الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زمانٌ يُعتاد أن يجلس المتعاقدان فيه فحينَئذٍ لا بأسَ في التفرق.
* * *
2049 -
وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"لا يُتفَرَّقُ عَنْ بَيْعٍ إلَّا عَن تَراضٍ".
قوله: "لا يتفرَّق عن بيعٍ إلا عن تراضٍ": معنى هذا الحديث كمعنى الحديث الذي قبله.
* * *
4 - باب الرِّبا
(باب الرِّبا)
مِنَ الصِّحَاحِ:
2051 -
عن عُبادةَ بن الصَّامِت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذَّهَبُ بالذَّهَبِ، والفِضَّةُ بالفِضَّةِ، والبُرُّ بالبُرِّ، والشَّعِيرُ بالشَّعِيرِ، والتَّمْرُ بالتَّمْرِ، والمِلْحُ بالمِلْح، مِثْلًا بمِثْلٍ، سَواءً بسَواءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فإذا اَخْتَلَفَتْ هذِهِ الأصنافُ - وفي روايةٍ: إذا اختلف النوعان - فَبيعُوا كيفَ شِئْتُم إذا كَان يَدًا بِيَدٍ".
قوله: "الذَّهَبُ بالذَّهَبِ، والفضَّةُ بالفضَّةِ، والبُرُّ بالبُرِّ، والشعيرُ بالشعيرِ، والتمرُ بالتمرِ، والمِلحُ بالمِلحِ، مِثْلًا بمِثْلِ، سواءً بسواءٍ، يدًا بيدٍ، فإذا اختلفت هذه الأجناسُ فبيعُوا كيف شئتُم إذا كان يدًا بيدٍ".
معنى (الرِّبا): الزيادة.
اعلم أن مالَ الرِّبا المذكور في هذا الحديث ستةٌ، ولكن ليس مالُ الرِّبا
مخصوصًا بهذه الستة، وإنما ذكر هذه الستة ليُقاسَ عليها غيرُها.
واعلم أن مالَ الرِّبا أربعةٌ: الذهب والفضة والمأكول والمشروب.
فالذهبُ والفضةُ: مالُ الرِّبا، سواءٌ كانا مضروبين أو غيرَ مضروبَين، حليًا أو آنيةً أو غيرَها.
وأما المأكول: فكلُّ ما يُؤكَل على وجه القُوت أو التفكُّه أو المداواة فهو مالُ الرِّبا، والمشروب أيضًا: مالُ الرِّبا وإن كان شيئًا يُشرَب للتداوي، والمِلحٍ من المأكولات.
وقال الشافعي ومالك: علَّة الرِّبا في الذهب والفضة: النقدية، ومعنى النقدية: أنه يُباع ويُشترَى بالذهب والفضة، وعلَّة الرِّبا عندهما في المأكول والمشروب: الطعم.
فالذهبُ عندهما مالُ الرِّبا، سواءٌ بوزنٍ ومكيالٍ أم لا، وكلُّ ما ليس بالذهب والفضة والمأكول والمشروب ليس بمالِ الرِّبا، فيجوز أن يُباع نقدًا ونسيئةً، وزائدًا وناقصًا، فيجوز أن يُباع مَنُّ قطنٍ بمَنِّ قطنٍ أو أكثرَ نقدًا ونسيئةً.
وقال أبو حنيفة: علَّة الرِّبا في الذهب والفضة: الوزن، وفي المأكول والمشروب: الكَيل، فكلُّ ما يُوزَن ويُكَالُ فهو مالُ الرِّبا عنده، حنى الجصُّ والنُّورةُ والحديدُ والقطنُ وغيرُهما.
فإذا عرفتَ هذا فاعرِفْ أنه إذا بِيعَ مالُ الرِّبا بمالِ الرِّبا؛ فإن كانا من جنسٍ واحدٍ كالذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والحِنطة بالحِنطة، فلا يحلُّ إلا بثلاث شرائط:
أن يكونا مِثْلَين في الوزن فيما يُوزَن وفي الكَيل فيما يُكَال، وأن يكون قبضُ العِوَضَين قبل التفرُّق من المجلس، وأن يكون قبضُ العِوَضَين في الحال لا بعدَ زمان، تُسمى نسيئةً، فإن فُقِدَ شرطٌ من هذه الشروط فهو ربا، وأكلُ الرِّبا من الكبائر.
وإن كان العِوَضَانِ كلاهما من مال الربا، ولكنَّ جنسَهما مختلفٌ كبيع الفضة بالذهب، أو الحِنطة بالشعير جازَ أن يكون بينهما تفاضلٌ، فيجوز بيعُ دينارٍ من الفضة بدينارَين من الذهب، أو بالعكس، وكذا يجوز بيعُ قفيزٍ من شعير بقفيزَي حِنطةٍ، أو بالعكس، ولكن تجب مراعاة شرطَين:
أحدهما: أن يكون قبضُ العِوَضَين قبل التفرُّق من المجلس.
والثاني: أن يكون قبضُهما في الحال، فإن كان أحدُ العِوَضَين من مال الربا، والآخر من غير مال الربا كالذهب بالحديد، والحِنطة بالقطن، أو كانا مالَ الربا إلا أن أحدَهما نقدٌ، والآخرَ مطعومٌ كبيع الذهب بالحِنطة، كلُّ ذلك يجوز متفاضلًا وحالًا ونسيئةً.
وفي مذهب أبي حنيفة: يجوز بيعُ الخبز بالحِنطة وبالدقيق متفاضلًا، وبيعُ الرُّطَب بالتمر، والعِنَب بالزَّبيب.
ويجوز عند مالك وأحمد بيعُ الحِنطة بدقيقها، ويجوز بيعُ الرُّطَب بالرُّطَب، والعِنَب بالعِنَب، كلُّ ذلك مِثْلًا بمِثْلٍ، وبجوز بيعُ الخبز بالخبز عند مالك إذا عُلِمَ كونُهما متماثلَين بالاجتهاد، وإن لم يُوزَن.
قوله: "مِثْلًا بمِثْلٍ سواءً بسواءٍ يدًا بيد"، أراد بقوله:(يدًا بيدٍ): الحلول؛ يعني: لا يجوز أن يمضيَ زمانٌ بعد قبض أحد العِوَضَين، وقبلَ قبض العِوَضِ الآخر.
وأما قوله: (مثلًا بمِثْلٍ سواءً بسواءٍ): يحتمل أن يكون (سواءً بسواءٍ) تأكيدًا لقوله: (مِثْلًا بمِثْلٍ)؛ لأن معنى المِثْل والسَّواء واحدٌ، ويحتمل أن يريد بقوله:(مِثْلًا بمِثْلٍ) أن يكون العِوَضانِ مِثْلَين في الوزن أو الكيل، ويريد بقوله:(سواءً بسواءٍ) أن يكون مجلسُ تقابُضِ العِوَضَين واحدًا، حتى لو قبضَ أحدُ المتبايعين أحدَ العِوَضَين في المجلس، وقبضَ الآخرَ في مجلسٍ آخرَ لا يجوز،
وإن كان بينهما جدارٌ، مع أن هذا القَدْرَ من الزمان لا يُعَدُّ نسيئةً.
قوله: "فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعُوا كيف شئتُم إذا كان يدًا بيدٍ"؛ يعني: إذا كان العِوَضانِ مالَ الربا، وكلاهما نقدٌ، ولكنَّ جنسَهما مختلفٌ كبيع الذهب بالفضة، أو كانا مطعومَين ولكنَّ جنسَهما مختلفٌ، كبيع الحِنطة بالشعير؛ يجوز التفاضُلُ بينهما، ولكن يجب قبضُ العِوَضَين في الحال وفي المجلس.
* * *
2053 -
وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَبيعُوا الذَّهَبَ بالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بمِثْلِ، ولا تُشِفُّوا بعضَها على بعضٍ، ولا تَبيعُوا الوَرِقَ بالوَرِقِ إلَّا مِثْلًا بمِثْلٍ، ولا تُشِفُّوا بعضَها على بعضٍ، ولا تَبيعُوا منها غائِبًا بناجِزٍ".
وفي رواية: "لا تَبيعُوا الذَّهبَ بالذَّهَبِ ولا الوَرِقَ بالوَرِقِ إلَّا وَزنًا بِوَزنٍ".
قوله: "ولا تُشِفُّوا"، أَشفَّ يُشِفُّ: إذا فضَّل شيئًا على شيءٍ؛ أي: إذا بعتُم الذهبَ بالذهبِ لا يجوز أن يكون بينهما تفاضُلٌ، بل يجب أن يكونا متماثلَين حتى لو باع خاتمًا من ذهبٍ قيمتُه عشرةُ دنانيرَ من كثرة نقوشه بدينارٍ وحبةٍ من الذهب لا يجوز، بل لا يجوز إلا بدينارٍ.
قوله: "ولا تبيعوا منها غائبًا بناجزٍ"، (الناجز): ضد الغائب، والضمير في (منها) يعود إلى الفضة، وحكم الذهب كحكم الفضة؛ يعني: لا يجوز بيعُ ذهبٍ حاضرٍ بذهبٍ غائبٍ، بل يلزم قبضُ العِوَضَين في الحال وفي المجلس، وكذلك حكم جميع أموال الرِّبا.
قوله: "ولا تبيعوا الذهبَ بالذهب، ولا الوَرِقَ بالوَرِقَ إلا وزنًا بوزنٍ":
هذا يبين أن الذهبَ والفضةَ مما يُوزَن لا مما يُكَال، ويبين أيضًا أن الموزونَ من مال الرِّبا لا يجوز أن يُباعَ كيلًا، وكذا المَكيلُ من مال الرِّبا لا يجوز أن يُباعَ وزنًا إذا كان العِوَضانِ من جنسٍ واحدٍ، أما إذا اختلف جنسُهما يجوز أن يُبَاعَا كيلًا ووزنًا، فيجوز أن يُباعَ الذهبُ بالفضة كيلًا أو جُزافًا، وكذا الحِنطة بالشعير، ويجوز وزنًا أو جُزافًا.
ونعني بـ (الجُزاف): أن تُباعَ صُبْرةٌ بصُبْرة من غير كيلٍ ووزنٍ.
* * *
2054 -
وعن معْمَرِ بن عبد الله رضي الله عنه قال: كنت أسمعُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الطَّعَامُ بالطَّعامِ مِثْلًا بمِثْلٍ".
قوله: "الطعام بالطعام مِثْلًا بمِثْلٍ"، (الطعام): الحِنطة، هذا هو الأصل في اللغة، فإن أراد هنا بالطعام: الحِنطة، يُقاس على الحِنطة جميعُ أموال الرِّبا إذا اتفق جنس العِوَضَين، وإن أراد بالطعام هنا: ما يُطعَم لا تخصيصَ الحِنطة فتأويله: أن يكون العِوَضَانِ متفقَين في الطعم والجنسية، أما إذا اتفقا في الطعم دون الجنسية لا يجب بيعُ أحدهما بالآخر مِثْلًا بمِثْل، بل يجوز أن يكون أحدُهما زائدًا.
قوله: "مِثْلًا": وجه نصب (مِثْلًا) أن يكون حالًا أو تمييزًا، وكذلك ما أشبه هذا كقوله:(سواءً بسواءٍ، ويدًا بيدٍ).
* * *
2055 -
وعن عمر رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الذَّهَبُ بالذَّهَبِ رِبًا إلَّا هاءَ وهاءَ والوَرِقُ بالوَرِقِ رِبًا إلَّا هاءَ وهاءَ، والبُرُّ بالبُرِّ رِبًا إلَّا هاءَ وهاءَ، والشَّعِيرُ بالشَّعِيرِ رِبًا إلَّا هاءَ وهاءَ، والتَّمْرُ بالتَّمْرِ رِبًا إلَّا هاءَ وهاءَ".
قوله: "هاءَ وهاءَ"، قال الخطابي: وأصحابُ الحديث يقرؤون: (ها وها) بالقصر، والصواب:(هاءَ وهاءَ) بالمد وفتح الهمزة، إلى ها هنا لفظه.
واعلم أن معنى (هاء): خُذْ؛ يعني: لا يجوز بيعُ مال الرِّبا إلا يدًا بيدً، يقول البائع للمشتري: خُذْ المَبيعَ، ويقول المشتري للبائع: خُذْ عِوَضَ المَبيع، في الحال وفي المجلس.
* * *
2056 -
وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ وأبي هريرةَ رضي الله عنهما أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم استعمَلَ رَجُلًا عَلَى أهلِ خَيْبَرَ، فجاءَهُ بتَمْرٍ جَنِيبٍ، فقال:"أكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكذا؟ " قال: لا والله يا رسُولَ الله، إنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هذا بالصَّاعَيْنِ، والصَّاعَيْنِ بالثَّلاثَةِ، فقال:"لا تَفْعَلْ، بعْ الجَمْعَ بالدَّرَاهِم، ثُمَّ ابْتَعْ بالدَّراهِم جَنِيبًا".
قوله: "استعملَه"؛ أي جعله عاملًا وحاكمًا على أهل خَيبر وأراضيها.
قوله: "بتمر جَنيب"، (الجنيب): نوعٌ من التمر، وهو تمرٌ جيدٌ من خيار التمر.
قوله: "لا تفعل"؛ أي: لا تشترِ الجنيبَ بتمرٍ آخرَ إلا مِثْلًا بمِثْل، وإن كان أحدُهما أجودَ من الآخر، بل إن أردت أن تبيعَ أحدَهما بآخرَ متفضلًا فبعْ أحدَهما بالذهب أو الفضة أو بجنس آخر، ثم اشترِ تمرًا آخرَ بذلك الشيء.
مثل: أن يبيعَ زيدٌ صاعًا من تمر جيدٍ من عمروٍ بدرهمٍ، وجرى بينهما الإيجابُ والقَبولُ، ولا يحتاج قبضَ الدرهم، ثم يشتري زيدٌ من عمرٍو بذلك الدرهم صاعَين من تمرٍ رديءٍ؛ يجوز هذا البيع.
* * *
2057 -
وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه قال: جاءَ بِلالٌ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بتَمْرٍ بَرْنِيٍّ،
فقالَ لَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: مِنْ أينَ هذا؟، قال: كانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ ردِيءٌ فَبعْتُ مِنْهُ صاعَيْنِ بصاعٍ، فقال:"أوَّهْ عَيْنُ الرِّبا، عَيْنُ الرِّبا، لا تَفْعَلْ، ولكنْ إذا أردْتَ أنْ تَشْتَرِي فَبعِ التَّمْرَ ببَيْعٍ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ".
قوله: "أوَّه": بتشديد الواو وسكون الهاء: كلمةُ تحسُّرٍ وندامةٍ على لحوق ضررٍ بأخذ عين الرِّبا، هذا الفعلُ مَحضُ الرِّبا، بل إذا أردت أن تبيع التمرَ بالتمر متفاضلًا فبعِ التمرَ الرديءَ بالدراهم أو الذهب، ثم اشترِ بتلك الدراهم أو الذهب تمرًا جيدًا.
* * *
2058 -
وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: جاءَ عبدٌ فبايَعَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم علَى الهِجْرَةِ فلم يَشْعُرْ أَنَّهُ عبدٌ فجاءَ سَيدُهُ يُريدُهُ، فاَشْتَرَاهُ بِعَبْدَيْنِ أَسْوَدَيْنِ، ولمْ يُبايعْ أَحَدًا بعدَهُ حتَّى يسأَلَهُ أَعَبْدٌ هُوَ أَمْ حُرٌّ.
قوله: "فاشتراه بعبدَين أسودَين"؛ يعني: دفع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عبدَين أسودَين بدل ذلك العبد إلى سيده، وهذا يدل على أن بيعَ غيرِ مالِ الرِّبا يجوز متفاضلًا.
* * *
2059 -
قال جابرٌ رضي الله عنه: نَهَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عن بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنَ التَّمْرِ لا يُعْلَمُ مكِيلَتُها بالكَيْلِ المُسمَّى مِنَ التَّمْرِ.
قوله: "نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الصُّبرة من التمر لا يُعلَم مَكِيلَتُها بالكَيل المُسمَّى من التمر"؛ يعني: لا يجوز بيعُ مال الرِّبا بمال الرِّبا إذا كانا من جنسٍ واحدٍ، إلا بعد تيقُّن كونِهما متماثلَين في الكيل إن كانا مما يُكَالُ، وفي الوزن إن كانا مما يُوزَن، فإن كان كلاهما أو أحدُهما مجهولًا لم يَجُزْ، وإن
خرجا متماثلين بعد أن يُكَالا أو يُوزَنا، وهذا يجب ما إذا كانا من جنسٍ واحدٍ، فإن لم يكونا من جنسٍ واحدٍ جازَ أن يكونا مجهولَين.
* * *
2060 -
عن فَضَالَةَ بن عُبَيْد رضي الله عنه قال: اَشْتَرَيْتُ يومَ خَيْبَرَ قِلادَةً باثْنَيْ عَشَرَ دِينارًا، فيها ذَهَبٌ وخَرَزٌ، ففصلْتُها، فوجدت فيها أكثرَ من اثْنَيْ عَشَرَ دِينارًا، فذكرتُ ذلك للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال:"لا تُباعُ حَتَّى تُفَصلَ".
قوله: "لا تُباع حتى تفصَّل"؛ يعني: لا تُباعُ القلادةُ حتى يُميَّز ما فيها من الذهب مما فيها من الخرز، وأما إذا مُيز ذهبُها يُباع بالذهب متماثلًا.
* * *
مِنَ الحِسَان:
2061 -
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليَأْتِيَنَّ علَى النَّاسِ زَمانٌ لا يَبْقَى أَحَدٌ إلَّا أَكَلَ الرِّبا، فإنْ لم يَأْكُلْهُ أصابَهُ مِنْ بُخَارِهِ"، ويُروى:"مِنْ غُبَارِهِ".
قوله: "أصابه من بُخَاره"، (البُخار): شبه دخان يخرج من القِدْر عند الطبخ؛ يعني: إذا كان آخرُ الزمان يكون أكثرُ الناس يأكلون الرِّبا، فإن لم يأكل أحدٌ الرِّبا أصابه نصيبٌ من الإثم بأن يكون شاهدًا؛ أي: عقدَ الرِّبا، أو كاتبًا لَقَبَالَةِ الرِّبا، أو يأكل من ضيافة أكل الرِّبا ومن هديتهم مع العلم بأنه مالُ الرِّبا.
* * *
2062 -
وعن عُبادةَ بن الصَّامِتِ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تَبيعُوا
الذَّهَبَ بالذَّهَبِ، ولا الوَرِقَ بالوَرِقِ، ولا البُرَّ بالبُرِّ، ولا الشَّعِيرَ بالشَّعِيرِ، ولا التَّمْرَ بالتَّمْرِ، ولا المِلْحَ بالمِلْح إلَّا سَواءً بسَواءً، عَيْنًا بعَيْنٍ، يدًا بيدٍ، ولكِنْ بيعُوا الذَّهَبَ بالوَرِقِ، والوَرقَ بالذَّهَبِ، والبُرَّ بالشَّعِيرِ، والشَّعِيرِ بِالبُرِّ، والتَّمْرَ بالمِلْحِ، والمِلْحَ بالتَّمْرِ، يدًا بيَدٍ كيفَ شِئْتُمْ".
قوله: "سواءً بسواءٍ": مِثْلًا بمِثْلٍ.
قوله: "عينًا بعينٍ"؛ أي: حاضرًا بحاضرٍ، ولا يجوز بيعُ حاضرٍ بغائبٍ.
قوله: "يدًا بيدٍ"؛ أي: ليكنْ قبضُ العِوَضَينِ في المجلس.
قوله: "كيف شئتم"؛ أي: يجوز التفاضلُ بين العِوَضَين إذا اختلف جنساهما.
* * *
2063 -
عن سعدِ بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه أنه قال: سمعتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم سُئلَ عنْ شِرَاءِ التَّمْرِ بالرُّطَبِ، فقال:"أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذا جَفَّ؟ "، فقال: نعم، فنهاهُ عنْ ذلكَ.
قوله: "أينقص الرُّطَب إذا يبس؟ " هذا استفهام بمعنى التقرير؛ يعني: يجب أن يكونَ العِوَضَانِ متماثلَين إذا اتَّحد جنسُهما، فإذا علمتَ أن الرُّطَبَ ينقص إذا يبس فلا تَبعْه بالتمر؛ لأنهما ليسا متماثلَين.
* * *
2064 -
وروى سعيدُ بن المُسَيب مُرْسلًا: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بالحَيَوانِ. قال سعيدٌ: كانَ مِنْ مَيْسِرِ أهْلِ الجَاهِليَّةِ.
قوله: "نهى عن بيع اللحم بالحيوان": لا يجوز بيعُ اللحم بحيوانٍ
مأكولٍ عند الشافعي، سواءٌ كان ذلك الحيوان من جنس ذلك اللحم أو من غير جنسه، وهل يجوز بيعُ اللحم بحيوانٍ غيرِ مأكولٍ كبيع اللحم بعبدٍ أو حمارٍ؟ فيه قولان؛ الأصح: أنه لا يجوز، ويجوز بيعُ اللحم بالحيوان عند أبي حنيفة، سواءٌ كان الحيوانُ مأكولًا أو غيرَ مأكولٍ، من جنس اللحم أو غير جنسه.
قوله: "من مَيْسِر أهل الجاهلية"؛ يعني: هذا من فعل أهل الجاهلية، كانوا يقطعون قطعةً من اللحم بحيوانٍ، فربما يضرُّ ذلك المشتري؛ لكون الحيوان أكثرَ قيمةً من ذلك اللحم.
* * *
2065 -
عن الحسنِ عن سَمُرَة رضي الله عنهما أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن بَيع الحَيَوانِ بالحَيَوانِ نَسِيئَةً".
قوله: "نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئةً"، قال الخطابي: تأويل هذا الحديث أن يكون كلا الحيوانَين من نسيئةٍ، مِثل: أن يقول زيدٌ لعمرٍو مَثَلًا: بعتُ منك فرسًا بفرسٍ صفتُه كذا، أو يحمل صفة كذا، أو ليس الحيوانانِ حاضرَينِ؛ فلا يجوز هذا البيعُ؛ لأنه بيعُ الدَّين بالدَّين، وهذا غيرُ جائزٍ، ونعني بالدَّين: ما يكون في الذَّمة، ولو لم يكن مشارًا إليه.
أما لو كان أحدُ الحيوانَين حاضرًا والآخرُ في الذمة، كما يقول زيدٌ لعمرٍو: بعتُ منك هذا الفَرَسَ بجَمَلٍ صفتُه كذا، وبفَرَسٍ صفتُه كذا؛ أي: يعطيني ذلك الجَمَل أو ذلك الفَرَس بعد شهرٍ، جازَ هذا البيعُ عند الشافعي، سواءٌ كان الحيوانانِ من جنسٍ واحدٍ أو من جنسين، وسواءٌ باع واحدًا بواحدٍ، أو واحدًا باثنين أو أكثر.
وعند مالك: إن اختلف جنساهما جازَ، وإن اتفق جنساهما لم يَجُزْ.