الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التنزيه، أو خلاف الأولى؟ على ثلاثة أقوال، حكاها النووى فى كتاب «الأذكار» ، ثم قال: والصحيح الذى عليه الأكثرون، أنه مكروه كراهة تنزيه، لأنه شعار أهل البدع، وقد نهينا عن شعارهم.
الفصل الثالث فى ذكر محبة أصحابه ص وقرابته وأهل بيته وذريته
[فى ذكر محبة آله ص وقرابته وأهل بيته وذريته]
قال الطبرى: اعلم أن الله تعالى لما اصطفى نبيه- صلى الله عليه وسلم على جميع من سواه، وخصه بما عمه به من فضله الباهر وحباه، أعلى ببركته من انتمى إليه نسبا أو نسبة، ورفع من انطوى عليه نصرة وصحبة، وألزم مودة قرباه كافة بريته، وفرض محبة جملة أهل بيته المعظم وذريته، فقال تعالى: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى «1» . ويروى أنها لما نزلت قالوا: يا رسول الله، من قرابتك هؤلاء؟ قال:«على وفاطمة وابناهما» . وقال تعالى:
إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «2» . وقد اختلف فى المراد بأهل البيت فى هذه الآية.
فروى ابن أبى حاتم عن عكرمة عن ابن عباس قال: نزلت فى نساء النبى- صلى الله عليه وسلم وروى ابن جرير عن عكرمة، أنه كان ينادى فى السوق إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «3» قال: نزلت فى نساء النبى- صلى الله عليه وسلم.
قال الحافظ ابن كثير: وهذا يعنى: ما فى الآية نص فى دخول أزواجه- صلى الله عليه وسلم لأنهن سبب نزول هذه الآية، وسبب النزول داخل فيه قولا واحدا، إما وحده على قول، أو مع غيره على الصحيح. وقيل: المراد النبى- صلى الله عليه وسلم.
(1) سورة الشورى: 23.
(2)
سورة الأحزاب: 33.
(3)
سورة الأحزاب: 33.
قال عكرمة: من شاء باهلته «1» أنها نزلت فى نساء النبى- صلى الله عليه وسلم. فإن كان المراد أنهن كن سبب النزول دون غيرهن ففى هذا نظر فإنه قد ورد فى ذلك أحاديث تدل على أن المراد أعم من ذلك. فروى الإمام أحمد عن واثلة ابن الأسقع أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم جاء ومعه على وحسن وحسين آخذ كل واحد منهما بيده، حتى دخل فأدنى عليّا وفاطمة وأجلسهما بين يديه، وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما على فخذه ثم لف عليهم ثوبه- أو قال: كساءه- ثم تلا هذه الآية إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «2» وقال: «اللهم هؤلاء أهل بيتى، وأهل بيتى أحق» «3» .
زاد فى رواية ابن جرير، فقلت: وأنا يا رسول الله من أهلك، قال: وأنت من أهلى. قال واثلة: وإنها أرجى ما أرتجى.
وعن أم سلمة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم كان فى بيتها، إذ جاءت فاطمة ببرمة فيها خزيرة، فدخلت عليه بها، فقال:«ادعى زوجك وابنيك» قالت:
فجاء على وحسن وحسين فدخلوا عليه، فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة، وتحته كساء، قالت: وأنا فى الحجرة أصلى، فينزل الله عز وجل هذه الآية إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «4» قالت:
فأخذ فضل الكساء فغشاهم به ثم أخرج يده فألوى بها إلى السماء، ثم قال:
«اللهم هؤلاء أهل بيتى وحامتى فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» ، قالت: فأدخلت رأسى من البيت فقلت وأنا معكم يا رسول الله فقال: «إنك
(1) المباهلة: الملاعنة، وهو أن يجتمع القوم إذا اختلفوا فى شىء فيقولوا: لعنة الله على الظالم منا.
(2)
سورة الأحزاب: 33.
(3)
صحيح: والحديث أخرجه الترمذى (3205) فى التفسير، باب: ومن سورة الأحزاب، و (3787) فى المناقب، باب: مناقب أهل بيت النبى- صلى الله عليه وسلم، وأحمد فى «المسند» (4/ 107) ، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن الترمذى» وهو عند الترمذى من حديث عمر بن أبى سلمة- رضى الله عنه-.
(4)
سورة الأحزاب: 33.
إلى خير، إنك إلى خير» «1» . رواه أحمد فى إسناده من لم يسم وبقية إسناده ثقات. وقوله:«حامتى» بالتشديد، أى خاصتى.
وعن أبى سعيد قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «نزلت هذه الآية فى خمسة: فىّ وفى على وحسن وحسين وفاطمة إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «2» » رواه ابن جرير، ورواه أحمد فى المناقب، والطبرانى.
وعن زيد بن أرقم قال: قام فينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:«أما بعد أيها الناس، إنما أنا بشر مثلكم، يوشك أن يأتينى رسول ربى عز وجل فأجيبه، وإنى تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله عز وجل، فيه الهدى والنور، فتمسكوا بكتاب الله عز وجل، وخذوا به» ، وحث فيه ورغب فيه ثم قال:«وأهل بيتى، أذكركم الله عز وجل فى أهل بيتى» ، ثلاث مرات. فقيل لزيد: من أهل بيته؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال:
بلى، إن نساءه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال:
ومن هم؟ قال: هم آل على وال جعفر وآل عقيل وآل العباس. قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم «3» ، خرجه مسلم، و «الثقل» محركة كما فى القاموس كل شىء نفيس مصون، قال: ومنه حديث «إنى تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتى» «4» ، وهى بكسر المهملة وسكون المثناة الفوقية. والأخذ بهذا الحديث أحرى، وليس المراد بالأهل الأزواج فقط، بل هن مع أهله، ولا يشك من تدبر القرآن أن نساء النبى- صلى الله عليه وسلم داخلات فى الآية الكريمة، فإن
(1) صحيح: وقد تقدم فيما قبله.
(2)
سورة الأحزاب: 33.
(3)
صحيح: أخرجه مسلم (2408) فى فضائل الصحابة، باب: من فضائل على بن أبى طالب- رضى الله عنه-.
(4)
صحيح: أخرجه الترمذى (2786) فى المناقب، باب: مناقب أهل بيت النبى- صلى الله عليه وسلم، والطبرانى فى «الكبير» (3/ 66) من حديث جابر- رضى الله عنه-، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن الترمذى» .
سياق الكلام معهن، ولهذا قال بعد هذا كله وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ»
. وهذا اختيار ابن عطية بعد أن نقل أن الجمهور على أنّهم: على وفاطمة والحسن والحسين. قال: وحجة الجمهور قوله تعالى:
عَنْكُمُ، وَيُطَهِّرَكُمْ «2» ب «الميم» ولو كان للنساء خاصة لقال: عنكن.
وأجيب أن الخطاب بلفظ التذكير وقع على سبيل التغليب. فيكون المراد به كالمراد ب «آل» فى حديث كيفية الصلاة عليه السابق ذكره، على قول من فسره به، كما قدمته مع غيره قريبا فى الفصل السابق، والله أعلم. ولله در القائل:
يا آل بيت رسول الله حبكم
…
فرض من الله فى القرآن أنزله
يكفيكم من عظيم الفضل أنكم
…
من لم يصل عليكم لا صلاة له
وأخرج أحمد عن أبى سعيد معنى حديث زيد بن أرقم السابق مرفوعا بلفظ: «إنى أوشك أن أدعى فأجيب، وإنى تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتى، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتى أهل بيتى، وإن اللطيف الخبير أخبرنى أنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض، فانظروا بماذا تخلفونى فيهما» «3» وعترة الرجل- كما قاله الجوهرى-: أهله ونسله، ورهطه الأدنون، أى الأقارب. وعن أبى بكر الصديق- رضى الله عنه- أنه قال:(يا أيها الناس ارقبوا محمدا فى أهل بيته)«4» رواه البخارى. والمراقبة للشىء:
المحافظة عليه، يقول: احفظوهم فلا تؤذوهم.
وقال أبو بكر الصديق- رضى الله عنه- كما فى البخارى أيضا- (لقرابة رسول
(1) سورة الأحزاب: 34.
(2)
سورة الأحزاب: 33.
(3)
أخرجه أحمد فى «المسند» (3/ 14 و 17 و 26 و 59) ، من حديث أبى سعيد الخدرى- رضى الله عنه-.
(4)
صحيح: أخرجه البخارى (3713) فى فضائل الصحابة، باب: مناقب قرابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم.
الله- صلى الله عليه وسلم أحب إلىّ أن أصل من قرابتى) «1» وهذا قاله على سبيل الاعتذار لفاطمة من منعه إياها ما طلبته منه من تركة النبى- صلى الله عليه وسلم، وقد جرى منه على موجب الإيمان، لأنه- صلى الله عليه وسلم شرط الأحبية فيه على النفس والمال والولد، كما ذكرته فى الفصل الأول من هذا المقصد. ثم إنه- صلى الله عليه وسلم أثبت لأقاربه ما أثبت لنفسه من ذلك فقال:«من أحبهم فبحبى أحبهم» «2» وحثنا على ذلك شفقة منه علينا- صلوات الله وسلامه عليه وعليهم-، ولقد أحسن القائل:
رأيت ولائى آل طه فريضة
…
على رغم أهل البعد يورثنى القربى
فما طلب المبعوث أجرا على الهدى
…
بتبليغه إلا المودة فى القربى
وفى الترمذى- وقال: حديث حسن غريب-: «أحبوا الله لما يغذوكم به، وأحبونى بحب الله، وأحبوا أهل بيتى بحبى» «3» . وفى المناقب لأحمد: من أبغض أهل البيت فهو منافق. وروى ابن سعد: من صنع إلى أحد من أهل بيتى معروفا، فعجز عن مكافأته فى الدنيا، فأنا المكافىء له فى يوم القيامة.
والمراد بالقرابة من ينتسب إلى جده الأقرب، وهو عبد المطلب، ممن صحب النبى- صلى الله عليه وسلم، أو رآه من ذكر وأنثى، وهم:
* على وأولاده: الحسن والحسين ومحسن وأم كلثوم من فاطمة- رضى الله عنها-.
* وجعفر بن أبى طالب وأولاده: عبد الله، وعون، ومحمد، ويقال إنه كان لجعفر بن أبى طالب ابن اسمه أحمد.
(1) صحيح: أخرجه البخارى (3712) فيما سبق.
(2)
ضعيف: أخرجه الترمذى (3862) فى المناقب، باب: رقم (59) ، وأحمد فى «المسند» (4/ 87) و (5/ 54 و 57) ، وابن حبان فى «صحيحه» (7256) ، إلا أن الحديث ضعفه الشيخ الألبانى «ضعيف الجامع» (1160) .
(3)
ضعيف: أخرجه الترمذى (3789) فى المناقب، باب: مناقب أهل بيت النبى- صلى الله عليه وسلم والحاكم فى «المستدرك» (3/ 162) ، والطبرانى فى «الكبير» (3/ 46) ، من حديث ابن عباس- رضى الله عنهما-، والحديث ضعفه الشيخ الألبانى فى «ضعيف سنن الترمذى» .
* وعقيل بن أبى طالب، وولده مسلم بن عقيل.
* وحمزة بن عبد المطلب، وأولاده: يعلى، وعمارة، وأمامة.
* والعباس بن عبد المطلب، وأولاده الذكور العشرة، وهم: الفضل، وعبد الله، وقثم، وعبيد الله، والحارث، ومعبد، وعبد الرحمن، وكثير، وعون، وتمام، وفيه يقول العباس- رضى الله عنه-:
تموا بتمام فصاروا عشرة
…
يا رب فاجعلهم كراما بررة
ويقال: إن لكل منهم رؤية، وكان له من الإناث: أم حبيبة، وآمنة، وصفية، وأكثرهم من لبابة أم الفضل.
* ومعتب بن أبى لهب، والعباس بن أبى لهب «1» ، وكان زوج آمنة بنت العباس.
* وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب، وأخته ضباعة، وكانت زوج المقداد بن الأسود.
* وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وابنه جعفر.
* ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وابناه: المغيرة والحارث، ولعبد الله بن الحارث هذا رؤية. وكان يلقب «ببة» بموحدتين، الثانية ثقيلة.
* وأميمة وأروى وعاتكة وصفية بنات عبد المطلب، أسلمت صفية وصحبت، وفى الباقيات خلاف، والله أعلم.
وفى البخارى من حديث سعد بن أبى وقاص أن النبى- صلى الله عليه وسلم قال لعلى: «أنت منى بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبى بعدى» «2» وفى لفظ آخر (أما ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى) أى نازلا منى منزلة هارون من موسى. والباء زائدة.
(1) هو: العباس بن عتبة بن أبى لهب، وقد نسبه المصنف لجده بدلا من أبيه.
(2)
صحيح: أخرجه البخارى (3706) فى فضائل الصحابة، باب: مناقب على بن أبى طالب القرشى الهاشمى- رضى الله عنه-، ومسلم (2404) فى فضائل الصحابة، باب: من فضائل على- رضى الله عنه-.
وقال الطيبى: معنى الحديث: أنت متصل بى نازل منى منزلة هارون من موسى. وفيه تشبيه مبهم بينه بقوله: (إلا أنه لا نبى بعدى)«1» فعرف أن الاتصال بينهما ليس من جهة النبوة، بل من جهة ما دونها وهو الخلافة، ولما كان هارون المشبه به، إنما كان خليفة فى حياة موسى، دل ذلك على تخصيص خلافة على النبى- صلى الله عليه وسلم بحياته والله أعلم. وأما ما استدل به من هذا الحديث على استحقاق على للخلافة دون غيره من الصحابة، فإن هارون كان خليفة موسى، فأجيب: بأن هارون لم يكن خليفة موسى إلا فى حياته لا بعد موته، لأنه مات قبل موسى باتفاق. أشار إلى ذلك الخطابى.
وأما حديث الترمذى والنسائى «من كنت مولاه فعلى مولاه» «2» فقال الشافعى: يعنى بذلك ولاء الإسلام، كقوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ «3» وقول عمر: أصبحت مولى كل مؤمن، أى ولى كل مؤمن. وطرق هذا الحديث كثيرة جدّا، استوعبها ابن عقدة فى كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان.
وروى أنه- صلى الله عليه وسلم قال: «من آذى عليّا فقد آذانى» «4» خرجه أحمد.
وأخرج المخلص الذهبى: «من أحب عليّا فقد أحبنى» . وقد ذكر النقاش: أن قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا «5» نزلت فى على: وقال محمد ابن الحنفية: لا تجد مؤمنا إلا وهو يحب عليّا وأهل بيته. وقال أبو حيان فى «البحر» : ومن الغريب ما أنشدنا الإمام اللغوى رضى الدين أبو عبد الله بن يوسف الأنصارى الشاطبى لزبينا بن إسحاق النصرانى الرسعنى:
(1) صحيح: وقد تقدم، وهى رواية مسلم السابقة.
(2)
صحيح: أخرجه الترمذى (3713) فى المناقب، باب: مناقب على بن أبى طالب- رضى الله عنه-، من حديث أبى سريحة، أو زيد بن أرقم- رضى الله عنهما-، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح الجامع» (6523) .
(3)
سورة محمد: 11.
(4)
أخرجه أحمد فى «المسند» (3/ 483) ، والحاكم فى «المستدرك» (3/ 133) .
(5)
سورة مريم: 96.
عدى وتيم لا أحاول ذكرهم
…
بسوء ولكنى محب لهاشم
وما يعترينى فى على ورهطه
…
إذا ذكروا فى الله لومة لائم
يقولون ما بال النصارى تحبهم
…
وأهل النهى من أعرب وأعاجم
فقلت لهم أنى لأحسب حبهم
…
سرى فى قلوب الخلق حتى البهائم
وقالت عائشة- رضى الله عنها-: كانت فاطمة أحب الناس إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم، وزوجها أحب الرجال إليه «1» . رواه الترمذى. وفى البخارى:«إن فاطمة بضعة منى، فمن أغضبها أغضبنى» «2» و «البضعة» بفتح الباء الموحدة، وحكى ضمها وكسرها أيضا، وبسكون المعجمة، أى قطعة لحم. واستدل به السهيلى على أن من سبها فإنه يكفر.
وفى الترمذى من حديث أسامة بن زيد- وقال حسن غريب- إنه- صلى الله عليه وسلم قال فى حسن وحسين: «اللهم إنى أحبهما فأحبهما، وأحب من يحبهما» «3» . وخرجه مسلم من حديث أبى هريرة فى الحسن خاصة «4» ، زاد أبو حاتم فما كان أحد أحب إلى من الحسن بعد ما قال- صلى الله عليه وسلم ما قال.
وفى حديث أبى هريرة أيضا عند الحافظ السلفى قال: ما رأيت الحسن ابن على قط إلا فاضت عيناى دموعا، وذلك أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم خرج يوما وأنا فى المسجد فأخذ بيدى واتكأ على حتى جئنا سوق قينقاع، فنظر فيه ثم رجع حتى جلس فى المسجد ثم قال:«ادع ابنى» ، قال: فأتى الحسن بن
(1) منكر: أخرجه الترمذى (3868) فى المناقب، باب: ما جاء فى فضل فاطمة بنت محمد- صلى الله عليه وسلم، والحاكم فى «المستدرك» (3/ 168) من حديث بريدة، وقال الشيخ الألبانى فى «ضعيف سنن الترمذى» منكر.
(2)
صحيح: وقد تقدم.
(3)
حسن: أخرجه الترمذى (3769) فى المناقب، باب: مناقب الحسن والحسين- رضى الله عنهما-، وابن حبان فى «صحيحه» (6967) ، والحديث حسنه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن الترمذى» .
(4)
صحيح: والحديث أخرجه البخارى (5884) فى اللباس، باب: السخاب للصبيان، ومسلم (2421) فى فضائل الصحابة، باب: فضائل الحسن والحسين- رضى الله عنهما-.
على يشتد حتى وقع فى حجره، فجعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم يفتح فمه، ثم يدخل فمه فى فمه ويقول:«اللهم إنى أحبه فأحبه وأحب من يحبه» «1» ، ثلاث مرات.
وفى الترمذى من حديث أنس، أنه- صلى الله عليه وسلم كان يشمهما ويضمهما إليه، وقال:«من أحبنى وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معى فى درجتى يوم القيامة» «2» ، رواه أحمد، وقال الترمذى:«كان معى فى الجنة» ، وقال:
حديث غريب. وليس المراد بالمعية هنا المعية من حيث المقام، بل من حيث رفع الحجاب، وتقدم نحوه فى قوله تعالى: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ «3» فى المقصد السادس.
وفى حديث أبى زهير بن الأرقم عن رجل من الأزد أنه- صلى الله عليه وسلم قال فى الحسن «من أحبنى فليحبه، فيبلغ الشاهد الغائب» . وفى البخارى: «هما ريحانتاى من الدنيا» «4» . وكان- صلى الله عليه وسلم يمص لسان الحسن أو شفته «5» ، رواه أحمد.
وعن عقبة بن الحارث قال: رأيت أبا بكر، وحمل الحسن وهو يقول:
بأبى شبيه بالنبى، ليس شبيها بعلى. وعلى يضحك «6» . وعن محمد بن
(1) صحيح: وهو رواية مسلم (2421)(57) السابقة دون ذكر ثلاث مرات.
(2)
ضعيف: أخرجه الترمذى (3733) فى المناقب، باب: مناقب على بن أبى طالب- رضى الله عنه-، وأحمد فى «المسند» (1/ 77) من حديث على- رضى الله عنه-، وليس أنس كما ذكر المصنف، والحديث ضعفه الشيخ الألبانى فى «ضعيف سنن الترمذى» .
(3)
سورة النساء: 69.
(4)
صحيح: أخرجه البخارى (3753) فى فضائل الصحابة، باب: مناقب الحسن والحسين- رضى الله عنهما-، من حديث ابن عمر- رضى الله عنهما-.
(5)
أخرجه أحمد فى «المسند» (4/ 93) ، من حديث معاوية- رضى الله عنه-.
(6)
صحيح: أخرجه البخارى (3542) فى المناقب، باب: صفة النبى- صلى الله عليه وسلم، وهو فى «صحيح البخارى» ، بلفظ (شبيه) بدل (شبيها) على أن (ليس) حرف عطف، وهو مذهب كوفى.
سيرين عن أنس: كان- يعنى الحسين- أشبههم برسول الله- صلى الله عليه وسلم «1» .
رواهما البخارى.
وعنده عن رواية الزهرى عن أنس (لم يكن أحد أشبه بالنبى- صلى الله عليه وسلم من الحسن بن على)«2» وهذا قد يعارضه قول على فى صفة النبى- صلى الله عليه وسلم:
«لم أر قبله ولا بعده مثله» ، أخرجه الترمذى فى الشمائل كما تقدم فى المقصد الثالث، وأجيب: بأن يحمل النفى على عموم الشبه، والإثبات على معظمه.
وقول أنس: (لم يكن أحد أشبه بالنبى- صلى الله عليه وسلم من الحسن بن على) قد يعارض رواية ابن سيرين عنه السابقة (كان الحسين- يعنى بالياء- أشبههم بالنبى- صلى الله عليه وسلم) ويمكن الجمع بأن يكون أنس قال ما وقع فى رواية الزهرى فى حياة الحسن، لأنه كان يومئذ أشد شبها بالنبى- صلى الله عليه وسلم من أخيه الحسين. وأما ما وقع فى رواية ابن سيرين فكان بعد ذلك، أو المراد بمن فضل عليه الحسين فى الشبه، كان من عدا الحسن، ويحتمل أن يكون كل منهما كان أشد شبها به فى بعض أعضائه، فقد روى الترمذى وابن حبان من طريق هانئ بن هانئ عن على قال: الحسن أشبه رسول الله- صلى الله عليه وسلم ما بين الرأس إلى الصدر، والحسين أشبه النبى- صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك «3» .
وقد عدوا من كان له شبه بالنبى- صلى الله عليه وسلم سوى الحسن والحسين جعفر بن أبى طالب، وقد قال- صلى الله عليه وسلم لجعفر:«أشبهت خلقى وخلقى» «4» قال الترمذى: حسن صحيح. وابنه عبد الله بن جعفر. وقثم بن العباس بن عبد المطلب. وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب. ومسلم بن عقيل بن
(1) صحيح: أخرجه البخارى (3748) فى فضائل الصحابة، باب: مناقب الحسن والحسين- رضى الله عنهما-.
(2)
صحيح: أخرجه البخارى (3752) فيما سبق.
(3)
ضعيف: أخرجه الترمذى (3779) فى المناقب، باب: رقم (109) ، وأحمد فى «المسند» (1/ 99) ، والحديث ضعفه الشيخ الألبانى فى «ضعيف سنن الترمذى» .
(4)
صحيح: أخرجه الترمذى (3765) فى المناقب، باب: مناقب جعفر بن أبى طالب- رضى الله عنه-، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن الترمذى» .
أبى طالب. ومن غير بنى هاشم: السائب بن يزيد المطلبى، الجد الأعلى للإمام الشافعى. وعبد الله بن عامر بن كريز- بضم الكاف وفتح الراء- وكابس بن ربيعة رجل من أهل البصرة، وجه إليه معاوية، وقبله بين عينيه وأقطعه قطيعة، وكان أنس إذا رآه بكى. فهؤلاء عشرة، ونظمهم شيخ الإسلام الحافظ أبو الفضل ابن حجر فقال:
شبه النبى لعشر سائب وأبى
…
سفيان والحسنين الطاهرين هما
وجعفر وابنه ثم ابن عامرهم
…
ومسلم كابس يتلوه مع قثما
وعدهم بعضهم: سبعة وعشرين. وممن كان يشبهه أيضا: فاطمة ابنته، وإبراهيم ولده. وولدا جعفر، عبد الله- السابق ذكره- وأخوه عون. وكان يشبهه أيضا من أهل البيت غير هؤلاء: إبراهيم بن الحسين بن الحسن بن على ابن أبى طالب. ويحيى بن القاسم بن محمد بن جعفر بن على بن الحسين ابن على، وكان يقال له: الشبيه. قال الشريف محمد بن أسعد النسابة فى الزورة الأنيسة لمشهد السيدة نفيسة أنه كان ليحيى هذا موضع خاتم النبوة شامة قدر بيضه الحمامة، تشبه خاتم النبوة، وكان إذا دخل الحمام ورآه الناس صلوا على النبى- صلى الله عليه وسلم وازدحموا عليه يقبلون ظهره تبركا، ولذا وصف بالشبيه.
والقاسم بن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبى طالب. وعلى بن على بن نجاد بن رفاعة الرفاعى، شيخ بصرى من أتباع التابعين. والمراد بالشبه هنا، الشبه فى البعض، وإلا فتمام حسنه- صلى الله عليه وسلم منزه عن الشريك، كما قال الأبوصيرى- رحمه الله وأجاد:
منزه عن شريك فى محاسنه
…
فجوهر الحسن فيه غير منقسم
كما أشرت إليه فى أول المقصد الثالث.
وقد أطلت المقال، وإنما جرنى إلى ذلك ذكر حمل الصديق للحسن على عاتقه، المشعر بالإكرام من أفضل البشر بعد النبيين، لأهل البيت المحمدى، وحملهم على الأعناق، ولا سيما مع قوله- رضى الله عنه- لقرابة رسول
الله- صلى الله عليه وسلم أحب إلى أن أصل من قرابتى «1» ، فلما تضمن هذا الحديث ذلك الشبه الكريم جرنى الكلام إليه، وهذا وقع لى كثير فى هذا المجموع لكنه لا يخلو عن فرائد الفوائد.
وقد روى أنه- صلى الله عليه وسلم قال: «العباس بن عبد المطلب منى وأنا منه، لا تؤذوا العباس فتؤذنى، من سب العباس فقد سبنى» «2» أخرجه البغوى فى معجمه. وقال- صلى الله عليه وسلم للعباس أيضا: «والذى نفسى بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله» ، ثم قال:«أيها الناس، من آذى عمى فقد آذانى، فإنما عم الرجل صنو أبيه» «3» رواه الترمذى وقال: حسن صحيح.
وفى قوله: «لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم» الإشارة إلى الإيمان الحقيقى المنجى، وهو التصديق القلبى، وبين المحبة والإيمان ارتباط من جهة أن المحبة ميل القلب إلى المحبوب، والإيمان التصديق القلبى، فيجتمعان فى القلب، وجعلهما متلازمين، فيلزم من نفى أحدهما نفى الآخر، ثم علل هذه المحبة بكونها لله ولرسوله، فلا عبرة بمحبة تكون لغير ذلك، ثم جعل أذاه كأذى نفسه، لأنه عضوه وعصبه، ثم عظم مقامه بتنزيله منزلة الأب، فكما أنه يجب على الولد تعظيم والده والقيام بحقوقه فكذلك عمه، فقال:
«وإنما عم الرجل صنو أبيه» وهو بكسر الصاد المهملة وسكون النون، أى:
مثل أبيه، قال ابن الأثير: وأصله أن تطلع نخلتان من عرق واحد، يريد أن أصل العباس وأصل أبى واحد، انتهى.
وجلله- صلى الله عليه وسلم وبنيه بكساء ثم قال: «اللهم اغفر للعباس وولده مغفرة ظاهرة وباطنة لا تغادر ذنبا، اللهم احفظه فى ولده» «4» رواه الترمذى وقال:
(1) صحيح: وقد تقدم قريبا.
(2)
أخرجه ابن عساكر عن ابن عباس، كما فى «كنز العمال» (33407) .
(3)
ضعيف: أخرجه الترمذى (3758) فى المناقب، باب: مناقب العباس بن عبد المطلب- رضى الله عنه-، وأحمد فى «المسند» (1/ 207) و (4/ 165) والحديث ضعفه الشيخ الألبانى إلا طرفه الأخير.
(4)
حسن: أخرجه الترمذى (3762) فيما سبق، والحديث حسنه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن الترمذى» .
حسن غريب. وبين ابن السرى فى روايته: أن بنيه الذين جللوا بالكساء كانوا ستة: الفضل وعبد الله وعبيد الله وقثم ومعبد وعبد الرحمن. قال: وغطاهم بشملة له سوداء مخططة بحمرة وقال: «اللهم إن هؤلاء أهل بيتى وعترتى فاسترهم من النار كسترهم بهذه الشملة» قال: فلم يبق فى البيت مدرة ولا باب إلا أمن.
وروى أنه- صلى الله عليه وسلم قال لعقيل بن أبى طالب: «إنى أحبك حبين، حبّا لقرابتك منى، وحبّا لما كنت أعلم من حب عمى لك» »
قال الطبرى: أخرجه أبو عمر، والبغوى. وروى الدارقطنى أنه- صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين:«أبو سفيان ابن الحارث خير أهلى، أو من خير أهلى» «2» . وأخرج الحاكم وصححه عن أبى سعيد: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال: «لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار» «3» .
اعلم أنه قد اشتهر استعمال أربعة ألفاظ يوصفون بها:
الأولى: آله- عليه الصلاة والسلام.
والثانية: أهل بيته.
والثالثة: ذوو القربى.
والرابعة: عترته.
فأما الأولى: فذهب قوم إلى أنهم هم أهل بيته، وقال آخرون: هم الذين حرمت عليهم الصدقة وعوضوا عنها خمس الخمس، وقال قوم: من دان بدينه وتبعه فيه.
وأما اللفظة الثانية، وهى أهل بيته، فقيل من ناسبه إلى جده الأدنى، وقيل من اجتمع معه فى رحم، وقيل من اتصل به بنسب أو سبب.
(1) أخرجه الحاكم (3/ 667) عن أبى إسحاق مرسلا، وعن حذيفة موصولا.
(2)
أخرجه الطبرانى فى «الكبير» (22/ 327) ، ولم أجده عند الدارقطنى.
(3)
أخرجه الحاكم فى «المستدرك» (3/ 162) و (4/ 392) .
وأما اللفظة الثالثة: وهى ذوو القربى، فروى الواحدى فى تفسيره بسنده عن ابن عباس قال: لما نزل قوله تعالى: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى «1» قالوا: يا رسول الله، من هؤلاء الذين أمرنا الله تعالى بمودتهم؟ قال:«على وفاطمة وابناهما» .
وأما اللفظة الرابعة: وهى عترته، فقيل العشيرة، وقيل الذرية، فأما العشيرة فهى الأهل الأولون، وأما الذرية: فنسل الرجل، وأولاد بنت الرجل ذريته، ويدل عليه قوله تعالى: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ إلى قوله:
وَعِيسى «2» ، ولم يتصل عيسى بإبراهيم إلا من جهة أمه مريم.
فهذه الذرية الطاهرة، قد خصوا بمزايا التشريف، وعموا بواسطة السيدة فاطمة بفضل منيف، وألبسوا رداء الشرف، ومنحوا بمزيد الإكرام والتحف.
وقد وقع الاصطلاح على اختصاصهم من بين ذوى الشرف كالعباسيين والجعافرة بالشطفة الخضراء، لمزيد شرفهم.
والسبب فى ذلك- كما قيل- أن المأمون أراد أن يجعل الخلافة فى بنى فاطمة فاتخذ لهم شعارا وألبسهم ثيابا خضرا- لكون السواد شعار العباسيين، والبياض شعار سائر المسلمين فى جمعهم ونحوها، والأحمر مختلف فى كراهته، والأصفر شعار اليهود باخرة. ثم انثنى عزمه عن ذلك، ورد الخلافة لبنى العباس، فبقى ذلك شعار الأشراف العلويين من الزهراء، لكنهم اختصروا الثياب إلى قطعة من ثوب أخضر توضع على عمائمهم شعارا لهم ثم انقطع ذلك إلى أواخر القرن الثامن.
قال فى حوادث سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة من «أنباء الغمر بأبناء العمر» : وفيها أمر السلطان الأشرف أن يمتازوا عن الناس بعصائب خضر على العمائم، ففعل ذلك بمصر والشام وغيرهما، وفى ذلك يقول الأديب أبو عبد الله بن جابر الأندلسى:
(1) سورة الشورى: 23.
(2)
سورة الأنعام: 84، 85.