المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌17 - باب الفرائض - المفاتيح في شرح المصابيح - جـ ٣

[مظهر الدين الزيداني]

فهرس الكتاب

- ‌7 - كِتابُ الصَّومِ

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب رؤية الهِلال

- ‌فصل

- ‌3 - باب تَنْزيه الصَّوم

- ‌4 - باب صَوْم المُسافِر

- ‌5 - باب القَضَاء

- ‌6 - باب صِيَام التَّطوُّع

- ‌فصل

- ‌7 - باب لَيْلَةِ القَدْر

- ‌8 - باب الاعتِكاف

- ‌8 - كِتَابُ فَضَائِلِ القُرْآنِ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌9 - كِتابُ الدَّعَوَاتِ

- ‌2 - باب ذِكْرِ الله عز وجل والتَّقرُّبِ إليهِ

- ‌3 - باب أَسْماءِ الله تعالى

- ‌4 - باب ثواب التَسبيح والتَحميد والتَهليل

- ‌5 - باب الاستِغفار والتَّوبة

- ‌فصل

- ‌6 - باب ما يقُول عند الصَّباح والمَسَاء والمَنام

- ‌7 - باب الدَّعَوَاتِ في الأَوْقاتِ

- ‌8 - باب الاستِعاذَة

- ‌9 - باب جامع الدُّعاءِ

- ‌10 - كِتَابُ المَنَاسِكِ

- ‌2 - باب الإِحْرام والتَّلْبية

- ‌3 - قِصَّةُ حجة الوداع

- ‌4 - باب دُخُول مَكَّةَ والطَّواف

- ‌5 - باب الوُقُوفِ بِعَرَفةَ

- ‌6 - باب الدَّفْع من عَرَفَةَ والمُزْدَلِفَة

- ‌7 - باب رَمْيِ الجِمَار

- ‌8 - باب الهَدْي

- ‌9 - باب الحلق

- ‌فصل

- ‌10 - باب الخُطْبة يومَ النَّحر، ورَمْي أَيَّام التَّشريق والتَّوديع

- ‌11 - باب ما يجتنبه المحرم

- ‌12 - باب المُحرِم يَجتنِب الصَّيد

- ‌13 - باب الإِحْصَار وفَوْت الحَجِّ

- ‌14 - باب حرَم مكَّة حرَسَها الله

- ‌15 - باب حرَم المَدينة على ساكنها الصلاةُ والسلام

- ‌11 - كِتابُ البُيُوعِ

- ‌1 - باب الكَسْب وطلَب الحَلال

- ‌2 - باب المُساهلةِ في المُعاملةِ

- ‌3 - باب الخِيَارِ

- ‌4 - باب الرِّبا

- ‌5 - باب المنهيِّ عنها من البيوع

- ‌فصل

- ‌6 - باب السَّلَمِ والرَّهنِ

- ‌7 - باب الاحتِكارِ

- ‌8 - باب الإفلاسِ والإنظارِ

- ‌9 - باب الشَّركةِ والوَكالةِ

- ‌10 - باب الغَصْبِ والعاريَةِ

- ‌11 - باب الشُّفْعَةِ

- ‌12 - باب المُساقاةِ والمُزارعةِ

- ‌13 - باب الإجارة

- ‌14 - باب إحياء المَوَاتِ والشّرْبِ

- ‌15 - باب العطايا

- ‌فصل

- ‌16 - باب اللُّقَطَة

- ‌17 - باب الفرائضِ

- ‌18 - باب الوصايا

الفصل: ‌17 - باب الفرائض

2250 -

وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: رخَّصَ لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في العَصا والسَّوطِ والحَبلِ وأَشباهِهِ، يلتقِطُه الرَّجلُ ينتفعُ بهِ.

قوله: "رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العصا والسوط والحبل وأشباهه، يلتقطه الرجل ينتفع به"؛ يعني: هذه الأشياء وأمثالها مما كان حقيرًا يُعلم أن صاحبه لا يطلبه زمانًا كثيرًا، فإذا وجدها أحد نظر إلى حوله، فإن وجد هناك أحدًا، يخبره بما وجد، فإن قال: لي، فليدفعه إليه، وإن قال: ليس لي، أو نظر هناك ولم يجد ثَمَّ أحدًا، فليأخذ ذلك الشيء الحقير، ومِلْكُه من غير تعريف، فإن جاء صاحبه بعد ذلك لزمه ردُّه إليه، أو ردُّ قيمته.

* * *

2251 -

عن المِقْدامِ بن مَعْدِ يْكَرِبَ رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ألا لا يحِلُّ ذو نابٍ من السَّباعِ، ولا الحمارُ الأهليُّ، ولا اللُّقطةُ مِن مالِ مُعاهدٍ إلا أَنْ يستغنيَ عنها صاحبُها".

قوله: "ألا لا يحل ذو ناب من السباع

" إلى آخر الحديث، قد ذكر بحث هذا الحديث في (باب الاعتصام) في الحديث الثالث من الحسان.

* * *

‌17 - باب الفرائضِ

(باب الفرائض)

مِنَ الصَّحَاحِ:

2252 -

عن أبي هريرةَ رضي الله عنه، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "أنا أَوْلى بالمؤمنينَ مِنْ

ص: 530

أنفسِهم، فمَن ماتَ وعليه دَيْنٌ ولم يتركْ وفاءً فعليْنا قضاؤُه، ومَنْ تركَ مالًا فلِوَرَثتِهِ".

وفي روايةٍ: "مَنْ تركَ دَيْنًا أو ضَياعًا فليَأتِني فأنا مَوْلاهُ".

وفي روايةٍ: "مَن تركَ مالًا فلِوَررثَتِهِ، ومَن تَرَكَ كَلًّا فإلينا".

قوله: "ومن مات وعليه دين ولم يترك وفاء فعلينا قضاؤه" هذا تبرعٌ منه صلى الله عليه وسلم، ولم يجب أداء دين الميت إلا من تركته، فإن لم يكن له تركةٌ لم يجب قضاؤه، لا من بيت المال، ولا من مال المسلمين، بل يستحب.

قوله: "ومن ترك دينًا أو ضياعًا، فليأتني فأنا مولاه"، (الضِّياع) بكسر الضاد: جمع ضائع، كالجياع جمع جائع، و (الضَّياع) بفتح الضاد: مصدرٌ يقع على الجمع وغيره.

يعني: مَن مات وترك مَن احتاج إلى النفقة والكسوة والتربية كالأطفال والزَّمْنَى، ولم يكن له مال يصرف على عياله، وجب نفقتهم وكسوتهم في بيت المال.

قوله: "ومن ترك كلًا فإلينا"، (الكَلُّ): العيال؛ يعني: مَن ترك عيالًا فإلينا تربيتهم، وهذا مِثْلُ ما تقدم.

* * *

2253 -

وقال: "أَلحِقُوا الفرائضَ بأهلِها، فما بقيَ فهوَ لأوْلى رجلٍ ذَكَرٍ".

قوله: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر"؛ يعني: يقدَّم نصيب صاحب الفرض على نصيب العصبة، فإذا أُعطي صاحب الفرض فرضَه، فما بقي من سهام أصحاب الفروض دفع إلى أولى رجلٍ؛ أي: أقرب

ص: 531

رجل من عصبات الميت، وأصحاب الفروض والعصبات مذكورةٌ في كتاب الفرائض في الفقه، وليس هذا موضع شرحه.

قوله: "فلأولى رجل ذكر" قد ذُكِرَ الذَّكَرُ بعد الرجل احترازًا عن الخنثى المُشْكِلِ، فإنه لا يُجعل عصبةً ولا صاحبَ فرضٍ جزمًا، بل يُعْطَى القَدْرَ المتيقَّنَ، وهو القَدْرُ الأقل من تقدير الذكورة والأنوثة، ويحتمل أن المراد بالذَّكَر بعد الرجل بيانُ أن العصبة ترث صغيرًا كان أو كبيرًا إذا كان ذكرًا، بخلاف عادة الجاهلية، فإنهم لا يعطون الميراث مَن هو ضعيفًا، بل يعطون مَن هو في حدِّ الرجولية والمحاربة.

روى هذا الحديث ابن عباس.

* * *

2254 -

وقال: "لا يَرِثُ المُسلِمُ الكافرَ، ولا الكافِرُ المُسلِمَ".

قوله: "لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم" اتفق أهل العلم على العمل بهذا الحديث، إلا معاذَ بن جبلٍ، ومعاويةَ بن أبي سفيان، ومن الفقهاء إسحاق بن راهويه؛ فإنهم قالوا: يرث المسلمُ الكافرَ، ولا يرث الكافرُ المسلمَ، والمرتدُّ لا يرث أحدًا، ولا يرثه أحدٌ، لا من المسلمين، ولا من الكفار، ومالُه في بيت المال.

قال أبو حنيفة: ما اكتسبه في الإسلام لورثته المسلمين، وما اكتسبه في الكفر لبيت المال.

روى هذا الحديث أسامة بن زيد.

* * *

2255 -

وقال: "مَوْلى القومِ مِن أنفسِهم".

ص: 532

قوله: "مولى القوم من أنفسهم"، (المولى): يقع في اللغة على المُعْتِق وعلى العتيق، وفسر العلماء المولى في هذا الحديث بالمُعْتِق؛ يعني: المُعْتِقُ يرثُ العتيقَ إذا لم يكن للعتيق أحدٌ من عصباته النَّسَبية، ولا يرث العتيقُ المُعْتِقَ إلا عند طاوس.

روى هذا الحديث أنس بن مالك.

* * *

2256 -

وقال: "إنَّما الوَلاءُ لِمَن أَعتقَ".

قوله: "إنما الولاء لمن أعتق"؛ يعني: مَن أعتق مملوكًا، أو عَتَقَ عليه بأن اشترى أحدًا من أصوله أو فروعه، أو أدى مكاتَبُه دينَ الكتابة فعتق عليه، يكون ولاؤه له، سواء كان المُعْتِقُ رجلًا أو امرأة.

روى هذا الحديث ابن عمر.

* * *

2257 -

وقال: "ابن أختِ القومِ منهم".

قوله: "ابن أخت القوم منهم" اعلم أن ابن الأخت من ذوي الأرحام، ولا يرث ذوو الأرحام إلا عند أبي حنيفة وأحمد رحمهما الله.

وإنما يرث ذوو الأرحام إذا لم يكن للميت عصبةٌ، ولا ذو فرضٍ.

وذوو الأرحام عشرة أصناف: ولد البنت، وولد الأخت، وبنت الأخ، وبنت العم، والخال، والخالة، وأب الأم، والعم لأم، والعمة، وولد الأخ من الأم ومن أدلى بهم، وأَوْلاهم أولاد البنت، ثم أولاد الأخت وبنات الأخ، ثم العم للأم، والعمات، والأخوال، والخالات.

ص: 533

وإذا استوى اثنان منهم في درجة، فأَولاهم بالميراث من هو أقرب إلى صاحب فرض أو عصبة، وأب الأم أولى من ولد الأخ من الأم، ومن بنات الأخ وأولاد الأخت.

روى هذا الحديث - أعني حديث: "ابن أخت القوم منهم" - أنس.

* * *

2258 -

وقال: "الخالةُ بمنزِلَةِ الأُمِّ".

قوله: "الخالة بمنزلة الأم"، (الخالة): من ذوي الأرحام، وقد ذكرنا بحثهم.

روى هذا الحديث ابن مسعود.

* * *

مِنَ الحِسَان:

2259 -

قال صلى الله عليه وسلم: "لا يتوارثُ أهلُ مِلَّتينِ شَتَّى".

"لا يتوارث أهل ملتين شتى"؛ أي: متفرقة، ووزنه: فَعْلَى؛ يعني: لا يرث المسلمُ الكافرَ، ولا الكافرُ المسلمَ.

روى هذا الحديث ابن عمرو.

* * *

2260 -

وقال: "القاتِلُ لا يِرثُ".

قوله: "القاتل لا يرث" روى هذا الحديث أبو هريرة.

ومعناه: أن القاتل لا يرث من المقتول، والعمل على هذا الحديث عند العلماء جميعهم، سواءٌ كان القتل عمدًا أو خطأً، من صبيًّ أو مجنون، أو غيرهما.

ص: 534

وقال مالك: إذا كان القتل خطأً لا يمنع الميراث.

وقال أبو حنيفة: قتل الصبي لا يمنع من الميراث.

* * *

2261 -

عن بُرَيدةَ رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم جَعلَ للجَدَّةِ السُّدسَ إذا لم تَكُنْ دونَها أمُّ.

قوله: "للجدة السدس إذا لم يكن دونها أمٌّ"؛ يعني: إذا لم يكن هناك أم الميت، ترث الجدة السدس، فإن كان هناك أم لا ترث الجدة شيئًا: لا أمُّ الأم، ولا أمُّ الأب، ولا أمُّ الجد.

* * *

2262 -

وقال: "إذا استهلَّ الصبيُّ صُلِّيَ عليهِ وَوُرِّثَ".

قوله: "إذا استهل الصبي صلي عليه وورث"؛ يعني: إذا مات رجل وخلَّف امرأة حاملًا، وقف نصيب الحمل من مال أبيه حتى ينفصل من أمه، فإن انفصل ولم يظهر منه شيء من علامات الحياة، يكون نصيبه الموقوف لورثة الميت وقتَ موته: إن كان صاحبَ فرضٍ يعطى فرضه كاملًا، وإن كان عصبة يعطى ما بقي من فرض أصحاب الفروض، ولا يعطى الولد المنفصل ميتًا من الميراث شيئًا.

وإن انفصل واستهل - أي: رفع صوته بالبكاء - أو ظهر منه علامةٌ تدلُّ على حياته يقينًا، صلِّي عليه، ودُفع إليه نصيبه الموقوفُ من مال أبيه، ثم إذا مات بعد أن عُرفت حياته انتقل نصيبه إلى ورثته الموجودين وقت موته بعد استهلاله، وقد بينَّا كيفية قسمة ميراث الحمل في أول كتابنا المسمى بـ:"غاية المقاصد في علم الفرائض".

ص: 535

روى هذا الحديث أبو هريرة.

* * *

2264 -

وقال: "أنا مَولى مَن لا مَولى لهُ، أَرِثُ مالَه وأَعْقِلُ له وأَفُكُّ عانَهُ، والخالُ وارِثُ مَن لا وارِثَ له، يرثُ مالَه ويعقِلُ عنه ويفكُّ عانَهُ".

قوله: "أنا مولى مَن لا مولى له، أرثُ ماله، وأعقل له، وأفك عانيه، والخال وارث من لا وارث له، يرث ماله، ويعقل عنه، ويفك عانيه"؛ يعني: مَن مات ولا وارث له يكون ماله لبيت المال، وإذا جنى أحد على أحد جنايةً خطأ، وليس للجاني عصبةٌ، يجب ما عليه من الدية على بيت المال؛ لأن بيت المال كعصبة الرجل، فكما أن بيت المال يرث مالَ مَن مات ولا وارث له، فكذلك يعقل عنه إذا جنى جناية.

ومعنى يعقل: يؤدي عَقْلَه؛ أي: الدية اللازمةَ عليه.

قوله: "ويفك عانيه"، وفي رواية:"ويفك عانه"، وأصله: عانيَه أيضًا، فحذفت الياء في هذه الرواية.

ومعنى العاني: الأسير، ومعنى الفك: الإعتاق؛ أي: أُعتق ذمته المشغولة بالدية؛ يعني: أؤدِّي الدية عنه، وهذا شرح (أعقل له).

وفي "معالم الخطابي" و"شرح السنة" روايتان: في رواية: "وأفك عانيه"، وليس في هذه الرواية:"وأعقل له، وأفك عانيه"، فإذا كان كذلك؛ فقد علمنا أن (أعقل له) شرح:(وأفك عانيه) هكذا فسر الخطابي.

قوله: "والخال وارث من لا وارث له

" إلى آخره، (الخال): من ذوي الأرحام، فعلى قولِ توريث ذوي الأرحام يرث الخال ابن أخته إذا مات ولم يخلِّف عصبةً، وإذا جنى ابن أخته ولم يكن له عصبةٌ، يؤدِّي الخال الدية عنه كالعصبة.

ص: 536

روى هذا الحديث المقدام الكندي.

* * *

2265 -

وقال: "تَحوزُ المرأةُ ثلاثَةَ مواريثَ: عَتيقَها، ولَقيطَها، وولدَها الذي لا عنت عنه".

قوله: "تحوز المرأة ثلاث مواريث: عتيقها ولقيطها وولدها الذي لا عنت عنه"، (تحوز)؛ أي: تجمع؛ يعني: المرأة إذا عتقت عبدًا، فإذا مات العبد العتيق ولم يكن له وارثٌ، يرث مُعْتِقُه مالَه، وإذا لاعن الرجل ولده انتفى الولد عنه ووجب الحدُّ على المرأة، فإذا لاعنت المرأة سقط عنها الحد، ولكن لا يثبت نسبُ الولد لأبيه بلعانه، بل يبقى النسب منفيًا عن أبيه، فإذا مات الولد لا يرثه أبوه، ولكن ترثه أمه فرضها؛ لأنه لا شك في أن الولد انفصل منها.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "ولقيطها" لا يرث الملتقِطُ من اللقيط، إلا عند إسحاق ابن راهويه.

روى هذا الحديث واثلة بن الأسقع.

* * *

2266 -

عن عمرو بن شُعيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيُّما رجلٍ عاهَرَ بحُرَّةٍ أو أَمَةٍ، فالولدُ ولدُ زِنا لا يَرِثُ ولا يُورَثُ".

قوله: "عاهر"؛ أي: زنى.

قوله: "لا يرث ولا يورث"؛ يعني: لا يرث ذلك الولد من الواطئ ولا من أقاربه، ولا يرث الواطئ ولا أقاربه من ذلك الولد؛ لأنه أجنبي من الواطئ وإن كان من نطفته.

ص: 537

وأما الأم: ترث من ذلك الولد، ويرث الولد منها.

* * *

2267 -

عن عائِشَةَ رضي الله عنها: أنَّ مَولى للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ماتَ ولم يَدَعْ ولدًا ولا حَميمًا، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَعطُوا ميراثَه رجلًا مِن أهلِ قريتِهِ".

قولها: "أن مولى للنبي صلى الله عليه وسلم مات ولم يدع ولدًا ولا حميمًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أعطوا ميراثه رجلًا من أهل قريته"، (المولى) ها هنا: العتيق.

"ولم يدع"؛ أي: ولم يترك.

"حميمًا"؛ أي: قريبًا.

واعلم أن العتيق إذا مات ولم يخلِّف صاحبَ فرض ولا عصبةً من نسبه، فمالُه كله لمُعْتِقِه، وإن خلَّف صاحبَ فرض، فما بقي بعد فرضِ صاحب الفرض فلِمُعْتِقِه، وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بدفع مال عتيقه إلى رجلٍ من قريته تفضُّلًا وتبرُّعًا منه على أهل قرية عتيقه.

* * *

2268 -

وعن بُرَيدَةَ قال: ماتَ رجلٌ مِن خُزاعَةَ فأُتيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بميراثِهِ فقال: اِلتمسُوا لهُ وارثًا، أو ذا رَحمٍ، فَلَمْ يَجِدُوا فقال:"أعطُوه الكُبْرَ مِنْ خُزاعةَ"، ويُروَى:"انظُروا أكبرَ رجلٍ مِن خُزاعة".

قوله: "التمسوا"؛ أي: اطلبوا.

قوله: "أو ذا رحم"؛ يعني: أو قريبًا له غيرَ أصحاب الفروض والتعصيب، وهذا (1) على قول مَن يعطي ذوي الأرحام الميراثَ ظاهرٌ، وأما على قول مَن لم

(1) في جميع النسخ: "وهذا يدل"، والصواب المثبت.

ص: 538

يعط ذوي الأرحام الميراث؛ فتأويله: أن ماله انتقل إلى بيت مال المسلمين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حاكمًا يصرف مال بيت المال فيما رأى فيه المصلحة، فرأى ها هنا صرف مال الميت في ذوي الأرحام تبرعًا منه عليهم.

قوله: "أعطوه الكُبر من خزاعة"، (الكُبر) بضم الكاف وسكون الباء: بمعنى الأكبر، ومعناه هنا: سيد القوم ورئيسهم، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بدفع مال الميت إلى سيد القوم ومقتداهم تبرعًا منه صلى الله عليه وسلم وتفضلًا عليه، لا بطريق الميراث.

* * *

2269 -

وعن عليًّ رضي الله عنه قال: قضى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنَّ أعيانَ بني الأُمَّ يتوارثونَ دونَ بني العَلَّاتِ، الرجلُ يرثُ أخاهُ لأَبيهِ وأمِّهِ، دونَ أخيهِ لأبيهِ.

قوله: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أعيان بني الأم والأب يتوارثون دون بني العَلات" اعلم أن معنى (الأعيان): الإخوة والأخوات من الأب والأم، و (العَلَّات): الإخوة والأخوات من الأب، و (الأخياف): الإخوة والأخوات من الأم، فإذا مات رجل وترك أخًا من الأب والأم، وأخًا من الأب، فميراثه لأخيه من الأب والأم دون أخيه من الأب، وإن كان له أخٌ من الأب والأم، وأخٌ من الأب، وأخٌ من الأم، فلأخيه من الأم السدس بالفرض، وإن كان له أخوان من الأم أو أكثر، فلأخويه أو لأخوته من الأم الثلث، والباقي لأخيه من الأب والأم بالتعصيب، ولا شيء لأخيه من الأب؛ لأن الأخ من الأب عصبة، وهو لا يرث مع وجود الأخ من الأب والأم.

قوله: "الرجل يرث أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه"؛ يعني: يرث الميتَ أخوه من الأب والأم دون أخيه من الأب إذا اجتمعا، فإن لم يكن له أخ من الأب والأم يرثه أخوه من الأب.

* * *

ص: 539

2271 -

وقال عبدُ الله بن مسعودٍ رضي الله عنه في بنتٍ، وبنتِ ابن، وأُختٍ لأبٍ وأمًّ: أقضي فيهنَّ بما قَضَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم: للبنتِ النِّصفُ، ولابنةِ الابن السُّدُسُ تَكمِلةَ الثُّلُثَين، وما بقي فَلِلأُخْتِ.

قوله: "وما بقي للأخت"؛ يعني: الأخت من الأب والأم دون الأخت من الأب إذا اجتمعتا؛ لأن الأخت من الأب والأم كالأخ من الأب والأم، والأخت من الأب كالأخ من الأب، فكما أن الأخ من الأب لا يرثه مع الأخ من الأب والأم، فكذلك الأخت من الأب لا ترث مع الأخت من الأب والأم إذا اجتمعتا مع البنات، أو بناتِ الابن، فإن لم تكن الأخت من الأب والأم، فما بقي من فرض البنات، أو بنات الابن، فللأخت من الأب.

* * *

2272 -

وعن عِمْرانَ بن حُصَينٍ قال: جاءَ رجلٌ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ ابن ابني ماتَ فما ليَ مِنْ ميراثِه؟ قال: "لكَ السُّدُسُ"، فلمَّا ولَّى دعاهُ قال:"لك سُدُسٌ آخرُ"، فلمَّا ولَّى دعاهُ قال:"إنَّ السُّدُسَ الآخرَ طُعْمَةٌ لك"، صحيح.

قوله: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن ابن ابني مات، فما لي من ميراثه؟ "، (ما) للاستفهام، وصورة هذه المسألة: ترك الميت بنتين وهذا السائلَ، فللبنتين الثلثان، فبقي ثلث، فدفع النبي صلى الله عليه وسلم إلى السائل سدسًا بالفرض؛ لأنه جد الميت، ولم يدفعه إليه سدسًا آخر كيلا يظن أن فرضه الثلث، وتركه حتى ولى؛ أي: ذهب "فدعاه فقال: لك سدسٌ آخر، فلما ولَّى دعاه وقال: إن السدس الآخِر" بكسر الخاء "طُعمة لك"؛ أي: اعلم أن السدس الثاني طعمةٌ له، ومعنى (الطعمة) هنا: التعصيب؛ يعني: رزقٌ لك وليس بفرضٍ لك.

ص: 540

وإنما قال للسدس الذي ورثه بالتعصيب طعمة، ولم يقل للسدس الذي ورثه بالفرض طعمة؛ لأن الفرض لا يتغير، وأما التعصيب يتغير بالزيادة والنقصان، وربما لم يبق نصيب العصبة، فلما لم يكن التعصيب شيئًا مستقرًا ثابتًا على حالةٍ واحدة سماه:(طُعمة)؛ أي: هذا رزقٌ رَزَقَك الله بسبب عدم كثرة أصحاب الفروض، فإنه إن كثرت أصحاب الفروض لم يبق لك هذا السدس الأخير.

* * *

2273 -

عن قَبيْصَةَ بن ذُؤيبٍ أنه قال: جاءَتْ الجدَّةُ إلى أبي بكرٍ رضي الله عنه تسألُه ميراثَها، فقال لها: ما لَكِ في كتابِ الله شيءٌ، وما لَكِ في سنَّةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم شيءٌ، فارجِعي حتى أسألَ الناسَ، فسألَ، فقالَ المغيرةُ بن شُعبةَ رضي الله عنه: حَضَرتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السُّدُسَ، فقال أبو بكرٍ رضي الله عنه: هلْ معكَ غيرُكَ؟ فقال محمدُ بن مَسْلَمةَ مثلَ ما قالَ المغيرةُ، فأَنفَذَهُ لها أبو بكرٍ رضي الله عنه، ثم جاءَتْ الجَدَّةُ الأُخرى إلى عمرَ رضي الله عنه تسألهُ ميراثَها، فقال: هو ذلكَ السُّدُسُ، فإنْ اجتمعْتُما فهو بينَكُما، وأَيَّتُكما خَلَتْ بهِ فهوَ لها.

قوله: "فأنفذه لها أبو بكر رضي الله عنه " الضمير المذكَّر الغائب في (أنفذه) ضمير السدس؛ يعني: أعطى الجدةَ السدس.

قوله: "هو ذلك السدس"، (السدس): عطفُ بيان لـ (ذلك)، ولفظة (هو) ضمير لنصيبها؛ يعني: نصيبك السدس.

قوله: "فإن اجتمعتما" هذا الخطاب للجدة من طرف الأم والجدَّةِ من طرف الأب.

قوله: "خلت"؛ أي: تفرَّدت بالسدس؛ يعني: فإن كانت واحدةٌ منكما، ولم تكن الأخرى، فالسدس لها، فإن اجتمعتما فالسدس بينكما.

* * *

ص: 541

2274 -

وعن ابن مَسْعودٍ رضي الله عنه قال في الجَدَّةِ معَ ابنها: أَطعَمَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سُدُسًا معَ ابنها. ضعيف.

قول ابن مسعود في الجدة مع ابنها: "أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم سدسًا مع ابنها"؛ يعني: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَّ أبِ الميت سدسًا مع وجود أب الميت، مع أنه لا ميراث لأم أب الميت مع أب الميت.

ومذهب ابن مسعود: أن الجدة غير وارثة، سواءٌ كانت من قِبَلِ الأم، أو قبل الأب، وسواءٌ كان معها مَن هو أقربُ منها إلى الميت، أو لم يكن.

فقال ابن مسعود: فكلُّ ما أعطى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الجدةَ شيئًا، فإنما أعطاها تبرعًا وتفضُّلًا عليها لا بطريق الميراث.

* * *

2275 -

عن الضَّحَّاكِ بن سُفيانَ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كتبَ إليه أنْ وَرَّثْ امرأةَ أَشْيَمَ الضبابي مِن دِيَةِ زوجِها. صحيح.

قوله: "أنْ ورِّثْ امرأة أشيم الضبَابيِّ من دية زوجها"؛ يعني: المرأة ترث نصيبها من دية زوجها كما ترث من ماله، وكذا يرث الزوج من دية زوجته كما يرث من مالها.

وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه لا يورِّث الزوج من دية زوجته، ولا الزوجة من دية زوجها.

* * *

2276 -

وعن تميمٍ الدَّارِيِّ قال: سَألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: ما السُّنةُ في الرجلِ من أهلِ الشركِ يُسْلِمُ على يدَيْ رجلٍ مِن المسلمينَ؟ فقال: "هو أَوْلَى

ص: 542

الناسِ بمَحياهُ ومَماتِهِ". ليس بُمتَّصلٍ.

قوله: "ما السنَّة"؛ أي: ما حكم الشرع في الرجل من أهل الشرك يُسْلِمُ على يدي رجل من المسلمين، فقال: هو أولى الناس بمَحْيَاه ومماتِه.

ومَن أسلم على يد غيره لا يصير مولًى له عند أبي حنيفة والشافعي ومالك والثوري، ويصير مولًى له عند عمر بن عبد العزيز، وسعيد بن المسيب، والليث بن سعد بهذا الحديث.

دليل الشافعي وأتباعه: قوله: "الولاء لمَن أَعْتَقَ، ومَن لم يُعْتِقْ فلا يكون له ولاؤه"، وحديث تميمٍ الداري يحتمل أنه كان في بدء الإسلام؛ لأنهم كانوا يتوارثون بالإسلام والنصرة ثم نسخ ذلك، ويحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم:(هو أولى الناس بمحياه ومماته) يعني بالنصرة في حال الحياة، وبالصلاة بعد الموت، فلا يكون له حجة.

* * *

2278 -

عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: أنَّ رَجُلًا ماتَ ولم يَدَعْ وارثًا إلا غلامًا كانَ أَعتقَهُ، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"هل لهُ أحدٌ؟ " فقالوا: لا، إلا غلامٌ لهُ كانَ أَعتقَهُ، فجعلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ميراثَه لهُ.

قوله: "أن رجلًا مات ولم يدع وارثًا إلا غلامًا كان أعتقه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل له أحد؟ قالوا: لا، إلا غلام له كان أعتقه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ميراثه له" اعلم أن المُعْتِقَ يرث من العتيق كما ذكرنا، ولا يرث العتيقُ من المُعْتِق، ولنا دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مال الميت في هذا الحديث إلى عتيقه تبرعًا وتفضلًا عليه؛ لأن الميت لم يترك أحدًا يرثه، فماله انتقل إلى بيت المال، فأنعم رسول الله صلى الله عليه وسلم بماله على هذا العتيق، هذا مذهب جمهور العلماء.

ص: 543