الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9 - باب الشَّركةِ والوَكالةِ
(باب الشَّرِكة والوكالة)
مِنَ الصِّحَاحِ:
2151 -
عن زُهرةَ بن مَعبدٍ: أنَّهُ كانَ يخرُجُ بهِ جَدُّهُ عبدُ الله بن هشامٍ إلى السُّوقِ فيشتري الطَّعامَ، فيلقاهُ ابن عُمَرَ وابن الزُّبَيْرِ فيقولان له: أَشْرِكنا، فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد دَعا لكَ بالبرَكَةِ، فيشركهما، فربَّما أصابَ الراحلةَ كما هيَ فيَبعَثُ بها إلى المنزِلِ. وكانَ عبدُ الله بن هشامٍ رضي الله عنه ذهبتْ بهِ أمُّهُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فمسحَ رأسَهُ ودَعا لهُ بالبركةِ.
قوله: "كان يخرج به جدُّه عبد الله بن هشام إلى السوق، فيشتري الطعامَ"؛ يعني: يخرج زُهرةُ بن مَعبد مع جدَّه عبدِ الله بن هشام، فيشتري عبدُ الله بن هشامٍ الطعامَ، فربما يلقى ابن عمر وابن زُبير عبدَ الله ابن هشام، ويقولان له:"أَشرِكْنا" فيما اشتريتَ؛ "فإن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قد دعا لك بالبركة"، فيُشركهما، وهذا يدل على جواز الشَّرِكة.
قوله: "فربما أصاب الراحلةَ كما هي"؛ يعني: ربما يجد دابةً مع متاعٍ على ظهرها يشتريها عبدُ الله بن هشام من صاحبها، ويُرسلها إلى بيته؛ يعني: تتيسَّر له المعاملةُ، ويجد الربحَ في المعاملة ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم.
* * *
2152 -
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قالتِ الأنصارُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: اقسِمْ بَيننا وبينَ إِخْواننا النَّخيلَ، قال:"لا، تَكفونَنا المَؤونةَ ونَشْرَكُكُمْ في الثَّمَرَةِ"، قالوا: سَمِعنا وأطَعْنا
قوله: "اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل
…
" إلى آخره؛ يعني: لمَّا هاجر المهاجرون من مكة إلى المدينة، وتركوا أموالهم وأوطانهم بمكة، فقالت الأنصار: يا رسول الله! قد جاءنا إخواننا المهاجرون وليس لهم مال، ولنا النخيل، فجَعَلْنا نخيلنا بيننا وبينهم، فاقسمه بيننا، فقال رسول الله: "لا"، أي: لا نقسم النخيل بينكم.
"تكفوننا المؤونة"؛ أي: ادفعوا عنَّا - أي: عن المهاجرين - مؤونة العمارة، فإن المهاجرين لا يطيقون ولا يعرفون عمارة النخيل، بل احفظوا نخيلكم وأصلحوها، واعملوا عليها ما نحتاج إليه من العمارة، فما يحصل من الثمار نقسمه بينكم، "فقالوا: سمعنا وأطعنا".
وفي هذا الحديث: بيانُ استحباب معاونة الإخوان ودفعِ المشقَّة عنهم، فإن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أشركهم في الثمار دون النخيل.
وفيه: بيانُ صحة الشركة؛ لأنهم قالوا: أشركنا، فلو لم تكن الشركة صحيحةً لَمَا قالوا:(أشركنا).
* * *
2153 -
عن عُروةَ بن أبي الجَعْد: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أعطاهُ دِينارًا ليَشتريَ لهُ شاةً، فاشترَى له شاتَيْنِ، فباعَ إحداهُما بدينارٍ وأتاهُ بشاةٍ ودينارٍ، فدَعا لهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في بَيْعِهِ بالبَركَةِ، فكانَ لو اشترَى تُرابًا لرَبحَ فيهِ.
قوله: "أعطاه دينارًا ليشتري له شاة، فاشترى له شاتين، فباع إحداهما بدينار، وأتاه بشاة ودينار فدعا له".
هذا الرجل يسمَّى عروة بن أبي الجعد البارقي.
وفي هذا الحديث إشكالٌ من وجهين:
أحدهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلَّه بشَرْي شاة، فاشترى شاتين.
وجواب هذا: أن مثل هذا التصرف جائز؛ لأن فيه ربحًا؛ لأنه وكَّله بشري شاة تساوي دينارًا، فاشترى شاتين تساوي كلُّ شاةٍ دينارًا.
والإشكال الثاني: أنه باع إحدى شاتين من غير أن يكون وكيلًا في البيع، فاختلف في تأويل هذا:
فقيل: هذا بيعٌ بلا إذن، وكان موقوفًا - أي: غيرَ محكوم بصحته وفساده - حتى أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد تبيَّن صحته.
وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي في قوله القديم: أن من باع مال أحد بغير إذن صاحبه فهو موقوفٌ، فإن رضي مالكه به حُكم بصحته، وإن لم يرض حُكم بفساده.
وقال الشافعي على قوله الجديد، وهو الأصح: إنه لا يجوز بيع مال أحدٍ بغير إذنه، وإن رضي المالك بعد ذلك به.
بل تأويل هذا الحديث: أن عروة كان وكيلًا مطلقًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع المعاملات من البيع والشَّرْي، فلمَّا كان وكيلًا في جميع ما يبيع ويشتري لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيصح بيعه إحدى الشاتين.
* * *
مِنَ الحِسَان:
2154 -
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه رفَعَه قال: "إنّ الله عز وجل يقولُ: أنا ثالثُ الشَّريكَيْنِ ما لمْ يَخُنْ أحدُهما صاحبَه، فإذا خانَهُ خرجْتُ منْ بينِهِما".
قوله: "قال: إن الله عز وجل يقول: أنا ثالث الشريكين"؛ يعني: إن الله تعالى يقول: أنا مع الشريكين أرزقهما وأحفظُ أموالهما وأعطيهما الربح، ما لم يكن
لأحدهما خيانة.
"فإذا خان أحدهما صاحبه خرجتُ من بينهما"؛ أي: تركت إعطائي إياهما الربح، وأرفع البركة من أموالهما.
* * *
2155 -
وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"أدِّ الأَمانةَ إلى مَنِ ائْتَمَنَكَ، ولا تَخُنْ مَنْ خانَكَ".
قوله: "أدَّ الأمانة إلى من ائتمنك"، (ائتمن): إذا جعل أحدًا أمينًا وحافظًا على ماله أو شيءٍ آخر؛ يعني: مَن أودع عندك وديعةً، سلِّم تلك الوديعة إليه من غير نقصٍ وتصرُّف، ولا تَخُنْ فيه وإن خانك صاحبه؛ يعني: لا تفعل بالناس بمثل ما يفعلون بك من السوء، بل أَحْسِنْ إلى مَن أساء إليك.
* * *
2156 -
عن جابرٍ رضي الله عنه قال: أردتُ الخُروجَ إلى خَيْبَرَ فأتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فسلَّمتُ عليهِ فقال: "إذا أتيتَ وكِيلي فخُذْ منهُ خمسةَ عشرَ وَسْقًا، فإن ابتغَى منكَ آيةً فضَعْ يدكَ على تَرْقُوَتِهِ".
قوله: "إذا أتيتَ وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقًا"؛ يعني: إذا وصلت إلى عاملي في خيبر، فخذ منه خمسة عشر وسقًا من التمر.
"فإن ابتغى"؛ أي: وإن طلب "منك آية"؛ أي: علامةً ودليلًا على أني أمرتك بهذا، "فضع يدك على ترقوته"؛ لأني قلت له: إن الآية التي بيني وبينك إذا جاءك أحد وطلب منك شيئًا عن لساني أن يضع يده على ترقوتك، فإن يضع يده على ترقوتك فاعلم أنه يَصْدُقُ فيما يقول عني.