المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌5 - باب المنهي عنها من البيوع - المفاتيح في شرح المصابيح - جـ ٣

[مظهر الدين الزيداني]

فهرس الكتاب

- ‌7 - كِتابُ الصَّومِ

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب رؤية الهِلال

- ‌فصل

- ‌3 - باب تَنْزيه الصَّوم

- ‌4 - باب صَوْم المُسافِر

- ‌5 - باب القَضَاء

- ‌6 - باب صِيَام التَّطوُّع

- ‌فصل

- ‌7 - باب لَيْلَةِ القَدْر

- ‌8 - باب الاعتِكاف

- ‌8 - كِتَابُ فَضَائِلِ القُرْآنِ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌9 - كِتابُ الدَّعَوَاتِ

- ‌2 - باب ذِكْرِ الله عز وجل والتَّقرُّبِ إليهِ

- ‌3 - باب أَسْماءِ الله تعالى

- ‌4 - باب ثواب التَسبيح والتَحميد والتَهليل

- ‌5 - باب الاستِغفار والتَّوبة

- ‌فصل

- ‌6 - باب ما يقُول عند الصَّباح والمَسَاء والمَنام

- ‌7 - باب الدَّعَوَاتِ في الأَوْقاتِ

- ‌8 - باب الاستِعاذَة

- ‌9 - باب جامع الدُّعاءِ

- ‌10 - كِتَابُ المَنَاسِكِ

- ‌2 - باب الإِحْرام والتَّلْبية

- ‌3 - قِصَّةُ حجة الوداع

- ‌4 - باب دُخُول مَكَّةَ والطَّواف

- ‌5 - باب الوُقُوفِ بِعَرَفةَ

- ‌6 - باب الدَّفْع من عَرَفَةَ والمُزْدَلِفَة

- ‌7 - باب رَمْيِ الجِمَار

- ‌8 - باب الهَدْي

- ‌9 - باب الحلق

- ‌فصل

- ‌10 - باب الخُطْبة يومَ النَّحر، ورَمْي أَيَّام التَّشريق والتَّوديع

- ‌11 - باب ما يجتنبه المحرم

- ‌12 - باب المُحرِم يَجتنِب الصَّيد

- ‌13 - باب الإِحْصَار وفَوْت الحَجِّ

- ‌14 - باب حرَم مكَّة حرَسَها الله

- ‌15 - باب حرَم المَدينة على ساكنها الصلاةُ والسلام

- ‌11 - كِتابُ البُيُوعِ

- ‌1 - باب الكَسْب وطلَب الحَلال

- ‌2 - باب المُساهلةِ في المُعاملةِ

- ‌3 - باب الخِيَارِ

- ‌4 - باب الرِّبا

- ‌5 - باب المنهيِّ عنها من البيوع

- ‌فصل

- ‌6 - باب السَّلَمِ والرَّهنِ

- ‌7 - باب الاحتِكارِ

- ‌8 - باب الإفلاسِ والإنظارِ

- ‌9 - باب الشَّركةِ والوَكالةِ

- ‌10 - باب الغَصْبِ والعاريَةِ

- ‌11 - باب الشُّفْعَةِ

- ‌12 - باب المُساقاةِ والمُزارعةِ

- ‌13 - باب الإجارة

- ‌14 - باب إحياء المَوَاتِ والشّرْبِ

- ‌15 - باب العطايا

- ‌فصل

- ‌16 - باب اللُّقَطَة

- ‌17 - باب الفرائضِ

- ‌18 - باب الوصايا

الفصل: ‌5 - باب المنهي عنها من البيوع

وعند أبي حنيفة وأحمد: لم يَجُزْ، سواءٌ كانا من جنس أو من جنسين.

* * *

2066 -

وعن عبدِ الله بن عمرِو بن العاص رضي الله عنهما: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أمرَهُ أنْ يُجَهِّزَ جَيْشًا فَنَفَدَتِ الإِبلُ، فأمَرَهُ أنْ يأْخُذَ على قَلائِصِ الصَّدَقَةِ، فكانَ يأْخُذَ البعيرَ بالبعيرَيْنِ إلى إبلِ الصَّدَقَةِ.

قوله: "أن يُجهِّز جيشًا"؛ يعني: أن يُهيئ أسبابَ جيشٍ من المركوبات والسلاح؛ يعني: يعطي مَن ليس له مركوبٌ وسلاحٌ المركوبَ والسلاحَ.

قوله: "فنفدَتِ الإبلُ"؛ أي: فَنِيَ؛ يعني: أعطى كلَّ رجلٍ جملًا، وبقي بعضُ الرجال وليس لهم مركوبٌ، ولم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إبلٌ فيعطيهم، فأمرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عبدَ الله بن عمرٍو على قلائص الصدقة؛ يعني: أمرَه أن يستقرضَ عددًا من الإبل، حتى يتمَّ جهازُ ذلك الجيش، وكان يستقرض الإبل لترديدها من الإبل الزكاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(القلائص) جمع: قَلُوص، وهي الناقة الشابة.

* * *

‌5 - باب المنهيِّ عنها من البيوع

(باب المَنهي عنها من البيوع)

مِنَ الصِّحَاحِ:

2067 -

عن ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن المُزَابنةِ أَنْ يَبيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ إن كان نَخْلًا بِتَمْرٍ كيْلًا، وَإِنْ كان كَرْمًا أَنْ يَبيعَهُ بِزَبيبٍ كيْلًا، وَإِنْ

ص: 420

كان زَرْعًا أَنْ يَبيعَهُ بِكَيْلِ طَعَامٍ، نَهَى عن ذلك كُلِّهِ، ويُروى: المُزَابنةُ أَنْ يُبَاعَ ما في رؤوسِ النَّخْلِ بِتَمْرٍ بِكَيْلٍ مُسَمَّى إن زَادَ فَلِي وَإنْ نَقَص فَعَلَيَّ.

"عن المُزَابنة"، (المُزَابنة): بيعُ الرُّطَب بالتمر، وبيعُ العِنَب بالزَّبيب كيلًا.

قد قلنا: بيعُ الرُّطب بالتمر والعِنَب بالزَّبيب جائزٌ عند أبي حنيفة، ولا يجوز عند الشافعي ومالك وأحمد، لا بالكيل ولا بالوزن إذا لم يكن الرُّطَب على رأس النخل، أما إذا كان الرُّطَبُ على رأس النخل، ويبيعه بالتمر فهو العَرَايا، ويأتي بحثه.

* * *

2068 -

عن جابرٍ رضي الله عنه قال: نَهَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ المُخابَرةِ والمُحاقَلَةِ والمُزابنةِ، فالمُحاقَلةُ: أَنْ يَبيعَ الرَّجُلُ الزَّرْعَ بمائَةِ فَرْقٍ حِنْطَةٍ، والمُزَابنةُ: أَنْ يَبيعَ التَمرَ في رؤُوسِ النَّخْلِ بمائَةِ فَرَق، والمُخابَرَةُّ: كِراءُ الأرضِ بالثُّلُثِ والرُّبعِ.

قوله: "والمُحَاقَلَة"، (المُحَاقَلَة): أن يبيعَ الرجلُ الزرعَ بمئة فَرْقِ حِنطةٍ؛ يعني: أن يبيعَ الزرعَ بعد اشتداد الحَبِّ بجنسه على وجه الأرض، فهذا مَنهيٌّ عنه؛ لأن الحِنطةَ اليابسةَ بالحِنطة القائمة على الزرع، أو الشعيرَ اليابسَ بالشعير القائم لا يُعرَف يقينًا أنهما متماثلان.

قوله: "بمئة فَرْق": تقييدُه بالمئة غيرُ مشروط، بل لا يجوز لا بالمئة ولا بأقل ولا بأكثر.

و (الفَرْق) بسكون الراء وفتحها: مكيال بالمدينة يَسَعُ ستةَ عشرَ رطلًا، وكذلك البحث في المُزابنة؛ لأن بيعَ الرُّطَبِ بالتمر لا يُعرَف أنهما يكونان متماثلَين بعد جفاف الرُّطَب، أو متفاضلين.

ص: 421

وأما (المُخَابَرَة): فهو أن يُعطيَ الرجلُ أرضَه إلى غيره ليزرعَها؛ ليكونَ البَذرُ من الزرع؛ ليأخذَ صاحبُ الأرض بكِراءِ أرضه رُبع الغَلَّة أو ثُلثها، وما أشبه ذلك.

وهذه المعاملة على أربعة أنواع:

أحدها: أن يكون الأرضُ والبَذرُ من واحدٍ، والعملُ والبقرُ من آخرَ.

والثاني: أن تكون الأرضُ من واحدٍ، والبَذرُ والبقرُ والعملُ من واحدٍ.

والثالث: أن تكون الأرضُ والبَذرُ والبقرُ من واحدٍ، والعملُ من واحدٍ؛ فهذه الأنواعُ الثلاثةُ جائزةٌ عند أحمد والقاضي أبي يوسف ومحمد بن الحسن.

وإن كانت الأرضُ والبقرُ من واحدٍ، والبَذرُ والعملُ من واحدٍ لا يجوز عندهم أيضًا، وعند الآخرين: لا يجوز في شيءٍ من هذه الأنواع.

* * *

2069 -

وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلةِ والمُزابنةِ والمُخابَرَةِ والمُعاوَمَةِ وعَنِ الثُّنْيَا، ورخَّصَ في العَرَايا.

قوله: "والمُعَاوَمَة"، (المُعَاوَمَة): أن يبيعَ الرجلُ ثمرةَ بستانه سنتَين أو أكثرَ، أو يبيعَه سَنةً قبلَ أن تظهر ثمارُه، فهذا البيعُ باطلٌ؛ لأنه بيعُ ما لم يُخلَق، فهو كبيع الولد قبل أن يخلق.

قوله: "وعن الثُّنيا"، (الثُّنيا) بضم الثاء الاستثناء: وهو أن يبيعَ شيئًا ويستثنيَ منه جزءًا غيرَ شائعٍ، مثل أن يقول: بعتُ منك هذه الدابةَ إلا يدَها أو رِجلَها، أو بعتُ منك ثمرةَ هذه البستان إلا بعضَها، أو إلا كذا هنا وكذا صاعًا، فهذا البيعُ باطلٌ؛ لأن المستثنى مجهولٌ، وإذا كان المستثنى مجهولًا يكون المستثنى منه وهو المبيعُ مجهولًا، فإن استثنى جزءًا شائعًا كالنصف والثلث

ص: 422

وغيرهما جازَ؛ لأنه إذا قال: بعتُ هذا الشيءَ إلا ثُلثَها، فعُلِمَ أن المَبيعَ هو الثُّلثانِ، وثُلثا ذلك الشيءِ معلومٌ، فتكون ثمرةُ ذلك البستانِ مشتركًا بين البائع والمشتري؛ ثلثُها للبائع، وثلثانِ للمشتري.

قوله: "ورخَّص في العرايا"، (العَرَايا) جمع:(عَرِيَّة) بتشديد الياء، وهي أن يبيع الرجلُ الرُّطَبَ على رأس النخل بالتمر على وجه الأرض، والقياسُ بطلانُ هذا البيعِ؛ لأن بيعَ الرُّطَبِ بالتمر غيرُ معلومٍ كونُهما متماثلَين، ولكن جاؤوا - فقراءَ المدينة - إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسولَ الله! قد نهيتَ عن بيع الرُّطَب بالتمر، وليس عندنا الذهبُ والفضةُ نشتري به الرُّطَبَ، ونشتهي الرُّطَبَ، وعندنا التمرُ، فرخَّص لهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يشتروا الرُّطَبَ بالتمر بخمسِ شرائط:

إحداها: أن يكون الرُّطَبُ على رأس النخل.

والثانية: أن يَخرصَ الرُّطَبَ خارصٌ ويُقدِّره تمرًا، مثل أن يقول: إذا يبسَ يكون قَدْرُه مئَة مَنٍّ مَثَلاً.

الثالثة: أن يُسلِّمَ المشتري التمرَ تحت النخيل إلى البائع، ويُسلِّمَ البائعُ النخلَ مع الرُّطَب إلى المشتري؛ ليأكلَ من الرُّطَب ما شاء وكما شاء.

والرابعة: أن يكون التمرُ بقَدْرِ ما خرصَ الخارصُ الرُّطَبَ بتقدير الجفاف؛ ليكونا متماثلَين.

الخامسة: أن يكون التمرُ بقَدْر ما خرصَ قَدْرَ الرُّطبِ المخروصِ بتقدير الجفاف أقل من ثمان مئة مَنٍّ، وهل يجوز ثمان مئة مَنٍّ؟ فيه قولان:

أحدهما: يجوز؛ لأن الراوي شك أنه سمعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رخَّص في خمسةِ أَوسُق أو فيما دون خمسة أَوسُق، وخمسة أَوسُق ثمان مئة مَنٍّ، فإذا تردَّد الراوي فالظاهرُ أنه يكون خمسةَ أَوسُق؛ لأنه حدٌّ معلومٌ، وحدودُ الشرع كلُّها

ص: 423

معلومةٌ، فكذا ها هنا.

وأما دون خمسة أَوسُق مجهولٌ، وليس في الشرع مجهولٌ.

والوجه الثاني: أنه لا يجوز خمسةُ أَوسُق؛ لأن العرايا رخصةٌ، والرخصةُ إذا شكَّ فيها نأخذ بالاحتياط، فالاحتياطُ فيما دون خمسة أَوسُق لا في خمسة أَوسُق، وهذا كمسح الخُفِّ إذا شك أنه انقضى مدتُه أو لا، يأخذ بالاحتياط وهو انقضاءُ المدة، ويُشترط أن يكون المشتري في العرايا ممن لا يَقِدر على شراء الرُّطَب بالذهب والفضة، أم لا؟ فيه خلاف؛ الأصح: أنه لا يُشترَط ذلك، بل يجوز للأغنياء معاملةُ العرايا كالفقراء.

* * *

2071 -

وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه "أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَرْخَصَ في بيعِ العَرايا بخَرْصِها من الثَّمْرِ فيما دُونَ خَمْسَةِ أوسقٍ، أوْ في خَمْسةِ أوسقٍ، شكَّ داوُدُ".

قوله: "شكَّ داود"، أراد بـ (داود) هذا: داود بن الحصين، وهو يروي الحديثَ عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد، عن أبي هريرة، شكَّ داود أنه سمع خمسة أَوسُق أو دون خمسة أَوسُق؟

* * *

2072 -

عن عبدِ الله بن عمرَ رضي الله عنهما: "نَهَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَن بَيْعِ الثِّمارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُها، نَهَى البائِعَ والمُشْتَرِي" ويروى: "نَهَى عَن بَيْعِ النَّخْلِ حتَّى تَزْهُوَ، وعَنِ السُّنْبُلِ حتَّى يَبْيَضَّ ويأمَنَ العاهَةَ".

قوله: "نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدوَ صلاحُها، نهى البائعَ والمشتري"، (بدوُّ الصلاح): عبارة عن ظهور أهلية الأكل بظهور الحلاوة فيها،

ص: 424

ويعرف بأن يتغير لونُ الثمار، بأن يحمرَّ أو يصفرَّ، بيعُ الثمار بعد بدوِّ الصلاح جائزٌ بشرط القطع، والشرطُ الإبقاءُ إلى الجفاف، ويجوز مطلقًا أيضًا.

ونعني بالمُطلَق: ألا يُذكَر شرطُ القطع ولا شرطُ الإبقاء، وإذا أُطلق يكون حكمُه حكمَ الإبقاء، يجب على البائع أن يتركَه إلى الجفاف بعد بدوِّ الصلاح، وأما قبل بدو الصلاح لا يجوز إلا بشرط قطع الثمار عند الشافعي وأحمد، ويجوز عند أبي حنيفة ومالك.

قوله: "نهى البائعَ والمشتري"؛ يعني: البائعَ أن يبيعَ الثمارَ قبلَ بدوِّ الصلاح؛ لأن الثمارَ قبل بدوِّ الصلاح يغلب عليه الهلاكُ من البرد أو الحرارة أو الريح؛ لأنه لا يطيق شيئًا من هذه الأشياء لصغرها، وإذا غلب عليه الهلاكُ فبأيِّ شيءٍ يأخذ البائعُ الثمرَ مع احتمال تلف الثمار؟! فحينَئذٍ لا يبقى للمشتري شيءٌ في مقابلة الثمن، ونهى المشتري عن هذه الشراء؛ كيلا يتلفَ ثمنُه بتقدير تلف الثمار.

قوله: "حتى تُزْهِيَ"؛ أي: حتى تحمرَّ.

"وعن السنبل حتى يبيضَّ"؛ يعني: نهى عن بيع الزرع حتى يشتدَّ حَبُّه، فإذا اشتدَّ حَبُّه جاز بيعه إن كان شيئًا حَبَّاتُه ظاهرةٌ في سنبله كالشعير، وإن كانت حبَّاتُه مستورةً كالحِنطة فلا يجوز على الأصح.

قوله: "ويَأمَنَ العاهةَ"، (العاهة): الآفة؛ يعني: إذا بدا بدوُّ الصلاح في الثمار أَمِنَ من الآفة، وكذلك الزرعُ إذا اشتدَّ حَبُّه أَمِنَ الآفةَ غالبًا.

* * *

2073 -

وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: "نَهَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عنْ بَيْعِ الثِّمارِ حتَّى تُزْهِيَ. قيل: وما تُزْهِي؟ قال: حتَّى تحمَرَّ. قال: أَرَأَيْتَ إذا منعَ الله الثَّمَرَةَ بِمَ يَأْخُذُ أحدُكُمْ مالَ أَخِيهِ؟ ".

ص: 425

قوله: "إذا منعَ الله الثمرةَ"؛ يعني: إذا أَرسلَ الله آفةً بتلك الثمرة ويُتلفُه، فلم يَجُزْ لأحدكم أن يأخذَ الثمرَ، ولم يحصل للمشتري بمقابلة الثمر نفعٌ.

* * *

2074 -

وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: "نَهى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ السِّنِينَ، وأمَرَ بوَضْعِ الجَوَائِحِ".

قوله: "نهى عن بيع السِّنين"، معنى هذا كمعنى النهي عن المعاومة، وقد تقدم قُبيلَ هذا.

قوله: "وأمر بوضع الجوائح"، (الجوائح) جمع: جائحة، وهي الآفة؛ يعني: إذا باع أحدُ ثمارَ شجرِه وسلَّم الثمارَ مع الشجر إلى المشتري، وأصابها جائحةٌ، فتلفتْ أو تلفَ بعضُها لزمَ البائعَ ألا يأخذَ الثمنَ من المشتري إنْ تلفَ، وإنْ أُتلفَ بعضُها يترك بقَدْرها من الثمن، وإنْ أخذَ الثمنَ لزمَه أنْ يردَّ إليه الثمنَ، وهذا مذهب أحمد.

وقال مالك: يترك ثلثَ الثمن، وأما مذهب الشافعي وأبي حنيفة: لا يلزمه أن يترك شيئًا من الثمن، بل هذا أمرُ استحبابٍ؛ لأن المَبيعَ إذا تلفَ في يد المشتري يكون من ضمان المشتري، هذا بحيث ما إذا تلفَ الثمنُ بعد تسليمه إلى المشتري، فإنْ تلفَ قبلَ تسليمه إلى المشتري فهو من ضمان البائع بالاتفاق، وكذا شرح الحديث الذي بعد هذا.

* * *

2075 -

وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمرًا فأصابَتْهُ جائِحَةٌ فلا يَحِلُّ لكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيئًا، بمَ تَأْخُذُ مالَ أَخِيكَ بغَيْرِ حَقّ؟ ".

ص: 426

وقوله: "فلا يحلُّ لك أن تأخذَ منه شيئًا": فإن كان قبلَ تسليم الثمار إلى المشتري يكون من ضمان البائع، ولا يحلُّ له أن يأخذَ الثمنَ بلا خلاف، وإن كان بعدَ تسليم الثمار إلى المشتري فتأويله عند الشافعي وأبي حنيفة: أنه تهديد، أو معناه: فلا يحلُّ لك في الورع والتقوى أن تأخذَ الثمنَ إذا تلفت الثمارُ.

* * *

2076 -

وعن ابن عمرَ رضي الله عنهما أنّه قال: "كانُوا يَبْتَاعُونَ الطَّعامَ في أعلَى السُّوقِ فَيَبيعُونَهُ في مكانِهِ، فَنهاهُمْ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبيعُوهُ في مكانِهِ حتَّى يَنْقُلُوهُ".

قوله: "كانوا يبتاعون الطعام في أعلى السوق، فيبيعونه في مكانه، فنهاهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه في مكانه حتى ينقلوه"، (ابتاع): إذا اشترى؛ يعني: إذا اشترى أحدٌ شيئًا لا يجوز له أن يبيعَه من آخرَ حتى يقبضَ ذلك الشيءَ، سواءٌ فيه المنقولُ والعقارُ، فإن باعَه قبلَ أن يقبضَه بطلَ البيعُ الثاني عند الشافعي، وجوَّز أبو حنيفة بيعَ العقار قبل القبض، وجوَّز مالك بيعَ غير الطعام قبل القبض، وجوَّز أحمد بيعَ غير المَكيل والموزون قبل القبض.

والقبض في العقار: التخلية؛ يعني: يخليها البائعُ من متاعه، ويقول للمشتري: سلَّمتُها إليك، والقبض في المنقولات: النقل من موضع البيع إلى موضع آخر.

* * *

2077 -

وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اَبْتَاعَ طَعامًا فلا يَبعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ" ويُروى: "حَتَّى يَكْتَالَه".

قوله: "حتى يَستوفيَه"؛ أي: حتى يقبضَه ويأخذَه من البائع.

ص: 427

قوله: "حتى يكتالَه"؛ أي: حتى يأخذَه بالكيل، اكتال: إذا أخذَ ما اشتراه بالكيل.

* * *

2078 -

وقال ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: "أمَّا الذِي نَهَى عَنْهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فهو الطَّعامُ أنْ يُباعَ حتَّى يُقْبَضَ. ولا أَحْسِبُ كُلَّ شَيءٍ إلَاّ مِثلَهُ".

قوله: "ولا أَحسِبُ كلَّ شيءٍ إلا مِثْلَه"؛ يعني: ولا أظنُّ كلَّ شيءٍ إلا مِثْلَ الطعام في أنه لا يجوز للمشتري أن يبيعَه حتى يقبضَه من البائع الذي اشتراه منه.

* * *

2079 -

وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا تلَقَوْا الرُّكبانَ لِبَيْعٍ، ولا يَبعْ بعضُكُمْ على بَيْعِ بعضٍ، ولا تناجَشُوا ولا يَبعْ حاضرٌ لبادٍ، ولا تُصَرُّوا الإبلَ والغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا بعدَ ذلكَ فهوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْن بعدَ أَنْ يَحْلُبَها، إنْ رَضيَهَا أَمْسَكَها، وإنْ سَخِطَهَا رَدَّها وصاعًا مِنْ التَّمرِ".

قوله: "ولا تَلقَّوا الرُّكبانَ لبيعٍ"، كان أصله: لا تتلقيوا، فقُلبت الياءُ ألفًا؛ لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها، وحُذفت الألف لسكونها وسكون واو الجمع، وحُذفت التاء الأولى؛ لأن اجتماعَ التاءَين ثقيلٌ، ولو لم تُحذف جازَ، إلا أن الروايةَ في هذا اللفظ جازت بتاءٍ واحدةٍ، ثم حُركت واو الجمع بالضم؛ لسكونها وسكون ما بعدها من الراء؛ لأن لامَ التعريف أُدغمت في الراء فصارت الراءُ مشددةً، فكأنه اجتمع الراءُ الأولى ساكنةً والثانيةُ متحركةً، ومعنى التلقِّي: استقبال؛ يعني: إذا سمعتُم أن عِيرًا تجيء بمتاعٍ يريدون بيعَه، فلا تخرجوا من البلد إليهم؛ ليشتروا ذلك المتاعَ قبل أن يدخلوا البلدَ، لأنكم لو فعلتُم هذا الفعلَ

ص: 428

ليحرم كثيرٌ من أهل البلد من ذلك المتاع مع احتياجهم إلى ذلك المتاع، فإن خالَفَ أحدٌ المنهي، وخرجَ إليهم واشترى من ذلك المتاع؛ صحَّ البيعُ بلا خلافٍ، إلا أنه مكروهٌ عند الشافعي ومالك وأحمد، وأثبت الشافعي الخيار للبائع إذا دخل البلد، وعلم أنه كذب في سعر البلد وغبنه في الثمن.

قوله: "ولا يَبعْ بعضُكم على بيعِ بعض"، وصورة هذا: أن زيدًا مَثَلاً باعَ متاعًا من عمرٍو، هما في مجلس العقد، أو بينهما خيارُ ثلاثةِ أيامٍ، فجاء بكر وقال: افسَخْ هذا البيعَ لأبيعَ منك متاعًا أجودَ من هذا بأقل من هذا الثمن، فيفسخ عمرٌو بيعَ زيدٍ، ويشتري متاعَ بكرٍ، فالفعلُ الذي فعلَه بكرٌ مُحرَّم؛ لأنه ألحقَ ضررًا بزيدٍ وآذاه، ولكن البيعَ الذي جرى بين بكرٍ وعمرٍو صحيحٌ مع الإثم.

قوله: "ولا تَنَاجَشُوا"، (التناجُش): التفاعُل من النَّجْش، وهو تنفير الصيد من موضعه، والمراد منه ها هنا: الزيادةُ على الثمن المسمَّى؛ لإغراء المشتري على أن يزيدَ هو أيضًا في الثمن.

وصورة هذا: أن عمرًا يريد أن يشتري متاعًا من زيدٍ، وذكرَ الثمنَ، ولكن لم يجرِ بينهما لفظُ العقد والإيجاب والقَبول بعدُ، فجاء بكرٌ وقال: أنا أشتري هذا المتاعَ بأكثرَ مما يشتريه عمرٌو، وليس مرادُ بكرِ من الزيادة أن يشتريَه، وإنما يريد أن يغترَّ عمرٌو بقوله ويزيدَ على ثمنه، فالفعل الذي فعلَه يكون مُحرَّمًا؛ لأنه ألحقَ ضررًا بعمرٍو؛ لأنه زادَ على الثمن، ولكن لو اغترَّ عمرٌو بقول بكرٍ، وزاد على الثمن واشترى ذلك المتاعَ صح الشِّراء بلا خلافٍ، فإنْ فعلَ بكرٌ هذا الفعلَ من غير إذن زيد لم يكن لعمرٍو خيارُ الفسخ بلا خلافٍ، وإنْ فعلَه بإذن زيدٍ فلعمرٍو خيارُ الفَسخ عند الشافعي إذا تبيَّن لعمرٍو أن زيدًا أمرَ بكرًا بالزيادة على الثمن ليُغرِّرَ عمرًا.

ص: 429

قوله: "ولا يَبعْ حاضرٌ لبادٍ"، (الحاضر): الساكن في البلد، و (البادي): الساكن في البادية.

وصورة هذا: أن رجلاً أتى من البادية إلى بلدٍ ومعه متاعٌ يريد بيعَه في البلد، فجاءه دلَاّلٌ من أهل البلد وقال لمَن أتى من البادية: لا تَبعْ متاعَك بنفسك، فإنك لو بعتَه بنفسك يشتريه أهلُ البلد منك رخيصًا، واتركْه عندي حتى أبيعَه لك قليلًا قليلًا، بثمنٍ كثيرٍ، فالفعلُ الذي يفعله ذلك الدلَاّل محرَّم؛ لأنه يُفوِّت الربحَ والرزقَ على الناس، لكنَّ بيعَه صحيحٌ.

قوله: "ولا تُصَرُّوا الإبلَ والغنمَ"، صرَّى يُصرِّي تصريةً: إذا شَدَّ ضرعُ الناقة وغيرها حتى يجتمعَ فيه اللبن ولم يحلبها؛ ليظنَّ المشتري أن لَبنها كثيرٌ، وهذا الفعلُ محرَّم؛ لأنه تغريرٌ يُغَرُّ به المشتري، فإذا اشترى أحدُهم ناقةً أو شاةً أو بقرةً مُصَرَّاةً، فإذا حَلَبَها وعلمَ أن لبنها لم يكن كما ظنَّه، فله الخيارُ إلى ثلاثة أيام بين أن يمسكَها وبين أن يردَّها ويردَّ معها بدلَ ما حلبَ من لبنها صاعًا من تمر.

وعند أبي حنيفة: لا يثبت له خيارٌ.

قوله: "فهو بخير النَّظرَين"؛ يعني: ينظر في أن إمساكَه خيرٌ له أو ردَّه؟ يفعل ما هو خيرٌ له من هذَين الشيئَين.

قوله: "وإن سخطَها"، (سخط): إذا غضب؛ يعني: فإن لم يَرْضَ بها ردَّها.

* * *

2080 -

ورُوِيَ: "مَنِ اشْتَرى شاةً مُصَرَّاةً فهوَ بالخِيارِ ثلاثةَ أيَّامٍ، فإِنْ رَدَّهَا ردَّ مَعَها صاعًا مِنْ طَعامٍ لا سَمْرَاءَ".

قوله: "ردَّ معها صاعًا من طعامٍ لا سَمْراء"، (السَّمْراء): الحِنطة، وأراد

ص: 430

بـ (الطعام) هنا: التمر؛ يعني: ردَّ معها صاعًا من تمرٍ، لا من الحِنطة ولا من غيرها من سائر الحبوب، وإنما خصَّ التمرَ بالرد بدل اللبن؛ لأن طعامَ العرب كان التمرَ واللبن غالبًا، فمن حيث إن طعامَهم هذان الشيئان غالبًا أقامَه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مقامَ اللبن.

* * *

2081 -

وقال: "لا تَلَقَّوُا الجَلَبَ، فَمَنْ تلقَّاهُ فاَشْتَرَى مِنْهُ، فإذا أَتَى سيدُهُ السُّوقَ فهوَ بالخِيَارِ".

قوله: "لا تَلَقَّوا الجَلَبَ"، أراد بـ (الجلب): العِير بالعين المهملة، وهو مثل:"لا تلقَّوا الركبانَ"، وقد مضى بحثه.

قوله: "سيده"؛ أي: صاحبه.

روى هذا الحديثَ أبو هريرة.

* * *

2082 -

وعن ابن عمرَ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تلَقَّوْا السِّلَعَ حَتَّى يُهبَطَ بها إلى السُّوقِ".

"لا تَلقَّوا السِّلَعَ حتى يُهبَطَ بها إلى السوق"، (السلع) جمع: سلعة، وهي المتاع.

أَهبطَ: إذا أَسقطَ شيئًا، (حتى يُهبَط): بضم الياء وفتح الباء؛ أي: حتى يسقط المتاعُ من ظهر الدواب في السوق؛ يعني: لا تلَّقوا الركبانَ، بل اتركوهم حتى يدخلوا السوقَ، ثم اشتروا متاعَهم بسعر البلد.

روى هذا الحديثَ ابن عمر.

* * *

ص: 431

2083 -

وقال "لا يَبعْ أَحَدُكُمْ على بَيْعِ أخِيهِ، ولا يَخْطُبِ الرَّجُلُ على خِطْبَةِ أخِيهِ حتَّى يترُكَ الخاطِبُ قبلَهُ أو يأْذَنَ لهُ الخاطِبُ".

قوله: "ولا يَخطُبِ الرجلَ على خِطبة أخيه"؛ يعني: إذا طلبَ رجلٌ امرأةً للتزُّوج، ورَضيَتِ المرأةُ ووليُّها به، لا يجوز لغيره أن يخطبَ تلك المرأةَ حتى يتركَها الخاطبُ الأولُ، أو يَأذَنَ للخاطب الثاني في تزُّوجِها، فإن خالَفَ الخاطبُ الثاني هذا النهيَ وتزوَّج تلك المرأةَ صحَّ النكاحُ وأَثِمَ.

روى هذا الحديثَ ابن عمر.

* * *

2084 -

وقال: "لا يَسُمِ الرَّجُلُ على سَوْمِ أخِيهِ المُسلمِ".

قوله: "ولا يَسُمِ الرجلُ على سَومِ أخيه المسلم"، (السَّوم): تقويم المتاع، والسَّوم: البيع، سام: إذا بيَّن ثمنَ البيع، واستام: إذا طلب معرفةَ ثمن المَبيع وضايق في الثمن، والمراد بـ (السَّوم) في الفقه وفي الحديث: أن يريد أحدٌ بيعَ متاعه من أحدٍ وجرى بينهما تقريرُ الثمن، فجاء الآخر قبلَ البيع وزادَ على ذلك الثمن، ويشتري ذلك المَبيع، فهذا الفعلُ مُحرَّمٌ، ولكن البيعَ صحيحٌ.

فقوله: (لا يسُمِ الرجلُ على سَومِ أخيه) معناه: لا يدخلُ الرجلُ على شراء أخيه، ولا يزيد عليه في الثمن ليشتريَه.

روى هذا الحديثَ أبو هريرة.

* * *

2085 -

وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَبيعُ حاضرٌ لبادٍ، دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ الله بعضَهُم منْ بعضٍ".

ص: 432

قوله: "دَعُوا الناسَ يرزقُ الله بعضَهم من بعضٍ"، (دَعُوا)؛ أي: اتركوا؛ يعني: لا يجوز لحاضر أن يمنعَ الباديَ من أن يبيعَ متاعَه كيف يشاء في السوق، فإنه لو منعَه عن البيع وقال: دَعْ متاعَك عندي لأبيعَه قليلًا قليلًا وأزيدُ في ثمنه فقد فوَّت ربحَ الناس ورزقَهم، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم:(دعوا الناس)؛ أي: اتركوا الناسَ ليبيعوا متاعَهم رخيصًا؛ ليرزقَ الله بعضَ الناس بواسطة بعضٍ.

* * *

2086 -

وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: نَهَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ لِبْسَتَيْنِ وعنْ بَيْعَتَيْن، نَهَى عَنِ المُلامَسَةِ والمُنابَذَةِ في البَيْعِ، والمُلامَسَةُ لَمْسُ الرَّجُلِ ثَوْبَ الآخَرِ بيَدِهِ باللَّيل أو بالنَّهارِ ولا يُقَلِّبُهُ إلَاّ بذلِكَ، والمُنابَذَةُ أنْ يَنْبذَ الرَّجُلُ إلى الرَّجُلِ بثَوْبهِ وينبذَ الآخرُ ثَوْبَهُ، ويكُونَ ذلكَ بَيْعَهُما عنْ غَيْرِ نَظَرٍ ولا تَراضٍ، واللِّبْسَتَيْنِ: اشْتِمالُ الصَّمَّاءِ، والصَّمَّاءُ أنْ يجعلَ ثوْبَهُ على أحَدِ عاتِقَيْهِ فيَبْدُوَ أحَدُ شِقَّيْهِ ليسَ عليهِ ثوبٌ، واللِّبْسَةُ الأُخرَى احتِباؤُهُ بثَوْبهِ وهو جالِسٌ ليسَ على فرجِهِ منهُ شَيءٌ.

قوله: "نهى عن لِبْسَتَين وعن بَيعتَين"؛ يعني: نهى عن أن يَلبَسَ الرجلُ على صورة الصمَّاء، ونهى عن أن يَلبَسَ على صورة الاحتباء، ويأتي ذكرهما، ونهى أن يبيعَ على صورة المُلامَسَة، وعن أن يبيعَ على صورة المُنَابَدَة، ويأتي ذكرهما.

قوله: "ولا يَقلبُه إلا بذلك"؛ يعني: لا يلمسُ ذلك المتاعَ إلا للبيع؛ يعني: لم يُرِدِ المشتري ذلك المتاعَ، ولم يَجْرِ بينهما إيجابٌ وقَبولٌ، بل قال البائع: إذا لمستَ المتاعَ فقد وجبَ لك البيعُ بكذا دينار، فلمسَه المشتري على أن يكون اللمسُ بيعًا؛ هذا البيعُ باطلٌ؛ لأنه تعليقُ البيعِ إلى اللمس، وتعليقُ البيعِ غيرُ جائزٍ، وأن الإيجابَ والقَبولَ يكون بالقول لا بفعل اللمس.

ص: 433

قوله: "والمُنَابَذَة: أن ينبذَ الرجلُ إلى الرجل بثوبه، وينبذَ الآخرُ ثوبَه"؛ يعني: باعَ أحدُهما ثوبَه من الآخر، وباع الآخرُ ثوبَه ثمنًا من ذلك الثوب؛ يعني: بادَلَا ثوبًا بثوبٍ من غير أن يجريَ بينهما إيجابٌ وقَبولٌ في اللفظ، بل جعلا مجردَ النبذ بيعًا، وهذا باطلٌ؛ لأن الفعلَ لا يكون بيعًا، بل البيعُ هو الإيجابُ والقَبولُ باللفظ، وكذلك إذا قال رجل لآخر: إذا نبذتُ إليك هذا الثوبَ فقد وجبَ لك البيعُ بكذا دينار، لا يجوز؛ لِمَا ذكرنا.

قوله: "عن غير نظر"؛ يعني: من غير أن يرِيَ كلُّ واحدٍ ثوبًا لآخرَ، فلا يجوز؛ لأنه إذا لم يَرَه يكون البيعُ غائبًا، وبيعُ الغائبِ لا يجوز.

قوله: "ولا تراضٍ": فالتراضي غيرُ معتبرٍ بينهما، بل المعتبرُ الإيجابُ والقَبولُ، ورؤيةُ المَبيع قبل الإيجاب والقَبول - وإن لم يَجْرِ بينهما الإيجاب والقَبول، ولو لم يَرَ المَبيعَ - لا يجوز البيعُ وإن تراضَيَا.

وجوَّز أبو حنيفة بيعَ ما لم يَرَه المشتري، وفيه قول للشافعي.

"الاحتباء": أن يجلس الرجلُ على مقعده ورُكبتاه منصوبتانِ، والمراد ها هنا: أن يأخذ ثوبَه على ساقه بحيث أن يكون ثوبُه مجموعًا عند ساقه كإزارٍ ملفوفٍ، وعورتُه ظاهرةٌ، وليس على عورته شيءٌ من ثوبه، فهذانِ النوعان - غير الصمَّاءِ والاحتباءِ - حرامانِ؛ لأن عورتَه ظاهرةٌ، وكشفُ العورةِ حرامٌ، وفِعلُ هذَين النوعَين مِن لبسِ أهل الجاهلية، فنهاهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك.

* * *

2087 -

وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: نَهَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عِنْ بَيْعِ الحَصاةِ وعَنْ بَيْعِ الغَرَرِ.

ص: 434

قوله: "نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغَرَر"، (الحصاة): الحَجَر الصغير، وصورة بيع الحصاة: أن يقول البائع للمشتري: ارمِ حصاةً فكلُّ ثوبٍ وقعتْ حصاتُك عليه فقد وجبَ بيعُه لك بكذا، فهذا البيعُ باطلٌ؛ لأنه تعليقٌ، أو كان ثوبًا واحدًا وقال البائع: ارمِ حصاةً إلى هذا الثوب، فإذا وقع حصاتُك عليه فقد وجبَ بيعُه لك بكذا دينار، فهذا البيعُ باطلٌ؛ لأنه تعليقٌ، وتعليقُ البيعِ لا يجوز، ولأن المَبيعَ في المسألة الأولى مجهولٌ؛ لأنه لا يدري بأي تلك الثياب تقع الحصاةُ.

وأما (الغَرَر) فمعناه: الخطر، وهو الذي لا يُدرَى صلاحُه وفسادُه، وصور بيع الغَرَر كثيرة، منها: بيع المجهول، وبيع ما لا يُقَدر على تسليمه، وبيع الغائب.

* * *

2088 -

وعن ابن عمرَ رضي الله عنهما قال: "نَهَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الحَبَلةِ، وكانَ بَيْعًا يتَبايَعُهُ أهلُ الجاهِليَّةِ، كانَ الرجُلُ يَبْتاعُ الجَزُورَ إلى أنْ تُنْتَجَ الناقةُ، ثمَّ تُنْتَجُ التي في بَطنِها".

قوله: "نهى عن بيع حَبَل الحَبَلة"، (الحبَلة) بفتح الباء فيهما، معناه: نِتاجُ النِّتاج؛ أي: ولد الولد، ولهذا صورتان:

إحداهما: أن البائعَ يقول للمشتري: إذا ولدت هذه الناقةُ ثم حملتْ؛ أي: حملتْ ولدُها، وولدت فقد بعتُ منك ولدَ ولدِها بكذا، فهذا البيعُ كان أهلُ الجاهلية يفعلونه، وهذا باطلٌ؛ لأنه يقع المعدوم.

والصورة الثانية: أن يبتاع؛ أي: يشتري متاعًا ويقول: اشتريتُ منك هذا المتاعَ بمئة دينار مؤجَّلًا إلى أن تلدَ هذه الناقةُ ويحبلَ ولدُها وتلدَ، وهذا البيعُ

ص: 435

باطلٌ؛ لأنه مؤجَّلٌ إلى أجلٍ مجهولٍ.

* * *

2089 -

وقال: نَهَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عنْ عَسْبِ الفَحْلِ.

قوله: "نهى عن عَسْبِ الفحل"، (العَسْب): كِرَاء الفحل لينزوَ على الأنثى، وهذا مَنهيٌّ عنه؛ لأن نزوانَ الفحلِ على الأنثى غيرُ مقدورٍ لصاحبه، ولأنه ربما يَنْزُو ولم يُنزلِ المَنيَ، وربما يُنزل المنيَ فلا يكون منه النِّتاجُ، وكلُّ ذلك علَّةُ بطلانِ كِرَاءِ الفحل.

وجوَّز مالكٌ كِراءَ الفحل.

روى هذا الحديثَ ابن عباس.

* * *

2090 -

وعن جابرٍ رضي الله عنه: نَهَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عنْ بَيْعِ ضرابِ الجَمَلِ، وعَنْ بَيْعِ الماءِ والأرضِ لِتُحْرَثَ.

قوله: "نهى عن بيع ضرابِ الجَمَلِ"، (الضَّرَاب): نزوان الفحل على الأنثى، ومعنى هذا كمعنى ما ذُكر قُبيلَ هذا.

قوله: "وعن بيع الماء والأرض لتُحرَثَ": والنهي عن بيع الماء والأرض للحراثة إنما يكون إذا أعطى الرجلُ أرضَه أحدًا ليكونَ منه الأرضُ والماءُ، ومن الآخر البَذرُ والحراثةُ؛ ليأخذَ صاحبُ الأرض بعضَ ما يحصل من الحبوب، هذا هو المُزَارَعَةُ والمُخَابَرَةُ، وقد ذُكر قبل هذا أنه باطلٌ، إلا عند القاضي أبي يوسف ومحمد بن الحسن، فإن دفعَ أرضَه للحراثة بقَدْرٍ معلومِ من الدراهم والدنانير إلى مدةِ معلومةٍ فيجوز، ويُسمى هذا العقدُ إجارةَ الأرض،

ص: 436

لا مُخابرةً ولا مُزارعةً.

* * *

2091 -

وقال: نَهَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الماءِ.

قوله: "نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن بيع فضل الماء"؛ يعني: كان له ماءٌ في ظرف، فذلك الماءُ مملوكٌ له بلا خلاف، فإن فضلَ عن حاجته وطلب إنسانٌ ما فضلَ عن حاجته ليشتريَه أو ليسقيَ دابةً - غيرَ الخنزيرِ والكلبِ العَقُورِ - لا يجوز له منعٌ، بل يلزمُه أن يعطيَه ما فضل من مائه عن حاجته بلا ثمنٍ إن لم يكن للطالب ثمنٌ، فإن كان له ثمنٌ يجوز له ألا يعطيَه إلا بثمن، ولكن الأولى ألا يبيع، بل يعطيه بلا ثمنٍ، فإن كان الماءُ يخرج من عينٍ من مَوَاتٍ لا يجوز لأحدٍ أن يمنعَ أحدًا من ذلك، ولا أن يبيعَ تلك العينَ من أحدٍ؛ لأن العينَ في المَوَاتِ لا تكون مُلكَ أحدٍ، ويأتي باقي بحث المال في (باب إحياء المَوَات).

روى هذا الحديثَ جابر، وهو من باقي الحديث المتقدم.

* * *

2092 -

وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يُباعُ فَضْلُ الماءِ ليُباعَ بهِ الكَلأ".

قوله: "لا يُباعُ فضل الماء ليُباعَ به الكلأ"، قال الخطابي: تأويل هذا الحديث: أن رجلًا إذا حفرَ بئرًا في مَوَاتِ فمَلَكَ تلك البئرَ، فإذا جاء قومٌ لينزلوا في تلك المَوَاتِ ويرعوا نباتَها، وليس هناك ماءٌ إلا البئر التي حفرَها ذلك الرجلُ، فلا يجوز لذلك الرجل أن يمنعَ أولئك القوم مِن شربِ ماءِ تلك البئرِ، ولا يجوز له أن يأخذَ ذلك الماءَ؛ لأنه لو منعَهم عن ذلك الماء لا يمكن لأولئك القوم أن يَرْعَوا نباتَ تلك المَوَات، فكأنه منعَهم عن نبات المَوَات، ولا يجوز

ص: 437

لأحدٍ أن يمنعَ أحدًا من نبات المَوَات؛ لأنه مباحٌ.

وبهذا الحديث حكم الشافعي ومالك، وقالا: لا يجوز لذلك الرجل منعُ أولئك القوم من ذلك الماء، ولا يجوز له أخذُ الثمن من ذلك الماء.

* * *

2093 -

وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه: أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعامٍ فأدْخَلَ يَدَهُ فيها، فنالَتْ أصابعُهُ بلَلاً، فقالَ:"ما هذا يا صاحِبَ الطَّعامِ؟ "، قال: أصابَتْهُ السَّماءُ يا رسُولَ الله، قال:"أفلا جعَلْتَهُ فوقَ الطَّعامِ حتَّى يراهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فليسَ مِنِّي".

قوله: "مَن غَشَّ فليس منّا"، (الغش): ستر حالِ شيءٍ على أحدٍ؛ يعني: إظهارُ شيءٍ على خلاف ما يكون ذلك الشيء في الباطن، كهذا الرجل؛ فإنه جعلَ الحِنطةَ المبلولةَ في الباطن واليابسةَ على وجه الصُّبرة؛ ليرى المشتري ظاهرَ الصُّبرة ويظنَّ أن جميعَ الصُّبرةِ يابسٌ، فهذا الفعلُ هو الغشِّ والخيانة، وهو مُحرَّمٌ؛ لأنه إضرارٌ بالناس، فإذا علمَ المشتري أن باطنَ المبَيع معيبٌ فله الخيارُ في ردِّ المَبيع وإمساكِه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "فليس منا"؛ يعني: فليس من متابعينا والمقتدين بسيرتنا؛ لأن المكرَ والخديعةَ ليس من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فمَن فعلَ المكرَ والخديعةَ فقد فعلَ معصيةً، ولا يخرج بذلك الفعل عن الإسلام، بل هو مسلمٌ ناقصٌ.

* * *

مِنَ الحِسَان:

2094 -

عن جابرٍ رضي الله عنه أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى عَنِ الثُّنْيا إلَاّ أنْ يُعلَمَ.

قوله: "نهى عن الثُّنيا إلا أن يُعلَم"؛ يعني: لا يجوز استثناءُ بعضِ المَبيع

ص: 438

إلا أن يكون معلومًا، فإن قال: بعتُ منك هذا الفَرَس إلا بعضَها، أو إلا يدَها أو رِجلَها لم يَجُزْ؛ لأن المستثنى مجهولٌ، فإن قال: إلا نصفَها أو ثلثَها صحَّ البيعُ؛ لأن المستثنى معلومٌ، والمستثنى منه وهو المَبيع أيضًا معلومٌ، وهو النصف الباقي أو الثلثان.

* * *

2096 -

وعن ابن عمرَ رضي الله عنهما: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الكالئِ بالكالئِ.

قوله: "نهى عن بيع الكالِئ بالكالِئ"، (الكالئ): الدَّين، وصورته: أن يكون لزيدٍ على عمرٍو ثوبٌ من صوفٍ، ولبكرٍ على عمرٍو أيضًا عشرةُ دراهمَ، فقال زيدٌ لبكرٍ: بعتُ منك ثوبي الذي على عمرٍو بدراهمِك العشرةِ التي على عمرٍو، فقال بكر: قبلتُ هذا البيعَ، لم يَجُزْ؛ لهذا النهي، فإن باعَ الدَّينَ بالعين مثل أن يكون لزيدٍ على عمرٍو عشرةُ دراهمَ، فقال زيدٌ لبكرٍ: بِعْنِي ثوبَك هذا بدراهمي العشرة التي على عمرٍو، فقال بكرٌ: بعتُ، أو قال زيدٌ لبكرٍ: بعتُ ثوبي الموصوفَ من صفته كذا الذي لي على ذِمَّةِ عمرٍو منك بهذه الدراهم، فقال بكر: قبلتُ، فهل يصح هذا البيع أم لا؟

فالمذهبُ بطلانُه، وفي قول: يصح، فإن باعَ الدَّينَ ممن عليه مثل أن يكون لزيدٍ على عمرٍو ثوبٌ موصوفٌ، فباع زيدٌ ذلك الثوبَ من عمرٍو بدراهمَ حاضرةٍ، أو بدراهمَ في ذِمَّتِه أو شيءٍ آخرَ يجوز، بشرط أن يُحضرَ عمرٌو ثمنَ ذلك الثوب الذي في ذِمَّتِه في المجلس.

* * *

2097 -

عن عَمرِو بن شُعَيْبٍ، عن أبيه، عن جدِّه رضي الله عنه قال: نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ العُرْبانِ.

ص: 439

قوله: "نهى عن بيع العربان"، وفيه ست لغات: عُرْبان وأُرْبان وعُرْبون وأُرْبون - بضم العين والهمزة فيهن وإسكان الراء - وعَرَبون وأَرَبون - بفتح العين والهمز والراء فيهما - وصورته: أن يشتري أحدٌ سلعةً من أحدٍ ويعطيه قليلاً من ثمنه ويقول: أمشي وأتفكَّر، فإن اخترتُ هذا المتاعَ آتيك بباقي ثمنه، وإن ندمتُ أردُّه عليك ولك ما أَعطيتُ من الثمن مجانًا، فجوَّز هذا البيعَ أحمدُ، وأبطلَه الباقون.

* * *

2098 -

وعن عليٍّ قال: نَهَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عنْ بَيْعِ المُضْطَرِّينَ وعنْ بَيْعِ الغَرَرِ.

قوله: "نهى عن بيع المُضطرِّين"، (بيع المُضطرِّين) نوعان:

أحدهما: أن يُكرِهَه ظالمٌ على بيعِ شيءٍ، فيضطرُّ إلى بيعه من خوف ذلك الظالم، فهذا البيعُ باطلٌ.

والثاني: ألا يُكرِهَه أحدٌ على بيعه، ولكن يُضطر إلى بيعِ شيءٍ من أجل دَينٍ كان عليه أو من أجل نفقةٍ أو مُؤْنَةِ سفرٍ، فيحتاج إلى بيعه رخيصًا من أجل الضرورة، فلو اشترى أحدٌ منه ذلك المتاعَ رخيصًا صحَّ البيعُ، ولكن الأَولى ألا يشتريَ منه إلا بثمنِ المِثْل.

* * *

2099 -

عن أنسٍ رضي الله عنه أنَّ رجلًا سألَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عنْ عَسْبِ الفَحْلِ، فنهاهُ، فقال: إنَّا نُطْرِقُ الفَحْلَ فنُكْرَمُ، فرَخَّصَ لَهُ في الكَرامَةِ.

قوله: "فقال: إنا نُطرِق فنُكرَم"؛ أي: فقال الرجل: إنَّا نُنزي الفحلَ على

ص: 440

الأنثى فيعطينا صاحبُ الأنثى شيئًا من المال، من غير أن نشَترطَ أخذَ مالٍ، فرخَّص له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في أخذ المال إذا أعطاه صاحبُ الأنثى من غير أن يجريَ بينهما شرطٌ في أخذ العِوَض عن إنزاء الفحل.

(الإطراق): إعارةُ الفحل للإنزاء.

* * *

2100 -

وعن حَكيمِ بن حِزامٍ قال: نهاني رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عنْ بَيْعِ ما ليسَ عِندِي.

قوله: "نهاني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عندي"؛ يعني: عن بيع ما ليس في مُلكي وفي قدرتي، ولا يجوز بيعُ العبد الآبق؛ لأنه لا قدرَة للبائع على تسليم المَبيع، ولا يجوز للرجل أن يبيعَ مالَ غيره بغير إذنه، فإن باعَه من غير إذنه بطلَ البيعُ في قولٍ جديدٍ للشافعي، وإن أجازَ مالكُ ذلك المتاعِ للبيع بعد ذلك.

وقال أبو حنيفة والشافعي في قوله القديم: هذا البيعُ موقوفٌ على إجازة المالك، فإن أجازَ تبيَّن صحةُ البيع، وإن لم يَجُزْ تبيَّن بطلانُ البيع.

* * *

2101 -

وقال حَكيمٌ: يا رسُولَ الله، يأْتيني الرجُلُ فيُريدُ مني البَيْع ليسَ عِندي، فأبتاعُ لهُ مِنَ السُّوقِ؟، قال:"لا تَبعْ ما ليسَ عِندَكَ".

قوله: "يأتيني الرجل، فيريد مني البيعَ ليس عندي، فأبتاع له من السوق"، هذا الكلام يحتمل أمرين:

أحدهما: أن يشتريَ له مِن أحدٍ متاعًا فيكون دلَاّلًا.

ص: 441

والثاني: أن يبيعَ متاعًا من الطالب قبل أن يكون ذلك المتاعُ مُلكَه، ثم يشتري ذلك المتاعَ من السوق ويدفع إلى المشتري، فإن كان يشتري للطالب من السوق بالدلالة، مثل أن يقول لزيدٍ مثلًا: بغْ متاعَك الفلاني من عمرٍو، فقال: بعتُ بكذا دينار، أو قال عمرو: اشتريتُه؛ صحَّ البيعُ.

وإن باعَ من نفسِه متاعًا معينًا من الطالب قبل أن يتملَّك ذلك المتاعَ، مثل أن يأخذ متاعًا من السوق قبل أن يشتريَه، ثم يبيع ذلك المتاع من طالبٍ، فلمَّا جرى بينه وبين الطالب الإيجابُ والقَبولُ يجيء إلى مالك ذلك المتاع ويشتريه منه، ثم يدفعه إلى المشتري، فهذا البيعُ باطلٌ؛ لأنه باعَ ما ليس في مُلكه وقتَ البيع، أما لو باعَ شيئًا موصوفًا بأن قال: بعتُ منك ثوبًا طولُه كذا وعَرضُه وصفتُه كذا بكذا دينارٍ، فقال المشتري: اشتريتُ منك ثوبًا موصوفًا بما ذكرتَه من الصفات، ثم بعدَ جريان العقد بينهما يجيء البائعُ ويشتري من السوق ثوبًا موصوفًا بتلك الصفات، ويدفع ذلك الثوبَ إلى المشتري، جازَ؛ لأنه لم يَبعْ عينًا ليست في مُلكه، بل باعَ شيئًا موصوفًا، وبيعُ الشيءِ الموصوفِ يصحُّ وإن لم يكن الشيءُ الموصوفُ موجودًا عند العقد.

* * *

2102 -

وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: نهى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ في بَيْعَةٍ.

قوله: "نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن بَيعتَين في بيعةٍ": فسَّروا (بَيعتَين في بيعة) على وجهين:

أحدهما: أن يقول الرجل لصاحبه: بعتُ منك عبدي بعشرةٍ نقدًا، أو بعشرين نسيئةً إلى شهر، فقال المشتري: قبلتُه بعشرةٍ نقدًا، أو يقول: قبلتُه بعشرين نسيئةً إلى شهر، فالبيعُ باطلٌ؛ لأن الثمنَ مجهولٌ عند البائع حين يوجب

ص: 442

البيع؛ لأنه لا يعلم أن المشتري بأي الثمنَين يقبل البيعَ، وشرطُ الثمن أن يكون معلومًا عند البائع والمشتري قبل الإيجاب والقَبول.

والوجه الثاني: أن يقول: بعتُ منك هذا العبدَ بكذا، على أن تبيعني ثوبَك هذا بكذا، فهذا البيعُ باطلٌ؛ لأنه بيعُ عبدٍ وشرطٌ؛ لأن البائعَ لم يرضَ بما ذكر من ثمن العبد إلا بشرط أن يشتريَ الثوبَ، فكأنه جعلَ ثمن العبد شيئَين: أحدهما ما ذُكر من الثمن، والثاني شراء الثوب، فربما لا يبيع صاحبُ الثوبِ الثوبَ، فحينَئذٍ يبطل بعضُ ثمن العبد، وإذا بطلَ البعضُ بطلَ الكلُّ، فلأنه ربما ينفسخ بيعُ الثوب بسببٍ، أو يجد فيه عيبًا، فيردُّه، وحينَئذٍ لا يُعرَف ثمنُ العبد؛ لأنه جعل ثمنَ العبد شيئَين، فإذا بطلَ أحدُهما يصير الباقي مجهولاً، ولأنه جاء النهي عن بيعٍ وشرطٍ في الحقيقة.

* * *

2103 -

وعن عمرِو بن شُعَيْبٍ، عن أبيه، عن جدِّه رضي الله عنه قال: نَهَى

رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ في بَيْعَةٍ صَفْقَةً واحِدةً".

قوله: "نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن بَيعتَين في بَيعةٍ صفقةً واحدةً"، (الصفقة): البيع، سُمي العقدُ بيعًا وصفقةً؛ لأن عادةَ العرب عند البيع بوع كل واحد من العاقدَينِ يدَه إلى صاحبه، ويضعُ يدَه على يد صاحبه.

و (الصفقة) أيضًا معناه: ضربُ اليد على اليد؛ يعني: يضعُ البائعُ يدَه على يدِ المشتري، والبوع: مد اليد، وكان أصل البيع: البوع، فقُلبت الواوُ ياءً؛ لأن الياءَ أخفُّ من الواو؛ يعني: النهي عن بَيعتين في بَيعةٍ إنما كان يكون إذا كان الإيجابُ والقَبولُ للبَيعتَين واحدةً، أما لو كان لكل واحدٍ من البَيعتَين إيجابٌ وقَبولٌ منفردٌ لا بأسَ، وإن كان مئةَ بَيعةٍ في مجلسٍ واحدٍ.

ص: 443

مثاله أن يقول زيدٌ لعمرٍو: بعتُ منك هذا العبدَ بألف دينار، فيقول عمرو: قبلتُ البيعَ، ثم يقول عمرٌو لزيدٍ: بعتُ منك هذا الثوبَ بعشرةِ دنانيرَ، فيقول زيدٌ: قبلتُ البيعَ، صحَّ البَيعتان.

* * *

2104 -

وقال: "لا يَحِلُّ سَلَفٌ وبَيْعٌ، ولا شَرْطانِ في بَيْعٍ، ولا رِبحُ ما لمْ يُضْمَنْ، ولا بَيْعُ ما ليسَ عِندَكَ". (صحيح).

قوله: "نهى عن بيعٍ وسَلَفٍ"، قال الخطابي: صورةُ هذا: أن يقول أحدٌ لصاحبه: بعتُ منك هذا الشيءَ بكذا دينار على أن تقرضَني كذا دينارًا، ومعنى (السَّلَف) هنا: معنى القَرْض، هذا تأويله.

والفقهاء يقولون صورةُ السَّلَف مع البيع: أن يقول الرجل لصاحبه: بعتُ منك هذا الثوبَ، وجَريبَ حِنطةٍ صفتُها كذا إلى شهرٍ بعشرة دراهم مثلاً، فقال المشتري: قبلتُ، فهذا بيعٌ وسَلَفٌ، فهل يصحُّ هذا العقد؟ فيه قولان؛ الأصحُّ أنه صحيحٌ.

قوله: "ولا شرطانِ في بيعٍ": ولا فرق بين شرطَين أو أكثر من شرط واحدٍ في بيعٍ، بل كلُّها فاسدٌ.

وقال أحمد: إن شرطَ في المَبيع شرطًا واحدًا صحَّ، وإن شرطَ شرطَين أو أكثرَ لم يصحَّ؛ لهذا الحديث.

مثاله: لو اشترى ثوبًا وشرطَ المشتري على البائع قِصَارتَه لم يصحَّ عند جميع العلماء، إلا أحمد؛ فإنه صحيحٌ، وإن شرطَ مع القِصَارة خياطتَه، مثل أن يقول: اشتريتُ منك هذا الثوبَ بشرط أن تقصرَه؛ أي: تَغسلَه وتَخيطَه لي قميصًا لم يصحَّ بالاتفاق؛ لأنه شرطَ في هذا البيع شرطَين.

قوله: "ولا ربحُ ما لم يُضمَن"؛ يعني: لا يجوز أن يبيعَ الرجلُ ما ليس في

ص: 444

ضمانه، مثل: أن يشتريَ أحدٌ متاعًا، فباعَه من آخرَ قبل أن يقبضَه، هذا البيعُ باطلٌ؛ لأن المَبيعَ في ضمان البائع ما لم يَقبضْه المشتري، وإذا لم يكن المَبيعُ في ضمان المشتري لم يكن مُلكُه تامًا، فلا يجوز له أن يبيعَه من آخرَ.

روى هذا الحديثَ عمرو بن العاص.

* * *

2105 -

وعن ابن عمرَ رضي الله عنهما قال: كنتُ أَبيعُ الإِبلَ بالبَقِيعِ بالدَّنانيرِ، فآخذُ مكانَها الدَّراهِمَ، وأَبيعُ بالدَّراهِمِ وآخُذُ مكانَها الدَّنانيرَ، فأَتيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكرتُ ذلكَ لهُ، فقال:"لا بأْسَ بأنْ تأخُذَها بسِعْرِ يومِها ما لَمْ تتَفَرَّقَا وبينَكُما شيءٌ".

قوله: "كنت أبيعُ الإبلَ بالبقيع بالدنانير، فآخُذُ مكانَها الدراهمَ"(البقيع): اسم موضع في المدينة.

اعلم أنه إذا كان ذلك حقٌّ على ذِمَّة أحدٍ من جهة أن تُقرضَه، أو أَتلفَ لك شيئًا جازَ أن تأخذَ عِوَضَ ذلك جنسًا غير جنس ذلك، فإن كان قد اشترى منه شيئًا سَلَمًا لم يَجُزْ أن يأخذَ عَوِضَ ذلك جنسًا آخرَ، وإن بعتَ منه متاعًا هل يجوز لك أن تأخذَ بدلَ الثمن جنسًا غيرَ جنسِ ذلك الثمن؟

مثل: أن يكون الثمنُ ذهبًا فتأخذ بدلَه الفضةَ، أو كان الثمنُ فصةً فتأخذ بدلَها الذهبَ.

ففي الجديد للشافعي، ومذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد: أنه يجوز.

قوله: "لا بأسَ أن تأخذَها بسعر يومها"؛ يعني: يجب أخذُ الدراهم بدلاً عن الدنانير بقيمة الوقت، ولا يجوز الزيادةُ.

قوله: "ما لم تَفْتَرِقا وبينكما شيءٌ"؛ يعني: يُشترط أن يُقبَض العِوَضُ في المجلس، فإن قال: بادلتُك الدراهمَ التي لي عليك من ثمن متاعي الفلاني بكذا

ص: 445

دينارًا، وتفرَّقا قبلَ أن يقبضَ تلك الدنانيرَ في المجلس بطلَ الاستبدالُ.

* * *

2106 -

عن العَدَّاءِ بن خالدِ بن هَوْذَةَ، أخرجَ كِتابًا: هذا ما اشترَى العَدَّاءُ ابن خالدِ بن هَوْذَةَ منْ محمَّدٍ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، اشترَى منهُ عبدًا أوْ أمَةً، لا داءَ ولا غائِلةَ ولا خِبْثةَ، بَيْعَ المُسْلِمِ المُسْلِمَ. (غريب).

قوله: "أخرجَ كتابًا: هذا ما اشترى العدَّاء بن خالد بن هَوْذَة من محمَّدٍ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، اشترى منه عبدًا - أو: أَمَةً -، لا داءَ ولا غائلةَ ولا خِبْثةَ، بيعَ المسلمِ المسلمَ"؛ يعني: أخرجَ هذا الرجلُ قَبَالَةً قد كُتِبَ فيها هذا الألفاظ.

شك الراوي أنه اشترى عبدًا أو أَمَةً.

قوله: "لا داء"؛ أي: بشرط ألا يكون فيه داءٌ؛ أي: مرضٌ وعيبٌ.

"ولا غائلة"، (الغائلة) ها هنا فسَّروها: بالمسروق، بشرط ألا يكون هذا العبدُ مسروقًا، فإنه إذا كان مسروقًا يقول: أن تملك ثمن بالمشترى؛ لأنه ربما يموت في يده، ويأتي صاحبه ويأخذ قيمته من المشتري، فيلحقه ضررٌ ويرجع المشتري على البائع بالثمن، ولا يرجع إليه بما زاد من قيمة العبد على الثمن، مثل: أن يشتريَه بمئة دينار، وارتفع قيمتُه حتى بلغ مئتَي دينار، فيلزمه أن يدفعَ إلى مالك العبد مئتَي دينار، ولا يأخذ من البائع إلا مئةَ دينار، والباقي من ضمانه؛ لأنه هلكَ في يده.

قوله: "ولا خِبْثة"، (الخِبْثة): بكسر الخاء وسكون الباء، وهو ولدُ الزِّنا، والعبدُ الذي فيه شُبهةٌ بأن كان أبوه مسلمًا فارتَّد، وحصل هذا الولد في حال رِدَّة أبيه، فدخل الغزاةُ في دار الحرب وأُخذ هذا الولدُ، فإنه لا يجوز استرقاقُ هذا الولد في حال رِدَّة أبيه، ولا يصح بيعُه في أصحِّ القولَين؛ لأن فيه شائبةً للإسلام.

ص: 446

(ولا خِبثَة): عطف على ما قبله؛ يعني: بشرط ألا يكون هذا العبدُ ممن لا يجوز بيعُه.

قوله: "بيعَ المسلم المسلمَ"؛ يعني: بيعًا مشروطًا بجميع شرائطه، كبيع المسلم من المسلم؛ يعني: كما يجري بين المسلمين، وهذا الحديث يدل على جواز كتابة الصُّكوك، و (الصُّكوك) جمع: صَكًّ، وهي القَبَالَة، وقد أتى في القرآن الأمرُ بكتابة القَبَالَة، وهي أمر ندب، لا أمرُ وجوبٍ، وهو قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282]، وفُسِّر هذا الدَّين بالسَّلَم.

* * *

2107 -

عن أنسٍ رضي الله عنه أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم باعَ حِلْسًا وقَدَحًا، فقال: مَنْ يشتري هذا الحِلْسَ والقَدَحَ؟، فقال رجلٌ: آخُذُهُما بدِرْهَمٍ، فقالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ يَزِيدُ على دِرْهَمٍ؟ "، فأَعطاهُ رجُلٌ دِرْهَمَيْنِ فباعَهُما منهُ.

قوله: "مَن يزيدُ على درهم؟ فأعطاه رجلٌ درهمَين، فباعهما منه": هذا دليلُ جوازِ الزيادة على الثمن، وليس هذا السَّومَ على السَّوم، وإنما السَّومُ على السَّوم: أن يرضى البائعُ بما قال المشتري من الثمن، ثم يزيد أحدٌ على الثمن الذي رضي به البائع، أمَّا لو عيَّن طالبٌ ثمنًا ولم يرضَ البائعُ به جازَ الزيادةُ على ذلك، ويُسمي هذا بيعَ مَن يزيد.

وقصة هذا: أن رجلاً سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم صدقةً، فقال:"هل لك شيء؟ " فقال: ليس لي إلا حِلْسٌ وقَدَحٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بِعِ القدحَ والحِلسَ وكُلْ ثمنَهما، فإذا لم يكن لك شيءٌ فاطلُبْ حينَئذٍ الصدقةَ"، فباعهما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.

* * *

ص: 447