المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌14 - باب حرم مكة حرسها الله - المفاتيح في شرح المصابيح - جـ ٣

[مظهر الدين الزيداني]

فهرس الكتاب

- ‌7 - كِتابُ الصَّومِ

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب رؤية الهِلال

- ‌فصل

- ‌3 - باب تَنْزيه الصَّوم

- ‌4 - باب صَوْم المُسافِر

- ‌5 - باب القَضَاء

- ‌6 - باب صِيَام التَّطوُّع

- ‌فصل

- ‌7 - باب لَيْلَةِ القَدْر

- ‌8 - باب الاعتِكاف

- ‌8 - كِتَابُ فَضَائِلِ القُرْآنِ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌9 - كِتابُ الدَّعَوَاتِ

- ‌2 - باب ذِكْرِ الله عز وجل والتَّقرُّبِ إليهِ

- ‌3 - باب أَسْماءِ الله تعالى

- ‌4 - باب ثواب التَسبيح والتَحميد والتَهليل

- ‌5 - باب الاستِغفار والتَّوبة

- ‌فصل

- ‌6 - باب ما يقُول عند الصَّباح والمَسَاء والمَنام

- ‌7 - باب الدَّعَوَاتِ في الأَوْقاتِ

- ‌8 - باب الاستِعاذَة

- ‌9 - باب جامع الدُّعاءِ

- ‌10 - كِتَابُ المَنَاسِكِ

- ‌2 - باب الإِحْرام والتَّلْبية

- ‌3 - قِصَّةُ حجة الوداع

- ‌4 - باب دُخُول مَكَّةَ والطَّواف

- ‌5 - باب الوُقُوفِ بِعَرَفةَ

- ‌6 - باب الدَّفْع من عَرَفَةَ والمُزْدَلِفَة

- ‌7 - باب رَمْيِ الجِمَار

- ‌8 - باب الهَدْي

- ‌9 - باب الحلق

- ‌فصل

- ‌10 - باب الخُطْبة يومَ النَّحر، ورَمْي أَيَّام التَّشريق والتَّوديع

- ‌11 - باب ما يجتنبه المحرم

- ‌12 - باب المُحرِم يَجتنِب الصَّيد

- ‌13 - باب الإِحْصَار وفَوْت الحَجِّ

- ‌14 - باب حرَم مكَّة حرَسَها الله

- ‌15 - باب حرَم المَدينة على ساكنها الصلاةُ والسلام

- ‌11 - كِتابُ البُيُوعِ

- ‌1 - باب الكَسْب وطلَب الحَلال

- ‌2 - باب المُساهلةِ في المُعاملةِ

- ‌3 - باب الخِيَارِ

- ‌4 - باب الرِّبا

- ‌5 - باب المنهيِّ عنها من البيوع

- ‌فصل

- ‌6 - باب السَّلَمِ والرَّهنِ

- ‌7 - باب الاحتِكارِ

- ‌8 - باب الإفلاسِ والإنظارِ

- ‌9 - باب الشَّركةِ والوَكالةِ

- ‌10 - باب الغَصْبِ والعاريَةِ

- ‌11 - باب الشُّفْعَةِ

- ‌12 - باب المُساقاةِ والمُزارعةِ

- ‌13 - باب الإجارة

- ‌14 - باب إحياء المَوَاتِ والشّرْبِ

- ‌15 - باب العطايا

- ‌فصل

- ‌16 - باب اللُّقَطَة

- ‌17 - باب الفرائضِ

- ‌18 - باب الوصايا

الفصل: ‌14 - باب حرم مكة حرسها الله

قوله: "الحجُّ عَرَفَةُ، مَنْ أدركَ عرفةَ ليلةَ جَمْعٍ قبل طُلوع الفجر فقد أدرك الحجَّ"؛ يعني: معظم الحج عرفة؛ أي: مَن حضر بعرفة (ليلة جَمْعٍ)؛ أي: في ليلة المزدلفة؛ يعني: ليلة العيد "فقد أدرك الحج"؛ لأن وقوف عرفة يفوت، وباقي أركان الحج لا تفوت، فإذا أدرك عرفة فقد أدرك الحج؛ لأنه يمكنه أن يفعل باقي أركان الحج متى شاء.

* * *

‌14 - باب حرَم مكَّة حرَسَها الله

(باب حرم مكة)

مِنَ الصِّحَاحِ:

1979 -

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: "لا هِجْرَةَ، ولكِنْ جِهادٌ وَنيَّةٌ، فإذا اَسْتُنْفِرْتُمْ فاَنْفِرُوا"، وقالَ يَوْمَ فَتْح مَكَّةَ:"إنَّ هذا البَلَدَ حَرَّمَهُ الله يَوْمَ خَلَقَ السَّماوَاتِ والأرضَ، فهو حَرَامٌ بِحُرْمَةِ الله إلى يَوْمِ القِيامَةِ، وإنَّه لَمْ يَحِلَّ القِتَالُ فيهِ لأحَدٍ قَبْلِي، ولَمْ يَحِلَّ لِيْ إلا ساعةً مِنْ نَهارٍ، فهو حَرَامٌ بحُرْمَةِ الله إلى يَوْمِ القيامَةِ، لا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، ولا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، ولا يَلتَقِطُ لُقَطَتَهُ إلَاّ مَنْ عَرَّفَهَا، ولا يُخْتَلَى خَلاهُ"، فقال العبَّاسُ: يا رسولَ الله، إلَاّ الإذْخِرَ، فإنَّه لقَيْنِهِمْ ولِبُيوتِهِمْ، قال:"إلَاّ الإِذْخِر".

قوله: "لا هِجْرَةَ ولكن جهادٌ ونية"؛ يعني: كانت الهجرة من مكة إلى المدينة فرضًا على كل مَنْ أَسلمَ قبلَ فتح مكة؛ لأن المسلمين لم يقدروا على إظهار دينهم بين مشركي مكة، فلما فُتحت مكة رُفِعَتِ الهجرة؛ لأنه لم يبقَ خوف العدو ومنعهم عن إظهار المسلمين دينهم، ويبقى فرض الجهاد والنية

ص: 357

الخالصة في محبة الله تعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم والدِّين، وتبقى الهجرة بالنية عن المعاصي إلى التوبة.

قوله: "وإذا استنفرتم فانفروا"؛ يعني: وإذا خرجتم إلى الجهاد فاخرجوا؛ أي: إذا أمركم أمراؤكم بالخروج إلى الغزو فاخرجوا حيث ما كنتم.

قوله: "ولم يَحِلَّ لي إلا ساعةً من نهار"، قيل: هذا عطف على قوله: "لم يحلَّ القتال فيه لأحدٍ قبلي".

ومعناه: ولم يحلَّ القتال لي فيه إلا ساعة، وهو حين فتح مكة؛ فإنه حلَّ له أن يقتل المشركين، وهذا يدل على أن مكة فتح عنوة؛ أي: قهرًا، وبهذا قال أبو حنيفة رضي الله عنه.

وقيل: بل قوله: "ولم يحلَّ لي" كلام مستأنف، ومعناه: ولم يحلَّ لي دخول مكة بغير إحرام إلا يوم فتح مكة، وليس أُنه أُحلَّ لي القتال فيه.

وبهذا قال الشافعي ومالك وأحمد، وهم يقولون: فتحت مكة صلحًا.

وفائدة هذا الخلاف: أن من قال: فتحت عنوة: أنه لا يجوز بيع دور مكة ولا إجارتها؛ لأنها موقوفة؛ لأن رسول الله عليه السلام جعلها وقفًا بعدما أخذها من الكفار.

ومن قال: فتح صلحًا: يجوز بيعها وإجارتها؛ لأنها مملوكة لأصحابها؛ لأن رسول الله عليه السلام لم يأخذها، بل تركَهَا في أيديهم.

قوله: "ولا يُعْضَدُ شَوْكُهُ"؛ أي: لا يقطعُ شجر حرم مكة، والمراد منه: شجر لا يغرسه الآدميون مما لا شوك له يؤذي الناس، فإن قلع شجرة يغرسها الآدميون، أو شجرة ذات شوك يؤذي الناس، فلا شيء عليه، وفي قطع شجرة كبيرة مما لا يغرسه الآدميون ولا يُؤذى الناس بشوكها، لزمه بقرة، وفي شجرة صغيرة، لزمه شاة، قَدْرُ صِغر الشجر وكِبرها يتعلقُ بالعُرْفِ.

ص: 358

قوله: "ولا يُنَفَّرُ صيدُهُ"؛ يعني: لا يجوز لأحدٍ قتل صيد الحرم ولا تنفيره ولا إيذاؤه، فإنْ قتلَ صيدًا لزمه مثله، إن كان له مثل من النعم، والنعم: الإبل والبقر والغنم، وإن لم يكن له مثل لزمه قيمته، وهو مخيَّرٌ من أن يذبح مثله من النعم ويفرق لحمه على مساكين الحرم، وبين أن يخرج قيمته طعامًا ويفرقه عليهم، وبين أن يصوم بكل مُد من الطعام الذي هو قيمة ذلك الصيد يومًا.

ويجب بقتل حمامة الحرم والفاختة والقُمْري شاة، أو قيمته من الطعام، أو يصوم عن كل مد يومًا، وجزاءُ صيدٍ يقتلُهُ المُحْرِمُ في غير الحَرَمِ، وجزاءُ صيدِ الحَرَمِ سواء قتله مُحْرم أو غير مُحْرِم سواء.

قوله: "ولا يلتقط لُقَطَتَهُ إلا مَنْ عَرَّفها"، (اللُّقَطُ): ما يؤخذ من مالٍ ضَلَّ عن صاحبها.

فأظهر قولي الشافعي: أنه لا يجوز لأحد أن يأخذ لُقَطَةَ الحرم، ليتملكها، بل يلزمه أن يحفظها أبدًا ليجيء مالكها.

وقوله الآخر: أنه يعرِّفها سَنة، فإن لم يأتِ صاحبها فله أن يتملكها بعد السَّنة كلقطة غير الحرم، وبهذا القول قال أبو حنيفة ومالك وأحمد.

قوله: "ولا يُخْتَلَى خلاه"، (اختَلَى) بالخاء المعجمة، وهو ناقص، وليس بمهموز، ومعناه: قطع الخَلاء وهو الحشيش؛ يعني: لا يجوز قطع حشيش الحرم، فإن قطعه لزمه قيمته، ويجوز أن ترعاه الدواب عند الشافعي، ولا يجوز عند أبي حنيفة، وما له الشوك يجوز قطعه كيلا يضر الناس.

قوله: "إلا الإذْخِرَ فإنه لِقَيْنِهِمْ"، (الإذخر): نبت عريض الأوراق، (القين): الحداد، يعني: استثنى رسول الله عليه السلام الإذخر عن التحريم، فإنه يحتاج إليه الناس، فإنهم يجعلونه في قبورهم، وفي شقوق بيوتهم، ويحرقه الحدادون بدل الحطب والفحم.

* * *

ص: 359

1980 -

وفي روايةٍ: "لا تُعْضَدُ شَجَرتُها، ولا يَلْتَقِطُ سَاقِطَتَها إلَاّ مُنْشِدٌ".

قوله: "إلا منشدٌ"؛ أي: إلا مُعَرِّفٌ، ومعنى هذا المعنى: العلم.

واعلم أن الشافعي كره نقلَ ترابِ الحرم وحجره وشجره إلى غير الحرم، ولا يكره نقل ماء زمزم للتَّبرك.

قوله: "ولا يَلتقِطُ لُقَطَتَهُ إلا مُعَرِّف"، وقد ذكر.

* * *

1981 -

وعن جَابرٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يَحِلُّ لأحَدِكُمْ أنْ يَحْمِلَ بِمَكَّةَ السِّلاحَ".

قوله: "ولا يحل لأحدكم أن يحمل بمكة السِّلاح" أراد بـ (حمل السلاح) ها هنا: المحاربة مع المسلمين، أما حمل السلاح للبيع والشراء والمحاربة مع الكفار، فيجوز.

* * *

1982 -

عن أنَسٍ رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الفَتْحِ وعلى رَأْسِهِ المِغْفَرُ، فلمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فقال: إنَّ ابن خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بأَسْتَارِ الكَعْبَةِ، فقال:"اقْتُلْهُ".

قوله: "وعلى رأسه المِغْفَرُ"(المِغْفَرُ): شبه قَلَنْسُوَة من الدرع، وهذا يدل على جواز دخول مكة لرسول الله عليه السلام بغير إحرام؛ لأنه لو كان محرمًا؛ لكان رأسه مكشوفًا.

ولا خلاف في الساعة الأولى من يوم فتح مكة جاز له دخول مكة بغير إحرام، وأما بعد ذلك فلا يجوز عند أبي حنيفة وفي أحد قولي الشافعي، ويجوز

ص: 360

عند مالك وفي القول الثاني للشافعي.

قوله: "فلمَّا نَزَعَهُ"؛ أي: فلمَّا رفع المغفر عن رأسه وجلس.

"فجاءه رجل وقال: إن ابن خَطَلٍ متعلِّقٌ بأستار الكعبة"؛ يعني: تعلَّق بلباس الكعبة؛ كي لا يقتله أحد، فأمر رسول الله عليه السلام بقتله، وإنما أمر بقتله، وما قَبلَ توبته وأمانَه؛ لأنه كان مسلمًا، فبعثه رسول الله عليه السلام في أمرٍ مع رجل من الأنصار، فقتل في الطريق ذلك الرجل الأنصاري، وأخذ ما معه من المال، وهرب من المدينة إلى مكة، فلما دخل رسول الله عليه السلام مكة يوم الفتح تعلق بأستار الكعبة؛ ليؤمنه رسول الله عليه السلام، فلم يقبل رسول الله عليه السلام أمانه، وأمر بقتله بقصاص ذلك الرجل الأنصاري.

وهذا يدل على أن مَنْ قال: إنَّ مَنْ عليه حق آدمي من القصاص أو المال، والتجأ بالحرم لا يفيده دخول الحرم، بل يقتل بالقصاص ثَمَّ، وهذا قول الشافعي.

وقال أبو حنيفة: لا يقتل في الحرم، بل لا يباع منه القوت، ولا يترك أن يشرب الماء حتى يضطر ويخرج من الحرم، فيقتص منه خارج الحرم.

* * *

1984 -

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يَغْزُو جَيْشٌ الكَعْبَةَ، فإذا كانُوا ببَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ يُخْسَفُ بأوَّلِهِمْ وآخِرِهِمْ"، قالتْ: يا رسُولَ الله!، كيْفَ يُخْسَفُ بأوَّلِهِمْ وآخِرِهِمْ وفيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ وَمَنْ لَيْسَ مِنْهَمْ؟، قال:"يُخْسَفُ بأَوَّلِهِمْ وآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ على نِيَّاتِهِم".

قوله: "يغزو جيشٌ الكعبةِ"؛ أي: يقصد جيشٌ الكعبةَ في آخر الزمان ليخربها.

ص: 361

قوله: "بيداءَ من الأرض"؛ يعني: فلما بلغوا في طريقهم بأرض بيداء، وهي برية بعيدة.

"يخسف بأولهم وآخرهم"؛ أي: دخلوا قعرَ الأرض كلهم جميعًا بشؤم قصدهم تخريب الكعبة.

قولها: "كيفَ يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم"، (الأسواق): جمع سُوقٍ أو سُوْقَةٍ، فإن كان جمع سُوق، فتقديره: وفيهم أهل أسواقهم، وإن كان جمع سُوْقَةٌ، فلا حاجة إلى التقدير؛ لأن السُّوقَة بمعنى الرَّعية.

"ومَنْ ليس منهم"؛ أي: ليس في الكفر والقصد بخراب الكعبة، بل هم ضعفاء وأُسراء.

قوله: "ثمَّ يُبعثون على نيَّاتهم"؛ يعني: يهلك هناك أخيارهم وأشرارهم، والأخيار يهلكون بشؤم الأشرار، لكن يبعث كل واحد منهم على نيته يوم القيامة، فإن كانت نيته الإسلام والخير فهو من أهل الجنة، وإن كانت نيته الكفر فهو من أهل النار.

* * *

1985 -

وعن أبي هريرة - رضى الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُخَرِّبُ الكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الحَبَشَةِ".

قوله: "يُخَرِّبُ الكعبةَ ذو السُّوَيقَتَيْنِ من الحبشة"؛ يعني: يخرِّبُ الكعبة في آخر الزمان ملك كافر من الحبشة.

(السُّوَيقَتَيْن): تثنيةٌ، واحدتها: سُويقة، وهي تصغير ساق، والسَّاق مؤنث سماعية، والمؤنث السماعية إذا صغرت ردت في تصغيرها الهاء المقدرة فيما قبل التصغير.

ص: 362

وإنما صغر ساقيه؛ لأن ساقيه دقيقتان قصيرتان.

* * *

1986 -

وقال ابن عبَّاس رضي الله عنهما، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم:"كأنِّي بِهِ أَسْوَدَ أَفْحَجَ، يَقْلَعُها حَجَرًا حَجَرًا".

قوله: "كأني به أسودَ أفحجَ"، (أسود أَفحج) مجروران؛ لأنهما بدل من الهاء في (به)، وفُتحا؛ لأنهما غير منصرفين.

ومعنى (أفحج)؛ أي: بعيد ما بين رجليه في المشي.

قوله: "كأني به"؛ يعني: حاصل ومحيط بحضرته انظر إليه من غاية علمي به وبصورته، والمراد بهذا الرجل: هو الذي تقدم ذكره.

الضمير في "يقلعها" راجع إلى الكعبة.

* * *

مِنَ الحِسَان:

1987 -

عن يَعلَى بن أُميَّة رضي الله عنه قال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "احْتِكَارُ الطَّعامِ في الحَرَمِ إِلحَادٌ فيهِ".

قوله: "احتكارُ الطعامِ في الحرمِ إلحادٌ فيه"، (الاحتكار): حبس القوت إلى وقت الغلاء، وهذا منهي عنه، وشروطه ثلاثة:

أحدها: أن يكون قوتًا.

والثاني: أن يشتري ذلك القوت في وقت يحتاج إليه الناس لأقواتهم.

والثالث: أن يحفظه ليبيعه إذا اشتدَّ غلاؤه.

فإذا اجتمعت هذه الشروط تكون في سائر البلاد حرامًا، وفي مكة أشد تحريمًا.

ص: 363

ومعنى "إلحَادٌ": الميل عن الحق إلى الباطل، قال الله تعالى:{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25] الضمير في {فِيهِ} يعود إلى المسجد الحرام، والمراد به: جميع مكة، الظلم وجميع المعاصي في مكة أشد إثمًا منه في سائر البلاد؛ لحرمة ذلك الموضع.

* * *

1988 -

عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لِمَكَّةَ: "ما أطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وأَحَبَّكِ إليَّ، ولولا أنَّ قَوْمِي أَخْرَجُوني مِنْكِ ما سَكَنْتُ غَيْرَكِ"، صحيح.

قوله: "ما أطيَبَكِ من بلد وأحبَّكِ إليَّ، ولولا أنَّ قومي أخرَجُوني منك ما سكنتُ غيرك"، (ما أطيبكِ)، (ما) للتعجب، و (أطيب) فعل ماض وفاعله فيه مضمر، وهو ضمير (ما)، والكاف مفعوله، وهي مكسورة؛ لأنها ضمير مكة، فـ (ما) مبتدأ، وهذه الجملة خبره، و (أحبَّك) معطوف على (أطيبك).

خاطب رسول الله عليه السلام عام الفتح مكة، وقال لها هذا الحديث، وإنما قاله عليه السلام؛ لغلبة حبِّ الكعبة وحَرَمِ الله ومسكن آبائه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام على قلبه.

يعني: لولا أخرجني من مكة كفار قريش ما ينبغي لي أن أسكن بلدًا غيرها؛ لأنه ليس في الأرض بلد أشرف منها، والبلد إذا كان أشرف يكون توطنه أفضل، وترك الأفضل بالاختيار غير مرضي.

* * *

1989 -

عن عبد الله بن عَدِيِّ بن الحَمْراء قال: رَأَيْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم واقِفًا على الحَزْوَرَةِ، فقال: "والله إنَّكِ لَخَيْرُ أرْضِ الله، وأَحَبُّ أرْضِ الله إلى الله،

ص: 364