المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌10 - باب الغصب والعارية - المفاتيح في شرح المصابيح - جـ ٣

[مظهر الدين الزيداني]

فهرس الكتاب

- ‌7 - كِتابُ الصَّومِ

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب رؤية الهِلال

- ‌فصل

- ‌3 - باب تَنْزيه الصَّوم

- ‌4 - باب صَوْم المُسافِر

- ‌5 - باب القَضَاء

- ‌6 - باب صِيَام التَّطوُّع

- ‌فصل

- ‌7 - باب لَيْلَةِ القَدْر

- ‌8 - باب الاعتِكاف

- ‌8 - كِتَابُ فَضَائِلِ القُرْآنِ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌9 - كِتابُ الدَّعَوَاتِ

- ‌2 - باب ذِكْرِ الله عز وجل والتَّقرُّبِ إليهِ

- ‌3 - باب أَسْماءِ الله تعالى

- ‌4 - باب ثواب التَسبيح والتَحميد والتَهليل

- ‌5 - باب الاستِغفار والتَّوبة

- ‌فصل

- ‌6 - باب ما يقُول عند الصَّباح والمَسَاء والمَنام

- ‌7 - باب الدَّعَوَاتِ في الأَوْقاتِ

- ‌8 - باب الاستِعاذَة

- ‌9 - باب جامع الدُّعاءِ

- ‌10 - كِتَابُ المَنَاسِكِ

- ‌2 - باب الإِحْرام والتَّلْبية

- ‌3 - قِصَّةُ حجة الوداع

- ‌4 - باب دُخُول مَكَّةَ والطَّواف

- ‌5 - باب الوُقُوفِ بِعَرَفةَ

- ‌6 - باب الدَّفْع من عَرَفَةَ والمُزْدَلِفَة

- ‌7 - باب رَمْيِ الجِمَار

- ‌8 - باب الهَدْي

- ‌9 - باب الحلق

- ‌فصل

- ‌10 - باب الخُطْبة يومَ النَّحر، ورَمْي أَيَّام التَّشريق والتَّوديع

- ‌11 - باب ما يجتنبه المحرم

- ‌12 - باب المُحرِم يَجتنِب الصَّيد

- ‌13 - باب الإِحْصَار وفَوْت الحَجِّ

- ‌14 - باب حرَم مكَّة حرَسَها الله

- ‌15 - باب حرَم المَدينة على ساكنها الصلاةُ والسلام

- ‌11 - كِتابُ البُيُوعِ

- ‌1 - باب الكَسْب وطلَب الحَلال

- ‌2 - باب المُساهلةِ في المُعاملةِ

- ‌3 - باب الخِيَارِ

- ‌4 - باب الرِّبا

- ‌5 - باب المنهيِّ عنها من البيوع

- ‌فصل

- ‌6 - باب السَّلَمِ والرَّهنِ

- ‌7 - باب الاحتِكارِ

- ‌8 - باب الإفلاسِ والإنظارِ

- ‌9 - باب الشَّركةِ والوَكالةِ

- ‌10 - باب الغَصْبِ والعاريَةِ

- ‌11 - باب الشُّفْعَةِ

- ‌12 - باب المُساقاةِ والمُزارعةِ

- ‌13 - باب الإجارة

- ‌14 - باب إحياء المَوَاتِ والشّرْبِ

- ‌15 - باب العطايا

- ‌فصل

- ‌16 - باب اللُّقَطَة

- ‌17 - باب الفرائضِ

- ‌18 - باب الوصايا

الفصل: ‌10 - باب الغصب والعارية

واعلم أن مثل هذا هو العرف الجاري بين الناس، فبعضهم تكون العلامة بينهم بأن يأخذ إصبعه الإبهام أو الوسطى، وبعضهم يضع يده على كفه، وما أشبه ذلك مما كان تقريرهم، فإن لم يقبل الوكيل تلك الآية، فلا شيء عليه من حيث الشرع.

مثاله: جاء زيد إلى عمرو الذي هو وكيل بكر، ويقول: قال بكر لك: أعطني كذا بالعلامة الفلانية التي بينك وبينه، فإن صدَّقه عمرو في تلك العلامة وأعطاه ذلك الشيء جاز، وإن لم يصدقه مع صحة العلامة، فليس عليه شيء، بل يلزم على زيد إقامةُ البينة على ما يقول، والله أعلم.

* * *

‌10 - باب الغَصْبِ والعاريَةِ

(باب الغصب والعارية)

مِنَ الصِّحَاحِ:

2157 -

قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أخذَ شِبرًا مِنَ الأرضِ ظُلمًا فإنَّهُ يُطَوَّقُهُ يومَ القِيامَةِ مِنْ سَبع أرَضين".

قوله: "من أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا، فإنه يُطوَّقُه يوم القيامة من سبع أرضين"؛ يعني: خلق الله قَدْرَ تلك الأرض المغصوبة طولًا وعرضًا وغلظة من وجه الأرض إلى تحت الأرض السابعة، وجعلها طوقًا في عنقه ليعذبه ثقلُها.

روى هذا الحديث سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل.

* * *

ص: 477

2158 -

وقال: "لا يَحلُبن أحدٌ ماشيةَ امرئٍ بغير إذنِهِ، أيُحبُّ أحدُكُمْ أنْ تُؤْتَى مَشْربتُهُ فتُكْسَرَ خِزانَتُهُ، فيُنتقَلَ طعامُهُ؟ فإنَّما تَخزُنُ لهم ضُروعُ مَواشِيهمْ أطعِماتِهِم".

قوله: "أيحب أحدكم أن تؤتَى مَشْربتُه فتكسر خزانتُه، فينتقل طعامه، فإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعماتهم"، (المشربة) بضم الراء: الغُرفة - بضم الغين - وهي بيت فوقاني.

قوله: "فإنما تَخزنُ لهم ضروعُ مواشيهم أطعماتِهم"، (ضروع): فاعل (تخزن)، و (أطعماتهم) مفعوله؛ يعني: ضروعُ مواشيهم بمنزلةِ خزانتهم، فمَن حلب مواشيهم فكأنه كسر خزانتهم؛ يعني: كما؟ لا تحبون أن يأتي أحدكم خزائنكم ويسرق ما فيها، فكذلك لا تجوَّزوا حلبَ مواشيهم، فإن ضروعها بمنزلة خزائنهم، فيها طعامهم وهو اللبن.

روى هذا الحديث ابن عمر رضي الله عنهما.

* * *

2159 -

عن أنسٍ رضي الله عنه قال: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عندَ بعضِ نسائهِ، فأرسلَتْ إحدَى أمَّهاتِ المُؤمنينَ بصَحْفَةٍ فيها طعامٌ، فضرَبتِ التي النبيُّ صلى الله عليه وسلم في بيتِها يدَ الخادِمِ فسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فانفلَقَتْ، فجمعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فِلَقَ الصَّحْفَةِ ثمَّ جَعَلَ يجمَعُ فيها الطعامَ ويقول:"غارَتْ أمُّكُمْ"، ثُمَّ حبسَ الخادِمَ حتَّى أُتي بصَحْفةٍ مِنْ عِند التي هو في بيتها، فدفعَ إلى التي كُسِرَتْ صَحْفَتُها وأمسكَ المكسُورة في بيت التي كسرتها.

قوله: "إحدى أمهات المؤمنين"؛ يعني: إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم.

قوله: "فضربت التي النبيُّ صلى الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم"؛ يعني: أرسلت

ص: 478

زوجةٌ من زوجات النبي طعامًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضربت زوجتُه التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها يدَ الخادم، "فسقطت الصحفة" - وهي قصعةٌ كبيرة - فانكسرت.

قوله: "فانفلقت"؛ أي: انشقت وانكسرت.

"الفِلَق" بكسر الفاء: جمع فَلْقة، وهي القطعة.

"ثم جعل"؛ أي: طفق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

"ويقول: غارت أمكم"؛ يعني: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: غارت أمكم أيها المؤمنون؛ يعني: فعلت هذه الزوجة ما فعلت من كسر الصحفة من غيرتها؛ يعني: استنكفت وغارت أن تقبل هدية الضرة، وقالت: لست محتاجة إلى أن ترسل إلي أو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا إذا كان في بيتي، فلأجل هذه الغيرة كسرت الصحفة.

قوله: "ثم حبس الخادم"؛ يعني: منع الخادم من أن يرجع حتى أخذ صحفةً من بيت الزوجة التي كسرت الصحفة، وإعطاءها الخادم ليذهب بها إلى التي أرسلت الصحفة.

وهذا بيانُ لزومِ الضمان على مَن أتلف مالَ أحد.

وفي هذا الحديث: بيانُ لزومِ الغيرة في نفس الإنسان، فإن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن مع صحبتهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يَخْلون عن الغيرة، فلا يليق لأحد أن يعاتب أحدًا على الغيرة، فإنها مركَّبةٌ في نفس البشر بحيث لا يقدر الرجل أن يدفعها عن نفسه، كالغضب وغيره من صفات النفس.

* * *

2160 -

عن عبد الله بن يزيدَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّه نَهَى عن النُّهبةِ والمُثْلةِ.

ص: 479

قوله: "نهى عن النهبة والمثلة"، (النهبة): المالُ الذي أُخذ بالغارة؛ يعني: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ كلُّ واحدٍ من الجيش ما وجده من الغنيمة من الكفار، بل يلزم عليهم أن يجمعوا الغنيمة عند الإِمام حتى يقسم بين الجيش على حكم الشرع.

ويحتمل أن يريد بـ (النهبة): أخذ مال المسلمين قهرًا.

(المثلة): قطع أعضاء المقتول؛ يعني: نهى إذا قتلوا كافرًا أن يقطعوا أعضاءه، فكذلك إذا قُتل مسلمٌ بالقصاص، أو رُجم بحدِّ الزنا، أو صُلب قاطع الطريق، لا يجوز قطع أعضائه؛ لأن الغرض إزالة الحياة، فإذا أزيلت حياته فلا فائدة في قطع الأعضاء.

* * *

2161 -

وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ في عهدِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يومَ ماتَ إبراهيمُ ابن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فصلَّى بالنَّاسِ ستَّ ركعات بأربعِ سجَداتٍ، فانصرفَ وقد آضَتِ الشمسُ، وقال:"ما مِنْ شيءٍ تُوعَدُونَهُ إلَّا وقدْ رأيتُهُ في صلاتي هذه، لقدْ جِيءَ بالنَّارِ وذلكَ حينَ رأَيْتُمُوني تأخَّرْتُ مخافةَ أنْ يُصِيبني مِنْ لَفْحِها، وحتَّى رأيتُ فيها صاحِبَ المِحْجَنِ يجُرُّ قُصْبَهُ في النَّارِ، وكان يَسرِقُ الحاجَّ بمِحْجَنِهِ، فإنْ فُطِنَ لهُ قال: إنَّما تَعَلَّقَ بِمِحْجَني، وإنْ غُفِلَ عنهُ ذهبَ بهِ، وحتَّى رأيتُ فيها صاحِبةَ الهِرَّةِ التي ربطَتْها فلمْ تُطْعِمْها ولم تَدَعْها تأكلُ من خَشاشِ الأرضِ حتَّى ماتَتْ جُوعًا، ثمَّ جِيءَ بالجنَّةِ وذلكَ حينَ رأَيْتُمُوني تقدَّمْتُ حتَّى قُمْتُ في مَقامي، ولقدْ مدَدْتُ يَدِي وأنا أُرِيدُ أنْ أتَناوَلَ منْ ثَمَرِها لتنظُرُوا إلَيْهِ ثمَّ بدا لي أنْ لا أفعلَ".

قوله: "فصلى بالناس ستَّ ركعات بأربع سجدات": أراد بالركعات

ص: 480

ها هنا: الركوعات؛ يعني: صلى ركعتين في كلِّ ركعةٍ ثلاثُ ركوعاتٍ وسجدتين.

وقد ذكرنا بحث صلاة الخسوف قبل الجنائز.

"فانصرف"؛ أي: فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة "وقد أضاءت الشمس"؛ أي: رجعت الشمس، وذهب كسوفها.

قوله: "ما من شيء توعدونه"؛ يعني: ليس شيء وعدتم بمجيئه من الجنة والنار وغيرهما من أحوال القيامة إلا عُرض عليَّ.

قوله: "وذلك حين رأيتموني تأخرت" كأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما كان هو واقفًا في صلاة الكسوف تأخَّر عن مصلَّاه، ثم تقدم إلى مصلَّاه ومدَّ يده كأنه يقطف (1) شيئًا بيده، فلمَّا فرغ من الصلاة قال صلى الله عليه وسلم: عُرضت علي النار فتأخَّرت من خوف أن يصيبني لفحها؛ أي: تحريقها، وعرضت علي الجنة فمددت يدي أن آخذ عنقودًا من ثمرها لأريكم ثمر الجنة، فبدا لي رأيٌ أن لا آخذ.

قوله: "حتى رأيت فيها"؛ أي: في النار "صاحب المحجن" وهو خشبٌ طويلٌ على رأسه حديدةٌ مُعْوَجَّةٌ.

"القُصب" بضم القاف والصاد المهملة: الأمعاء، وهو آلة البطن.

"الخشاش" بفتح الخاء وكسرها: حشرات الأرض كالحية والفأرة وغيرهما.

* * *

2162 -

وقال أنسٌ رضي الله عنه: كانَ فَزَعٌ بالمدينةِ فاستعارَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فَرَسًا منْ أبي طَلْحَةَ، فرَكِبَ، فلمَّا رجعَ قال:"ما رأَيْنا مِنْ شَيءٍ وإنْ وجدناهُ لَبَحْرًا".

(1) في "ق": "يقصد".

ص: 481

قوله: "كان فزع"؛ يعني: قد وقع في المدينة فزعٌ وصياحٌ بأنَّ جيش الكفار قد وصل إلى قرب المدينة، "فاستعار رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسًا من أبي طلحة"، وخرج مع الجيش من المدينة ليحاربوا الكفار، فظهر أنه لم يكن لذلك الفزع حقيقة، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:"ما رأينا من شيء وان وجدناه لبحرًا"، أي: وإنَّا وجدنا هذا الفرس لبحرًا.

(البحر): الفرس السريعُ العَدْوِ.

وهذا الحديث يدل على جواز الاستعارة.

* * *

2163 -

عن سعيدِ بن زيدٍ، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"مَنْ أحْيا أَرْضًا مَيتةً فهي لهُ، وليسَ لعِرْقٍ ظالمٍ حَقٌّ"، مرسل.

قوله: "من أحيا أرضًا ميتة فهي له"؛ يعني: من عَمَر أرضًا غير مملوكةٍ لمسلم، ولم يَجْرِ عليها عمارةُ مسلم ولا ذمَّيًّ، ولم يتعلق لمصلحة بلدٍ أو قرية بأن يكون مَرْكَضَ خيلهم، أو محطَّ ثلجهم وترابهم، فإذا كان كذلك صارت تلك الأرض ملكًا له، سواءٌ كان بإذن السلطان، أو بغير إذنه، خلافًا لأبي حنيفة فإنه قال: لا بد من إذن السلطان.

ثم الأرضُ التي أحياها الرجل إنما تصير ملكًا له إذا تم عمارتها، وإتمام العمارة يختلف باختلاف الأبنية، فإن كان دارًا فلا يملكها حتى يَحُوطَ حول تلك الأرض ويجعلَ لها سقفًا، وإن كان حظيرةَ يحتاج إلى إدارة الحائط حول تلك الأرض، ولا يحتاج إلى السقف، وإن كان بئرًا فيحتاج إلى وصولها إلى الماء، وإن كانت مزرعةً فيحتاج إلى إصلاح التراب، وإجراءِ الماء، ونثر البذر عليها.

قوله: "وليس لعرق ظالم حق"، (ظالم): صفة (عرق)، ويجوز أن

ص: 482

يكون مضافًا إليه.

وصورته: أن يغصب أحد أرضًا، فزرع فيها زرعًا، أو غرس فيها شجرًا، فليس له حقٌّ في إبقاء زرعه وشجره، بل يجوز لمالك الأرض أن يقلع زرعه وشجره.

* * *

2164 -

وقال: "ألا لا تظلِمُوا، ألا لا يحِلُّ مالُ امرئٍ إلا بطيبِ نفسٍ منهُ".

قوله: "ألا لا تظلموا"(الظلم): وضع شيء في غير موضعه، ويدخل في هذا النهي أخذ أموال الناس بالباطل، وإيذاؤهم، وشتمهم، وغيبتهم، وضربهم بغير حق، وغير ذلك من الإضرارات بالمسلمين.

روى هذا الحديث [أبو حرَّة الرقاشي، عن عمه].

* * *

2165 -

وعن عِمرانَ بن حُصَيْنٍ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّه قال: "لا جَلَبَ ولا جَنَبَ ولا شِغارَ في الإسلامِ، ومَنِ انتَهَبَ نُهْبةً فليسَ مِنَّا".

قوله: "لا جلب، ولا جنب، ولا شغار في الإِسلام" أما (الجلب والجنب): قد يستعملان في الزكاة وفي المسابقة، أما في الزكاة فقد ذكرنا شرحها في آخر الباب الأول من الزكاة، وأما في المسابقة: معنى (الجلب): أنه لا يجوز أن يأمر أحدُ المسابقين جماعةً أن يجلبوا؛ أي: يصوِّتوا ليركض فرسُه من أصواتهم، فإن هذا مكرٌ وحيلة.

وأما (الجَنَب): فهو أن يستصحب أحد المسابقين معه فرسًا ليركبه إذا

ص: 483

تعب وانقطع في الطريق الفرسُ الذي ركبه أولًا، فهذا لا يجوز أيضًا.

وأما (الشغار): فصورتُه أن يقول رجل لآخر: زوَّجتك ابنتي على أن تزوَّجني ابنتك، ويكون بُضعُ كلَّ واحدةٍ منهما صداقًا للأخرى، وهذا النكاح باطلٌ في الإِسلام، وكان أهل الجاهلية يفعلونه.

ووجه فساده: أنهما اشترطا جَعْلَ البُضع مهرًا، وخلَا نكاحهما عن المهر.

وممن قال ببطلان نكاح الشغار: الشافعي ومالك وأحمد، وقال أبو حنيفة: النكاح صحيح، ولكل واحدة من المرأتين مهر المثل.

هذا إذا لم يسمَّيا مهرًا، قال الشافعي: لو سُمِّي لهما أو لإحداهما صَدَاقٌ فليس بالشغار المنهيِّ عنه، والنكاحُ ثابتٌ، والمهرُ فاسد، ولكلَّ واحدة منهما مهرُ مِثْلِها، ووجهُ فساد المسمَّى عند تسمية المسمَّى: أنه نكاح على شرطٍ، فإن الأول قال: زوَّجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك بكذا دينار، ولَفَظَه على الشرط، والشرطُ في النكاح يُفسد المسمَّى ويوجب مهر المِثْل.

قوله: "ومن انتهب نهبة فليس منا": مضى ذكرُ بحثِ هذا في هذا الباب.

* * *

2166 -

وعن السَّائِب بن يَزيدَ، عن أبيه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"لا يأْخُذْ أحَدُكُمْ عصا أخيهِ لاعِبًا جادًّا، فمنْ أخَذَ عصا أخيهِ فليرُدَّها إليهِ".

قوله: "لا يأخذ أحدكم عصا أخيه لاعبًا جادًا": لاعبًا جادًا هما منصوبان على الحال؛ يعني: لا يجوز لأحدكم أن يأخذ عصا أخيه المسلم في حال اللعب ولا في حال الجد.

ويجوز أن يكون معناه: لا يأخذها في حال اللعب، ثم يقصد إمساكها لنفسه على الجد؛ يعني: يُظْهِرُ أنه أخذها باللعب، وفي نيته عدمُ ردها.

ص: 484

وهذا الحديث ليس تخصيصًا بالعصى، بل المراد منه: كلُّ شيء حتى العصا، وإن كان شيئًا حقيرًا.

* * *

2167 -

وعن الحَسَنِ عن سَمُرةَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ وجدَ عَيْنَ مالِه عندَ رجُلٍ فهوَ أحقُّ بهِ ويتَّبعُ البيعُ من باعَهُ".

قوله: "من وجد عين ماله عند رجل فهو أحق به، ويتبع البيع من باعه"، (البيع) - بتشديد الياء - هنا المشتري؛ يعني: مَن اشترى متاعًا، وجاء رجلٌ وادعى أنه مال سرقة، أو غَصَبه البائع، وأقام المدَّعي بينةً على ما يقول، يدفع ذلك المتاع إلى المدَّعي، ويتبع المشتري البائعَ ويأخذ ثمنه؛ لأنه غاصبٌ.

* * *

2168 -

وقال: "على اليدِ ما أخَذَتْ حتَّى تُؤَدَّيَ".

قوله: "على اليد ما أخذت حتى تؤدي"؛ يعني: مَن أخذ مال أحدٍ بغصبٍ أو عاريةٍ أو وديعةٍ لزمه ردُّه، وفي الغصب لزمه ردُّه وإن لم يطلبه مالكه، وفي العارية: إن عيَّن مدةً لزمه ردُّه إذا انقضت تلك المدة، ولو طلبه مالكه قبل انقضاء تلك المدة لزمه ردُّه، وإن لم يعين مدةً لا يلزمه ردُّه، إلا إذا طلبه مالكه.

وفي الوديعة: لا يلزم المودَعَ ردُّه إلا إذا طلب المالك.

روى هذا الحديث سمرة بن جندب.

* * *

2169 -

عن حَرامِ بن سعدِ بن مُحَيصةَ: أنَّ ناقَةً للبراءِ بن عازبٍ دَخَلَتْ حائِطًا فأفسَدَتْ، فقضَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنَّ على أَهْلِ الحوائِطِ حِفْظَها بالنَّهارِ،

ص: 485

وأنَّ ما أفسَدَتِ المَواشي باللَّيْلِ ضامِنٌ على أَهلِها.

قوله: "أن على أهل الحوائط

" إلى آخره.

يعني: ما أتلفت المواشي بالنهار لم يلزم مالكَها ضمانُ ما أتلفت، وإن أتلف بالليل لزمه الضمان؛ لأن العادة حفظ المواشي بالليل وإرسالُها بالنهار، وهذا إذا لم يكن مالكها معها، وإن كان مالكها معها لزمه ضمان ما أتلفت ليلًا كان أو نهارًا، وسواء أتلفت بيدها أو رجلها فمها، وبهذا قال الشافعي ومالك وأحمد.

وقال أبو حنيفة: إن لم يكن معها مالكها لم يضمن ليلًا كان أو نهارًا، وإن كان معها مالكها، فإن كان يسوقها فعليه ضمان ما أتلفت بكلِّ حال، وإن كان قائدَها أو راكبها، فعليه ضمانُ ما أتلفت بفمها أو يدها، ولا يجب ضمانُ ما أتلفت برجلها بكلِّ حال.

* * *

2170 -

وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "الرَّجْلُ جُبَارٌ".

2171 -

وقال: "النَّارُ جُبَارٌ".

قوله: "الرجل جبار، والنار جبار"، (الجُبار): الهَدْر، وهو الذي لا مؤاخَذَة به، أراد بـ (الرجل جبار): أن دابة لو ضربت أحدًا برجلها، أو أفسدت شيئًا برجلها، لا مؤاخذة به، وفي هذا تفصيلٌ، وقد ذكر في الحديث المتقدم.

وأما قوله: "والنار جبار" معناه: أن مَن أوقد نارًا على سطحه أو في بيته على وفق العادة، ولم يتعدَّ، ولم يُسرف في الإيقاد، فوقعت قطعةٌ من تلك النار في بيت جاره فأفسدت ماله، لا شيء عليه؛ لأنه تصرَّفَ في ملكه من غير عدوانٍ في اشتعال النار.

* * *

ص: 486

2172 -

عن الحسنِ عن سَمُرةَ رضي الله عنهما: أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أَتَى أحدُكُمْ على ماشِيةٍ فإنْ كانَ فيها صاحبُها فلْيَستأْذِنْهُ، وإنْ لمْ يكُنْ فيها فَلْيُصوتْ ثلاثًا، فإنْ أجابَهْ أَحَدٌ فلْيَستأْذِنْهُ، فإنْ لمْ يُجِبْهُ أحدٌ فليَحتلِبْ ولْيَشْرَبْ ولا يَحْمِل"، غريب.

قوله: "فليحتلب وليشرب ولا يحمل"؛ يعني: إذا أتى أحدكم ماشية في الصحراء، ولم ير هناك أحدًا "فليصوِّت"؛ أي: فليناد وليقل بصوتٍ رفيع: يا صاحب هذه المواشي، فلينادِ هكذا ثلاث مرات، فإن لم يجبه أحد جاز له أن يحلب من اللبن ويشرب بقدر حاجته، ولا يحمل شيئًا، وإنما يجوز له هذا إذا كان مضطرًا يخاف الموت من الجوع، أو يخاف انقطاعه عن السبيل، فحينئذٍ يجوز له شرب اللبن، ويردُّ قيمتَه إلى مالكه عند القدرة.

وقيل: لا يلزمه ردُّ قيمته.

وقال أحمد: جاز له أن يشرب من لبن الماشية في الصحراء، وإن لم يكن مضطرًا.

* * *

2173 -

وعن ابن عمرَ رضي الله عنهما، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ دخلَ حائِطًا فلْيَأْكُلْ ولا يَتَّخِذْ خُبنةً"، غريب

قوله: "من دخل حائطًا فليأكل ولا يتخذ خبنة"، (الخبنة): ما يحملُ بالذيل؛ يعني: من دخل بستان أحدٍ جاز له أكل الثمار من غير أن يحمل شيئًا.

وبحث هذا الحديث كبحث الحديث المتقدم.

* * *

ص: 487

2174 -

وعن عمرِو بن شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الثَّمَرِ المُعَلَّقِ، فقال:"مَنْ أصابَ بفيهِ مِنْ ذي حاجَةٍ غيرَ متَّخذٍ خُبنةً فلا شيءَ عليهِ".

قوله: "من أصاب بفيه"؛ أي: من أكل الثمرة من الشجرة، وإنما ذكر الفم ليُعْلَم أنه لا يجوز العمل، (بفيه)؛ أي: بفمه.

وبحث هذا كبحث المتقدم.

* * *

2176 -

عن أُميَّةَ بن صَفْوانَ عن أبيه: أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم استَعارَ منه أدْراعَهُ يومَ حُنَيْنٍ فقال: أَغَصْبًا يا محمَّدُ؟ قال: "لا، بَلْ عاريَةٌ مضمُونَةٌ".

قوله: "بل عارية مضمونة" كان صفوان بن أمية كافرًا، استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في دخول المدينة ليسمع كلام الله وحديث رسول الله، ويعلم أحكام الدين، على شرطِ إن اختار الدين أسلم، وإن لم يختر رجع إلى وطنه من غير أن يُلحق به المسلمون ضررًا، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الشرط، فاستعار رسول الله صلى الله عليه وسلم منه في حالة كفره أدراعه، فظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ أدراعه على أن لا يردها عليه، "فقال: أغصبًا يا محمَّد؟ "؛ أي: أتغصب غصبًا؟ "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل عارية مضمونة"؛ يعني: إن بقيتْ أردُّها عليك، وإن تلِفَتْ أعطيك قيمتها.

فمذهب الشافعي وأحمد: على أن العارية إذا تلفت يجب ضمانها على المستعير، ومذهب أبي حنيفة: فإنه لا يجب ضمانها.

* * *

2177 -

عن أبي أُمامة رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "العارِيَةُ مُؤدَّاةٌ، والمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ، والدَّيْنُ مَقْضيٌّ، والزَّعِيمُ غارِمٌ".

ص: 488

قوله: "العارية مؤدَّاة"؛ يعني: يجب ردُّ العارية إذا طلبها المالك إن كانت باقية.

"والمنحة مردودة"، (المنحة): الشاة أو الإبل أو البقر التي يدفعها مالكها إلى أحد ليشرب لبنها مدة، فيجب ردُّها إلى مالكها إذا شرب لبنها، وإذا طلبها مالكُها ردَّها متى شاء.

"والدَّين مقضيٌّ"؛ أي: يجب أداء الدين إذا أتى وقت أدائه.

"والزعيم غارم"، (الزعيم): الضامن، و (الغارم): مَن لزمه غرامةٌ؛ يعني: مَن ضمن دينَ أحدٍ لزمه أداءُ ذلك الدين.

* * *

2175 -

وعن رافعِ بن عمرٍو الغِفاريَّ قال: كنتُ غُلامًا أرمي نَخْلَ الأنصارِ، فأُتيَ بيَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال:"يا غُلامُ لِمَ تَرمي النَّخْلَ"؟ قلت: آكُلُ، قال:"فلا تَرْمِ وكُلْ ممَّا سقطَ في أسفَلِها". ثمَّ مسحَ رأسَهُ وقال: "اللهمَّ أشْبعْ بَطْنَهُ".

قوله: "كنت غلامًا"؛ أي: كنت صبيًا.

"أرمي نخل الأنصار"؛ يعني: أرمي بحجرٍ على نخل الأنصار.

قوله: "كل مما سقط" إنما أجاز له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكل مما سقط من الرطب تحت النخل؛ لأنه كان جائعًا، وإن لم يكن مضطرًا إلى أكله لم يجز له أن يأكل مما سقط؛ لأنه مِلكُ مالكِ النخل، فهو كالرطب على رأس النخل، فكما لا يجوز أكل ما على رأس النخل، فكذلك لا يجوز أكل ما سقط تحت الشجرة، والله أعلم.

* * *

ص: 489