُ عيشٍ في هذه الأيام.

وفي عيد الفطر يأكل الفِطرةَ والأطعمةَ التي أعطاهم الأغنياءُ، وأراد أن يوافقَهم الأغنياءُ في ترك الصوم، فحرَّم الصومَ في هذه الأيام على الفقراء والأغنياء.

سمَّى هذه الأيامَ: أيامَ التشريق؛ لأن معنى (التشريق) جعلُ اللحم قديدًا، والفقراء يُقدِّدون ما أُعطوا من لحوم الأضاحي في هذه الأيام، فسمَّى هذه الأيامَ: أيامَ التشريق لأجل هذا.

روى هذا الحديثَ نُبَيْشَة الهُذَلي.

* * *

1465 -

وقال: "لا يصُومُ أَحَدُكُمْ يومَ الجُمعةِ إلَّا أنْ يصُومَ قَبْلَهُ، أو يصُومَ بعدَه".

1466 -

وقال "لا تَخْتَصُّوا ليلةَ الجُمعةِ بِقيامٍ مِنْ بينِ اللَّيالي، ولا تخْتَصُّوا يومَ الجُمعةِ بصيامٍ مِنْ بينِ الأَيَّامِ إلَّا أنْ يكُونَ في صَوْمٍ يَصُومُه أَحدُكم".

ص: 42

قوله: "لا يصومُ أحدُكم يومَ الجمعة إلا أن يصومَ قبلَه أو بعدَه"، قيل: علَّة النهي: إنما كانَ ترك موافقةِ اليهودِ السبتَ في يومٍ واحدٍ من بين أيام الأسبوع؛ يعني: عظَّمت اليهودُ السبتَ فلا تُعظِّموا أنتم الجمعةَ خاصةً بصيامٍ وقيامٍ، بل عظِّموا جميع الأيام.

روى هذا الحديثَ والذي بعدَه أبو هريرة.

* * *

1467 -

وقال: "مَنْ صامَ يومًا في سَبيلِ الله بَعَّدِ الله وجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَريفًا".

قوله: "مَن صام يومًا في سبيل الله تعالى بعَّدَ الله وجهَه عن النار سبعين خريفًا"؛ أي: سَنةً؛ يعني: مَن جمع بين تحمُّل مشقة الصوم ومشقة الغزو يكون له هذا التشريفُ، وهذا إذا اتفق الغزو في البلد، أما إذا كان في السفر فإن لم يَلحَقْه ضعفٌ يمنعُه عن الجهاد فالصومُ أفضلُ له من الإفطار، وإن لحقَه ضعفٌ فالإفطارُ أَولى.

روى هذا الحديثَ أبو سعيد الخُدْري.

* * *

1468 -

وقال عبد الله بن عَمْرو بن العاص: قالَ لي رسُول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عَبْدَ الله!، أَلَمْ أُخْبَرْ أنَّكَ تصُومُ النَّهارَ، وتقُومُ اللَّيْلَ؟ "، فقلتُ: بلَى يا رسُولَ الله، قال:"فلا تَفْعَلْ، صُمْ وأفْطِر، وقُمْ ونَمْ، فإن لِجَسَدِكَ علَيْكَ حقًّا، وإنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حقًّا، وإنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حقًّا، وإنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حقًّا، لا صامَ مَنْ صامَ الدَّهْرِ، صَوْمُ ثلاثةِ أيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّه، صُمْ كُلَّ شَهْرٍ ثَلاثَةُ، واقْرأ القُرآنَ في كُلِّ شَهْر"، قلت: إنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذلك، قال: "صُمْ أفْضَلَ الصَّوْم صَوْمَ داوُدَ، صيامُ يومٍ وإفْطارُ يومٍ، واقْرَأْ في كُلِّ سَبْعِ لَيالٍ مَرَّةً،

ص: 43

ولا تَزِدْ على ذلكَ".

قوله: "تصومُ النهارَ وتقومُ الليلَ"؛ أي: تصوم النهارَ أبدًا وتقوم جميعَ الليل، ولا تنام.

قوله: "إن لجسدِك عليك حقًّا وإن لنفسك عليك حقًّا"، (النفس): الدمُ، وعين الشيء، والنفس أيضًا بمعنى الجسد، ولعل المرادَ ها هنا بـ (النفس): الذات، وبـ (الجسد): اللحم؛ يعني: كلُّ شيءٍ من بدنك له عليك حقٌّ، فلا يجوز لك إضاعتُه وإضرارُه بحيث تعجز عن عبادة الله تعالى وقضاء الحقوق، فإن الصومَ الدائمَ يذيُب لحمَك ويُضعف قوتَك، ويَقل به نورُ عينك، وتعجز عن القيام بحقِّ زوجك من المضاجعة والمباشرة والمكالمة، وتعجز أيضًا عن المجالسة مع زَوْرِك والقيام بخدمتهم.

و"الزَّور" جمع: زائر، وهو الضيف.

قوله: "واقرأ القرآن في كل شهر"؛ أي: اقرأ كلَّ يومٍ وليلةٍ جزءًا من ثلاثين جزءًا حتى تختمَ كلَّ شهرٍ خَتمةً واحدةً.

* * *

1470 -

وقال أبو هُريرة رضي الله عنه: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "تُعْرَضُ الأَعمالُ يومَ الإِثْنَيْنِ والخمِيسِ، فأُحِبُّ أنْ يُعْرَضَ عَمَلي وأنا صائِمٌ".

قوله: "تُعرَض الأعمالُ"؛ أي: تُعرَض الأعمالُ على ربِّ العالمين "يومَ الاثنين والخميس"، جاءت لفظة (رب العالمين) في حديث آخر.

* * *

1472 -

عن عبد الله قال: كان رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يصُومُ مِنْ غُرَّةِ كُلِّ شَهْرٍ ثلاثَةَ أَيَّامٍ، وقَلَّمًا كانَ يُفْطِرُ يومَ الجُمعةِ.

ص: 44

قوله: "وقلَّما كان يُفطر يومَ الجمعة"، تأويل هذا: أنه يصوم مع يوم الجمعة يومًا قبله أو يومًا بعده، حتى لا يكونَ التناقضُ بين هذا وبين نهيه عن صوم يوم الجمعة، أو نقول: هذا مختص برسول الله عليه السلام، كما كان الوِصالُ مختصًا به.

* * *

1473 -

وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: كانَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يصُومُ مِنْ الشَّهْرِ السَّبْتَ، والأَحَدَ، والإِثْنَيْنَ، ومِنَ الشَّهْرِ الآخر الثَّلاثاءَ، والأَرْبعاءَ، والخَمِيسَ".

قول عائشة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من الشهر السبتَ والأحدَ والاثنين، ومن الشهرِ الآخرِ الثلاثاءَ والأربعاءَ والخميسَ": أراد رسولُ الله عليه السلام أن يبين سُنَّةَ صومِ جميعِ أيام الأسبوع؛ فصام من شهرٍ السبتَ والأحدَ والاثنين، ومن شهرٍ الثلاثاءَ والأربعاءَ والخميسَ، وإنما لم يَصُمْ جميعَ هذه الستةَ متواليةً لئلا يشقَّ على الأمة الاقتداءُ به، ولم يكن في هذا الحديث ذكرُ صوم يوم الجمعة، وقد ذُكر في حديثٍ آخرَ قبلَ هذا قولُ أمِّ سَلَمة: كان رسولُ الله عليه السلام يأمرُني أن أصومَ ثلاثةَ أيامٍ في كل شهرٍ، أولُها الاثنين أو الخميس؛ يعني: ثلاثةَ أيامٍ يكون أولُها الاثنين أو الخميس، فإن كان الاثنين تبتدئ بصوم يوم الاثنين وتصوم بعدَها الثلاثاءَ والأربعاءَ، وإن كان أولُها الخميسَ يبتدئ بصوم يوم الخميس وتصوم بعدَه يومَ الجمعةِ والسبتَ.

* * *

1475 -

عن مُسلِمٍ القُرَشي قال: سُئِلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ صِيامِ الدَّهْرِ، قال:"صُم رَمَضَانَ، والذي يَلِيهِ، وكُلَّ أرْبعاءَ وخَمِيسٍ، فإذا أنْتَ قَدْ صُمْتَ الدَّهْرَ".

ص: 45

قوله: "والذي يليه"؛ أي: يأتي بعده.

* * *

1477 -

عن عبد الله بن بُسْرٍ، عن أُخته: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تَصُومُوا يومَ السَّبْتِ إلَّا فِيمَا افْتُرِضَ علَيْكُمْ، فإنْ لمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إلَّا لِحَاءَ عِنَبَةٍ، أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضَغْهُ".

قوله: "لا تصوموا يومَ السبت"، وجه كراهية صوم يوم السبت: أنَّه يومٌ يعظِّمه اليهود، فنُهينا عن أن نعظِّمه.

"اللَّحاء": القِشْر.

* * *

1478 -

وقال: "ما مِنْ أَيَّامٍ أَحَبُّ إلى الله أنْ يُتَعَبَّدَ لَهُ فيها مِنْ عَشْرِ ذي الحِجَّةِ، يَعدِلُ صِيامَ كُلِّ يَومٍ منها بصِيامِ سَنَةٍ، وقِيامُ كُلِّ لَيْلَةٍ منها بقِيامِ لَيْلَةِ القَدْرِ".

قوله: "ما من أيامٍ أحبُّ إلى الله تعالى أن يُتَعبَّد له فيها": ذُكر هذا الحديث في (باب العيد) في آخر (فصل الأضحية).

* * *

1479 -

وقال: "مَنْ صامَ يَومًا في سَبيلِ الله جعلَ الله بينَهُ وبَيْنَ النَّارِ خَنْدَقًا كما بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ".

قوله: "جعلَ الله بينَه وبينَ النارِ خَنْدَقًا كما بين السماء والأرض"، حقيقة هذا مثل قوله:"الصومُ جُنَّة"؛ يعني: يصير صومُه خَنْدَقًا بينه وبين النار، فكما أن الرجلَ إذا كان بينه وبين عدوِّه خندقٌ لا يصلُ إليه عدوُّه، فكذلك الصائمُ لا تصل إليه النارُ.

ص: 46