الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذه الأمور الثلاثة متلازمة، فمتى ثبت أن الرسول حق، ثبت أن القرآن حق، وثبت المعاد، ومتى ثبت أن القرآن حق ثبت صدق الرسول الذى جاء به، ومتى ثبت أن الوعد والوعيد حق ثبت صدق الرسول الذى جاء به.
وفى هذا النوع خمسة فصول.
الفصل الأول فى قسمه تعالى على ما خصه به من الخلق العظيم وحباه من الفضل العميم
قال الله تعالى: ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (1) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ «1» .
ن «2» من أسماء الحروف ك الم «3» والمص «4» وق «5» .
واختلف فيها، فقيل هى أسماء للقرآن، وقيل: أسماء للسور. وقيل:
أسماء لله، ويدل عليه أن عليّا- رضى الله عنه- كان يقول: يا كهيعص «6» ، يا حم (1) عسق «7» كما قيل، ولعله أراد يا منزلهما. وقيل: إنه سر استأثر الله بعلمه، وقد روى عن الخلفاء الأربعة وغيرهم من الصحابة ما يقرب منه، ولعلهم أرادوا أنها أسرار بين الله ورسوله، لم يقصد بها إفهام غيره، إذ يبعد الخطاب بما لا يفيد.
وهل المراد بقوله تعالى: «ن» اسم الحوت، وهل المراد به الجنس، أو البهموت وهو الذى عليه الأرض؟
(1) سورة القلم: 1- 4.
(2)
سورة القلم: 1.
(3)
سورة البقرة: 1.
(4)
سورة الأعراف: 1.
(5)
سورة ق: 1.
(6)
سورة مريم: 1.
(7)
سورة الشورى: 1، 2.
وقيل: المراد به الدواة وهو مروى عن ابن عباس، ويكون هذا قسما بالدواة والقلم، فإن المنفعة بهما بسبب الكتابة عظيمة، فإن التفاهم تارة يحصل بالنطق، وتارة بالكتابة.
وقيل: إن «ن» لوح من نور تكتب فيه الملائكة ما يأمرهم به الله. رواه معاوية بن قرة مرفوعا. والحق أنه اسم للسورة، وأقسم الله تعالى بالكتاب وآلته وهو القلم الذى هو إحدى آياته وأول مخلوقاته الذى جرى به قدره وشرعه، وكتب به الوحى، وقيد به الدين، وأثبتت به الشريعة، وحفظت به العلوم، وقامت به مصالح العباد فى المعاش والمعاد، وقام فى الناس أبلغ خطيب وأفصحه وأنفعه لهم وأنصحه، وواعظا تشفى مواعظه القلوب من السقم، وطبيبا يبرئ بإذن بارئه من أنواع الألم على تنزيه نبيه ورسوله محمد المحمود فى كل أفعاله وأقواله مما غمصته أعداؤه الكفرة به، وتكذيبهم له بقوله تعالى: ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ «1» .
وكيف يرمى بالجنون من أتى بما عجزت العقلاء قاطبة عن معارضته، وكلّت عن مماثلته، وعرّفهم من الحق ما لا تهتدى إليه عقولهم، بحيث أذعنت له عقول العقلاء، وخضعت له ألباب الألباء، وتلاشت فى جنب ما جاء به، بحيث لم يسعها إلا التسليم له، والانقياد والإذعان طائعة مختارة، فهو الذى كمل عقولها كما يكمل الطفل برضاع الثدى.
ثم أخبر تعالى عن كمال حالتى نبيه- صلى الله عليه وسلم فى دنياه وآخرته فقال:
وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ «2» أى: ثوابا غير منقطع، بل هو دائم مستمر، ونكر الأجر للعظيم، أى أجرا عظيما لا يدركه الوصف ولا يناله التعبير.
ثم أثنى عليه بما منحه فقال: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ «3» وهذه من أعظم آيات نبوته ورسالته، ولقد سئلت عائشة- رضى الله عنها- عن خلقه- صلى الله عليه وسلم فقالت:«كان خلقه القرآن» ومن ثم قال ابن عباس وغيره: أى على دين
(1) سورة القلم: 2.
(2)
سورة القلم: 3.
(3)
سورة القلم: 4.