المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌5 - باب الاستغفار والتوبة - المفاتيح في شرح المصابيح - جـ ٣

[مظهر الدين الزيداني]

فهرس الكتاب

- ‌7 - كِتابُ الصَّومِ

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب رؤية الهِلال

- ‌فصل

- ‌3 - باب تَنْزيه الصَّوم

- ‌4 - باب صَوْم المُسافِر

- ‌5 - باب القَضَاء

- ‌6 - باب صِيَام التَّطوُّع

- ‌فصل

- ‌7 - باب لَيْلَةِ القَدْر

- ‌8 - باب الاعتِكاف

- ‌8 - كِتَابُ فَضَائِلِ القُرْآنِ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌9 - كِتابُ الدَّعَوَاتِ

- ‌2 - باب ذِكْرِ الله عز وجل والتَّقرُّبِ إليهِ

- ‌3 - باب أَسْماءِ الله تعالى

- ‌4 - باب ثواب التَسبيح والتَحميد والتَهليل

- ‌5 - باب الاستِغفار والتَّوبة

- ‌فصل

- ‌6 - باب ما يقُول عند الصَّباح والمَسَاء والمَنام

- ‌7 - باب الدَّعَوَاتِ في الأَوْقاتِ

- ‌8 - باب الاستِعاذَة

- ‌9 - باب جامع الدُّعاءِ

- ‌10 - كِتَابُ المَنَاسِكِ

- ‌2 - باب الإِحْرام والتَّلْبية

- ‌3 - قِصَّةُ حجة الوداع

- ‌4 - باب دُخُول مَكَّةَ والطَّواف

- ‌5 - باب الوُقُوفِ بِعَرَفةَ

- ‌6 - باب الدَّفْع من عَرَفَةَ والمُزْدَلِفَة

- ‌7 - باب رَمْيِ الجِمَار

- ‌8 - باب الهَدْي

- ‌9 - باب الحلق

- ‌فصل

- ‌10 - باب الخُطْبة يومَ النَّحر، ورَمْي أَيَّام التَّشريق والتَّوديع

- ‌11 - باب ما يجتنبه المحرم

- ‌12 - باب المُحرِم يَجتنِب الصَّيد

- ‌13 - باب الإِحْصَار وفَوْت الحَجِّ

- ‌14 - باب حرَم مكَّة حرَسَها الله

- ‌15 - باب حرَم المَدينة على ساكنها الصلاةُ والسلام

- ‌11 - كِتابُ البُيُوعِ

- ‌1 - باب الكَسْب وطلَب الحَلال

- ‌2 - باب المُساهلةِ في المُعاملةِ

- ‌3 - باب الخِيَارِ

- ‌4 - باب الرِّبا

- ‌5 - باب المنهيِّ عنها من البيوع

- ‌فصل

- ‌6 - باب السَّلَمِ والرَّهنِ

- ‌7 - باب الاحتِكارِ

- ‌8 - باب الإفلاسِ والإنظارِ

- ‌9 - باب الشَّركةِ والوَكالةِ

- ‌10 - باب الغَصْبِ والعاريَةِ

- ‌11 - باب الشُّفْعَةِ

- ‌12 - باب المُساقاةِ والمُزارعةِ

- ‌13 - باب الإجارة

- ‌14 - باب إحياء المَوَاتِ والشّرْبِ

- ‌15 - باب العطايا

- ‌فصل

- ‌16 - باب اللُّقَطَة

- ‌17 - باب الفرائضِ

- ‌18 - باب الوصايا

الفصل: ‌5 - باب الاستغفار والتوبة

أعضاءه في الخيرات وحفظِها عن السيئات.

قوله: "مستنطقات"؛ أي: يخلق الله في الأعضاء النطق حتى تشهد بما عملت؛ كقوله تعالى: {شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [فصلت: 20]، والمراد بالجلود هنا: الفُروج، وقال في آية أخرى:{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس: 65].

قوله: "ولا تغفلن فتنسين الرحمة"؛ يعني: ولا تتركن الذَّكر، فإنَّكنَّ إنْ تركتنَّ الذكر حرمتنَّ ثوابَ الذكر، فإن الله تعالى قال:{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152].

* * *

‌5 - باب الاستِغفار والتَّوبة

(باب الاستغفار والتوبة)

مِنَ الصِّحَاحِ:

1662 -

قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "والله إِنِّي لأَستغفِرُ الله وأتوبُ إليهِ في اليومِ أكثرَ من سَبْعينَ مرَّةً".

قوله عليه السلام: "إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة".

هذا تحريض للأمة على التوبة والاستغفار، فإنه عليه السلام مع كونه معصومًا، وكونه خيرَ المخلوقات يستغفر ويتوب إلى ربه في كل يوم أكثرَ من سبعين مرة، فكيف بالمذنبين؟

واستغفاره عليه السلام ليس من الذَّنْب، بل من اعتقاده أن نفسه قاصرةٌ

ص: 171

في العبودية عما يليق بحضرة الجلال، فإن الله تعالى قال:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91].

قيل في تفسيره: ما عرفوا الله حقَّ معرفته، وقيل: ما عظَّموه حقَّ تعظيمه، وما عَبَدُوه حقَّ عبادته.

وقوله صلى الله عليه وسلم خلفَ الصلوات المكتوبات: (أستغفر الله) ثلاث مرات، إشارة إلى أن الصلاة اللائقة بحضرتك يا ربي لا تصدر من عبادك المخلوقين، فإن المخلوقَ كيف يعرف الخالق حقَّ معرفته، وكيف يعظِّمه حق تعظيمه، وكيف يعبده حق عبادته؟

روى هذا الحديثَ أبو هريرة.

* * *

1663 -

وقال "إنه لَيُغَانُ على قَلْبي، وإنِّي أَستَغْفِرُ الله في اليومِ مائةَ مرَّةٍ".

قوله: "إنه ليغان على قلبي"، الضمير في (إنه) للشأن والحديث، (الغين): الستر، (يغان) مضارع مجهول، (على قلبي) مفعول أقيم مقام الفاعل؛ يعني: لَيستر قلبي ويمنعه عن الحضور شيءٌ من السهو الذي لا يخلو منه البشر والاشتغال بالأزواج والأولاد وما يجري في خواطر البشر.

قال أهل التحقيق: معناه: كان رسول الله عليه السلام يحب أن يكون قلبه أبدًا حاضرًا له تعالى بحيث لا يَغْفُل لَمْحة، فلما اشتغل بشيء من أحوال الدنيا كالتكلم مع أحد والأكل والشرب والنوم ومعاشرة الأزواج يلوم نفسه بترك كمال الحضور ويعده تقصيرًا ويستغفر منه.

روى هذا الحديثَ والذي بعده أبو هريرة.

* * *

ص: 172

1665 -

وقالَ فيما يَروي عن الله تعالَى أنه قال: "يا عِبَادِي!، إنَّي حرَّمْتُ الظُّلمَ على نفْسي، وجعلْتُهُ بينَكم مُحرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا، يا عِبَادي!، كلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَنْ هدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُوني أَهْدِكُم، يا عِبادِي!، كُلُّكُم جَائِعٌ إِلّا مَنْ أَطعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعمُوني أُطْعِمْكُم، يا عِبادي!، كلُّكم عارٍ إلَّا مَن كسَوْتُه، فاسْتَكْسُوني أَكْسُكُم، يا عِبَادي!، إنَّكم تُخْطِئونَ باللَّيلِ والنَّهارِ، وأنا أغفرُ الذُّنوب جميعًا، فاستغفروني أَغْفِرْ لكم، يا عِبَادي!، إِنَّكم لنْ تَبْلُغُوا ضُرِّي فَتَضُرُّوني، ولنْ تَبلُغوا نفْعي فَتَنْفَعُوني، يا عِبَادي!، لو أنَّ أوَّلَكم وآخِرَكُمْ وإنْسَكُم وجِنَّكُم كانُوا على أَتْقَى قَلْبِ رجلٍ واحدٍ منكم ما زادَ ذلكَ في مُلْكي شيئًا، يا عِبَادي، لو أنَّ أَوَّلَكم وآخِرَكُم وانْسَكُم وجِنَّكم كانوا على أفجرِ قلبِ رجلٍ واحدٍ منكم ما نقَصَ ذلكَ من ملكي شيئًا، يا عِبَادي!، لو أنَّ أوَّلَكم وآخِرَكُم وإنسَكُم وجِنَكم قامُوا في صَعيدٍ واحدٍ، فسأَلُوني، فأعطَيْتُ كلَّ إنْسانٍ مَسْأَلتَهُ، ما نقَصَ ذلكَ مما عِنْدي إلَّا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذا أُدخِلَ البَحرَ، يا عِبَادي!، إنَّما هي أَعمالُكم أُحْصِيها علَيكُم، ثم أُوَفِّيكم إيَّاها، فمَن وجدَ خَيْرًا فليَحْمَدِ الله، ومَن وجدَ غيرَ ذلك فلا يَلُومَنَّ إلَّا نفسَه" رواهُ أبو ذَرٍّ، وكان أبو إدريس الخوْلانيُّ إذا حدَّث بهذا الحديثِ جَثَا على رُكبتيْهِ.

قوله: "حرمت الظلم على نفسي"؛ يعني: حرمت على نفسي أن أظلم أحدًا؛ يعني: أن أعذب أحدًا بلا ذنب، أو أضيع أجر المحسنين.

قوله: "لن تبلغوا ضري فتضروني"؛ أي: فإنْ تضروني؛ يعني: لن تَقْدِروا أن تُوصلوا إليَّ ضرًا، ولن تقدروا أن توصلوا إليَّ نفعًا؛ يعني: إن أحسنتم يحصلْ نفعها لكم ولا نفع لي من عبادتكم، وإن أسأتم فعلى أنفسكم إثمُ سيئاتكم ولا يلحقني ضررُ سيئاتكم.

ص: 173

قوله: "كانوا على أتقى قلب رجل"؛ يعني: كانوا على غاية التقوى، لا تزيد تقواكم في ملكي شيئًا.

قوله: "كانوا على أفجر قلب رجل"؛ يعني: على غاية الكفر والفجور، لا يُنقص كفرُهم وفجورُهم من ملكي شيئًا.

قوله: "الصعيد": وجه الأرض.

"المخيط": الإبرة.

قوله: "إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم"، (أعمالكم): تفسير لضمير المؤنث في قوله: (إنما هي)؛ يعني: إنما نحصي أعمالكم؛ أي: نَعُدُّ ونكتب أعمالَكم من الخير والشر.

"ثم أفيكم إياها"؛ أي: ثم أُعطيكم جزاء أعمالكم.

(التوفية): إعطاء حق أحد على التمام.

"فمن وجد خيرًا فليحمد الله"؛ يعني: فليعلم أنه من فضل الله؛ لأنه هو الذي وفَّقَه حتى عمل الخير.

"ومن وجد غير ذلك"؛ أي: وجد غير الخير؛ أي: شرًا.

"فلا يلومنَّ إلا نفسه"؛ لأنه صَدَر من نفسه.

روى هذا الحديثَ أبو ذر.

* * *

1666 -

وقال: "كانَ في بني إسْرائيلَ رجلٌ قتَلَ تسْعةً وتِسْعينَ إنسانًا، ثم خَرَجَ يَسأَلُ، فاَتى راهِبًا، فسأَلَهُ، فقالَ لَهُ: أَلي تَوبةٌ؟، قال: لا، فقتَلَهُ، وجعَل يَسأَلُ، فقالَ لَهُ رجلٌ: ائْتِ قَريةَ كذا وكذا فإنَّ فيها قومًا صالحين، فأَدْرَكَهُ المَوتُ في الطَّريقِ، فَنَأَى بَصَدْرِهِ نَحوَها، فاختصمَتْ فيهِ ملائكةُ الرَّحمةِ

ص: 174

وملائكةُ العَذابِ، فأَوْحَى الله إلى هذه: أنْ تَقَرَّبي، وإلى هذه: أنْ تَبَاعِدي، وقال: قِيسُوا ما بينَهما، فَوُجِدَ إلى هذه أقربَ بشبرٍ، فَغُفِرَ لهُ".

قوله: "ثم خرج يسأل"؛ أي: ثم يخرج من بيته أو بلده يتردَّد البلاد ويسأل الناس أنه: "هل له توبة؟ "؛ أي: هل تُقبل توبتُه بعد أن قتل تسعة وتسعين إنسانًا؟

قول الراهب في جوابه: "لا"؛ أي: لا تقبل توبتك. في هذا إشكال؛ لأنا لو نقول: لا تقبل توبته، فقد خالفنا نصوص الشرع، فإنه تعالى يقول:{هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [التوبة: 104].

وإن قلنا: تقبل توبته، فقد خالفنا أيضًا أصل الشرع، فإن حقوق الآدميين لا تقبل فيها التوبة، بل توبته أداؤها إلى مستحقيها أو الاستحلال منها.

ودَفْعُ الإشكالِ بأن نقول: تقبل توبة العبد وإن كان عليه حقوق لآدميين، ونعني بقبول توبته: أن الله تعالى لا يطرده من بابه بأن لا يقبل طاعته وحيراته بعد القتل المحرَّم وغيرِه من الذنوب، بل لا يضيع شيئًا من طاعته وخيراته التي عملها قبل القتل المحرم وغيره من الذنوب، ولا ما يعمله بعد ذلك، بل يُثيبه بما عمل من الطاعات والخيرات ويغفر الذنوب التي بينه وبينه تعالى.

وأمَّا ما عليه من حقوق الآدميين فهو في مشيئة الله تعالى إن شاء يُرضي بكَرَمٍ خُصماءه، كان شاء أخذه بحقوقهم.

"ائت قرية كذا وكذا"؛ يعني: قال له أحد: ائت القرية الفلانية، فإن بها عالمًا يُفتيك بقَبول توبتك فقصد تلك القرية "فأدركه الموت"؛ يعني: فمات في الطريق قبل أن يصل إلى تلك القرية.

"فَنَاء بصدره نحوها"، (ناء)؛ أي: بَعُدَ، وناء به: إذا أبعده، وناء بصدره، يعني: أبعد صدره عن القرية الأولى وأقبل إلى القرية الثانية؛ يعني:

ص: 175

حوَّل صدره واستقبل بوجهه إلى القرية التي قصدها للتوبة.

"فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب"؛ يعني: قالت ملائكة الرحمة نحن نذهب به إلى الرحمة لأنه تائب؛ لأنه توجَّه إلى هذه القرية للتوبة، وقالت ملائكة العذاب: نحن نذهب به إلى العذاب لأنه قتل مئة نفس ولم يتب بعد؛ لأنه لم يصل إلى القرية التي كان قصدها للتوبة.

"فأوحى الله"؛ أي: أمر الله تعالى.

"إلى هذه"؛ أي: إلى القرية التي قصدها إلى التوبة.

"أن تقربي"؛ أي: تقربي من هذا الميت لتكون المسافة بينه وبينك أقل.

"وإلى هذه"؛ أي: إلى القرية التي قتل فيها الراهب.

"تباعدي"؛ أي: تباعدي لتكون المسافة بينه وبينك أبعد.

"وقال قيسوا ما بينهما"، (قيسوا)؛ أي: قدِّروا وانظروا إلى أيِّ القريتين أقرب.

"فوجد إلى هذه أقرب بشبر فغفر له"، (إلى هذه) إشارة إلى القرية التي قصدها للتوبة، وهذا تحريض للمذنبين على التوبة، ومَنْعُهم عن اليأس عن رحمة الله تعالى، بل لا مرجع ولا مآب للمطيعين والعاصين إلا باب مولاهم الكريم، فإنه لا مولى سواه، ولا نصيرَ ولا مخلِّصَ من العذاب سواه، ولا مجير، ولا تظننَّ أن الله إذا غفر له أضاع ما عليه من حقوق الآدميين، بل سيُرضي يومَ القيامة خصماءَه بفضله ورحمته.

روى هذا الحديثَ أبو سعيد.

* * *

1667 -

وقال: "والذي نفْسي بيدِهِ لِو لَمْ تُذْنِبُوا لَذهبَ الله بكم، ولَجَاءَ

ص: 176

بقَومٍ يُذْنِبُونَ، فيستغفِرُونَ الله، فيغفِرُ لهم".

قوله: "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم".

الباء في (بكم) للتعدية، و (بقوم) للتعدية.

لا يظنن قومٌ أن هذا الحديث يحرض الناس على الإذناب، ويُجوِّز الإذناب، بل سبب صدور هذا الحديث من رسول الله عليه السلام: أن الصحابة رضي الله عنهم كان قد غلب عليهم خوف الله، واستولى على قلوبهم تعظيم الله تعالى، بحيث اشتغلوا بالكلَّية بالعبادة والتقوى، حتى قال جماعة: نحن نَفِرُّ من بين الناس إلى رؤوس الجبال كي لا يَشْغَلَنا الناسُ عن عبادة الله، ولا يحدثوننا فيحصل لنا إثمٌ بالمحادثة، وقال جماعة: نحن نَخْصي أنفسنا، وقال جماعة: نحن نعتزل النساء، وقال جماعة: نحن لا نأكل الأطعمة اللذيذة ولا نلبس الثياب الجديدة.

وقال بعضهم: أنا أصلي الليل ولا أرقدُ، وقال بعضهم: أنا أصوم النهار ولا أفطر، فزجرهم رسولُ الله عليه السلام عن هذه الأشياء بقوله عليه السلام:"ليس منَّا مَنْ خصى ولا منِ اخْتَصى".

وبقوله: "مَنْ رَغِبَ عن سنَّتي فليس مني".

وبقوله: "لا تشدِّدوا على أنفسِكم"، ثم قال لهم هذا الحديث؛ أعني:"لو لم تذنبوا" تسليةً لخواطرهم وإزالةً لشدة الخوف عن صدورهم، ومنعهم عن اليأس من رحمة الله، وتحريضهم على الرجاء إلى رحمة الله تعالى، وإظهار كرم الله ورحمته، وتعليمهم أنَّ الله تعالى يحبُّ الاستغفارَ والتوبة.

روى هذا الحديثَ أبو هريرة.

ص: 177

1668 -

وقال: "إنَّ الله يَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيلِ لِيتوبَ مُسِيءُ النهارِ، ويَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهارِ لِيَتُوبَ مُسيءُ اللَّيلِ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمسُ مِن مَغْرِبها".

قوله: "إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار".

(بسط اليد) عبارة عن الطلب؛ لأن عادة الناس إذا طلب أحدهم شيئًا من أحد يبسُط إليه كَفَّه، فخاطب رسول الله عليه السلام الصحابةَ بما هو المتعارَفُ بينهم؛ يعني: يدعو المذنبين إلى التوبة في الليل والنهار ما لم تطلُع الشمس من المغرب، فإذا طلعت الشمس من المغرب لا تقبل التوبة.

روى هذا الحديثَ أبو موسى.

* * *

1669 -

وقال: "مَن تابَ قبلَ أنْ تَطْلُعَ الشَّمسُ مِنْ مَغرِبها تابَ الله عليهِ".

قوله: "إذا اعترف"؛ أي: إذا أقرَّ بكونه مذنبًا وعَرَفَ ذنبَه.

"ثم تاب"؛ أي: ثم ندم على ما فعل من الذنوب الماضية، وعزم فيما بعد ذلك أنه لا يعود إلى الإذناب.

"تاب الله عليه"؛ أي: قبل الله تعالى توبته وغفر ذنبه.

روت هذا الحديثَ عائشةُ.

* * *

1670 -

وقال: "إنَّ العَبْدَ إذا اعتَرفَ، ثمَّ تابَ؛ تابَ الله عليهِ".

قوله: "من تاب قبل طلوع الشمس من مغربها تاب الله عليه"، روى هذا الحديث أبو هريرة.

ص: 178

مفهوم هذا الحديث وأشباهه: أن التوبة لا تقبل بعد طلوع الشمس من المغرب، واختلف الأئمة في هذا؛ فقال جماعة: إنه لا تقبل التوبة بعد طلوع الشمس من المغرب إلى يوم القيامة، ودليلهم: مفهوم هذا الحديث وأشباهه من الأحاديث الكثيرة الواردة في هذا المعنى.

وقال جماعة: بل هذا مخصوص لِمَنْ شاهد طلوع الشمس من المغرب، فمن شاهد لا تقبل توبته إن كان مذنبًا، ولا يقبل إيمانه إن كان كافرًا؛ لأن الإيمان والتوبة بالغيب مقبول، وأمَّا بالمشاهدة غير مقبول، فإن جميع الأمم التي أُهلكت بالعذاب؛ كقوم ثمودَ وصالح ولُوط وغيرِهم آمنوا حين رأَوا عذابَ الله ولكن لا يقبل إيمانهم، وقد آمن فرعونُ حين غَرِق في البحر، ولكن لم يقبل إيمانه، بل أجيب بقوله تعالى:{آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 91]، وتقديره: الآن تؤمن وقد عصيتَ قبلُ.

فعند القائلين بأن هذا مخصوص لمن رأى طلوع الشمس من المغرب: لو وُلد بعد ذلك شخصٌ أو كان في ذلك الوقت شخصٌ غيرُ بالغ ثم بلغ، أو كان كافرًا فآمن أو مذنبًا فتاب = فيقبل إيمانه وتوبته؛ لأنه لم يشاهد طلوع الشمس من المغرب حتى يكون إيمانه وتوبته عن مشاهدة.

وقد جاء في بعض الروايات عن رسول الله عليه السلام: أن الشمس تطلع من المغرب ثلاثة أيام، والأصحُّ أنها تطلع يومًا واحدًا ثم تطلع من المشرق على حالها إلى يوم القيامة، ولا يكون بين طلوعها من المغرب وبين القيامة، فلم يثبت حديث متواتر بحيث يحصل العلم واليقين به، ولكن قد جاء في بعض الروايات: أن رجلين شبيبين يلتقيان فيقول أحدهما للآخر: متى ولدت؟ فيقول: أخبرني أهلي: ولدت حين طلعت الشمس من المغرب.

وقد جاء في حديث صحيح: أن: "أولُ الآيات خروجًا طلوعُ الشمس من مغربها".

ص: 179

والمختار من هذين القولين: أن من رأى طلوع الشمس من المغرب، أو ولد بعد ذلك وبلغ وسمع من جماعة حصل له يقين بقولهم: إن الشمس طلعت من المغرب = لا يقبل إيمانه ولا توبته.

ومن لم ير طلوع الشمس من المغرب ولم يسمع طلوعها من المغرب من جماعة حصل له يقينٌ بقولهم = يُقبل إيمانه وتوبته.

* * *

1671 -

وقال: "لَلَّهُ أَشدُّ فَرَحًا بتوبةِ عبْدِهِ حينَ يَتُوبُ إليه مِن أَحدِكم كانَ مَعَهُ راحلَتُهُ بأَرضٍ فَلَاةٍ، فانفلَتَتْ منهُ، وعليها طَعامُهُ وشرابُهُ، فأَيسَ منها، فأَتَى شجرةً، فاضطَجَعَ في ظِلِّها قد أَيسَ مِنْ راحِلَتِهِ، فبَينَما هوَ كذلك إذ هُوَ بها قائمةً عندَهُ، فأَخَذَ بخِطَامِها، ثم قالَ مِن شدَّة الفَرَحِ: اللهمَّ أنتَ عَبْدي، وأنا ربُّكَ، فأخْطَأَ مِن شِدَّةِ الفرَحِ".

قوله: "لله أشد فرحًا"، (الفرح) في صفة الله تعالى والضحك: عبارة عن الرضا؛ يعني: لله أشد رضًا بتوبة عبده مِنْ فرحِ أحدكم إذا وجد راحلته بعد اليأس منها.

"بأرض فلاة"؛ أي: مَفَازة بعيدة.

"فانفلتت"؛ أي: نَفَرت وفَرَّت.

"وعليها طعامه وشرابه"؛ يعني: زاده وماؤه على ظهرها؛ يعني: يكون حزنه على غاية الشدة بذهاب الراحلة وخوف هلاك نفسه من عدم الزاد والماء.

"إذ هو بها قائمة"، (إذ) للمفاجأة، و (قائمة) حال من الراحلة؛ يعني: حضر الرجل بتلك الراحلة في حال كونها قائمة عنده من غير تردُّد في طلبها.

"بخطامها"؛ أي: بزِمامها.

ص: 180

"أخطأ من شدة الفرح"؛ يعني: أراد أن يحمَد الله بما أنعم عليه من رد راحلته إليه وقصد أن يقول: (اللهم أنت ربي وأنا عبدك) فسبق لسانُه وأخطأ وقال: (اللهم أنت عبدي وأنا ربك) من غاية الفرح؛ يعني: كما أن فرح هذا الرجل على غاية الشدة، فكذلك رضا الله بتوبة عبده.

روى هذا الحديثَ أنس.

* * *

1672 -

وقال: "إنَّ عَبْدًا أَذْنَبَ ذَنْبًا، فقالَ: ربِّ، أذَنَبْتُ ذنْبًا، فاغفِرْهُ، فقالَ ربُّه: أَعَلِمَ عَبْدي أنَّ لهُ رَبَّاً يغْفِرُ الذَّنبَ ويأخذُ بِهِ؟، غفرتُ لعَبْدي، ثم مكَثَ ما شاءَ الله، ثم أَذْنَبَ ذَنْبًا، فقال: ربِّ، أذنبتُ ذَنْبًا آخر، فاغفِرْهُ لي، فقالَ: أَعَلِمَ عَبْدي أن لهُ ربًّا يغفِرُ الذَّنبَ، ويأْخذُ بِهِ؟، قد غَفَرتُ لعَبْدي، ثمَّ مكَثَ ما شاءَ الله، ثم أَذنَبَ ذَنْبًا، فقال: ربِّ أذنَبْتُ ذنبًا آخرَ، فاغفرهُ لي، فقالَ: أَعَلِمَ عبدي أنَّ لَهُ ربًّا يغفرُ الذَّنْبَ ويأخذُ به؟، غفرتُ لعبدي، فليَعمَلْ ما شاء".

قوله: "إن عبدًا أذنب ذنبًا فقال: رب أذنبت فأغفر لي".

هذا وما تكرر من هذا الجنس في هذا الحديث وأشباهه: توبة من ذلك العبد، ومعنى التوبة: الندامة على ما فعل، والعزم على أن لا يعود إلى مثل ما فعل، فإذا كان نيةُ المذنبِ هذا فقد صحَّت توبتُه وغُفِرَ ذنبُه إن لم يكن من حقوق الآدميين، فإن تاب أحدٌ على هذه الصفة ثم اتفق وقوعُه في الذنب ثم تاب = غُفِر له، وإن فعل ذلك ألفَ مرَّةٍ وأكثر، بشرط أن تكون نيته في التوبة أن لا يعودَ إلى الذنب.

قوله: "فليعمل ما شاء"؛ يعني: فليعمل ما شاء من الذنوب التي بينه

ص: 181

وبيني مما لا يتعلق بحقوق الآدميين ثم لِيتُبْ على الشرط المذكور فإنه يُغفر.

روى هذا الحديثَ أبو هريرة.

* * *

1673 -

عن جُنْدُبٍ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حدَّثَ: "إنَّ رجُلاً قال: والله لا يغفرُ الله لفُلانٍ، وإنَّ الله قالَ: مَنْ ذا الذي يتَأَلَّى عليَّ أَنَّي لا أَغفِرُ لفُلانٍ؟! فإنَّي قد غفَرتُ لفلانٍ، وأحبَطْتُ عَمَلَكَ"، أو كما قال.

قوله: "من ذا الذي"؛ أي: مَنِ الذي "يتألَّى"؛ أي: يَحْلِف.

قوله: "وأحبطت عملك"؛ أي: أبطلتُ قَسَمَكَ؛ أي: جعلتُ حلفَك كاذبًا أيها الحالف على أني لا أغفر عبدي فلانًا.

وهذا الحديث يحكم بأنه لا يجوز الحكمُ بأن الله تعالى لا يغفر لفلان أو يعذِّب فلانًا، وكذلك لا يجوز أن يقال: يغفر الله لفلان جَرْمًا؛ لأن أحدًا لا يعلم مشيئةَ الله وإرادتَه في عباده، بل نرجو للمُطيع ونخاف على العاصي، وإنما نجزم القولَ في حقِّ مَنْ جاء فيه نصٌّ عن رسول الله عليه السلام.

* * *

1674 -

وقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "سيدُ الاستِغفارِ أنْ تقولَ: اللهمَّ أنتَ ربي، لا إله إلَّا أنت، خَلَقْتَني، وأنا عبدُك، وأنا على عَهْدِكَ ووعدِكَ ما استَطَعْتُ، أَعُوذُ بكَ مِن شَرِّ ما صَنَعتُ، أَبُوءُ لكَ بنعمتِكَ عليَّ، وأَبُوءُ بذَنْبي، فاغفِر لي، فإنَّه لا يغفرُ الذُّنوبَ إلَّا أنتَ، قالَ: ومَن قالَها مِن النَّهارِ مُوْقِنًا بها، فماتَ مِن يَومِه قبلَ أنْ يُمسيَ فهوَ مِن أهلِ الجنَّةِ، ومَن قالَها مِن اللَّيلِ وهو مُوقِنٌ بها، فماتَ قبلَ أنْ يصبحَ فهو مِن أهلِ الجنَّةِ".

ص: 182

قوله: "وأنا على عهدك ووعدك"؛ أي: أنا مقيم على الوفاء بما عاهدتني في الأزل من الإقرار بربوبيتك وما عاهدتني؛ أي: أمرتني في كتابك وبلسان نبيك وأنا مُوقن بما وعدتني من البعث والنُشور وأحوال القيامة والثواب والعقاب.

"ما استطعت"؛ أي: بقدْرِ طاقتي؛ أي: لا أقدِرُ أن أعبُدك كما تحبُّ وترضى، ولكن أجتهد بقدْرِ طاقتي.

قوله: "أبوء لك بنعمتك علي"، (البوء): الإقرار؛ أي: أنا مُقِرٌّ ومعترف بأنك لَمُنْعمٌ عليَّ، وأبوء بأنَّي مذنبٌ.

قوله: "موقنًا بها"، موقنًا: منصوب على الحال؛ يعني: مَنْ قرأ هذا الدعاءَ عن اليقين والاعتقاد ومات فقد مات مؤمنًا، ومن مات مؤمنًا يدخل الجنةَ لا محالة.

روى هذا الحديثَ شدَّادُ بن أَوس.

* * *

مِنَ الحِسَان:

1675 -

قال: "قالَ الله تعالى: يا ابن آدمَ، إنَّكَ ما دَعَوْتَني ورَجَوْتَني غفَرتُ لكَ على ما كانَ فيكَ، ولا أُبالي، يا ابن آدمَ، لو بلغَتْ ذنوبُك عَنانَ السَّماءِ، ثم استغفرتَني غفَرتُ لكَ، ولا أُبالي، يا ابن آدمَ، إنَّك لو أَتيتَني بقُرابِ الأَرضِ خَطايا، ثم لَقِيْتَني لا تُشرِكُ بي شيئًا لأَتيتُكَ بقُرابها مغفرةً"، غريب.

قوله: "ما دعوتني ورجوتني"، (ما) للدوام؛ يعني: ما دُمتَ تدعوني وترجو مغفرتي ورحمتي ولا تَقْنَطُ من رحمتي فإنِّي أغفر لك.

"ولا أبالي"؛ أي: ولا أتعظَّم على مغفرتك وإن كانت ذنوبُك كثيرةً.

ص: 183

قوله: "على ما كان فيك"؛ أي: أغفر لك على ما كان فيك من الذنوب.

"لو بلغت ذنوبك عنان السماء"، (العنان): جمع عَنَن، وهو ما ظهر منها؛ يعني: لو كانت ذنوبك بحيث تملأ ما بين الأرض والسماء.

"قراب الأرض"؛ أي: مِلءَ الأرض.

روى هذا الحديثَ أبو ذر رضي الله عنه.

* * *

1676 -

وقال: "مَن عَلِمَ أَنَّي ذُو قُدرةٍ على مَغفرةِ الذُّنوبِ غَفَرتُ لهُ، ولا أُبالي، ما لم يُشركْ بي شَيئًا".

قوله: "من علم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب".

هذا الحديث يشير إلى أن اعتراف العبد بكون الله تعالى قادرًا على مغفرة الذنوب سببٌ لغفران الذنوب، وهذا نظير قوله:"أنا عند ظن عبدي بي"، وقد تقدم شرحُه في باب: ذكر الله تعالى.

روى هذا الحديثَ ابن عباس.

* * *

1677 -

وقال: "مَن لَزِمَ الاستِغفارَ جعَلَ الله لهُ من كلِّ ضيْق مَخْرَجًا، ومِن كلِّ همًّ فَرَجًا، ورَزَقَه مِن حيثُ لا يحتَسِبُ".

قوله: "من لزم الاستغفار"؛ أي: من داوم على الاستغفار.

"جعل الله له من كل ضيق مخرجًا"؛ أي: طريقًا؛ أي: يُخرجه من كل أمر عسير.

"فرجاً"؛ أي: خَلاصًا وإذهابًا لغمه.

ص: 184

"من حيث لا يحتسب"؛ أي: من حيث لا يرجو ولا يجري في خاطره.

روى هذا الحديثَ عبد الله بن عباس.

* * *

1678 -

وقال: "ما أَصَرَّ مَن استَغفرَ وإِنْ عادَ في اليومِ سَبْعينَ مرَّةً".

قوله: "ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة".

(الإصرار): الثبات والدوام على المعصية؛ يعني: من عمل معصية ثم استغفر وندم على ذلك خرج عن كونه مُصِرًّا على المعصية؛ لأن المصر هو الذي لم يستغفر ولم يندَم على الذنب.

روى هذا الحديثَ أبو بكر الصديق رضي الله عنه.

* * *

1679 -

وقال: "كلُّ بنيْ آدمَ خَطَّاءٌ، وخَيْرُ الخَطَّائينَ التوَّابُونَ".

قوله: "كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون".

هذا لفظ يعُمُّ جميعَ بني آدم حتى الأنبياء، ولكن الأنبياء خارجون من هذا الحديث؛ لأن الأنبياء معصومون.

واختلف الناس في أنهم معصومون عن الكبائر والصغائر جميعًا، أم هم معصومون من الكبائر دون الصغائر؟

فمن قال: هم غير معصومين عن الصغائر، دليلهم: عصيانُ آدمَ ربَّه في أكل الشجرة، وكَذباتُ إبراهيمَ - كما يأتي في موضعه - وغيرُهما مما نُقل من زَلَاّت الأنبياء.

ومن قال: بعضهم معصومون عن الصغائر كما هم معصومون عن الكبائر، حملوا هذه الزلات المنقولةَ عن الأنبياء عليهم السلام على الخطأ

ص: 185

والنسيان من غير أن يكون لهم قصد إلى الزلَّة، وهذا هو الأولى؛ لأن في هذا تعظيمًا للأنبياء عليهم السلام، وقد أُمرنا بتعظيمهم وحُسْنِ الاعتقاد فيهم.

روى هذا الحديثَ أنس.

* * *

1680 -

وقال: "إنَّ المُؤمنَ إذا أذنَبَ كانتْ نُكتةٌ سَوداءُ في قَلْبهِ، فإنْ تابَ، واستَغْفرَ صُقِلَ قلْبُه، وإنْ زادَ زادَتْ حتى تَعْلُوَ قلْبَه، فذلِكُم الرَّانُ الذي ذكرَ الله تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} "، صحيح.

قوله: "إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه"، (كان) تامة هنا، ومعناه: حدثت، (النكتة): الأثر؛ يعني: يحدُث من الذنب في القلب أثرٌ أسودُ مثلُ قطرة مِدادٍ تقطُر في القِرْطاس.

"فإن تاب واستغفر صُقل قلبه"؛ أي: أُزيلت تلك النكتة عن قلبه، وإن لم يتب تقطر (1) بكل ذنب نكتة.

"حتى تعلو قلبه"؛ أي: حتى يغلِبَ سوادُ تلك النكتِ على نور قلبه وتستُرَ ظلمةُ تلك النكت نورَ قلبه، فإذا صار نورُ قلبه مستورًا عَمِيَ قلبُه، ولا يُبصر شيئًا من العلم والحكمة، ولا يفهم خيرًا، وتزول عن قلبه الرحمةُ والشفقة، ويثبُتُ في قلبه الظلمُ والفتن وإيذاءُ الناس والجَرَاءةُ على المعاصي.

قوله: "فذلكم الران"، ضمير المخاطَب في (ذلكم) للصحابة؛ يعني: أخاطبكم وأخبركم بأنَّ سَتْرَ سوادِ نكتِ الذنوب نورَ القلب هو الرَّانُ "الذي ذكره الله تعالى" في "قوله: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} " - ران يَرِين رَينًا: إذا غلب الذنب على القلب -.

(1) في "ش": "تظهر".

ص: 186

هذه الآية مذكورةٌ في حق الكفار، ولكن ذكرها رسول الله عليه السلام في هذا الحديث تخويفًا للمؤمنين لكي يحترزوا عن كثرة الذنوب كي لا تسوَدَّ قلوبُهم كما اسودَّت قلوبُ الكفار، فإن المؤمن لا يصير كافرًا بكثرة الذنوب، ولكن يصير قلبُه مسوَدًّا بكثرة الذنوب، وإذا صار قلبُه مسودًا بكثرة الذنوب، فقد شابه الكافرَ في اسوِداد القلب من الذنوب، ولم يشابهْهُ في الكفر.

روى هذا الحديثَ أبو هريرة.

* * *

1681 -

وقال: "إنَّ الله يَقْبَلُ توبةَ العَبْدِ ما لم يُغَرْغِرْ".

قوله: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر".

(ما) للدوام، و (غرغر): إذا تردد الروح في الحلق؛ أي: ما لم تصل روحه إلى حلقه.

قبضُ الروحِ يبتدأ من أصابع رجليه وينزع إلى حلقه حتى يخرج من رأسه، وإنما يبتدئ قبض الروح من الرجل ليكون نزع الروح من قلبه ولسانه آخِرًا ليكون لسانُه ذاكرًا، وليتوب ولِيوصِ ويستحل من الناس عن المظالم والغيبة ليكون آخِرَ عُمُرِه بالخير، فإن الرجل إذا عرف أَمَارت الموتِ لا شك أنه يَفْزَعُ إلى التوبة والاستحلال والوصية وذكرِ الله تعالى.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: يقبل التوبة ما لم يعاينِ الرجلُ ملكَ الموتِ؛ يعني: ما لم يتيقنِ الموتَ، فإذا تيقن الموتَ بأن رأى مَلَكَ الموت أو عَلِمَ خروجَ الرُّوحِ من بعض أعضائه لا تُقبل توبته، وهذا مثلُ البحث المذكور في طلوع الشمس من مغربها، فقد تقدَّم في هذا الباب.

وقال محيي السنة في "معالم التنزيل": في {وَلَيْسَتِ اَلتَّوْبَةُ

} إلى

ص: 187

آخر الآية: أنه لا يقبل توبةَ عاصٍ، ولا إيمانَ كافرٍ إذا تيقن الموت، قال الله تعالى:{فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غافر: 85]، وكذلك لم يقبل إيمانَ فرعونَ حين أدركه الغرقُ. وهكذا ذكر في "تفسير اللباب" و"الوسيط".

وقيل: يقبل التوبة ما لم تبلغ الروح الحلقوم.

وهذا الخلاف في التوبة من الذنوب، أما لو استحل أحدًا عليه له مظلمة فحلَّله، صحَّ تحليلُه بلا خلاف، وكذلك لو أوصى بشيء، أو نَصَّبَ أحدًا على أطفاله، أو عَمَلِ خيرٍ، صحَّت وصيَّتُه بلا خلاف.

وتأويل (ما لم يغرغر) على قول ابن عباس ومَنْ تابعه: أنه ما لم يتيقنِ الموتَ؛ لأن كثيرًا من الناس لم يَرَوا ملكَ الموت ولم يعلموا خروجَ الروح من أعضائهم حتى تبلغ الروح الحلقوم، فمن لم يعرف قبض روحه تقبل توبته وإيمانه بلا خلاف ما لم يتيقن الموت، وإن بلغت الروح الحلقوم.

روى هذا الحديثَ عبدُ الله بن عمرو.

* * *

1682 -

وقال: "إنَّ الشَّيطانَ قال: وَعِزَّتِكَ يا ربِّ، لا أَبْرحُ أُغْوي عبادَكَ ما دامَتْ أرواحُهم في أَجْسادِهم، فقالَ الربُّ عز وجل: وعِزَّتي وجَلالي، وارتفاعِ مكاني، لا أَزالُ أَغفِرُ لهم ما استَغْفرُوني".

قوله: "لا أبرح"؛ أي: لا أزال؛ أي: أبدًا.

"أغوي عبادك": أي: أُضلُّهم وآمرهم بالكفر والعصيان.

روى هذا الحديثَ أبو سعيد.

* * *

ص: 188

1683 -

وقال: "إنَّ الله تعالى جعَلَ بالمَغربِ بابًا عَرْضُه مَسِيْرةُ سَبْعينَ عامًا للتَّوبةِ، لا يُغْلَقُ ما لم تَطْلُعِ الشَّمسُ مِن قِبَلِهِ، وذلكَ قولُه تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ} ".

قوله: "إن الله جعلَ بالمغرب بابًا

" إلى آخره.

يعني: تدخل توبة التائبين في ذلك الباب، فمن تاب قبل أن يُغْلق ذلك البابُ تترك توبتُه حتى تدخلَ في ذلك الباب، ومن تاب بعد أن أغلق تردُّ توبته.

"من قِبَله"؛ أي: من جانب الباب.

قوله: " {بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} "؛ أي: بعض العلامات التي يُظْهِرُها ربُّك إذا قَرُبت القيامة.

قوله: " {أوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} "؛ يعني: لا ينفع نفسًا أن تعمل طاعةً وتوبةً في ذلك الوقت.

روى هذا الحديثَ صفوانُ بن عَسَّال.

* * *

1684 -

وقال: "لا تَنْقطِعُ الهِجْرةُ حتى تَنقطِعَ التَّوبةُ، ولا تَنْقَطِعُ التَّوبةُ حتى تطلعَ الشمسُ مِن مغربها".

قوله: "لا تنقطِعُ الهجرةُ حتى تنقطع التوبةُ، ولا تنقطعُ التوبةُ حتى تطلُعَ الشمسُ من مغربها".

أراد بالهجرة ها هنا: الانتقال من الكفر إلى الإيمان، ومن دار الشرك إلى دار الإسلام، ومن المعصية إلى التوبة.

روى هذا الحديثَ معاوية.

* * *

ص: 189

1685 -

وقال: "إنَّ رجلَينِ كانا في بنيْ إسرائيلَ مُتحابَّيْنِ، أحدُهما مُجتهِدٌ في العِبادَةِ والآخرُ مُذْنِبٌ، فجعَلَ المُجتهِدُ يقولُ: أَقْصِرْ عمَّا أنتَ فيهِ، فيقولُ: خَلِّني وَرَبي، حتى وجَدَهُ يومًا على ذنْبٍ استعظمَهُ، فقال: أَقْصِرْ، فقالَ: خَلِّني وَرَبي، أَبُعِثتَ عليَّ رَقِيبًا؟ فقال: والله لا يغْفرُ الله لكَ أبدًا، ولا يُدخِلُكَ الجنَّةَ، فبعثَ الله إليهما مَلَكًا، فقبَضَ أَرواحَهما، فاجتمعا عنْدَه، فقالَ للمُذنِبِ: اُدخُلْ الجنَّةَ برحمتي، وقالَ للآخرِ: أتَستطِيعُ أنْ تَحْظُرَ على عَبْدي رحمتي؟ فقالَ: لا يا ربِّ، قال: اذهبُوا بهِ إلى النارِ".

قوله: "متحابين"؛ أي: يجري بينهما المودة والمحبة.

"مجتهد"؛ أي: مُبالغ.

"في العبادة، والآخرُ يقول مذنب"؛ أي: يقول الآخر: أنا مذنب، ويحتمل أن يكون معناه: ويقول النبيُّ عليه السلام: الآخرُ مذنب.

قوله: "فجعل"؛ أي: طَفِق ذلك المجتهد في العبادة يقول للمذنب: "أقصِرْ"؛ أي: اترك "ما أنت عليه" من الإذناب.

"فيقول"؛ أي: فيقول المذنب: "خلِّني وربي"؛ أي: مع ربي، فإنه غفور رحيم.

"أبعثت علي رقيبًا؟ "؛ يعني: أُرسلتَ عليَّ حافظًا؟! استفهامٌ بمعنى الإنكار؛ يعني: ما أمرك الله أن تحفظني.

"فقال"؛ أي: فقال الزاهد للمذنب: "والله لا يغفر الله لك أبدًا"؛ لأنك مذنب.

"فبعث الله إليهما مَلَكًا فقبض أرواحَهما"، وهذا تصريح بأنه تعالى قد يأمر مَلَكًا غيرَ ملكِ الموت بقبض بعض الأرواح؛ لأنه قال:(بعث إليهما ملكًا) ولم يقل: ملك الموت.

ص: 190

"فاجتمعا عنده"؛ أي: أُحْييا بعد الموت كما يُحْيا سائرُ الأموات في القبور لجواب المنكر والنكير.

"وقال للمذنب: ادخل الجنة برحمتي"، أنا عند ظنِّ عبدي بي، فإذا ظننتني غفورًا رحيمًا فقد غفرتُ لك ورحمتُك.

"أن تحظُر"؛ أي: أن تحرِّم.

قوله: "اذهبوا به إلى النار"، والضمير في (اذهبوا) ضمير للملائكة، [و] إدخاله النار لمجازاته على قَسَمه بأن الله تعالى لا يغفر المذنب، لأن هذا حكم على الله، وجعل الناس آيسًا من رحمة الله، وحكم بكون الله غير غفور، فإن اعتقد أنه يعلم الغيب بأن الله لا يغفر فقد كَفَر، ويخلَّد في النار، وإن لم يكن اعتقاده هذا فقد أذنب ذنبًا كبيرًا بأن جعل أحدًا آيسًا من رحمة الله تعالى، فيبقى في النار بقدر هذا الذنب، ثم يخرج منها ويدخل الجنة كسائر المذنبين.

روى هذا الحديثَ أبو هريرة.

* * *

1687 -

عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قوله: {إلَاّ اللَّمم} : قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:

"إنْ تَغْفِرِ اللهمَّ تَغفرْ جَمَّاً

وأَيُّ عَبْدٍ لكَ لا أَلَمَّا"

غريب.

قوله: " {إِلَّا اللَّمَمَ} ": هذا استثناء من قوله: {وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} ؛ (كبائر الإثم): كل ذنب فيه حَدٌّ، و (الفواحش): الزنا خاصة، و (اللمم): الصغائر؛ يعني: ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم فإنهم لا يقدرون أن يجتنبوه، فإن الأمم غير معصومين عن الصغائر، والصغائر تُغفر لهم بالتوبة والطاعات.

ص: 191

قوله:

"إن تغفِرِ اللهمَّ تغفر جَمًّا

وأي عبد لك لا ألمَّا"

(جمًا)؛ أي: كثيرًا، (ألم): إذا نزل بالذنب، و (ألم): إذا فعل اللَّمم؛ يعني: اللهم إن تغفرْ ذنوبَ عبادك فقد غفرتَ ذنوبًا كثيرة، فإنَّ جميعَ عبادِك كلَّهم خطَّاءون.

وهذا مثل قوله: "كلُّ بني آدمَ خَطَّاءٌ وخيرُ الخَطَّائين التوابون"، وقد ذكر بحثه قبيل هذا، وهذا البيت؛ أعني: إن تغفر اللهمَّ، من أشعار أُميةَ بن أبي الصَّلت قرأه رسولُ الله عليه السلام استشهادًا بأن المؤمن لا يخلو من اللَّمم.

* * *

1688 -

عن أبي ذَرًّ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يقولُ الله تعالى: يا عبادِي!، كلُّكم ضالٌّ إلَّا مَنْ هدَيْتُهُ، فَسَلوني الهُدَى أَهْدِكم، وكلُّكم فُقراءُ إلَّا مَن أَغْنَيتُ، فَسَلُوني الرِّزْقَ أَرزُقْكم، وكلكُّم مُذنِبٌ إلا مَنْ عافَيْتُ، فمَن عَلِمَ منكم أني ذُو قُدرةٍ على المغفرةِ فاستغفرَني غَفَرتُ لهُ، ولا أبالي، ولو أنَّ أَوَّلَكم وآخِرَكم، وحَيَّكم وميتكم، ورَطْبَكم ويابسَكم، اجتمعُوا على أَتْقَى قلْبِ عبدٍ مِن عِبَادي ما زادَ ذلكَ في مُلْكي جَناحَ بعَوضَةٍ، ولو أنَّ أوَّلَكم وآخِرَكم، وحَيَّكم ومَيتَكم، ورَطْبَكم ويابسَكم اجتمعُوا على أشقَى قلْبِ عبْدٍ مِن عبادي ما نقصَ ذلكَ من مُلْكي جَناحَ بَعُوضَةٍ، ولو أنَّ أوَّلَكم وآخِرَكم، وجِنَّكُم وإِنْسَكم، ورَطْبَكم ويابسَكم اجتمعُوا في صعيدٍ واحدٍ، فسأَلَ كلُّ سائلٍ مِنكم ما بلغَتْ أُمنيَّتهُ، فأَعطيتُ كلَّ سائلٍ منكم مَسْأَلتَهُ ما نقَصَ ذلكَ مِن مُلْكي إلَّا كما لو أنَّ أحدكم مَرَّ بالبَحرِ، فغَمَسَ فيه إبرْةً، فَرفَعَها، ذلكَ بأنَّي جَوادٌ ماجدٌ، أَفْعلُ ما أُريدُ، عطائي كلامٌ، وعَذابي كلامٌ، إنَّما أمري لشيءٍ إذا أردتُ أنْ أقولَ لهُ: كُنْ، فيكونُ".

ص: 192

قوله: "حيَّكم وميّتَكم ورَطْبكُم ويابسَكم"، يحتمل أن يريد بالرطب: البحر، وباليابس: البَر؛ يعني: أهل البر والبحر، ويحتمل أن يريد بالرطب: الصَّغار، وباليابس: الكبار؛ يعني: صغاركم وكباركم، ويحتمل أن يريد بالرطب: النبات والشجر، وباليابس: الحجر والمَدَر؛ يعني: لو صار كلُّ ما في الأرض من النبات والشجر والحجر والمَدَر آدميًا.

قوله: "ما بلغت أمنيته"، (الأمنية): الاشتهاء والإرادة؛ يعني: كل حاجة تجري في خاطره.

قوله: "ذلك بأنَّي جواد ماجد"، (ذلك) إشارة إلى قضاء حوائجهم.

(الجواد): كثير الجُود والكرم.

(الماجد): واسع العطاء؛ يعني: إنما أقضي حوائجَ العباد؛ لأن من صفاتي (الجواد الماجد)، فكيف لا يقضي حوائجهم من هو جواد ماجد؟!

قوله: "عطائي كلام وعذابي كلام"؛ يعني: لا ينقُص من خزائني شيء، ولا يلحقني بأن أقضي حوائجَ العباد وأوجدَ المعدومات تعبٌ؛ لأن إيجادي المعدومَ وإعطائي السائلَ ما يريدُ وتعذيبي الكفارَ وغيرَ ذلك مما أُرِيْدُ فعلَه ليس إلا الأمر، والمراد بالكلام: الأمر؛ يعني: إذا أردتُ شيئًا أقول له: كن فيكون، من غير تأخير.

* * *

1689 -

عن أنَسٍ رضي الله عنه، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أنه قَرَأَ: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} ، قال:"قالَ ربُّكم: أنا أَهْلٌ أنْ أُتَّقَى، فمَن اتَّقاني فأَنا أهل أَنْ أَغفِر لهُ".

قوله: " {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} "؛ يعني الله هو المستحق أن يتقيه

ص: 193