الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: "استمتعنا"؛ ومعناه على قوله: استمتع من امرأته بتقديمِ العمرةِ على الحجِّ من أصحابي فأضاف فعلهم إلى نفسه؛ لأنَّ فِعْلَ مَن فعلَ شيئًا بأمره كفعلِه، كما روي أنه عليه السلام رجم ماعزًا، وقد أمرَ برجْمه، لا رَجَمه هو بنفسه.
قوله: "فإن العمرةَ قد دخلتْ في الحجِّ إلى يومِ القيامة"؛ يعني: تقديم العمرة على الحجِّ ليس مختصًّا بهذه السنة، بل يجوزُ في جميع السِّنين.
* * *
4 - باب دُخُول مَكَّةَ والطَّواف
(باب دخول مكة والطواف)
مِنَ الصِّحَاحِ:
1845 -
قال نافِع: إنَّ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما كانَ لا يَقدَمُ مَكَّةَ إلَاّ باتَ بذِي طُوَى حثَّى يُصْبحَ، ويَغْتَسِلُ، وَيدْخُلُ مَكَّةَ نهارًا، وإذا نَفَرَ مَرَّ بذِي طُوًى، وباتَ بها حتَّى يُصْبحَ، ويَذْكُرُ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يفعلُ ذلك.
قوله: "إلا بات بذي طُوَى"، (ذي طُوَى): اسم بئر عند مكة في طريق أهل المدينة، يعني: إن وصل إلى ذلك الموضع في الليل، لم يدخل مكةَ في الليل، بل بات في ذلك الموضع حتى أصبحَ واغتسلَ، ثم دخلَ مكةَ، فالأفضلُ في دخول مكة أن يدخلَ نهارًا ليرى البيتَ من البعد، ويدعوَ كما يجيءُ بعد هذا؛ فلو دخلَ ليلًا يفوت عنه هذه السنة.
* * *
1847 -
عن عُرْوَةُ بن الزُّبَيْر: قَدْ حَجَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فأَخْبَرَتْنِي عائشةُ رضي الله عنها أنَّ أَوَّلَ شيءٍ بدأَ بِهِ حينَ قَدِمَ أَنَّهُ توضَّأَ، ثُمَّ طافَ بالبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةٌ، ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه فكانَ أَوَّلَ شيءٍ بدأَ بِهِ الطَّوافُ بالبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةٌ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ مِثْلَ ذلك.
قوله: "أول شيءٍ بدأ به حين قَدِمَ أنه توضَّأَ، ثم طاف بالبيت، ثم لم تكنْ عُمْرةٌ"؛ يعني: بدأ بالطَّواف حين دخلَ مكةَ.
قوله: "ثم لم تكن عمرة"؛ أي: لم يكنْ مُحْرِمًا بالعمرة بل كان مُحْرِمًا بالحج، فعلم من هذا أن السُّنَّة للحاجَّ الابتداءُ بالطواف قبل أن يصنعَ شيئًا آخر، ويسمَّى هذا الطوافُ طوافَ القُدُوم.
* * *
1848 -
وقال ابن عمر: كانَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إذا طَافَ في الحَجِّ أو العُمْرَةِ أَوَّلَ ما يَقْدَمُ سَعَى ثلاثةَ أَطْوافٍ، ومشَى أَرْبَعَةً، ثُمَّ سَجدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَطُوفُ بينَ الصَّفَا والمَرْوَةِ.
قوله: "ثم سجد سجدتين"؛ أي: يصلِّي ركعتين.
* * *
1849 -
وقال: رَمَلَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنَ الحَجَرِ إلى الحَجَرِ ثلاثًا، ومَشى أَرْبَعًا، وكانَ يَسْعَى بين المِيْلَينِ بَطْنَ المَسِيلِ إذا طَافَ بيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ.
قوله: "من الحَجَر إلى الحَجَر"؛ أي: ابتدأ من الحجر الأسود، وأسرع حتى وصل إلى الحجر الأسود، فعلَ كذلك ثلاثَ مرات.
قوله: "وكان يسعى بَطْنَ المَسِيل"، (بطنُ المسيلِ): اسمُ موضعٍ بين
الصَّفا والمَرْوة، يعني: إذا نزل من الصَّفَا يمشي على السكون، حتى وصل إلى بطنِ المَسِيل، ثم يسعى سعيًا شديدًا، حتى يصلَ إلى آخرِ بطنِ المَسِيل.
* * *
1850 -
وقال جَابرِ رضي الله عنه: إنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَتَى الحَجَرَ فَاَسْتَلَمَهُ، ثُمَّ مَشَى على يمينِهِ، فرَمَلَ ثَلاثًا، ومشَى أَرْبَعًا.
قوله: "ثم مشى على يمينه"؛ يعني: المشيُ على يمينِ الحجرِ الأسود واجبٌ، يعني: يدورُ حولَ الكعبة بحيثُ تكونُ الكعبةُ على يساره، فلو دار على يسارِ الحجر بحيث تكون الكعبةُ على يمينه، أو توجَّهَ بوجهه إلى الكعبةِ في جميع الطَّواف لم يصحَّ طوافُه.
وعند أبي حنيفة رضي الله عنه: لو لم يُعِدْ ذلك الطواف حتى خرجَ من مكةَ أجزأَه ذلك الطوافُ، وعليه دم.
* * *
1852 -
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: لَمْ أَرَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَلِمُ مِنَ البَيْتِ إلَاّ الرُّكْنَيْنِ اليَمَانِيَيْنِ.
قوله: "لم أر النبي عليه السلام يستلمُ من البيت إلا الركنين اليمانيين"، وإنما استلم عليه السلام الركنين اليمانيين؛ لأنهما بقيا على بناءِ إبراهيم عليه السلام، وأراد بالركنين اليمانيين الركنين اللَّذين على جانب اليَمَن، ولم يَسْتَلِم الركنين اللَّذين على جانب الشام؛ لأنهما لم يبقيا على بناء إبراهيم عليه السلام.
* * *
1853 -
وقال ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: طافَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في حَجَّةِ الوَدَاعِ على بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ.
قوله: "طاف النبي عليه السلام على بعير"، هذا يدلُّ على أن الطوافَ راكبًا يجوزُ، ولكنَّ طوافَ الراجلِ أفضلُ، وإنما طافَ رسول الله عليه السلام راكبًا ليراه الناسُ، ليسألوه ما يحتاجون إليه من المسائل.
قوله: "يستلم الرُّكْنَ"؛ أي: الحجر الأسود.
"بمِحْجَن"؛ أي: بعصًا معوجِّ الرأس مثل الصَّوْلَجان.
* * *
1856 -
وقالتْ عائشةُ رضي الله عنها: خَرَجْنَا مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لا نَذْكُرُ إلَاّ الحَجَّ، فلمَّا كُنَّا بِسَرِفَ طَمِثْتُ، فَدَخَلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وأَنا أَبْكِي، فقالَ:"لَعَلَّكِ نَفِسْتِ؟ "، قلتُ: نعم، قال:"فإنَّ ذلكَ شيءٌ كَتَبَهُ الله على بناتِ آدَمَ، فاَفْعَلِي ما يَفْعَلُ الحَاجُّ غَيْرَ أنْ لا تَطُوفِي بالبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي".
قول عائشة: "لا نذكر إلا الحج"، لا ننوي ولا نُحْرِمُ إلا بالحجِّ.
قولها: "بسَرِف"؛ سَرِف - بفتح السين المهملة وكسر الراء المهملة -: اسم موضع بينه وبين مكة عشرةُ أميال.
"طَمِثْتُ"؛ أي: حِضْتُ.
وقوله: "نَفِسْتِ"، بفتح النون وكسر الفاء، نَفِسَ على بناء المعروف: إذا حاض، ونُفِسَ على بناء المجهول: إذا وَلَدتْ.
"فافعلي ما يفعلُ الحاجُّ، غيرَ أن لا تطوفي بالبيت حتى تَطْهُري"؛ يعني: يجوز للحائض جميعُ أفعال الحاجِّ غيرَ الطوافِ؛ لأن الطوافَ لا يجوز بغير الوضوء، فكيف يجوز للحائض؟
ولأن الكعبة في المسجد، وطوافَها لُبثٌ في المسجد، ولا يجوز اللُّبثُ في المسجد للحائض والنُّفَساء والجُنُب، ولا يفوتُ الطَّوَاف، بل إذا طَهُرت المرأة من الحيض تطوفُ؛ لأن أولَ وقتِ طوافِ الفَرْضِ بعد نصفِ ليلةِ العيد، وآخرَه غيرُ مؤقَّت، بل يجوز في أيِّ وقتٍ شاء.
* * *
1857 -
وقال أبو هريرةَ رضي الله عنه: بَعَثَنِي أبو بَكْرٍ رضي الله عنه في الحَجَّةِ التي أَمَّرَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهَا قبْلَ حَجَةِ الوَداعِ يَوْمَ النَّحْرِ في رَهْطٍ يُؤَذِّنُ في النَّاسِ: أَلا لا يَحُجُّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ، ولا يَطُوفُ بالبَيْتِ عُرْيانٌ.
قوله: "أَمَّره النبي عليه السلام"، بتشديد الميم؛ أي: جعلَه أميرَ قافلةِ الحجِّ في السنة التاسعة من الهجرة، الضميرُ في (عليها) يعودُ إلى الحَجَّة.
* * *
مِنَ الحِسَان:
1858 -
سُئِلَ جابر رضي الله عنه عَنِ الرَّجُلِ يَرى البَيْتَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ؟، قال: قد حَجَجْنَا معَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَلَمْ نَكُنْ نَفْعَلُهُ.
قول جابر: "قد حججنا مع النبي عليه السلام، فلم نكنْ نفعله"؛ يعني: لم يرفع النبي عليه السلام يديه عند رؤية الكعبة، وبهذا قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك.
وقال أحمد وسفيان الثوري: يرفع اليدين مَن رأى البيتَ، ويدعو.
* * *
1860 -
عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الطَّوَافُ حَوْلَ
البَيْتِ مِثْلُ الصَّلاةِ إلَاّ أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فيهِ، فَمَنْ تَكَلَّمَ فيهِ فلا يَتَكَلَّمَنَّ إلَاّ بِخَيْرٍ".
ووقفَه الأكثَرون على ابن عباس.
قوله: "الطوافُ حولَ البيت مثلُ الصلاة"؛ يعني: كما أن الصلاةَ لا تجوزُ إلا بالوضوء وستْرِ العورة، وطهارةِ البدَن عن النجاسة، فكذلك الطوافُ لا يجوزُ إلا بهذه الأشياء، فإن طافَ مُحْدِثًا أو مكشوفَ العورة أو نَجِسًا لا يجوزُ طوافه.
وقال أبو حنيفة: لَزِمَ الإعادةُ؛ فإن لم يُعِد حتى خرجَ من مكة؛ لَزِمَ دمُ شاةٍ، وصحَّ طوافُه، ويجوزُ الكلامُ في الطَّوافِ، بخلافِ الصلاة.
* * *
1861 -
وعن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "نَزَلَ الحَجَرُ الأَسْوَدُ مِنَ الجَنَّةِ وَهُوَ أَشَدُّ بَياضًا مِنَ اللَّبن، فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بني آدَمَ"، صحيح.
قوله: "نزلَ الحجرُ الأسودُ من الجَنَّة وهو أشدُّ بياضًا من اللَّبن، فسوَّدتْه خطايا بني آدم".
معنى هذا: أنه جاء في الحديث: أنَّ مَسْحَ الحجرِ الأسودِ يُنقِّي الذنوبَ حتى انتقلت ذنوبُ الحُجَّاجِ من أبدانهم إلى الحَجَر الأسود، فصار أسودَ، وهذا شيءٌ يقبلُه المؤمنُ بالإيمان تصديقًا لقول النبيِّ عليه السلام.
وفي هذا الحديث فوائدُ كثيرة:
إحداها: تخويفُ الأمة، فإنَّ الرجلَ إذا عَلِمَ أن الذنبَ يسوِّدُ الحجرَ يحترزُ مِن الذنب كي لا يسْودَّ بدنُه بشؤم الذَّنْب.
والثانية: تحريضُ الأمة على التوبة كي لا يجتمعَ الذنبُ عليهم فتسْوَدَّ أبدانُهم.
والثالثة: ترغيبُهم على مَسْحِ الحجر الأسود؛ لينالوا بركَته، ولتنتقلَ ذنوبُهم من أبدانهم إليه.
والرابعة: امتحانُ إيمانهم، فإنْ كان كاملَ الإيمان يَقبَلُ هذا بلا تردد، وضعيف الإيمان يتردَّد فيه، والكافر يُنْكِرُه.
* * *
1862 -
وعنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الحَجَرِ: "والله لَيَبْعَثَنَّهُ الله يَوْمَ القِيامَةِ لَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا، ولِسانٌ يَنْطِقُ بِهِ، يَشْهَدُ على مَنِ اَسْتَلَمَهُ بِحَقٍّ، وعلى مَنِ استلَمَهُ بغير حقٍّ".
قوله: "يشهَدُ على من استلمَه بحقٍّ"، (على) ها هنا بمعنى اللام؛ لأن (اللام) للنفع و (على) للضرر، يعني: منِ استلمَه عن اعتقادٍ صحيحٍ، وإعزازٍ له، يشهدُ له بخير، ومن استلمَه عن نية الاستهزاء والاستخفافِ يشهَد عليه بِشَرٍّ، ويكون خصمَه يومَ القيامة، وعلى هذا جميعُ المساجد والبقَاع.
فمن عظَّم موضعًا شَرَّفَه الله يكون ذلك شفيعًا، ومن حقَّره وفعلَ فيه فِعلًا يتعلَّقُ بالاستهزاء والاستخفاف يكون ذلك الموضع خَصْمًا له يوم القيامة.
* * *
1863 -
وعن ابن عُمر رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ الرُّكْنَ والمَقَامَ ياقُوتَتَانِ مِنْ ياقُوتِ الجَنَّةِ طَمَسَ الله نُورَهُمَا، ولَوْ لَمْ يَطْمِسْ نُورَهما لأَضَاءَا مَا بين المَشْرِقِ والمَغْرِبِ".
قوله: "طمسَ الله نورَهما"؛ أي: أذهبَ الله نورَهما، وعِلَّةُ إذهابِ الله نورَهما؛ ليكون إيمانُ الناس بكونِهما حقًا، ومعظَّمًا عند الله إيمانًا بالغيب، ولو
لم يُطْمَسْ نورُهما؛ لكان الإيمانُ بهما إيمانًا بالشهادة؛ أي: بالمرئي، ولم يكن الإيمان بحقيقتهما إيمانًا بالغيب، والإيمان الموجِبُ للثواب هو الإيمان بالغيب.
* * *
1864 -
وعن ابن عُمر رضي الله عنهما: أنَّهُ كانَ يُزَاحِمُ على الرُّكْنَيْنِ، وقال: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إنَّ مَسْحَهُمَا كفَّارَةٌ لِلخَطايَا"، وسَمِعَتْهُ يقولُ:"مَنْ طافَ بهذا البيتِ أُسْبوعًا يُحْصِيهِ، فيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ كَانَ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ، وما وَضَعَ رَجُلٌ قَدَمًا ولا رَفَعَهَا إلا كتَبَ الله لَهُ بها حَسَنَةً، ومَحَا عَنْهُ بِهَا سَيئَةً ورَفَع لَهُ بها دَرَجَةً".
قوله: "يزاحِمُ على الرُّكْنين"؛ يعني: يوقِعُ نفسَه بين الخَلْقِ المجتمعِ عند الحَجَر الأسود، والركنِ اليماني، ويدفَعُ الناسَ بمسحهما.
قوله: "من طافَ بهذا البيت أسبوعًا"، (الأسبوعُ): من السبت إلى الجمعة.
"يحصيه"؛ أي: يَعُدُّه، يعني: يطوف بالبيت سبعةَ أيام متواليةٍ بحيثُ يَعُدُّه، ولا يتركُه بين الأيام السبعة يومًا، ثم صلَّى على أثر الطَّوافِ كلَّ يومٍ ركعتين "كان كعِتْق رقبة".
قال مجاهدٌ وسعيد بن جُبير: الطوافُ بالبيت أفضلُ من الصلاة النافلة.
* * *
1866 -
عن صَفِيَّةَ بنت شَيْبَة قالتْ: أخْبَرَتْنِي بنتُ أَبي تُجْراةَ قالتْ: دَخَلْتُ مع نِسْوَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ دارَ آلِ أبي حُسِيْنٍ نَنْظُرُ إلى رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وهو يسعى بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ، فَرَأَيْتُهُ يَسْعَى وإنَّ مِئْزَرَهُ لَيَدُورُ مِنْ شِدَّةِ السَّعِي، وسَمِعْتُهُ يقولُ:"اَسْعَوْا، فإنَّ الله كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ".
قولها: "وإن مئزَره ليدورُ من شِدَّةِ السَّعْي"؛ يعني: مئزرُه يدورُ حولَ رِجليه، ويلتفُّ برجليه من شِدَّةِ عَدْوِه.
"فإن الله كتبَ عليكم السَّعْيَ"؛ أي: فرضَ عليكم السَّعْيَ بين الصَّفَا والمروةِ، ومن لم يَسْعَ لم يَصِحَّ حَجُّه عند الشافعي ومالك وأحمد.
وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: السعيُ بين الصَّفَا والمروةِ تطوُّعٌ، وليس من أركانِ الحج.
* * *
1867 -
عن قُدَامَةَ بن عبد الله بن عَمَّارٍ قال: رَأَيْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ على بَعِيرٍ، لا ضَرْبَ ولا طَرْدَ، ولا إلَيْكَ إلَيْكَ.
قوله: "لا ضَرْبَ ولا طَرْدَ، ولا إليكَ إليكَ"؛ يعني: ليس عادةُ النبي عليه السلام كعادةِ الملوك بأن يَضْرِبَ ويَطْرُدَ الناسَ من حوالَيه، بل يمشي عنده كلُّ مَنْ شاء من الفقير والغنيِّ، والصغير والكبير.
قوله: "ولا إليك إليك"؛ يعني: لا يقال لأحد: ابعد ابعد.
* * *
1868 -
عن ابن يَعْلَى، عن أبيه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم طَافَ بالبَيْتِ مُضْطَبعًا ببُرْدٍ أَخْضَرَ.
قوله: "طاف بالبيت مُضْطَبعًا ببُرْدٍ أخضرَ"، (الاضطباع): أن يَجعلَ وسطَ ردائه تحت عاتقِه الأيمن، ويطرحَ طرفيه على عاتقه الأيسر، وفعلَ هذا لإظهارِ الرجولية كما قلنا في الرَّمَل، والاضطباعُ في الطَّوافِ والسَّعْيِ سُنَّةٌ.
* * *