الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنها: أنه أعطى مفاتيح الخزائن
«1» . قال بعضهم: وهى خزائن أجناس العالم ليخرج لهم بقدر ما يطلبونه لذواتهم، فكل ما ظهر من رزق العالم فإن الاسم الإلهى لا يعطيه إلا عن محمد- صلى الله عليه وسلم الذى بيده المفاتيح، كما اختص تعالى بمفاتيح الغيب فلا يعلمها إلا هو، وأعطى هذا السيد الكريم منزلة الاختصاص بإعطائه مفاتيح الخزائن.
ومنها: أنه أوتى جوامع الكلم
،
فالكلم جمع كلمة، وكلمات الله تعالى لا تنفد، فالكلمة منه كلمات، ولما علم جوامع الكلم أعطى الإعجاز بالقرآن الذى هو كلام الله تعالى، وهو المترجم عن الله تعالى، فوقع الإعجاز فى الترجمة التى هى له، فإن المعانى المجردة عن المواد لا يتصور الإعجاز بها وإنما الإعجاز ربط هذه المعانى بصور الكلم القائم من نظم الحروف، فهو لسان الحق وسمعه وبصره.
ومنها: أنه بعث إلى الناس كافة
،
قال بعضهم: وهو من الكفت، وهو الضم، قال الله تعالى: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً «2» تضم الأحياء على ظهرها، والأموتا فى بطنها، كذلك ضمت شريعته- صلى الله عليه وسلم جميع الناس، فلا يسمع به أحد إلا لزمه الإيمان به، ولما سمع الجن القرآن يتلى قالوا: يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ «3» الآية، فضمت شريعته الإنس والجن، وعمت رحمته التى أرسل بها العالم، قال تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ «4» ، فمن لم تنله رحمته فما ذلك من جهته، وإنما ذلك من جهة القابل. فهو كالنور الشمسى أفاض شعاعه على الأرض، فمن استتر عنه فى كنّ أو ظل جدار فهو الذى لم يقبل انتشار النور عليه، وعدل عنه، فلم يرجع إلى الشمس من ذلك منع. انتهى.
(1) صحيح: والحديث أخرجه البخارى (1344) فى الجنائز، باب: الصلاة على الشهيد، ومسلم (2296) فى الفضائل، باب: إثبات حوض نبينا- صلى الله عليه وسلم، من حديث عقبة بن عامر- رضى الله عنه-.
(2)
سورة المرسلات: 25.
(3)
سورة الأحقاف: 31.
(4)
سورة الأنبياء: 107.
فإن قلت: إن نوحا كان مبعوثا إلى أهل الأرض بعد الطوفان، فإنه لم يبق إلا من كان مؤمنا معه، وقد كان مرسلا إليه، وقد جاء فى حديث جابر وغيره «وكان النبى يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود» «1» وفى رواية «إلى الناس كافة» .
أجاب الحافظ ابن حجر، - رحمه الله تعالى-: بأن هذا العموم الذى حصل لنوح- عليه السلام لم يكن فى أصل بعثته، وإنما اتفق بالحادث الذى وقع، وهو انحصار الخلق فى الموجودين بعد هلاك سائر الناس. وأما نبينا- صلى الله عليه وسلم فعموم رسالته من أصل البعثة فثبت اختصاصه بذلك.
وأما قول أهل الموقف لنوح- كما صح فى حديث الشفاعة-: إنه أول رسول إلى أهل الأرض، فليس المراد به عموم بعثته، بل إثبات أولية إرساله، وعلى تقدير أن يكون مرادا فهو مخصوص بتنصيصه سبحانه وتعالى فى عدة آيات على أن إرسال نوح كان إلى قومه، ولم يذكر أنه أرسل إلى غيرهم.
واستدل بعضهم لعموم بعثته: بكونه دعا على جميع من فى الأرض فأهلكوا بالغرق إلا أهل السفينة، ولو لم يكن مبعوثا إليهم لما أهلكوا، لقوله تعالى: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا «2» ، وقد ثبت أنه أول الرسل.
وأجيب: بجواز أن يكون غيره أرسل إليهم فى أثناء مدة نوح، وعلم نوح بأنهم لم يؤمنوا فدعا على من لم يؤمن من قومه وغيرهم. فأجيب:
وهذا جواب حسن، لكن لم ينقل أنه نبئ فى زمن نوح غيره. ويحتمل أن يكون معنى الخصوصية لنبينا- صلى الله عليه وسلم فى ذلك بقاء شريعته. انتهى.
وأما قول بعض اليهود: أن نبينا محمدا- صلى الله عليه وسلم إنما هو مبعوث إلى العرب خاصة، ففاسد. والدليل عليه أنهم- أى اليهود- سلموا أنه رسول صادق إلى العرب، فوجب أن يكون كل ما يقوله حقّا، وقد ثبت بالتواتر أنه
(1) صحيح: والحديث أخرجه البخارى (335) فى التيمم، باب: وقول الله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً.... ومسلم (521) فى المساجد، باب: رقم (1) .
(2)
سورة الإسراء: 15.