الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بقوله، ولا يعارض نصه بقياس، بل تهدر الأقيسة وتلقى لنصوصه، ولا يحرف كلامه عن حقيقته لخيال مخالف، يسميه أصحابه معقولا، نعم هو مجهول وعن الصواب معزول، ولا يتوقف قبول ما جاء به على موافقة أحد، فكل هذا من قلة الأدب معه، وهو عين الجراءة عليه.
ورأس الأدب معه- صلى الله عليه وسلم كمال التسليم له والانقياد لأمره، وتلقى خبره بالقبول والتصديق دون أن يحمله معارضة خيال باطل يسميه صاحبه معقولا، أو يسميه شبهة، أو شكّا، أو يقدم عليه آراء الرجال وزبالات أذهانهم، فيوحد التحكيم والتسليم والانقياد والإذعان، كما وحد المرسل بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل، فهما توحيدان لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما، توحيد المرسل، وتوحيد متابعة الرسول، فلا يتحاكم إلى غيره، ولا يرضى بحكم غيره، انتهى ملخصا من «المدارج» والقرآن مملوء بالآيات المرشدة إلى الأدب معه- صلى الله عليه وسلم فلتراجع.
النوع التاسع فى آيات تتضمن رده تعالى بنفسه المقدسة على عدوه ص ترفيعا لشأنه
قال الله تعالى: ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (1) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ «1» لما قال المشركون: يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ «2» ، أجاب تعالى عنه عدوه بنفسه من غير واسطة، وهكذا سنة الأحباب، فإن الحبيب إذا سمع من يسب حبيبه تولى بنفسه- منتصرا له- جوابه، فهنا تولى الحق سبحانه وتعالى جوابهم بنفسه منتصرا له، لأن نصرته تعالى أتم من نصرته وأرفع لمنزلته، ورده أبلغ من رده وأثبت فى ديوان مجده.
(1) سورة القلم: 1، 2.
(2)
سورة الحجر: 6.
فأقسم تعالى بما أقسم به من عظيم آياته على تنزيه رسوله وحبيبه وخليله مما غمصته أعداؤه الكفرة به وتكذيبهم له بقوله: ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ «1» وسيعلم أعداؤه المكذبون له أيهم المفتون، هو أو هم؟ وقد علموا هم والعقلاء ذلك فى الدنيا، ويزداد علمهم به فى البرزخ، وينكشف ويظهر كل الظهور فى الآخرة بحيث يتساوى الخلق كلهم فى العلم به. وقال تعالى: وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ» .
ولما رأى العاصى بن وائل السهمى النبى- صلى الله عليه وسلم يخرج من المسجد وهو يدخل فالتقيا عند باب بنى سهم وتحدثا، وأناس من صناديد قريش جلوس فى المسجد، فلما دخل العاصى قالوا: من ذا الذى كنت تحدث معه، قال:
ذلك الأبتر، يعنى النبى- صلى الله عليه وسلم، وكان قد توفى ابن لرسول الله- صلى الله عليه وسلم من خديجة، فرد الله تعالى عليه، وتولى جوابه بقوله: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ «3» أى عدوك ومبغضك هو الذليل الحقير.
ولما قالوا: أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً «4» قال الله تعالى: بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ «5» . ولما قالوا: لَسْتَ مُرْسَلًا «6» أجاب الله تعالى عنه فقال: يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ «7» . ولما قالوا: أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ «8» رد الله تعالى عليهم فقال: بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ «9» فصدقه ثم ذكر
(1) سورة القلم: 2.
(2)
سورة التكوير: 22.
(3)
سورة الكوثر: 3.
(4)
سورة سبأ: 8.
(5)
سورة سبأ: 8.
(6)
سورة الرعد: 43.
(7)
سورة يس: 1- 3.
(8)
سورة الصافات: 36.
(9)
سورة الصافات: 37.
وعيد خصمائه فقال: إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ «1» ولما قالوا: أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ «2» رد الله تعالى عليهم بقوله: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ «3» .
ولما حكى الله عنهم قولهم: إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ «4» سماهم الله تعالى كاذبين بقوله: فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً «5» .
قال: قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ «6» . ولما قالوا: يلقيه إليه شيطان قال الله تعالى: وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ «7» الآية ولما تلا عليهم نبأ الأولين قال النضر بن الحارث لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ «8» قال الله تعالى: تكذيبا لهم قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ «9» .
ولما قال وليد بن المغيرة: إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ «10» قال الله تعالى: كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ «11» تسلية له- عليه الصلاة والسلام. ولما قالوا: محمد قلاه ربه، رد الله تعالى عليهم بقوله: ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى «12» .
(1) سورة الصافات: 38.
(2)
سورة الطور: 30.
(3)
سورة يس: 69.
(4)
سورة الفرقان: 4.
(5)
سورة الفرقان: 4.
(6)
سورة الفرقان: 6.
(7)
سورة الشعراء: 210.
(8)
سورة الأنفال: 31.
(9)
سورة الإسراء: 88.
(10)
سورة المدثر: 24، 25.
(11)
سورة الذاريات: 52.
(12)
سورة الضحى: 3.
ولما قالوا: مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ «1» قال الله تعالى: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ «2» . ولما حسدته أعداء الله اليهود على كثرة النكاح والزوجات، وقالوا: ما همته إلا النكاح، رد الله تعالى عليهم عن رسوله ونافح عنه فقال:
أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً «3» .
ولما استبعدوا أن يبعث الله رسولا من البشر بقولهم الذى حكى الله عنهم: وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا «4» وجهلوا أن التجانس يورث التانس، وأن التخالف يورث التباين.
قال الله تعالى: قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا «5» أى لو كانوا ملائكة لوجب أن يكون رسولهم من الملائكة، لكن لما كان أهل الأرض من البشر وجب أن يكون رسولهم من البشر.
فما أجل هذه الكرامة، وقد كانت الأنبياء إنما يدافعون عن أنفسهم، ويردون على أعدائهم، كقول نوح- عليه الصلاة والسلام: يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ «6» . وقول هود لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ «7» وأشباه ذلك.
(1) سورة الفرقان: 7.
(2)
سورة الفرقان: 20.
(3)
سورة النساء: 54.
(4)
سورة الإسراء: 94.
(5)
سورة الإسراء: 95.
(6)
سورة الأعراف: 61.
(7)
سورة الأعراف: 67.